متى يكون الحياء مذموماً ومتى يكون محموداً؟

لا يكون الحياء في حد ذاته مذموماً إلا ما صور بصورة الحياء وليس من الحياء المحمود، وذلك أن يراعي الإنسان جانب الخلق أو جانب النفس مقابل الشرع المطهر المصون فيترك أمر الشرع ويقول استحييت وما ذلك بحياء، فإن الحياء لا يأتي إلا بخير كما أخبر صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم، فالذي يترك واجباً من الواجبات ويقول: استحييت من الناس، أو يشارك الناس في مخالفة للشريعة، مالك؟ قال: استحييت منهم ففعلت مثل فعلهم، فهذا ليس بحياء، ولكنه جبنٌ ومداهنةٌ في الدين، وضعف ليس من الحياء في شيء، إنما حقيقة الحياء ما أثمر الخير، فإن الحياء لا يأتي إلا بخير كما أخبر صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم، حينما سمع أخاً يكلم أخاه أن يقصر من الحياء ويقلَّ من حيائه؛ لأنه يغلب عليه الحياء، فقال صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم: (دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)، وقد كان يقول بعض الصحابة والتابعين: إذا صارت الأمة يجتمع منهم نحو العشرين ليس فيهم من يستحيى منه، فقد حل بهم البلاء، حل البلاء على الأمة، ولذلك كان من مظاهر الحياء من الله أن يستحيى من ذلك الشخص أن يقال أمامه وفي حضرته ما لا يليق بالمروءة والأدب فضلاً عن أن يُتكلم بمعصية أو مخالفة للشرع المصون، كذلك في الأفعال، فهكذا ينبغي أن يبتني فينا الحياء على وجهه المحمود وليس في حقيقته إلا ما كان محموداً، ولكن قد يسمى بعض المواقف من الجبن والضعف بالحياء وليست بحياء، إنما الحياء ما حمل على الإقبال الصادق على الله، وعلى ترك ما لا يرضاه جلَّ جلاله، وعلى بذل حقوق النفس من أجل الرحمن، هذا هو الحياء، وأما أن يترك الشريعة ويقول: استحييت فليس هذا بحياء، والله أحق أن يستحيى منه إذا علم حقيقة الحياء، فكثير من الناس يقصر في واجب، ومنه سؤال العلم وذلك أيضاً مما يلتبس بالحياء وليس من الحياء، فيحتاج إلى المسألة في العلم وأمامه العالم وهو باسط بساطه للإفتاء وللإجابة عن الأسئلة فيسكت عن سؤال يحتاج إليه، ما بك؟ فيقول: استحييت. وليس هذا من الحياء المحمود، وليس هذا بحقيقة الحياء، ومن هنا قالوا: لا ينال العلم مستحيي ولا مستكبر، أي: من يتقمص قميص الحياء في ضعفه وعجزه، أو عدم صدقه في أسئلته، قال سيدنا عبد الله بن عباس لما سُئل عن كثرة علمه، قال: أُعطيت لساناً سؤولاً وقلباً عقولاً.