للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 24 شوال 1437هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: تصفية القلوب وخطير شأنها.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الواحد الحيِّ القيوم، الذي لا إلهَ غيره، ولا ربَّ سواه، الذي ختمَ النبوةَ والرسالةَ بحبيبِه ومصطفاه، سيد الخلائق، محمد بن عبد الله، يا رَّبنا أدمِ الصلاة على هذا الحبيب، أدمِ منك السلام على هذا الحبيب، إنما نطلبُ منك ذلك لأنكَ دعوتَنا إلى ذلك، ثم وفقتَنا له لتفتحَ لنا أبوابَ صِلاتٍ عظيماتٍ بك وبهذا الجناب الأشرف، فلك الحمد يا منان، لك الحمد يا وهاب، لك الحمد يا معطي، لك الحمد يا مَن أدخلتَنا دائرةَ الإسلام والإيمان، لك الحمد يا مَن جعلتَنا في أمةِ سيد الأكوان، مَن أنزلت عليه القرآن.

 لك الحمدُ يا من سُقتَ هذه القلوبَ إلى ميدان التوجُّه إليك وميدانِ التذلُّل بين يديك، وميدانِ الطلب لما عندك، وتلك الميادين تنزل فيها مَن سبقت لهم منك السوابق، فلك الحمد شكرا، ولك المَنُّ فضلا، سُقتَ هذه القلوبَ لتستمطرَ رحماتِك، ولتستنزلَ بركاتِك، ولتسترضيك عما كان منها، لتستعفيك عما كان مِن زللِها ومِن عثارِها وما علق بها من صفاتٍ لا ترضاها، سائلةً منك أن تتمَّ لها التصفيةَ مِن عندك، وأن تنقِّيَها مِن عندك، يا من نظرُه إلى القلوب لا تدع لنا ولمَن حضر معنا ولمَن يسمعنا قلباً إلا صفَّيته بتصفيتك، ونقَّيته بتنقيتِك، وطهَّرتَه بتطهيرك، يا مطهِّر قلوبَ الأطهار، يا مصفِّي قلوبَ الأصفياء، يا مَن بيدِه الأمرُ كلُّه يا كريمُ يا غفار، نظرُك إلى القلوب، وهذه قلوبُنا على ما فيها بين يديك فبحقِّك عليك نسألك أن لا تنظرَ فيها إلا ما تحبُّ وإلا ما ترضى يا الله، وما كان فيها مما لا تحبه وما لا ترضاه فإنا نتوجه إليك بك وذاتك وأسمائك وصفاتك ومحبوبيك أن تزيحَ ذلك وتزحزحَه وتُبعده عنها، وتصفِّيها منه يا الله، يا الله، استعداداً ليومٍ تقلَّبُ فيه القلوب والأبصار، (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) إنما الخلَّةُ لمن تخالَلُوا على تقوى الله، ولمَن تحابُّوا في الله، وإنما الشفيعُ المطاع لمَن آمن، واتبعَ الحبيب المؤتمَن، ( كلكم يدخل الجنةَ إلا مَن أبى، قالوا: ومَن يأبَى يا رسولَ الله؟ قال: مَن أطاعني دخلَ الجنة، ومَن عصاني فقد أبى). فيارب صلِّ على أكرمِ شفيعٍ وشفِّعه فينا، غداً والآن، يا رحيم يا رحمن، كما أنه ذو الجاه الأوسع المشفَّع يومَ الهولِ الأفظع، والآن لقلوبِنا هذه بهِ إليكَ نتشفَّع، والآن لأحوالِنا وأحوالِ الأمةِ به إليك نتوسل، وبه لك وبه إياك نسأل، ولا نسأل سواك يا الله، يأتيك كلٌّ منا بقلبٍ سليم، (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ*إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

 يا حي يا قيوم، يا رحمن يا رحيم، نعلمُ أن في أعمالِنا وفي صفاتِنا وفي ما سبق وتقدم منا ما يوجب أن لا نأتي بالقلب السليم يومَ القيامة، وأن نزيغَ ونأتي بقلبٍ فيه ما فيه من الكدر والوسخ، نعلم ذلك ومع تعليمك لنا ذلك، علَّمتَنا أنك أهل لأن تصفيَ ما هنالك، وأنك قادرٌ على أن تجنِّب مَن شئتَ المهالك، وأنك قادرٌ على أن تحييَ العظام وهي رميم، وأن تردَّ القلبَ غيرَ السليم إلى قلبٍ سليم في أسرعِ مِن طرفةِ عين يا قدير، في أسرعِ مِن طرفةِ عَين يا بصير، في أسرعِ مِن طرفةِ عين يا عليم، في أسرعِ من طرفةِ عين يا قادر، في أسرعِ مِن طرفةِ عين يا مقتدر، يا مقلِّبَ القلوب والأبصار ثبِّت قلوبَنا على دينك، إلهنا هذه مِن أعظم الطلبات نقدِّمها إليك، ونضعُها بين يديك، ونرفعُها بأكفِّ الرجاء، فلا تخيِّب رجاءنا فيك يا مَن لا يخيِّب رجاءَ راجيه، وانظر إلى كل قلبٍ مِن قلوبنا نظرةً تصفِّيه، وتطهِّره وتنقِّيه، فلا يأتي واحدٌ منا مِن رجالنا ونسائنا وصغارنا وكبارنا، يوم القيامة إلا بقلبٍ سليم، يا رحمن يا رحيم.

 فكلٌّ سيأتي في ذلك اليوم، (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)، لا يتخلفُ أحد، لا مَن آمن ولا مَن كفر، لا مَن تقدَّم ولا مَن تأخر، يوم الجمع مقبلٌ علينا، وعليكم وعليهم أجمعين. (قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ*لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) ذاكم يوم الجمع الأكبر، ذاكم يوم التغابن، ذاكم يوم الواقعة، ذاكم يوم الحاقة، ذاكم يوم الصاخة، ذاكم يوم الطامة مقبلٌ على الجميع، وإن غفلوا وإن ذهِلوا وإن تولَّوا وإن أعرضُوا، ولا يليق بقلوبٍ آمنت بالله أن يكون فيها أهمَّ من ذاك الجمع، وأهم وأعظم من ذاك اليوم، يوم السلامة للمسلمين الصادقين، والنجاة والفوز الدائم الكبير، ويوم الشقاء للمعرضين والكافرين والذين آثرُوا الشهوات وآثرُوا الترَّهات والبطالات، اغترُّوا بما عُرِض لهم في هذه الحياة، فحُرِموا المواصلة، وحُرِموا الاقبالَ على الله تبارك وتعالى بالقلوب والأرواح والأسرار والكليات، ومَن أحقُّ أن يقبلَ عليه المخلوق من خالقِه؟ مَن أحق أن يقبل عليه العبد مِن إلهه؟ مِن بارئه وفاطره جل جلاله، ظلمتَ نفسَك في أيام كثيرة، أقبلتَ على غيره، توجَّهت لغيره، يا ظالم لنفسه، لك رب يحوِّل ظلمَك إلى إحسان، يتوب عليك ويصفي مِن الأدران، وناداك في صريح القرآن وقال (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ)، فحمل النداءَ نبيُّ الهدى، وبلَّغه إليك، قال الله له قل، فقال قل لهم ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ) فيارب بكل ما كان منا، ما لنا سبيل نقنطُ مِن رحمتِك فتلك معصية لا ترضاها، وذاك حالٌ لا ترتضيه مِن أحدٍ مِن خلقِك، يا حيُّ يا قيوم مهما كان من ذنوبنا مِن كِبَر فأنت أكبر وعفوُك أكبر، مهما كان في ذنوبنا مِن كثرة، فأنت أكثر وخيرُك أكثر، وأنت أطيب فنسألك يارب أن ترحمَ مَن طرق بابَك، يستصلِح للقلوب، يا مصلحَ القلوب، يا مطهِّر القلوب يا مصفي القلوب، بمَن صفَّيتَ قلوبَهم فهم في حظيرة قُدسِك، آنِسنا بهبوب نسمات التطهير لنا، والتنقية عن شوائبنا ومعايبنا ومثالبنا ومظالمنا، كلها وظلماتنا وآفاتنا، يا الله.

 وإلى مَن نذهب بقلوبنا هذه غيرك فيصلحها؟ أو يطهِّرها أو يصفِّيها، إلهنا، مهما كان منا مِن غفلة، قد أرسلتَ إلينا تنبُّهاً لأن نطلبك هذه الخصلة وهي التي جعلتَها رأساً في سببِ الفوز والنجاة، في يوم الوقوف بين يديك، فيا مَن أعطيتَنا هذا أتمم علينا النعمةَ بأن تُكملَ لنا تصفيةَ القلوب، ونلقاكَ كلٌّ منا بقلبٍ سليم، حتى نسلمَ مِن فظاعةِ الهول العظيم، ونستظلَّ في ظل عرشك، وتشاهد منا البصائر والأبصار وجهَ حبيبك، مع أهل تقريبك، في مواطن العفو والغفران، والجود والرضوان، والمنِّ والإحسان إلى أعلى الجنان، يا كريم يا منان، يا رحيم يا رحمن.

 حضرتَ.. هل أبصرتَ هل نظرتَ؟ على باب مَن أنت؟ بين يدي مَن أنت؟ وهل قدرتَ تأتي بنفسك لولا أن يدعوك، لولا أن يوفقَك، لولا أن يأخذَ بيدِك، جسمُك منه، وأعضاؤك منه، وروحك منه، وقلبك منه، وما عندك من إيمان منه، وجعلك في أمة محمد منه، ووجودك في ذا الزمان منه، وحضورك إلى هنا منه، هذا كله منه، والمرتجى المنتظر الباقي أيضا منه، فيا من أرانا ما منه ما منه في البدايات نسألك ما وراءَ ذلك مِن عطاياك الجزيلات، كم نظرتَ بعينِ رحمتِك، إلى بعيدٍ فقرب، وإلى محجوبٍ فزالَت الحجُب، وإلى شقيٍّ فأسعدتَه، وإلى غويٍّ فأرشدته، وإلى حائرٍ فدللتَه، وإلى مظلمٍ فنورَّته، فيا متكرما بجزيل المِنَح افتح علينا يا أكرم من فتح، يا الله، يا الله، نسألك بجمعِ المحبوبين والمقربين وجمعيَّةِ قلوبِهم عليك أن تنظرَ إلى قلوبِنا، وتجمعَها على الوِجهة إليك، يا الله، ساعات الغفلات الماضيات منا وإن كثُرت فأقبلَت القلوبُ على سواك متناسيةً لعظمتك ولجودك، ومتناسيةً لإحاطتك، متناسية لقدرتِك، متناسية لخلقك، متناسية لإيجادك، متناسية لسمعِك وبصرك، متناسية لإحاطتِك بها مِن كل جانب، متناسية فقرها إليك، متناسية حاجتها إليك، متناسية جودك عليها، متناسية نظرك إليها، متناسية مرجعُها إليك، كثُرت منا تلك الساعات.. لكن ياربي اليوم نطرق بابَك لتكفينا شرَّ تلك الغفلات، وإذا جاءت ساعةٌ من ساعات جودك قضت على ساعات الغفلات، وقضت على شرِّها وأذهبَت ضرها، فنسألك ياربَّ العرش يا مجيبَ الدعوات يا متكرِّم بالجود ساعة من ساعات جودك تعود على تلك الساعات كلها، والساعات المقبلة مِن أعمارنا، لا تخذل أحداً مِن أهل جمعنا ولا ممن يسمعُنا إلى معصيتِك، ولا إلى مخالفتِك، ولا إلى الخروجِ عن أمرِك ولا إلى الذنوبِ، ولا إلى السيئات، لا بالقلوب ولا بالجوارح، لا في السرِّ ولا في العلن، بئست البضاعة معصيتُك يا جبار، يا قهار، يا قادر يا مَن بيدِه الأمرُ كله، بئست البضاعة معصيتك وبئست المقابلة مقابلة مَن خالفَك، كيف يقابلُك يا متجليًا بالغفران رزُنت وثقلُت ذنوبُنا ولكن مغفرتك أوسع.

 اللهم مغفرتُك أوسع مِن ذنوبنا ورحمتُك أرجى عندنا من أعمالنا. بما علَّمتَنا على لسانِ نبيك، لنا كفٌّ إليك يمتد راجٍ مِن جودك ما يحار له ملائكتُك الكرام، في ليلتِنا هذه بما تتجاوزُ عن سيئاتِنا وعن ذنوبِنا وعصيانِنا وعما كان منا ظاهراً وباطناً يا الله، يا الله، نعم وقل يا الله ومالك غير يا الله، والكلام مرفوعٌ إلى الله، موضوعٌ على باب الله، على أساسِ اتصالٍ بأهل الله، فإن قبلَك فالفوز لك، إن قبلَك فالبشرى لك، الليلة ليلة سعادتِك إن قبلَك الكريم، يا مُسعد السعداء، ويل لمن رددتَ فلا تردد منا أحدا، ويل لمَن طردتَه، فلا تطرد منا أحدا، يا الله، بنبيِّ الهدى اجعلنا في خواصِّ من اهتدى، فقد جمعتَنا عليك ودللتَنا عليك، وأوقفتَنا بين يديك، فنحن بك نسألك، ومَن نحن وكنا عدماً، وخاطبتنا بذلك في كتابك كرما، وقلت (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا)، صدقت يارب، وأنى نكون شيء!؟ وأنى نكون شيء يذكر ونحن عدمٌ محض، تجلَّيتَ فخلقتَنا، حوَّلتنا من عدم إلى وجود.

 لك الحمدُ يا موجود، وجعلتَنا في أمةِ زين الوجود، لك الحمد، سبقت هذه السوابق منك، ونستكرمُك ونسترحمُك ونستعطفُك ونستغفرُك ونطلبُ ما عندك معترفِين بما كان منا، مَن يداوي مِن الذنوب غيرُك؟ مَن يغفرها سواك؟ مَن يُصلح القلوب عداك؟ ياربي ياربي ياربي، اجعلها ليلة صلاح، وليلة إصلاح، وليلة عطاء سحَّاح، وجُودٍ منك يا فتاح تروِّح به القلوب والأرواح، تدخلنا في أهل الفلاح، يا الله، يا الله، وما أجد لك غيرَ الله، أقبلت على غيره كثير فصفِّ الاقبال الآن، صفِّ الاقبال عليه، ادخل في المقبلين ملائكة يصيحون يلجُّون يلظُّون على ذا الجلال وأرواح طاهرة لو شهدتَها لأفقت من غفلتك ولدخلتَ إلى عالمٍ آخر من أدبك مع ربك جل جلاله، أنا أقللتُ الأدب وأنت أقللتَ الادب في مواطن كثيرة، وليس معنا إلا الاعتراف للرب والخضوع من خضع، والوجهة مع من توجه، واستعطافه واستلطافه واسترحامه، ما لنا غيره، ما لنا سواه، تعالى في علاه، وقد أكرمنا بالجمعية عليه والوجهة إليه، وحاشاه أن يحرمَنا القبول، وحاشاه أن يحرمنا الوصول، وحاشاه أن يحرمنا الدخول في دوائر المحبوبين والعباد المقربين.

 نسألك يا أكرمَ الأكرمين ويا أرحمَ الراحمين، بما بسطتَ مِن بُسطِ هذه المواريث والمجالس المباركة في الأمة، وكم مِن مجلسٍ عُقد قبلنا فنُشِرت فيه ألويةُ السعادة لحاضريه، وناداهم مناديك ونادى ملائكتَك: هم القوم لا يشقى بهم جليسُهم، ونادى جمعهم مناديك: فقال قوموا مغفوراً لكم قد بُدِّلت سيئاتكم حسنات، وما صببتَه في تلك المجالس ففي مجلِسنا هذا صُبَّه يارب، ففي مجلسنا هذا صبه يارب، ففي مجلسنا هذا صبه يارب، واجعل ذاك الصباب لكل مَن يسمع، ولكل مَن يُوالي، حيثما كانوا وأحيِي به قلوباً إلى الأبد، يا واحد يا أحد، ونوِّر به قلوباً إلى الأبد، حتى نُحشَر في زمرةِ حبيبِك محمد، في يومٍ مِن عجيبِ وبديعِ ما قلتَ عنه (يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، يا سميعُ يا بصير، يا عليم يا قدير، بالبشيرِ النذيرِ والسراجِ المُنير يا الله، اجعلنا ممَّن عنيتَهم بهذه الآية، وأدخلتَهم فيها مع أهلِ تلك الراية (يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) فبحقِّه اجعلنا معه، واجعل أهلينا معه، واجعل أولادَنا معه، واجعل طلابَنا معه، واجعل أهلَ الحقوقِ علينا معه، يارب معه، يا رب معه، كلُّ كفٍّ مِن أكفِّنا يُشرَّف بمصافحةِ كفِّه، كل عينٍ مِن أعيُننا تُكرم برؤيةِ طلعته، وكريم غرَّته، راضٍ مبتسماً في وجوهِنا يا الله، أقرب إلينا من حبل الوريد ومن ندائنا ومن دعائنا سبحانه عز وجل، إنما نسترحمُه ونتقرب إليه بذلك، وإلا هو أقرب إلينا مِن دعائنا من ندائنا، مِن استغاثتِنا، مِن توجُّهنا هو أقرب، هو أقرب، هو أقرب ومع ذلكم هو أطيب لو لم يُرد رحمتَك ما أحضرك ولا جاء بك، له الحمد والمنة فعسى يتمم النعمة.

 يارب باقي ساعات أعمارهم لا تخذل أحداً منهم فيها، نعوذ بك من الخذلان، يارب اعمُرها بمنِّك واعمرها بعنايتِك، واعمرها بتوفيقِك، واجعل خير ساعة لكل واحد منهم ساعةَ لقائك، ساعة تبلُغ روحه إلى حلقومِه، ساعة ينظر ما أعددتَ له، يا الله نلقاك وأنت راض عنا، يا الله، ما أسعدكَ بمناداتِه، ما أسعدكَ بدعائه، وهو أذن لك بذلك، له الحمد وله المنة، كم مِن قلوبٍ مرميَّةٍ على قمامات الخلق، على قمامات البُعد، على قمامات الغفلة، وأنت على بابه الكريم العزيز الشريف الرفيع، من جابك إلى هذا الباب؟ مَن أحضرك إلى هذا الباب؟ مَن ساقك إلى هذا الجناب؟ احمدِ الله، اُشكرِ الله، توجَّه إلى الله، لعلَّه يرضاك، لعلَّه يُقبل بوجهِه إليك، لعله يحوِّل حالك..

ألا يالله بنظرة من العين الرحيمة ** تداوي كلَّ ما بنا من أمراض سقيمة

وإذا اطَّلعَ مِن قلوبِكم على صدقٍ معه، ووجهةٍ إليه ونية أن تقوموا بأمرِه جعلكم أسباب الفرج لهذه الأمة، كثُرت اجتماعات أهل الظاهر هنا وهناك، وليس لنا فيها أمل، والأملُ في واحد اسمه الله، وإن كان من اجتماعات ينظر إليها فمثلُ هذه، وساعات مع قلوبٍ صافية في شرقِ الأرض وغربِها، تخلُو معه في جوف الليل وتخاطبُه فإن لنا أمل ففيها، لأنها محلُّ نظره، وسيتعب مَن يتعب مِن طالبي غيرِه ولن يصلوا إلى نتيجة إلا أن يرجعوا إلى الأنوار البهيجة، إلا أن ينتهجُوا في نهج محمد (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)

 أيها القلوب الغافلة عن سنن النبي محمد، المستخفَّة بتعليماته، المغالطة لنفسِها في معنى الإسلام والإيمان، أفيقُوا من غفلاتكم، وارجعوا إلى عالم خفيَّاتكم، واصدُقوا مع من إليه نهاياتُكم وعواقبُكم ولا يغرُّكم السراب وما أمامكم مِن هذه الزوائل المنتهية المنقضية، واصدقوا مع الله، وارجعوا إلى الله، أنتم مسلمون شُرِّفتم بلا إله إلا الله، وقلوبُكم تعتمد على غير الله!؟ وتستند إلى سوى الله!؟ سنن محمد أهملت، في ذواتِكم، وفي دياركم، وفي مناسباتكم، وفي أولادكم، وبعد ذلكم فيكم من يتبجَّح إنه بينصر الدين، أو أنه قائم على حق أو على هدى، يا أهل القلوب التي استخفَّت ببضاعة الحق ورسوله، ما عندكم مِن البضاعات؟ ما عندكم من البضاعات ما تسوى جناح بعوضة وعزة الرب، كل البضاعات التي لديكم منقطعة عن بضاعة الله ورسوله التراب تحت أقدامنا أعزُّ منها وأشرفُ منها، إن كانت بضاعة فبضاعة الله ورسوله، ومن له قلب يفقه، ومن له عقل يعقل وإلا فسُنَّة الله في ما يدير من أقدار سترجعُكم بعد كثير من الخسار، وبعد كثيرٍ من الأتعاب، ولن ينقذَ إلا ربُّ الأرباب، ولن يصلحَ الحال إلا بسيدِ الأحباب (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

 قل للمتبجِّح بكلامٍ طويل عريض ونواهي المصطفى وزواجره، مدجَّج بها مِن رأسِه إلى قدمِه، يعصي بعينِه، ويعصي ببطنه، ويعصي بفرجِه، ويعصي برجلِه، وقطيعةُ الرحم عنده، وعقوقُ الوالدين عنده، والتبجُّح إيش يعمل بالناس هذا؟ والكلام الفارغ إيش يفيد الناس هذا؟ حتى يعظِّموا أمرَه، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، أحيُوا سننَه في دياركم، أحيُوا سننه في أهلكم واولادكم، أحيوا سننه في أعضائكم وقلوبكم، تظفروا مِن الله بنُصرة وتأييد، قال سبحانه وتعالى (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، ينصركم ويثبت أقدامكم.

 وما تزعزَعت وتزلزلت عروشُ الطغيان والظلم والكفر والفسوق مِن العصر الأول إلا بقلوبٍ استحقرَت بضاعاتِ الخلق المقطوعةِ عن بضاعةِ الله، وكان الوصف فيهم، كما لاحظهم سيدنا الحسن البصري، عليه رضوان الله تعالى، يقول أدركتُ سبعين مِن الصحابة الذين يعقل جلوسَه معهم، وخطابه إياهم وأحوالهم التي شاهدها- يقول ما من واحد منهم، إلا والدنيا عنده أهونُ عليه مِن التراب تحت نعل أحدهم، هؤلاء، على أيديهم دُكَّت عروشُ الطغيان والظلم في الأرض، ومِن دون هذه القلوب ما يزول الظلم، والذين يقولون بيزوِّلون الظلم يجيبون ظلم مثله مرتين وثلاثة، وهذا وقعت مرَّة مرتين وأربع؟ وعشر في زمننا، وقبل زماننا وقعت، وما يزول الظلم إلا على أيدي قلوبٍ اتصلت بالله، واقتدت بمحمد بن عبدالله، ولا ترتفع الكُربُ إلا من هذا الطريق، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)، سنَّتُه فيكم وفي الأمم من قبلكم، (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ) فعليهم الرضوان وهم محلُّ الخير، وهم الذين فازوا (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ* يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) اذكر الحقيقة، اذكر هذه الحقيقة لمن يسمعُك، لمن يؤمنُ بك، اذكرها لأمتك، ( بلِّغ ما أنزل إليك من ربك، وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ).

يارب نشهد أنه بلَّغ، فأوصل بلاغَه إلى هذه القلوب بأتمِّ الإيصال، يارب ننصرف مِن الجمع ونحن على الوفاءِ بعهدِك وعهدِه، وعلى حسنِ متابعتِه، نتبعه ونقتدي به ونهتدي بهديه، يا الله، لا نستبدل بهديِه شرقي ولا غربي ولا عربي ولا عجمي، ولا صغير ولا كبير، يملؤون الأرض لعب وضحك على عباد الله ، ويخسرون ويخسر من تابعهم، ويخسرون ويخسر مَن شايَعهم، ويخسرون ويخسر من صدقهم، ويخسرون ويخسر من تابعهم والعياذ بالله تبارك وتعالى، والرحمة مكتوبة لأتباع النبي وحده، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)، ربما قال يهودي ولا نصراني أنا أؤمن وأنا أوتي الزكاة، (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ) بس، تعرف معنى بس؟ خلاص، هؤلاء وحدهم أهلُ الرحمة العظمى الكبرى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ)، وصفُه وحالُه وخلقُه وفضلُه مكتوب في كتب الله المنزلة، (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، ما هذا الوصف العظيم هذا؟ مِن مَن؟ من الله لحبيبه محمد (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، شوف كيف يحولنا على حبيبه؟ شوف كيف يرمينا في أحضان نبيه؟ (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، النور الذي أنزل معه، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. ثم أمره يشهر الأمر (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ)، ما جئتُكم من عند فكر بشر، ما جئت بكم من عند تجارب، ما جئت بكم من عند أجهزة الكترونية (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). هل تريد أصرحَ من هذا؟ ما أصرح من هذا؟ ذا ربي يعالج لك أحوالك بهذه المعالجة الواضحة البينة، تبحث لك عن علاج من شرق ولا من غرب، إن رحت لهم لك الكرب، هنا وهناك هذا علاج ربك، (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). الله يجعلنا من المهتدين، الله يلحقنا بسيد المرسلين.

 الله يجعله مجمَعاً منظورا، والكلُّ فيه يجعل اللهُ قلبَه معموراً، بفائضات الجود والكرم والمعرفة والنور، يارب معرفتَك الخاصة ومحبتَك الخالصة وفِّر حظَّنا منها، وزدنا زيادات، وأسعدنا سعادات واجعل كل من حضر ومن يسمع سبباً لتفريج الكربات، سبباً لنزول الرحمات، صادقاً في الإنابة والإخبات، مُقتدِيا بخير البريات، يا الله، يا مجيبَ الدعوات يا قاضي الحاجات برحمتك يا أرحم الراحمين.

 ألا يا الله بنظرة من العين الرحيمة ** تداوي كل ما بي من أمراض سقيمة

للاستماع إلى المحاضرة

لمشاهدة المحاضرة

 

 

العربية