والدي كبير في السن وقد طلق والدتي بعد عشرة عمر طويلة وطرد معها جميع أولادها، ثم تزوج بنتًا صغيرة ، ولم يعطنا أي شيء من أموال أو بيت نسكن فيه ، ومرت السنوات وأبي يعيش مع زوجة أخرى و أنجب منها طفلة ، أما بالنسبة لنا فقد قطعنا وطردنا من أجل ذاته وشهوته ولم يؤمِّن لبناته أي شيء، وأمنا كبيرة بالعمر ومريضة وأمورنا الآن ميسورة بفضل الله ، وصرت لا اقدر أن أصل والدي ولا اقدر أن أتكلم معه وإني لا أسامحه . فهل يعتبر هذا قطيعة للرحم وعقوقًا الوالدين ؟ أرجو أن تساعدني في هذا الإفتاء وتكون عادلا معي في هذه الحالة إني أخاف الله وأقوم بواجباتي الدينية كلها، وأتمنى من ربي أن يرحمنا ويتقبل منا، ولكن هذه المسالة دائما تشغلني وأخاف أن لا أدخل الجنة بسبب عقوقي لأبي الظالم.

الحمد لله الذي وفقكم للقيام بالواجبات الدينية ونسأل الله أن يزيدكم إيماناً ويقيناً وعملاً صالحاً واستقامةً على ما يحب.. ومن جهة السؤال عن الوالد لسوء معاملته معكم وما يجب عليكم نحوه فنقول: إنه يحاسَب عن كل ما تصرف فيه بينه وبين الله تبارك وتعالى، ومع ذلك فيلزمكم القيام بما يتيسر لكم وتستطيعونه من سلامٍ عليه أو تهنئةٍ له بعيدٍ ونحوها ولو عبر تلفون أو رسالة ترسلونها إليه أو من الزيارة ، ومهما تيسر شيء من ذلك فإنه من جملة مكارم الأخلاق التي بها ترتقون وتعتلون.. ومهما منعكم من الدخول عليه أو المجيء إليه عُذرتم بذلك ويبقى أن تدعو الله له أن يلهمه الرشد والصواب وأن يهديه لفقه حق الأولاد وأدائه ، وكلما قابلتم ظلَمه إياكم وإجحافه عليكم بالعفو والصفح كان ذلك أزكى لكم وأطهر وأعلى، ومن غير ما شكٍ أنه يُحاسَب على كل ما يصدر منه قال تعالى ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ) أي وإن كان أحد الأبوين يدعوك إلى الكفر والشرك فلا يجوز طاعته في ذلك ولا في أي معصية لله ومع ذلك قال ( وصاحبهما في الدنيا معروفاً ) أي كن صاحب معروفٍ تسدي إليهم المعرف والإحسان. وهنا يوجد واجبٌ وفضيلة: أما الواجب فهو السؤال عن الحال والتهنئة بمثل العيد وزيارته من وقت لآخر مهما لم يمنع من ذلك، وما زاد على ذلك من العفو والصفح وكرم الخلق أو الإحسان فهو فضيلة من الفضائل التي يكتسب بها الإنسان الدرجات.