أثار ومشاعر الصلات برب الأرض والسماوات

أثار ومشاعر الصلات برب الأرض والسماوات
للاستماع إلى المحاضرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما يزفُّ إلينا من إحسانه، ويُسدي ويهدي إلينا من امتنانه، وعظيم جودِه وكرمِه وعجائب ما خزن في الخزائن مِن الفضل والإحسان المشار إليه بقوله (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) وبقوله (إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا)، وماذا تحتوي العقول من تصوُّر حقائق العظمة في الفضل العظيم، وحقائق الكبَر في الفضل الكبير، يتكلم العظيم الكبير ويقول لحبيبه الذي عَظُم قدرُه وكبُر لديه (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وبذلكم بقيت في الأمة على مدى القرون أسرار الصلة بهذا الأمين المأمون، وبالذكر الذي نزل عليه، بالربّ الذي أرسله، بالإله الذي فضّله، بالخالق الذي جمَّله وكمَّله، بالخالق الذي قدّمه على من سواه، وهو حبيب الإله صلوات ربي وسلامه عليه. وجعلكم من أمته، وجعلكم سبحانه وتعالى في أهل دائرة استجابته، وأهل دعوته، وفي المجتمعين على أخلاقه وعلى شمائله وعلى صفاته وعلى دعوته وعلى ترِكتِه وعلى ميراثه وعلى هداه وعلى هديِه وعلى بيانه وعلى بلاغه وعلى أدائه الأمانة صلوات ربي وسلامه عليه.  

وهذه الخزائن المخزونة تنفتح، والحقّ الفتّاح جل جلاله يفتح في كل زمان منها عجائب من ذلك الجود الربّاني، فيبرز في قلوب تتصل وتقبل، وتتنوَّر وتتنقى، وتدخل مداخل أهل التقى، وتسلم من شرور هذا العالم، وهذه الدنيا وما فيها، ومن تخبُّطات المتخبطين، بأفكارهم بأهوائهم بزلاتهم بشهواتهم، وتقوم الميزة الحقيقية أن الإنسان الذي يحيا في هذه الدنيا عبداً لهواه لشهوته لعقله لعقل غيره، لفكر غيره، لفكره أو لفكر عبد، لفكره أو لفكر غيره منحطّ، ساقط هابط ذهبت حقيقة كرامته، ذهبت حقيقة إنسانيته، ذهب نصيبه وحظُّه من فضل الله الكبير الذي تفضّل به على من يشاء فيُخرجه عن هذا، ويقول له (إليّ)، هذا نوري وهذا هداي، يحمله لك حبيبي، يحمله لك سيد خَلْقي، يحمله إليك إمام أهل هُداي، يحمله إليك صفوتي من البشر، يحمله إليك حبيبي الأكبر صلى الله وسلم عليه وعلى آله.

ومن خُصّ بهذه الخصوصية، يجب أن يعلم هذه المزية، وقدرها عند الله.

 فيارب ثبتنا على الحق والهدى ** ويارب اقبضنا على خير ملّة

 بحرمة هادينا ومحيي قلوبنا ** ومرشدنا نهج الطريق القويمة

دعانا إلى حق بحقٍّ منزّلٍ ** عليه من الرحمن أفضل دعوة

 فيارب ثبتنا على الحق والهدى ** ويارب اقبضنا على خير ملّةِ

المثّبتون على الحق والهدى ناجون من أنواع الزيغ والردى الذي يحيط بالناس، في رخائهم أو في شدائدهم، في حسِّهم أو في معناهم، في فقرهم أو في غناهم، في مرضِهم أو في صحتهم، فإن في كل هذه الأحوال، لأهل هذا الهدى اتصال بذي الجلال جل جلاله، وهم الذين يشهدون ألطاف الله الخفية وحظهم منها كبير، حظهم منها كبير، كان يشير إلى هذا المعنى ابن عباس يقول "لو انطبقت السماء على الأرض لجعل الله للمتقي منها مخرجاً".. أتعرف أشد من انطباق السماء على الأرض؟ وهل القنابل التي بيدهم هي أشد من هذا!؟ ولو حصل ما حصل فصاحب الصدق مع الله ملطوفٌ به، مخفَّف شأنُه، يخرج من أنواع الفتن والمحن؛ الذي يخلِّصهم غداً من كلاليب جهنّم وشدائدها، أيعجز في الدنيا عن أن يخلصهم من بلاياها وآفاتها؟ جل جلاله وتعالى في علاه.

وهو كذلك، ولم تزل سُنته كذلك، وما أصاب أربابَ الحق والهدى من أنواع الابتلاءات تحت صفحاتها عجائب الجود والاختصاص، والمزايا ورفع القدر والدرجات والمكانة إلى الأبد، إلى الأبد، إلى الأبد، فالسعادة معهم، والكرامة لهم، والشرف عندهم. وما عدا ذلك ما هو إلا من جملة متاع الغرور، من جملة الزور.

 قال الإمام النبهاني عليه رحمة الله: "عجبت مرة، رسول الله وحبيبه يأتي من الطائف بعد هذه الشدة، ويدخل مكة، يرسل إلى الأول ليدخل في جواره استئماناً من أذى قريش وشدتهم عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قياماً منه بالأسباب، ويعتذر الأول ويعتذر الثاني ويعتذر الثالث، ثم يجيء مطعم بن عدي يقول له "ادخل في جواري" رسول الله وحبيبه يدخل في جوار هذا الكافر!؟ والعزة إنما هي لله ورسوله، وخطر لي ذا الخاطر.. فرأيت في النوم رسول الله وهو داخل إلى مكة وقت رجوعه من الطائف، رأيت عليه من الجلال والهيبة والعظمة ما لا أستطيع أن أصفه وأدهش عقلي، ورأيت العزة كلها له" ما قام بهذه الأشياء إلا عبودية لربه جل جلاله، وليبلغ مبلَغه في القدوة وفي الاهتداء وفي المرتبة التي خصَّه الله سبحانه وتعالى بها وميَّزه، هذه حقيقة من الحقائق؛ ما يجري للخليقة كلهم، كله خير لمن صدق مع الله، كله خير لمن قام بأمر الله، كله خير لمن أحبه الله جل جلاله، كله خير لمن ارتبط بهذا الإله واتصل بمصطفاه صلى الله وسلم وبارك وعليه وعلى آله وصحبه.

ولذا يذكر أن بعض الأنبياء قال: كيف أشكرك يارب؟ قال: إذا رأيت أنك أعظم من مننتُ عليه بالنعم من خلقي فقد شكرتني. قال: يارب، وأين ملك الملوك؟ وأين غنى الأغنياء؟ وأين علم العلماء الذي أعلى مني؟) فأوحى الله إليه: أما الملوك فلحمايتك وحراستك، نقوم بعض شانك بهم، وأما الأغنياء فلمواستك ومن شان يجري رزقنا على يدهم إليك من عندنا، وأما العلماء والحكماء ليهدوك ويرشدوك ويدلوك. فكلهم منة عليك أنت اعرف كيف عاملناك، اعرف ما الذي يخصك أنت من جودنا الواسع في هذا العالم، تحت أسرار (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ)، جل جلاله وتعالى في علاه.

جعلكم في هذه الأمة، وجعلكم في أهل السُّنة، وربطكم بالحبيب صلى الله عليه وسلم بالحبال المتينة القوية، وجعلكم في هذه البلدة تجتمعون وسبقكم فيها كذا كذا صدِّيق، كذا كذا منيب، كذا كذا خاضع، كذا كذا خاشع، كذا كذا مقرّب كذا كذا محبوب كذا كذا موهوب، وأنوارهم كلها تتلألأ، وكلها تبحث في كل زمان عن القلوب المتوجهة، أين هي، وتنصبّ فيها تلك الخيرات كلها، أين القلوب المتوجهة المتنبّهة المتعلّقة بربِّها، الراغبة في هذه العطايا والمنح، وتنصبّ عليها خيراتها، وكلها من الله تعالى منَّ علينا وعليكم بها ، فلله ربي الحمد والشكر والثناء، له الفضل وله الإحسان في كل شان.

اللهم أتمم علينا نعمتك، يا من أكرمتهم بحبيبك المصطفى محمد، وبِعثته ورسالته وهدايته وبلاغه وإرشاده وبيانه وواسطته وبكائه لهم ودعائه إياك لهم، أتمِم النعمة عليهم بربطهم به ربطاً لا ينحل أبدا، ودخولهم في دوائر أهل السعادة بقربِه مع السعداء، حتى لا نتخلف ولا أحد منا ومنهم عنه غدا، يا الله.. حتى لا نتخلف ولا أحد منا ومنهم عنه غدا، يا الله، ولا من أهلينا ولا من أولادنا ولا من أصحابنا ولا من قراباتنا ولا من جيراننا، يا الله.

جمعٌ هنا وجمعٌ هناك، هذا منّتك وذاك منّتك، فأتمم علينا نعمتك، هذا عطاؤك وذاك عطاؤك، يا الله جنِّبنا البلايا والرزايا والدواهي والشرور، في الدنيا والبرزخ والآخرة، وثبِّتنا على ما تحب، وفهِّمنا وعلّمنا وأرشِدنا إلى ما هو أحب إليك، في كل بذل، في كل نية، في كل عطاء، في كل منع، في كل محبة، في كل بغضاء، حتى لا نحب إلا لك، ولا نبغض إلا فيك، ولا نعطي إلا لك، ولا نمنع إلا لك، وندخل في استكمال الإيمان الذي قال عنه نبيك (من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) وفي لفظ (فقد استكمل حقيقة الإيمان) ما بقي تسلُّط هوى عليه، ولا نفس.. فهو لله يعطي، لله يمنع، لله يحب لله يبغض، هذا عبدٌ خالص للرب جل جلاله، تخلَّص من الشوائب كلها، فعلى هذا الأساس قام أمره وقام حاله وقام نظرُه، فهو عبد محاطٌ برعاية الله الذي إذا نظر مِن عبده أن الغالب عليه إرادته وطاعته والإقبال عليه يسّر له السبيل، وهوّن عليه الشديد، وقرّب له البعيد، وأخذ بيده إليه جل جلاله..

 وإلا أرباب المراتب العُلى من المقربين والعارفين كانوا يقولون: لو لم يصل إليه إلا من كمل نقاؤه وصفاؤه ما وصل إليه أحد. ولكنه إذا علم صدق إقبال العبد عليه صفّاه وأخذ به واصطفاه، ولولا ذلك ما وصل إليه أحد، جل جلاله، في قدسه الواسع، في عظمته الربانية؛ ولكنه يتنزل، ولكنه يتفضل، ولولا تفضُّله ما اجتمعنا، ولا سمعنا، ولا أدركنا، ولا أحضر الملائكة ولا أحضر الأرواح، ولا نزّل الرحمات سبحانه وتعالى، ولا فتح الأبواب، له الحمد.

ياربي يا منان أتمِم نعمتك علينا، وأقبِل بوجهك الكريم علينا، وانظر بعين الرحمة إلينا، يا الله يا الله يا الله، هذه الحُجب التي اكتسبناها بزلاتنا وذنوبنا، وغفلتنا ومخالفتنا مزِّقها يارب تمزيقا، أبعدها يارب إبعادا، امحقها عنا محقا، اكشف عنا الحجاب وافتح لنا الباب، وشرّفنا بكشف الحجاب عن سمير حضرة قاب، حتى ندرك من سر تلك المسامرة ما نحضر به في أهل القلوب الحاضرة النقيّة الطاهرة، في حضائر القدس الأقدس، يا ذا العطاء الأنفس، يا حيّ يا قيوم يا أقدس، لا إله إلا أنت آمنا بك فأكرِمنا بمحبتك لهذا الحبيب المحبوب، ونسألك بما بينك وبينه مما لا يعلمه إلا أنت، أن تنظر إلى جميع ما أحاط به علمك من ذنوبنا فتغفرها، وما أحاط به علمك من عيوبنا فتنقينا منها وتسترها علينا فلا نُكشف في الدنيا ولا في الآخرة، وإلى جميع ما أحاط به علمك من حاجاتنا في دنيانا وبرزخنا وآخرتنا فتقضيها لنا على خير الوجوه، يا من عنت له الوجوه، يا حي يا قيوم يا من نؤمّله ونرجوه.. يا الله.

اسعد وقل يا الله، اسعد وقل يا الله، سعادتك نداء هذا الاسم، اسم من هذا؟ الله، الله، ربي وربك ورب كل شيء، دعاك إلى حضرته، وأحضرك في مواطن عطائه ونفحته وجوده وإحسانه وكرمه وامتنانه، ساقك هو، ودعاك هو، وأكرمك هو، وأنت قد عصيت، وأنت قد خالفت، وأنت قد أسأت الأدب، لو عاملك بما تستحق ما أحضرك، ولا أسمعك، ولا نظر إليك، ولا جاد عليك لكنه الله يا هذا، لكنه الله يا سامع، يا مدرك، يا واعي، يا فاهم، يا مؤمن، يا مسلم، يا مصدق، هذا الله، هذا الله، هذا الله تعالى في علاه، شرّفك فاقبل الشرف، وأكرمك فاقبل الكرامة، وأقبل بكليّتك عليه لا تلوي وجهك إلى غيره، لا تتولى إلى سواه، وجه وجهك، فالإمام أمامك، الإمام أمامك (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)، إمامنا قالها، إمامنا تحقق بها ، إمامنا دعانا إليها.

فيارب صل عليه وثبتنا في المأموميّة له، وفي التبعية له، وفي الاقتداء به ظاهراً وباطناً يا مرسلَه بالرحمة، يا باعثَه بالنعمة، يا من جعلتنا به خير أمة، تفضّل بكشف الغمّة، تفضل بجلاء الظلمة، تفضل بدفع النقمة، كن لنا بما أنت أهله في كل مهمة، واسقنا سلسبيل الصدق معك، روِّحنا بروح الرضى منك والرضى عنك برحمتك يا أرحم الراحمين.

حتى ندخل دوائر قوم قلتَ عنهم (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ)، (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ)

يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى يا الله رضى يا الله رضى يا الله بتوبة والقبول

حاجة في النفس يارب فاقضها يا خير قاضي

 وأرح سري وقلبي من لظاها والشواظ

في سرور وحبور وإذا ما كنت راضي

 فالهنا والبسط حالي وشعاري ودثاري

 قد كفاني علم ربي من سؤالي واختياري

ومهما بُشرتم بدلالات الآيات، والأحاديث وحاملي أسرارها، من خيار الأمة، شيء من المقبل من الخير على الناس، أو صلاح شؤونهم، فهو مِنن من الله وفضل وإحسان، ولكنه يضعف عند ما تُبشرون به من الأحوال عند خروج الروح من الأجساد، ومن الأحوال في البرازخ، في ما بين العبد وبين رب العباد، سكن الروح في عِليين تعرف كم مقداره؟ تعرف كم مقامه؟ تعرف كم قدره؟ تعرف كم منزلته؟

وأرواح الذين توفوا ما بين سجين وما بين عِليين، (كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ* كِتَابٌ مَّرْقُومٌ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ* الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ* وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) وأنتم نلتُم التصديق بيوم الدين، والله يقوِّيه في قلوبكم، ويرزقكم الاستعداد لذاك اليوم، (كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ* كِتَابٌ مَّرْقُومٌ* يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) اللهم ألحقنا بهم، اللهم اجعلنا فيهم، اللهم اجعلنا منهم، ثم في يوم اللقاء (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) هذا أعظم، أعظم من ظهور الخيرات الكثيرة في هذه الدنيا، (سَلامٌ قَوْلا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ)،(وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)،(نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ* نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ)

إلى أن ينتهوا إلى العطاء الأكبر، حيث ينادي الأكبر (أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا) هذه أعلى البشائر تلقاها عالم الخلق من حضرة الخلّاق، بواسطة أنبيائه ورسله، فنسألك من هذه البشارة أن تقسم لنا بالنصيب الوافي، والحظ الكبير الكامل، يا الله، إذا ناديتَ أهل جنتك (أحل عليكم رضواني) فاجعلنا من أسعدهم بندائك، وأسعدهم بمعنى ندائك، وأسعدهم بسر ذلك النداء من حضرتك، والامتنان الواسع من عطائك، إلهنا أسمِعنا ذاك النداء، وأشهِدنا إياه مع الشهداء السعداء، واجعل حظنا منه كبيرا، ونصيبنا منه وفيرا، به نتنعم وتلتذّ أرواحنا بنِعم لا يقوم لوصفها قلم ولا فم، ممن تأخر ولا ممن تقدم، عبّرتَ عنه وأنت الأكبر، بقولك في كتابك الأنور، المنزل على قلب الحبيب الأطهر (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)

يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى

يا سيدي أيبيت ممن يسمعنا أحد الليلة وأنت عليه ساخط؟ فأين نذهب به؟ ونخاطب من فيه؟ وكيف نعالج داءه ونضعه على باب من؟ ونرميه إلى ساحة من؟ يا سيدي لا تخيب رجاءنا فيك، ارض عنا رضىً لا سخط بعده، ارض عنا رضىً لا غضب بعده، ارض عنا رضىً لا إعراض بعده، يا الله

يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى يا الله رضى يا الله رضى يا الله بتوبة والقبول

قولوا للملك العظيم:

يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى يا الله رضى يا الله رضى يا الله بتوبة والقبول

يعمّ صغيرنا وكبيرنا، ورجالنا ونساءنا، وأحيانا وأمواتنا، يا الله يا الله يا الله، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، يا فاتح الأبواب، يا مسبّب الأسباب، ياربّ الأرباب، يا ذا الجود المُنساب، يا ذا الغيث السكّاب، يا حي يا قيوم، يا رحمن يا رحيم، يا منّان يا كريم، يا حليم يا عظيم، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، اسعد وقل يا الله، بقلبك قل يا الله ، بروحك قل يا الله ، بسرِّك قل يا الله وبلسانك قل يا الله، وبكلّك قل يا الله، يا الله يا الله يا الله يا الله..

 حسبنا أن قلنا يا الله، كفانا أن قلنا يا الله، هذا بفضلك، وهذا بتوفيقك، فأتمم النعمة علينا يا الله، يا الله، يا الله، لا يسودُّ وجهٌ من هذه الوجوه (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ )، لا يسودّ وجه من هذه الوجوه (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ )، لا يسودّ وجه من هذه الوجوه ولا وجوه الآباء ولا الأمهات، ولا البنين ولا البنات ولا الزوجات ولا القرابات ولا السامعين ولا السامعات، ولا المحبين ولا المحبات، لا يسودّ ذاك في ذاك اليوم منهم وجه يا منوّر الوجوه، يا مبيّض الوجوه، يا حي يا قيوم نطلبه ونرجوه، يا الله يا الله يا الله يا الله بيّض وجوهنا بأنوارك يوم تبيَضُّ وجوه أوليائك، ولا تسوِّد وجوهنا بظلماتك يوم تسود وجوه أعدائك.

اجعلنا في الوجوه الناضرة، التي هي إلى ربها ناظرة، في الوجوه المسفرة، الضاحكة المستبشرة، يا الله يا الله يا الله. وجنّبهم الرّدى وارزقهم الهمّة في نصرة نبي الهدى، اجعلهم في أهل الجهاد في سبيلك، على الوجه المرضي لديك، أنفسنا قد اشتريتَها فهي لك، وأموالنا قد اشتريتها فهي لك، فلا تخذلنا يا مولانا بالخيانة في بيعنا معك (إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم) فأنفسنا لك، وأموالنا لك، فارزقنا بذلها لك، والوفاء بالعهد والبيع الذي بايعتنا عليه، (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) سمعها الصحابة فقالوا "ربح البيع فلا نقيل ولا نستقيل"، ربح البيع فلا نقيل ولا نستقيل، ربح البيع فلا نقيل ولا نستقيل، يارب ثبتنا، وارزقنا الوفاء في الحس والمعنى، وكن لنا بما أنت أهله، هناك وهنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 والحمدلله رب العالمين.

للاستماع إلى المحاضرة

 

العربية