شرح كتاب تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب - 02

تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب
للاستماع إلى الدرس

الدرس الثاني للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في كتاب: تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب للشيخ محمد أمين الكردي الإربيلي ، في قاعة هلال نشر، في طشقند - مساء الثلاثاء 21 شوال 1445هـ .

نص الدرس مكتوب:

الباب الأول

في الإلهيات وهي المسائل التي يبحث فيها عما يتعلق بالإلّه

 

"يجب على كل مكلَّف أن يعرف الواجب والمستحيل والجائز في حق مولانا تعالى .

والمكلَّف هو: البالغ العاقل سليم الحواس ولو السمع أو البصر، الذي بلغته دعوة النبي ﷺ ذكراً كان أو أنثى حُرّاً أو عبداً أو إنسياً أو جنيّاً، لكن الجن مكلفون من حين الخلقة كآدم وحواء.

والمعرفة هي: الجزم المطابق للواقع عن دليل.

فيجب علينا معاشر البلَّغ العقلاء أن نعرف ما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز عليه إجمالاً وتفصيلاً.

فالإجمَال أن نعتقد أن الله تعالى متصف بكل كمال ومنزَّه عن كل نقص، وجائز عليه فعل كل ممكن أو تركه.

والتفصيل أن نعرف من ذلك ما دل عليه دليل بعينه.

فالواجب له تعالى عشرون صفة بمعنى أنه لا يدخل في عقل عاقل عدم اتصافه تعالى بها، ولايسلِّمه لما يلزم عليه من المحالات والأباطيل .

والمستحيل عليه تعالى عشرون صفة أيضاً، وهي أضداد العشرين الواجبة له تعالى .

فأما الواجبة له تعالى فهي: الوجود، والقدم، والبقاء، ومخالفته للحوادث، وقيامه بنفسه، والوحدانية والقدرة والإرادة والعلم والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، وكونه قادراً، وكونه مريداً، وكَونه عالماً، وكَونه حيّاً، وكَونه سميعاً، وكونه بصيراً، وكونه متكلماً.

وأما أضدادها العشرون المستحيلة عليه تعالى فهي العدم والحدوث، والفناء، والمماثلة لشيء من الحوادث واحتياجه إلى محل أو مخصص والتعدد، والعجز عن ممكن ما، والكَراهة والجهل والموت، والصمم والعمى والبكم، وكونه عاجزاً، وكَونه كارهاً، وكونه جاهلاً، وكونه ميتاً، وكونه أصم، وكونه أعمى، وكونه أبكم، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

وإليك تعريف كل صفة ودليلها عقلاً ونقلاً:..."

 

ابتدأ الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- يتكلم في الإلهيات، المسائل التي يبحث فيها عن مايتعلق بالإله -جلَّ جلاله- بعد أن بين لنا أحكام العقل الثلاثة، كَوْن مثلا في العقل؛ كوْن السماء فوق والأرض تحت، هذا من الواجبات التي ما يُتصور عدمها.. 

وكون الإنسان مثلا أو الأجسام -أي جسم- إما متحرك وإما ساكن فهذا لازم أحد الأمرين، ولكن اجتماع الحركة والسكون في وقت واحد هذا مستحيل في العقل، لا يقبل العقل أن يكون الجسم الواحد في الوقت الواحد ساكن ومتحرك، فإما أن يكون متحركا وإما أن يكون ساكنا، فكونه متحرك أو ساكن جائز أن يكون متحرك أو ساكن.. ووجود أحدهما واجب من الواجبات العقلية، بمعنى ما يمكن يوجد جسم لا متحرك ولا ساكن.. كيف لا متحرك ولا ساكن؟ هذا مستحيل.. وجود أحدهما واجب، اجتماعهما مستحيل.. تعيين واحد منهما جائز.. لا يجب أن يكون ساكنا ولا يجب أن يكون مستحيلا كذلك.. كالمرض والصحة، فاجتماعهما معا مستحيل، ووجود أحدهما لا بعينه واجب، وتعيين أحدهما جائز، يجوز أن يكون مريض يجوز أن يكون مستحيل..

وهكذا حكم العقل على الأشياء، لكن الكلام فيما يتعلق بصفات الله -جل جلاله- والواجب له، فهنا هذه المباحث فيه من علوم الإيمان تسمى المباحث الإلهيات، التي يبحث فيها عما يتعلق بالإله: 

  • مما يجب عليه سبحانه وتعالى 
  • مما يجب له 
  • ومما يستحيل عليه 
  • ومما يجوز؛ 

"فيجب على كل مكلَّف أن يعرف الواجب والمستحيل والجائز في حق مولانا تبارك وتعالى.." -لا إله إلا هو-. ومن هنا نعلم أنه قد يُطلق على معرفة الله معرفة صفاته، معرفة صفاته سبحانه وتعالى، ومعرفة أحكامه، وأما المعرفة الإحاطية فهي مستحيلة في حق الإنس والجن والملائكة وجميع الكائنات والمخلوقات، لا يحيطون بصفات الله ولا بذاته ولا بأسمائه ولكن يعلمون منها ما فرض عليهم العلم به سبحانه وتعالى كما قال: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) [البقرة:255]، -جل جلاله وتعالى في علاه- 

إذن يجب على المكلّف.. قال: أن يعرف.. من المكلف؟! قال: "المكلَّف هو: البالغ العاقل سليم الحواس ومن بلغته الدعوة"، إذن فشرُوط التكليف أربعة: 

  • البلوغ 
  • والعقل 
  • وسلامة الحواس 
  • وبلوغ الدعوة 

البلوغ: فما كان قبل البلوغ في طفولة الإنسان فهو غير مكلَّف، بمعنى: 

  • لا يُخاطَب بالأمر والنهي ولا يثاب ولا يعاقب على شيء من المنهيات.. 
  • أما الثواب فقد قال المحقِّقون: الله يثيب -سبحانه وتعالى- المميِّز إذا عمل شيء من الطاعات وإن كان قبل البلوغ، ويثيب والديه كذلك.. كما قال ﷺ للمرأة التي سألته وقد حملت صبيًّا لها وهو متوجهٌ في حجة الوداع، قالت:  يا رسول الله ألهذا حج؟ -طفل صغير- قال: نعم ولك أجر.. فأثْبتَ الحج له والأجرلأمه. 

فمن فضل الله تعالى أن غير المكلَّف من غير البالغين من بني أدم يكتب له الحسنات ولا يكتب عليه سيئات، كما يكتب أيضا مثل هذه الحسنات لوالديه؛ لأبيه وأمه.

والمكلَّف: هو البالغ العاقل؛ فمن كان فاقد العقل من المجانين لا يكون مكلَّفا ولا يُخاطَب، قال ﷺ:  "رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق".

إذًا فلابد من شرط البلوغ، ومن شرط العقل، كذلك سلامة الحواس؛ فقد يبلغ العاقل لكنه أصم أعمى في نفس الوقت، فلا يتأتى أن نفهِّمه ونبلِّغ الدعوة إليه بالبصر؛ لأنه لا يُبصر بالصورة وبالإشارة ما يبصر، ولا بالسمع بالكلام لأنه لا يسمع، بسبب فقد السمع والبصر معًا لم تصل إليه الدعوة فهو غير مكلَّف، لكن بأحدهما يصير مكلفا.. قال: هو خلق أصم لا بأس.. لكنه يرى، فيُبلَّغ بواسطة الإشارة فيكون مُكلفا عند البلوغ، أو خُلق أعمى لكنه يسمع فيكون أيضا مكلفا، كذلك من طرأ عليه الصمم والعمى، قد كان يسمع ويبصر وقد بلغته الدعوة ثم أُصم وأُعمي فهو مكلف، لا يزال مكلفا؛ لأنه قد بلغته الدعوة قبل أن يُصم وقبل أن يعمى.. 

كذلك إن وُجدت وسائل توصِل المعلومة والمعنى إلى الأصم وإلى الأعمى، فإذا وجد عندنا وسائل صرنا نقدر نعلم بها الأعمى الأصم ووجدت هذه الوسائل عنده في زمنه، في مكانه أيضا يصير مكلفا بذلك؛ لأن القصد من سلامة الحواس أن يعلم وأن تصله الدعوة، فإذا وصلته الدعوة بأي وسيلة صار مكلفا، ومن كان عاقلا بالغا وسليم الحواس لكن لم تبلغه الدعوة أصلا لم يصل إليه خبر النبوة والرسالة ولا خبر بعثته ﷺ إلى العالمين، فهذا لا يُخاطب ولا يُكلف لقول الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء:15]، لكن من وصلته الدعوة فأباها فهو المعاقَب.. 

إذًا فالتّكليف له أربع شروط: البلوغ، والعقل، وسلامة الحواس، وبلوغ الدعوة. 

قال: وَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ وَسَلِيمُ الْحَوَاسُ وَلَوْ السَّمَعَ وَالْبَصَرُ الذي بلغته دعوة النبي محمد ﷺ ذكرا كان أو أنثى حرا أو عبدا إنسيا أو جنيا، لكن الجن مكلفون من حين الخلقة كآدم وحواء.. 

سيدنا آدم وحواء ما مروا بمرحلة الطفولة والصِبا، خُلِق بالغ وخُلق عاقل وكذلك سيدتنا حواء خرجت من ضلعِ آدم وخلقها الله بالغة وعاقلة، ما مرُّوا بمرحلة الصبا..

فيقول: إن من كان من الجن كذلك يُخلق، كما نرى نحن الآن أيضًا في الحيوانات من لا يمر بمرحلة تعليم المشي، يخرج من بطن أمه وهو يمشي، بينما ابن آدم ما يقدر يمشي ويقعد مدة حتى يتعلم يحبو، ثم بعدها يتعلم يقوم، ثم يتعلم المشي.. لكن الغنمة والبقرة والجمل يخرج من بطن أمه يمشي مباشرة.. ما يحتاج إلى مدة حتى يتعلم فيها هذا المشي.. فمن كان يُخلق من الجن وهو بالغ، فالحكم إذا وجد البلوغ مع العقل، انتهت مرحلة الصِّبا، وكذلك عدم التمييز.. 

يقول: والمعرفة هي الجزم المطابِق للواقع عن دليل.. يعرّف العلم وتعرّف المعرفة: الجزم المطابق للواقع، أن يجزم، يعني أن يقطع في اعتقاده بشيء هو مطابق للواقع، ومن هنا قالوا عن العلم أنه: العلم بالشيء على حقيقته، أن تعلم الشيء على حقيقته، على واقعه.. فإذاً هذا هو العلم، إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع، هذا هو العلم.. 

عدم الإدراك للشيء يسمى جهلاً، وهو الجهل الذي يقال له بسيط، يعني عدم العلم بشيء.. وتصور الشيء على خلاف ما هو عليه يقال له: جهل مركب، يعتقد ويتصور الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع، يا ليته ما تصوَّر أصلاً.. لو لم يتصور كان من السهل أن يعلم أن الواقع كذا.. لكن تصور الأمر على غير ما هو عليه في الواقع، فهذا يحتاج إلى نفي هذا التصور ونقضه ثم إثبات الصورة الصحيحة، هذا هو الجهل المركب؛ أن يتصور الشيء على خلاف ما هو عليه، على غير الواقع الذي هو عليه.

 وهذا الجهل المركب.. في أزمِنتكم بعضه سمّوه علماً، ونسبوا إليه أنفسهم، ونسبوا أنفسهم إلى العلم الذي هو الجهل المركب.. تُعطى تصوّرات عن الوجود عن العالم على غير الواقع، فمثل جميع الإلحاد وجميع إنكار وجود الحق سبحانه وتعالى جهل، لكن تصوّره هذا واعتقاده هذا جهل مركب، ومن هنا قال شاعرهم يعيبوا على صاحب الجهل المركب: إن الحمار الذي يركبه - الدابة التي يركبها- ليس عندها جهل مركب، لكن غاية الأمر فيما جهلت جهل بسيط، لم تعلم لكنها لم تتصور شيء على خلاف ما هو عليه، بل هي مسبِّحة بحمد ربها تعرف الحقيقة، ولذا قال على لسان هذه الدابة المركوبة -وهو الحمار- قال حمار يسمى نفسه حكيم وهو ماهو حكيم ويتصور الأشياء على خلاف ما هي عليها: 

قال حمار الحكيم يوماً *** لو أنصف الدهر كنت أركب 

لأنني جاهل بسيط *** وصاحبي جاهل مركب

قال لو أنصف الدهر، هو ذا حقه، أن يُركب عليه ليس أنا، لأنه أخس مني وهو كذلك.. قال الله: إِنْ (هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:44]، كما قال الله -جل جلاله-، فالعجب أن الذي يتصور شيء على خلاف ما هو عليه 'جاهل مركب' والأعجب من ذلك أن يكون الجاهل المركب يسعى إلى تركيب هذا الجهل في الخلق، هذه مصيبة كبيرة.. هو يعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه ويريد الناس يعتقدون وينشر هذا الاعتقاد.. والجهل المركب هو حال أهل الضلال وأهل الزيغ في الوجود.. فهم على الجهل المركب..

إذًا فالعلم تصوُّر شيء وإدراك شيء على ما هو عليه في الواقع؛ 

  • هذا العلم هو أول الإيمان، وهو الجزم والاعتقاد بوجود الحق تبارك وتعالى واتصافه بكل كمال وتنزهه عن كل نقص، هذا أول الإيمان، 
  • هذه المعرفة والعلم إذا رسخت وقويت سميَّ يقينا، فأول مراتبه علم اليقين، ولكن وراء ذلك عين اليقين، عين اليقين وراء علم اليقين.. 

فمن علِم بدرسنا هذا وأننا في هذه القاعة عندنا درس فجزَم بذلك، وأخبره واحد واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة، أخبروه بأنه يُعقد الآن درس في هذه القاعة هذا؛ يكتسب علم اليقين -إذا لم يكن عنده شك وجزم بذلك تماما فهو صاحب علم اليقين-لكن: 

  • إذا طلع إلى المكان وأشرف علينا من عند الباب ورآنا في الدرس انتقل من مرحلة علم اليقين إلى عين اليقين صاحب علم اليقين.. 
  • لكن إذا دخل وجلس معنا واستمع الدرس وشاركنا فيه صار من أهل حق اليقين، فهو بالنسبة لقيام هذا الدرس في مرتبة حق اليقين، 
    • فمن رأى بعينه ولم يحضر ليس في مرتبة حق اليقين، 
    • ومن حضر ولم يحضر قلبه ولم يستوعب أيضا هو في عين اليقين ما جاوز عين اليقين لم يصل إلى حق اليقين، 
  • ولكن من أصغى وأنصت وفهم وتفاعل باطنه مع الدرس هذا صاحب حق يقين.. 

كذلك جميع ما أُمرنا بالإيمان به من أسماء الله وصفاته وأخبار القيامة ونبوة الأنبياء، نحن أمامها أمّا أمام أهل علم اليقين أو عين اليقين أو حق اليقين، لكن حق اليقين رتبة الأنبياء وخواص ورثتهم من الصديقين، فهم أهل حق اليقين.. ودونهم من الأولياء الخواص أهل عين اليقين، وعامة المؤمنين ما بين مؤمن ومنتهي إلى درجة علم اليقين لم يتجاوز ذلك، وكم من فرق بينهم.. 

أهل علم اليقين مراتب ودرجات ليس العلم مستوي، فليس علم من أخبره ثقة واحد بالقضية كعلم من أخبره ثلاثة.. أربعة ثقاة.. كله علم يقين. وهذا لا يشك في كلام الثقة، لكن هذا بتكاثر المُخْبرين زاد يقينا، فإذا استمع مثلا إلى الدرس -ونحن في مثال الدرس- من بعيد بالميكروفون وسمع الصوت، هذا أيضا صاحب علم يقين لكن علمه ليس مثل من الذي لم يسمع.. علمه أقوى فإذا شاهد صار صاحب عين اليقين، وأصحاب عين اليقين على درجات، وأصحاب حق اليقين على درجات.. 

قال جماعة من أهل الذوق وخواص العارفين بالله: وهناك مرتبة فوق حق اليقين اسمها حقيقة اليقين، لكن ليس فيها من الخلايق إلا واحد اسمه محمد بن عبد الله، فإنه في حقيقة اليقين ﷺ، حق اليقين وعلم اليقين وعين اليقين متفرِّع من حقيقة يقينه.. فإن الله خلقه قبل أن يخلق العالم كله وقبل أن يخلق الوجود كله، وسقاه معرفته وتعرَّف إليه قبل أن يكون موجود ولا مخلوق سواه، روحه الكريمة ونوره الشريف ﷺ، فهو صاحب حقيقة اليقين ﷺ. 

ثم بعد ذلك كون الله الوجود، وأفاض من يقينه مراتب اليقين، أهل علم اليقين أخذوا منه، أهل عين اليقين أخذوا منه، أهل حق اليقين أخذوا منه ﷺ، فمعْرفته بالله لا تساويها معرفة ملَك ولا معرفة نبي غيره مُرسل ولا معرفة من دونه.. فهو أعرف الخلق بالحق ﷺ.

إذًا يقول أن المعرفة؛ الجزم المطابق للواقع عن دليل، قال: فيجب علينا معاشر البُلّغ الذين بلغنا، أن نعرف العقلاء، أن نعرف ما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز عليه إجمالا وتفصيلا.. 

  • فالذي يجب لله إجمالا؛ كل كمال، كل عظمة كل جلال، كل ما يليق بعلوّه -سبحانه وتعالى- واجب.. من علم وإحاطة بالعلم، من قدرة، من سمع، بصر.. كل كمال هو متصف بكل كمال منزه عن كل نقص، هذا الواجب إجمالا. 
  • كما أن المستحيل إجمالا؛ كل نقص لا يليق بعظمته تعالى فهو مستحيل. 
  • والجائز عليه؛ أن يفعل من الممكنات ما شاء ويترك منها ما شاء، ويجب علينا أن نعرف ما يجوز عليه إجمالا (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ..) [آل عمران:26]، 

يفعل ما يشاء على ما أراد هذا جائزات، لا يجب عليه فعل شيء ولا يمتنع عليه فعل شيء من جميع الممكنات، بل يفعل ما أراد كما أراد.. فهذه جائزات، يُمرِض ويُعافي، يُسعد ويُشقي، يَرفع ويَخفض، يُقرِّب ويُبعد، يُعطي ويَمنع، (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج:16] -جل جلاله-. فهذا الجائز في حقه -سبحانه وتعالى-. 

فبدأ يفصِّل معنا الواجب له تعالى مما بيّنه الكتاب العزيز والسُنة الغرّاء.. فذكر الرحمن أوصافا لله في قرآنه وبيّنها لنا رسول الله ﷺ، هذه الأوصاف إذا أمعنّا النّظر فيها نجدها ترجع إلى العشرين الصّفة هذه المذكورة، وكل ما سواها فمتفرّع عنها، كل ما وصف به سبحانه وتعالى فهو متفرِّع عنها، ولذا فهي أعدادها محصورة في هذا.. لكن متعلَّقاتها متفرِّعة.. 

لكن كما قال أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية فيما ورثوه عن التابعين وعن الصحابة، عن رسول الله ﷺ، أن هذه العشرين الصفات المذكورة في القرآن يُوجب العقل استحقاق الحق لها، وأنها ثابتة لازمة في حقِّ الله.. وقد جاء بها النقل وصف الله بها نفسها.. 

قال: فالواجب له تعالى عشرون صفة، بمعنى أنه لا يدخل في عقل عاقل عدم اتصاف تعالى بواحدة من هذه أو بكل واحدة من هذه، ولا يسلِّمه العقل لما يلزم عليه من المحالات والأباطيل، ما يتأتى أن يكون إله غير عليم، ما يتأتى أن يكون إله عاجز، ما يتأتى أن يكون إله أعمى، ما يتأتى أن يكون.. هذا أمر لا يقبله العقل أصلاً.. ففاقد الشيء لا يعطيه، ولا يمكن أن يكون إله إلا وهو العليم القدير السميع البصير إلى غير ذلك.. 

إذًا هذه المستحيل مقابل العشرين الصفة الواجبة، عشرون الصفة مستحيلة -أضداد العشرين الواجبة- فذكر هذه العشرون الواجبة أولها: الصفة النفسية الذاتية، وهي صفة الوجود؛ أنه تعالى موجود، بل وجوده هو الوجود الحق الواجب، بل وجوده هو الذي ترتب عليه إيجاد كل ما سواه، وذلك من ضرورة العقل كما ذكرنا أن العقل لا يقبل أن يتكون مصنوع ولا مخلوق ولا موجود من دون مكوِّن وخالق وصانع، هذا لا يقبله العقل.. 

إذًا فيقين، ما من مكوَّن إلا وله مكوِّن، ولا من مخلوق إلا له خالق، ولا من مصنوع إلا له صانع، علمنا ذلك، لما علمنا ذلك قلنا لابد لهذا الوجود من صانع وخالق.. هذا الصانع الخالق الموجِد يجب أن يكون وجوده ذاتي؛ لأنه لو كان وجوده طارئ وحدث لكان هو واحد من المخلوقات التي تحتاج إلى خالق.. وتسلسل الأمر من غير نهاية مستحيل عقلا.. يعني لابد ان تكون هناك قدرة وإرادة موجودة قبل خلق كل شيء وخَلقت الوجود؛ لأنه من دون نهاية ما يدخل في العقل .. كيف من دون بداية؟! لابد من بداية، من أين جاءت البداية؟! 

قال بعض أهل الشكوك والتذبذب لسيدنا جعفر الصادق، قال له: تقولون أن الله قبل هذه الأشياء وخلقها.. فمن كان قبل الله؟ يقول لسيدنا جعفر صادق، قال له سيدنا جعفر: هل تعرف العدد؟ قال: نعم. قال عد لي من الواحد صعودا.. عدّ، واحد اثنين ثلاثة اربعة الى العشرة.. قال بس.. عدَّ لي من الواحد هبوطا، أنزل.. قال: ليس قبل الواحد شيء.. قال: هو كذلك ليس قبل الواحد شيء.. 

تفهم؟ هذه الأعداد أمامك، أنت تقدر -من عشرة- تعد هبوط ممكن تقول: عشرة، تسعة، ثمانية تنزل.. لانه قبل العشرة تسعة قبل التسعة ثمانية قبل الثمانية سبعة.. لكن الواحد ماذا قبله؟ لاشيء.. فلا يمكن أن تعد منه نزول، ممكن تعد منه صعود. فاخرجه من المعنى الحسي الواضح في الأعداد إلى الأمر المعنوي؛ أن الوجود بأسْره مفتقر إلى مُوجود، ولا بد أن يكون الموجد هذا اول -واحد ليس قبله شيء- تكونت منه هذه الوجود كلها.. بل هذه الأعداد لو لم يوجد واحد ما يمكن يوجد اثنين، ممكن اثنين من دون واحد؟ كيف أثنين من دون واحد؟ توجد اثنين كذا من دون واحد؟! 

 هذه القارورتين من الماء، موجودة منها اثنتين، لو قال لا يوجد واحد موجود فقط اثنين كيف فقط اثنين؟! هذا واحد وهذا واحد.. أما اثنين من دون واحد ما يتأتي.. لكن إذا ظهر الواحد مرتين صار اثنين.. فإذا ظهر ثلاث مرات صار ثلاثة.. فإذا تجلّى أربع مرات صار أربعة.. 

فالواحِد هذا بتجلّيه تتكاثر الأعداد إلى ما لا نهاية، لكن قبله ليس شيء، ومن دونه ليس شيء، من دونه ليس شيء.. كذلك مكوِّن الوجود -جل جلاله-. هو الأول ليس قبله شيء، ومن دونه لا يكون شيء، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.. (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)  [فاطر:3]. 

فصَفة الوجود التي تحدثنا أنها أول الصّفات العشرين، ولا تقوم بقية الصفات إلا بهذه الصفة الذاتية.. 

  • القِدَم؛ معناها أنه لا يسبقه شيء وليس قبله شيء، لأن استمرار الأمر من دون نهاية غير معقول.. ووجود شيء ذاتيّ الوجود، منه تفرّع الوجود أمر حتم وواجب.. وذلك هو الله سبحانه وتعالى.  
  • وكذلك البقاء والدوام.. مخالفته للحوادث؛ يعني عدم مشابهته لشيء من الحوادث.. ما الحوادث؟ كل ما سواه حادث.. كل ما سواه حادث.. منه الأفكار، منه الأوهام، منه التصورات.. كل ما سوى الله فهو حادث، والله يخالف كل ما سواه.. يعني ليس كمثله شيء، مخالفته للحوادث لا سماء ولا أرض ولا إنس ولا جن يشابه الله.. ليس يشابهُه شيء ولا يشبهه شيء.. فهو المنزه عن مُشابهة الكائنات، فهو المخالف للحوادث -جل جلاله-. 
  • وقيامه بنفسه؛ يعني استغناءه عن كل ما سواه مع افتقار كل ما سواه إليه، فهو الغني الغِنى المطلق سبحانه. 
  • كذلك الوحدانية؛ عدم التعدد لا في الذات ولا في الصفات ولا في الأفعال.
  • والقدرة؛ وهو على كل شيء قدير؛ (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12].
  • والإرادة؛ فعاَّل لما يريد.. والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام، قال تعالى: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) [النساء: 164].
  • وكونهُ قادرا وهذا مقتضى القدرة؛ كونه قادرا وكونهُ مريدًا وكونهُ عالمًا وكونه حي وكونه سميع وكونه بصير وكونه متكلم -جل جلاله- وأضدادها مستحيلة.. 

الآن سيتكلم على كل صفة واحدة بعد الثانية.. 

 

1 - فأما الوجود فهو : ثبوت الشيء وتحققه بحيث يصح أن يُرى، والوجود واجب له

تعالى لذاته أزلاً وأبداً وضده العدم(1).

والدليل على وجوب وجوده تعالى واستحالة العدم عليه عقلاً وجود هذه المخلوقات، وذلك أنك إذا نظرت إلى هذا العالم تراه متغيراً من عدم إلى وجود، ومن وجود إلى عدم ومن حركة إلى سكون، ومن سكون إلى حركة متنوعاً بأنواع مختلفة،وضروب متباينة، فبَعضه أبيض وبعضه أسود وبعضه أحمر إلى غير ذلك، وبعضه في جهة دون جهة، وبعضه في مكان دون مكان وبعضه في زمان دون زمان، وبعضه على مقدار دون ،مقدار وبعضه علوي وبعضه سفلي، وبعضه ظلماني وبعضه نوراني، وبعضه لطيف وبعضه كثيف إلى غير ذلك من الأنواع، وكل ذلك مما يدل على أن العالم حادث أي موجود بعد عدم والحادث لا يكون إلا ممكناً، لأن ذلك كله يستدعي فاعلاً مختاراً واجب الوجود يرجح الوجود على العدم، والحركة على السكون والعكس، ويرجح المقدار المخصوص، والجهة المخصوصة، والزمن المَخصوص والمكان المخصوص والصفة المخصوصة على ما يقابلها، فلو لم يجب له تعالى الوجود لما وجد شيء من هذا العالم إذ لا يتصور العقل وجود شيء حادث بدون صانع واجب الوجود، ولولا الفاعل المخصص لوجوده فيما شاء من الأزمنة والأمكنة والجهات على ما شاء من المقادير والصفات لكان يجب أن يبقى على ما كان عليه من العدم أبد الآباد.

والدليل عليه نقلاً قوله تعالى : (إِنَّ رَبَكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) [الأعراف :54]. 

وقوله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [الطور :35].

واجب الوجود -جلَّ جلاله- الموجود الواجب الوجود ربنا -سبحانه وتعالى- الذي ليس قبله شيء ولولاه ما كان شيء، وكان الله ولم يكن شيءٌ غيره، وكان الله ولم يكن شيءٌ معه، كما قال ﷺ، في ما رواه لنا الإمام البخاري في صحيحه: "كان الله ولم يكن شيءٌ غيره وكان الله ولم يكن شيءٌ معه" لا إله إلا هو..

فهو واجب الوجود وقلنا أن الكائنات وما فيها من تغيير وتلوين وتدبير وتقديم وتأخير موجبة بحكم العقل أن يكون لها موجود ليس لوجوده ابتداء، موجود بذاته وهذا هو الله سبحانه وتعالى خلق الكائنات وقدَّرها وكوَّنها ودعانا إلى النظر فيها، ودعانا إلى التأمل في دلالتها، فإنها تدل على خالقها -جلّ جلاله- بل وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد سبحانه وتعالى، (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإسراء:44]، ومن استنارت بصيرته أدرك تسبيح السماوات والأرض، (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ..)

وهكذا الكائنات شهود على عظمة المكوِّن وعلى قدرته وعلى اختياره وعلى علوِّه وعلى جلاله سبحانه وتعالى، دعانا إلى أن ننظر فيها: 

  • (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) [النبأ:6-11]، محْكمة الصُنع مُتقنة.. 
  • (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا) [النبأ:13-14].
  • [أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) [الوقعة:58-59]، 
  • (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [الوقعة: 63-64]، 
  • (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ) [الواقعة: 68-69] يقول الله جل جلاله.. 

ولهذا لما ادّعوا الشركاء مع الإله، لما ادّعوا إله غيره قال لهم: (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ..) [الأحقاف:4]، نحن نريد ما الدُّعي له الألوهية لغير الله تعالى، نعرف ماهو الذي خلق من الأرض؟! قارة آسيا وإلا قارة أوروبا وإلا قارة أمريكا؟! ماذا خلق من القارات؟ فالذين يدَّعون ألوهية العلم بتصوّراتهم الفاسدة، نقول العلم هذا، خلق إي من البلدان هذه؟! أي بقعة في الأرض هو الذي خلقها؟!!  سبحان الله.. 

الذين قالوا الشمس و الذين قالوا القمر والذين قالوا أصنام، نقول خلقوا ماذا؟! أي بقعة من الأرض هم خلقوها؟! ولا شبر.. يقول سبحانه: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الأحقاف:4]، هاتوا أدنى دليل على أن مع الله إلى غيره، ما يوجد أصلا.. لا يمكن إثبات الالوهية لغير الله ولا نفيها عن الله -جل جلاله- إذا استقام العقل على الإدراك والوعي الصحيح.. 

إذن فصفة الوجود قائمة بذات الله لازمة، وهو وجود ليس كوجود الكائنات، وجود غيره حادث لكن وجوده أزلي، وجوده سبحانه وتعالى لا افتتاح له، لا ابتداء له، أما غيره لم يكن موجود ثم وجد، (هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا) [الإنسان:1]، قبل مئة سنة من منا كان موجود؟ ولا واحد منا موجود.. وكذلك كان أباؤنا وأباء آباءنا، أيام آدم عليه السلام قبله ما كان موجودا، (لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ) [الإنسان:1-2]؛ كذلك جميع هذه الكائنات كوِّنت بتقدير المكوِّن -جل جلاله وتعالى في علاه-، وهي شاهدة بعظمته. 

دعانا إلى أن نحسن التّفكير في هذا ونحسن التأمل، ونخرج عن المغطِّيات على الحقيقة، المغطيات الحقيقة هي شهوات النفس ونزوعها إلى هواها، وإلى ما تحب إما من السلطة وإما من المتاع الفاني، يحجزها عن إدراك هذه الحقيقة الواضحة الثابتة التي لا أوضح منها.. لا أوضح منها.. أن هذا الكون كوَّنه المكوِّن لحكمة، أن المكوِّن بهذا الترتيب وهذا التدبير عظيم لا يمكن أن يخلق شيء عبث، (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص:27]، -اللهم أجرنا من النار-. 

قال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ..) [النجم:35-37]، ويأتون بالحقيقة من السماء! ولا أحد منهم معه شيء، فلماذا يتقوَّلون على الألوهية؟ لماذا يتكلمون على الربوبية؟ والإله الرب أرسل إليهم رسلا، وأنزل إليهم كتبا وجاءهم بالحق.. وليس من مهمات العقول أن تتصور الشيء ولكن من مهمات العقول أن توقن أن الكون له مكوِّن.. 

فمثلا لو كانت الغرفة مغلقة وواحد دق.. عند سمعنا لهذا الصوت مهمة عقولنا توجب علينا أن نقول إن بالباب طارق، في موجود طارق في الباب، فإذا قال: لا .. لا .. لا لايوجد! .. كيف لا يوجد؟! ما تسمع صوت؟!! قال هذا من نفسه هذا طبيعي، طبيعي! ماذا طبيعي؟ طبيعي؟! لك طبعة في رأسك، كيف طبيعي؟! كيف طبيعي؟! قال ما في حد يدق أبدا؟ قال: طبيعي .. طبيعي .. طبيعي!  كيف طبيعي؟ ما يُعقل هذا..

 كل عاقل يقول؛ يوجد طارق يطرق الباب.. إذن ينظر، ما هذا الطارق؟ إنسان وإلّا حيوان؟  ذكر وإلا أنثى؟ هذه ليست وظيفة العقل، العقل يدلك على أن هناك طارق، أما أن يتصور من هو الطارق، هذه ليست وظيفته، ولا توجد طريقة نعرف بها ما هو الطارق إلا أن يبلِّغ عن نفسه أو يكشف الحجاب نفتح الباب ننظر إليه.. هذا فلان بن فلان، لونه كذا وشكله كذا.. انتهت المسألة.. أو يُبلّغ؛ أنا فلان، صحيح هذا فلان، في أحد ثاني قال: لا لستُ أنا؟! لا أحد تكلم، فقط واحد تكلم.. قال: أنا فلان.. 

هذا الوجود وما فيه، أرسل إلينا موجده -أنا الله- خالق كل شيء.. بعقولنا اهتدينا إلى أن لنا موجِد، من الموجِد؟ ما نقدر إلا أن نكشف الحجاب، ما نقدر نكشف الحجاب، لكنه بلّغ، بلّغ هو وأرسل إلينا الرسل.. وعندما أرسل إلينا الرسل ليس هناك قوة أخرى بلَّغتْ، ولا أرسلت رسل، هل هناك غيره أرسل رُسله إلى العُقلاء والمكلفين؟ قال: أنا الذي خلقتكم، أنا الذي خلقت السماء والأرض، ولا واحد.. هل هناك شيء؟!! الذين يعبدون البقر، فهل البقر أرسلت إليهم رسل؟ الذين يعبدون الشمس، هل الشمس أرسلت إليهم رسول؟ الذين يعبدون الأصنام، هل الأصنام أرسلت إليهم رسل؟ ولا أحد أرسل.. 

لما أرسل الله الرسل، كل واحد منهم يقول عن الله، أنه خالق كل شيء، لو كان مع الله إله غيره! ما لهُ لا يتكلم؟! ما له ساكت هذا؟! لماذا يجيء آخر يأخذ عليه كل شيء! وهو ما يقدر يتكلم؟! إذا ما يقدر، هذا عاجز ما يصلح يكون رب.. فوجود الرسل وصمت الوجودات كلها ولا غير الله قال أنا خالق كل شيء -جل جلاله وتعالى في علاه- دليل قاطع عقلي أنه لا إله إلا الله -جل جلاله وتعالى في علاه-.

نتوجه للرحمن أن يُكرمنا وإياكم بكمال الإيمان ويزيدنا إيمان، ويرفعنا في مراتب علم اليقين، ويرزقنا التمكين فيها ويزجُّ بنا إلى مراتب عين اليقين، ويُلحقنا ويلحق من شاء منَّا بأهل حق اليقين، اللهم أكرمنا بهذه العطايا وامنحنا هذه المزايا وأصلح الظواهر والخفايا، يا عالم الظواهر والخفايا، (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14]، سبحانك أنت الأعلم بنا منا وأنت الأعلم بما في نفوسنا منا، فنسألك بعلمك الواسع أن تهب لنا فضلك الواسع، وأن تثبتنا على قدم المتابعة لحبيبك الشافع، وأن ترزقنا كمال اليقين بمعنى ما أنزلته عليه وأوحيته له وبعثته به إلينا، وأن تزيدنا إيمانا في كل يوم وفي كل ليلة وفي كل ساعة وفي كل لمحة وفي كل نفس، وأن لا تخرجنا من هذه الدنيا إلا على تمام الثبات في أعلى مراتب اليقين كما يليق بجودك ياأرحم الراحمين، 

رب احينا شاكرين *** وتوفنا مسلمين 

نبعث من الآمنين *** في زمرة السابقين 

بوجاهة حبيبك الأمين 

واصلح شؤوننا، وزدنا والحاضرين إيمانا ويقينا في جميع أحوالنا وارزقنا حسن نظر فيما يرضيك عنا وتولنا بما أنت وليّه في الحس والمعنى.

 بسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد ﷺ

وأعلِ اللهم درجات الشيخ محمد صادق بن محمد يوسف واجمعنا به في دار الكرامَة وانت راضى عنه، وبارك في أولاده وفي طلبته وفي آثاره واصلح اوزباكستان وجميع هذه الجهات والبلدان وادفع عنا وعنهم شر النفس والهوى والشيطان وشر كل شر من الإنس والجن والخلق أجمعين، وأكتب لنا ولهم الاطمئنان والسكينة والتقوى والأمن والرضا والاستقامة وتحف الكرامة.. برحمتك يا ارحم ورحم، نسألك لنا ولهم وللامة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد ﷺ.. وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة الله بالله العلي العظيم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

25 شوّال 1445

تاريخ النشر الميلادي

02 مايو 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام