نشرت إحدى الصحف أبياتا لشاعرة تحت عنوان في (ذكرى المولد النبوي الشريف) تتضمن الاستغاثة بالنبي تقول فيها:
يا رسول الله أدرك عالَما         يشعل الحرب ويصلى من لظاهايا رسول الله أدرك امة         في ظلام الشر قد طال سراهايا رسول الله أدرك أمة         في متاهات الأسى ضاعت رؤاهايا رسول الله أدرك أمة         في ظلام الشك قد طال سراهاعجل النصر كما عجلته         يوم بدر حين ناديت الإلهفاستحال الذل نصرا رائعا         إن لله جـــــنودا لا يراها
وقد أفتى أحد المشائخ أن الكاتبة قد توجهت بندائها واستغاثتها للرسول جاهلة أن النصر بيد الله لا بيد الرسول صلى الله عليه وسلم.. ورغم روعة الأبيات إلا أننا لا نملك إلا أن تفيدونا بما قاله الشيخ لهذه الشاعرة؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ما يتعلق بالسؤال عن هذه الأبيات فإن ورود الاستغاثة على وجه المجاز ومعنى التوسل واردٌ في السنة الكريمة فاستعمال المجاز منتشرٌ بيِّنٌ مذكورٌ في الكتاب والسنة، فقد جاء في القرآن الكريم أن آية ملك طالوت كما أخبرهم نبيهم في ذلك الزمان فيه السكينة من الله والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ، ومن المعلوم أنهم يستنصرون بذلك ربَّهم سبحانه وتعالى ( وما النصر إلا من عند الله ) لا من عند بقيةٍ مما ترك آل موسى وآل هارون، لكن ذلك كان وسيلة لهم لاستنزال النصر من الله ، وفي سنن الترمذي حديث تعليمه صلى الله عليه وآله وسلم الاستغاثة به لذلك الأعمى الذي جاء فعلمه أن يقول متوسلاً ومستغيثا: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله ) ، وقد جاء في القرآن نسبة الرزق إلى الخلق فقال تبارك وتعالى ( وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ) ، وقال تعالى: ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ) مع أن المعلوم أن الرزاق هو الله ( قل هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ) كما أن الذي يهدي ويضل هو الله ، ثم إن الحق تعالى نسب الهداية إلى غيره فقال عبده الخليل إبراهيم ( يا أبتي إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ) وقال سبحانه وتعالى ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) وقال سيدنا الخليل إبراهيم في نسبة الإضلال إلى الأصنام مع أنه لا يضل من هداه الله ولا يُهدى من أضله الله، وقال عن الأصنام ( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) وقال عن القوم الكفار الذين يُوصلون الناسَ إلى النار ( وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار ) إلى غير ذلك من الآيات الصريحات في مثل ذلك المعنى، فقد جاء في السنة مخاطبة الصحابي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: 
          وليس لنا إلا إليك فرارنا        وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فأقره المصطفى عليه الصلاة والسلام . ولقد قال الله تبارك وتعالى( ولو أنهم إذْ ظلموا أنفسهم جاءوك ) مع أن الأمر المقطوع به المستَيقن أنه لا يغفر الذنوب إلا الله ولكن قصد رسول الله صلى الله والمجيء إليه سببٌ لهذا الغفران من الله تبارك وتعالى ( ولو أنهم إذْ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) .
وقد صحح جماعة من الحفاظ حديث سيدنا بلال بن الحارث الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فناداه في قبره الشريف : يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، وقد عُلم ذلك من أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم من أئمة الدين نثرا ونظمًا يستعملون فيه مثل هذه المجازات التي لا تمتُّ إلى الراسخ في القلوب بصلة ضعضعة ولا زعزعة ولا شك ولا ريب ، وذاك الراسخ في القلوب عند المؤمنين هو أن الأمر أولا وآخرا وظاهرا وباطنا دنيا وآخرة بيد الله وحده ، وأنه رتب حصول الأشياء بأمره وقدرته وإرادته على أسباب ظاهرة وباطنة ، ومن أقوى الأسباب الباطنة وجاهات ذوي الكرامة لديه والمنزلة عنده ، وأعظمهم النبيون والمرسلون وأعظمهم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وفي الحديث (إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا ) وقد ألَّف في هذا علماء الملة مؤلفات ، مثل ما ألف الإمام الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني عليه رحمة الله كتابه المسمى بشواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق ، كما ألف في هذه المعاني الشيخ مصطفى الحمامي المصري، أحد كبار علماء الأزهر الشريف كتابًا سماه غوث العباد ببيان الرشاد، ذكر فيه أدلة مستفيضة في هذا الموضوع.
 وبذا يعلم أن التسرع في نسبة الشرك إلى مستعمِل تلك المجازات أمر تأباه قواعد الشريعة الطاهرة وحرمات المؤمنين لدى الله تبارك وتعالى ، وخطر التسرع في الحكم فيما هو دون ذلك فكيف بأعظم الأشياء خبثا وقباحة وهو الشرك بالحق تبارك وتعالى، وقد قال الحق ( وما النصر إلا من عند الله ) وخوطب الرسول في آخر عمره قبل دخوله مكة في الفتح :
               فانصر رسول الله نصرا أعتَدَا  *  وادع عبادَ الله يأتوا مددا
في أبيات يستنصره بها أولئك الذين اعتدت عليهم قريش، فكل ذلك مما يبين لنا وجوب المسلك في أمثال هذه الأمور التي مضى عليها خيار الأمة في العصور تلو العصور، ولا يكون ضيق النظر والتشدد فيها إلا مدعاة لنسبة طوائف الأمة إلى الكفر والخروج عن الملة وذلك عين الكوارث التي تشتد على الأمة لو وجدت مجالها وسبيلها بينهم، فتورث تفريقا وتشتيتا وتباعدا واعتداءات واستعمالا لكل قواهم على بعضهم البعض دون معادي الحق ورسوله من منكري الإيمان بالله والمصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .. نسأل الله أن يبصِّر إخواننا المسلمين وأهل هذه الملة بحقائق دينهم وحسن أدبهم معه ومع عباده بمحض الفضل والمنة إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين .