خطر غفلة قلوب البشر عن إلهها الأكبر في الدنيا والمستقبل الأخطر وعظمة لا إله إلا الله في الدارين ووجوب وعي ذلك عند أهلها

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، بدار المصطفى، ليلة الجمعة 12 ذي القعدة 1441هـ بعنوان: 

خطر غفلة قلوب البشر عن إلهها الأكبر في الدنيا والمستقبل الأخطر وعظمة لا إله إلا الله في الدارين ووجوب وعي ذلك عند أهلها

 

نص المحاضرة:

 

 بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

الحمد لله ربِّ كُلِّ شيءٍ، وخالقِ كلِّ شيء، القادرِ على كلِّ شيء، مَن بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء، وإليه مَرجعُ كلِّ شيء. لا إله إلا هو القيُّومُ الحَي، أرسلَ إلينا المصطفَى مِن بني لؤَي؛ فجمَعَ لنا حقائقَ معاني مَداركِ الخَلْقِ والإيجاد بما يُمكِنُ أن تَتَوصَّلَ إليه عقولُ العبادِ، من إدراكِ سِرِّ الخَلْقِ والإيجاد، ومعرفةِ دارِ المَمَرِّ والزَّاد، ودارِ المُستقرِّ والمَعَاد، وهي حقائقُ إليها مرجعُ الخلائق، وحُكْم الحَاكِم على المُكَلَّفين بالخلودِ في الجنة أو نارِ الجَحيم – أجارنا الله منها-.

وكلُ ما يدورُ على ظهرِ الأرض -بمُختلفِ أشكالِه وألوانِه- يضمَحلُّ، ويتلاشَى، وينتهي، ويفنَى، ويزول.. أفراد، جماعات، أحزاب، دُول، شعوب، علوم، معارف، ملابس، مظاهر، مراكب، مقاعد، بيوت، منازل، وأرض، وسماء، ونجوم، وكواكب، وبحار، وطيران، وعلم فضاء، وعلم جيولوجيا، وعلم طب؛ يزولُ الكل، يضمحلُّ الكل، يتلاشَى الكل، ينتهي الكل..

فما أعظمَه مِن مستقبلٍ بعدَ هذا الانتهاء، فيهِ يقولُ المَلِك {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} أين أوهامُ المغترِّين بالأجهزة؟ أين أوهامُ المغترِّين بالحضارة؟ أين أوهامُ المُغترِّين بالسلطة؟ أين أوهامُ المُغترِّين بأسلحةِ الدَّمار؟ أين أوهامُ المُغترِّين بالأحزاب؟ أين الذين سَوَّلَ لهم غرُورُهم أن يؤذوا نظائرَهم مِن بني آدم؟ ولو بالقتل، ولو بالعُدوان، ولو بالظُّلْم، ولو بالتَّحَيُّلِ، ولو بالخديعة، وظنُّوا أنهم بذلك يُدركونَ الآمالَ فاضمحَلُّوا وآمالُهم، ومَن قتَل ومَن قُتِل، ومَن آذَى ومَن أوذي؛ فوقفوا بين يديَّ اليومَ.. فلِمَن المُلْك؟ أين أوصلَتهُم ظنونُهم؟ أين أوصلَتهُم أوهامُهم؟ ماذا حقَّقوا مِن آمالِهم؟!

ويا ما أصغرَ الذين انحصرَت آمالُهم في شهواتِ البطونِ والفروجِ ولم يُدرِكُوا سِرَّ الارتقاءِ للأرواحِ والعُروج، ولم يُفَكِّروا في الانتقالِ والخروج؛ ما أقصرَ عقولَهم، ما أقصرَ فكرَهم، ما أقَلَّ نظرَهم، وما أسوءَ أحوالَهم {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} تعالى الذي يجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه.

كم تسمَعون مِن قصصِ إخواننا.. بعضُهم قبلَ إسلامِه إمَّا على دينٍ باطل أو لا دينَ له أصلا؛ لكن فِطرتُه تشعر أنه له ربٌّ يرجعُ إليه، يذوق مرارةَ الحياة وشدائدَها في دولِ التطوُّر والتقدُّم. حتى يَعْجَب ما بقاؤه في هذه الحياة، وأليسَ الموتُ أحسنَ له؟ ولِمَ هو هكذا؛ ولكن يشعر أنَّ له قوةً يستند إليها فيدعو الرب جَلَّ جلاله..

دعاه من قبل أن يُسلِم، دعاه ولا دينَ له؛ لكن يشعر أنَّ له إلها.. يدعوه ورأى أثرَ الإجابة.

والمؤمنون الذين فتح اللهُ لهم أبوابَ الدعاء، ووعدهم الإجابةَ غَفِلُوا عن ذلك بتُرَّهات وبطالات! وراء جوالات ووراء شاشات! والذَّاكِر يذكر والداعي يدعو ولا ذكرَ ولا داعي لقلبٍ غافلٍ وذهنٍ ذاهل وعقلٍ اتَّبعَ كُلَّ سافل!

 العِزُّ أمامَه! العظَمَةُ أمامَه! هو بالإسلام والإيمان أقربُ إلى هذا الرَّبِّ إذا دعاه؛ ولكن فيهم طوائفُ كما قال الجَبَّار: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وصنفٌ من هؤلاء يرجعُ البلاءُ عليهم أن تنفتحَ لهم مظاهرُ مما يطلبون مِن المحسوسات حتى يبلغُوا منها ما يقرُبوا من غاياتهم فتنتهي وتضمحل {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}.

"أخذناهم" يقول، وهل غيره يأخذ؟ هل غيره يُحيي؟ هل غيره يُميت؟ راحوا.. أفراد وجماعات، حتى في زماننا.. كم من واحد ينطبقُ عليه الأخذُ بغتة؟

حتى إذا امتلأوا بِشْرَاً بمَا ظَفِروا ** ومُكِّنوا مِن عُلَاها أبْلَغَ المِكَنِ

ناداهمُ هِادِمُ اللذَّات فاقتحموا ** سبلَ المماتِ فأضحَوا عبرةَ الفِطَنِ

تلك القبورُ وقد صاروا بها رِمَمَاً ** بعد الضخامةِ في الأجسَامِ والسِّمَنِ

بعد التَّشَهِّي وأكل الطيِّبَاتِ غدا ** يأكلُهم الدُّودُ تحتَ التُّرْبِ واللَّبِنِ

تغيَّرَت منهم الألوان وانمحَقَت ** محاسِنُ الوجهِ والعينين والوَجَنِ

وعافَهم كُلُّ مَن قد كانَ يألفُهم ** من الأقَاربِ والأهلين والخَدَنِ

تلك القصور وتلك الدُّور خاويةٌ ** يصيحُ فيها غُرَابُ البَيْنِ بالوَهِنِ

أخَذ بغتة.. أخذ بغتةً طوائف، أخذ بغتةً دولا، أخذ بغتة ملوكا، أخذ بغتة شعوبا، أخذ بغتة أفرادا، أخذ بغتة جماعات {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا}

اليوم هذا.. كم مِن مأخوذٍ بغتةً في شرقِ الأرض ومغاربِها؟ كان يظنُّ أنه يَصِلُ إلى مقصدٍ وإلى غرضٍ وإلى مأربٍ فأُخِذ واُختِطفَت روحُه هذا اليوم، بسبب ظاهر وبغير سببٍ ظاهر.. وكلُّ الأيام تمرُّ على الناس وحالُهم هكذا وقلوبُهم غافلة وعقولُهم ذاهلة،

وتَثَبَّطَ المُتَشَكِّكُون فكأنهم ليسوا هنا ** سُحْقَاً لِمَن يَشُكُّ في الحَقِّ وقد تَبَيَّنَا

والأغرب؛ مِن أهل المِلَّة يضيِّعون حقائقَ الدعاء! وحقائقَ الخوفِ والرجاء، وحسنَ الالتجاءِ إلى ربِّ الأرض والسماء! مغترِّين بأقاويلَ جاءَت مِن هذا ومن ذاك!

ومَن ذا وذاك؟ ذا وذاك الذي اغترُّوا به لا فيهم مُرسَل ولا فيهم نبي ولا فيهم مؤمن بالله! ولا فيهم صاحبُ قلب رحيم يرحمُ عبادَ الله كما ينبغي! واغترُّوا بأقاويلهم!

ووحيُ ربِّك؟ وبلاغُ رسولِه؟ وكلام أنبيائه؟ ما لك به تأثُّر؟ ما لك به تَنَوُّر؟

فكيف تتطهَّر؟ كيف تَتنقَّى؟!

ولكن في أمثالِهم قال الجبارُ لرسوله: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ..} أمامَهم أغراضٌ معينة عشعَشت في نفوسِهم ما يريدون إلا هي، مِن سلطة، مِن مال، من وَضعٍ مخصوص ماديٍّ يريدُه، لا يريد غيرَه {.. يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} فمن يُطَهِّرها؟! وما لهم إلا النار! {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ..} صنفٌ مِن الناس يعيشون على هذه الأوصاف، وعلى هذا الأساس المُهْتَاس، وعلى هذا الفكرِ المُنحرفِ الضَّال، ما يشعرون بعظمَةِ الرُّبوبية والألوهية، وما خُلِقُوا إلا لمعرفةِ عظمتِها. بل وما خُلِقَت الكائناتُ مِن حواليهم إلا ليهتدوا ويستدلُّوا على عظمةِ هذا المكوِّنِ الخالقِ البارىء {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}.

فنِعْمَ الاستنادُ إلى الرَّب. نادوا قلوبَكم لتَستندَ إليه، لتُعوِّل عليه، لتَتذلَّلَ بين يديه، لتَصدقَ معه، تنالوا الرِّبحَ الأكبر والكنز الأفخر. واطلبوه أن يهديَ عباده. وسيهدي كثيراً من عباده. فإن تسَبَّبتَ بدُعاءٍ ودعوة أُثِبْتَ وأُجِرْتَ ورُفِعْتَ وحُزْتَ المقامَ وحُزْتَ المَنزلة، وحُزْتَ النعيم. وإلا فهو يهدي مَن يشاء.. لكن تَسَبَّب.

هذا حالُ المسلمين حدثوكم عنه.. فهذا قبلَ إسلامِه -وهو في ظلماتِ الكفر وفي أتعابِ شؤونِ المادِّيَّات التي قلوبُ مؤمنين معلقةٌ بها ما درَوا بظلماتِها ولا بآلامِها ولا بشُرورِها- له أصدقاءُ مِن المسلمين سنةً وسنتين وثلاث، ما سمع كلمةً مِن واحد منهم عنِ الإسلام!

لأنه مسلمون ما شعرُوا بواجبِهم! ما أدركُوا مهمَّتَهم! ما عرفوا عظَمَة ما عندَهم! ما أدركوا أنهم أتباعُ خاتَمٍ للرسل وقفَ يُبَلِّغُ المنهاجَ السليمَ مِن كُلِّ اعوجاج ويؤدي الأمانةَ ويقولُ لأمَّته: (ألا فليَبلِّغِ الشاهدُ منكم الغائب). ويقول لهم: (بلِّغوا عنِّي ولو آية). ويقول لأحدهم: (فوالله لأن يهديَ اللهُ بكَ رجلاً واحداً خيرٌ لك مِن حُمرِ النِّعَم).

ما يسمعون! وربما بعضهم ما هو مجرد تقصير فقط في التبليغ وخطابِ مَن يُجَالِسه مِن الكفار بالإسلام؛ إلا تأثُّر بظلُمُاتِ الكفر - مع أنَّه لم يخرج عن دائرةِ الدِّينِ ولم يكفُر- لكن عنده شعور أنَّ دينَه هذا غيرُ مقبولٍ في هذه العقليَّاتِ وفي هذه المحيطات! وأنه ما له حجة فيها وأنه ما عندَه بضاعة وأنَّ بضاعتَهم رائجةٌ وقوية!!

أنت تُصَدِّق هذا؟! أنت تشعر بهذا؟! ما عرفت قدرَ "لا إله إلا الله" يا حاملها؟! أنت تحملها وتحتقرها؟! أنت تحملها ولا تعرف منزلتَها؟! أخاف أن يُزَاغ قلبُك لا تموتُ عليها!!

أيُّ شيءٍ فوقَ "لا إله إلا الله" في الوجود؟!!

(ولو أنَّ السماوات – ليست الأرض فقط وحضاراتها وملوكها ومساراتها وأحزابها- السماوات السبع والأرضين السبع وُضِعَت في كِفَّة و"لا إله إلا الله" في كِفَّة لرجحت بِهِنَّ "لا إله إلا الله")!

عندك ما تعرف قدرَها؟!! عندك ما تُعَظِّم أمرَها؟! ما تقوم بنَشرها؟! ما تدعو إليها؟!

أنت قائل لها غير نائلٍ حقيقتها، غير نائل سِرَّها، غير مُتَحَقِّقٍ بما فيها! غير عارفٍ بقَدرها!

أنقِذ نفسَك! ما عندَ إنسيٍّ ولا جنِيٍّ أعظم مما آتاكَ اللهُ مِن كلمةٍ يَهتَزُّ لها عمودُ العرشِ إذا قالَها صاحبُ القلبِ المُوقِن. ويقول الحق: اُسْكُن. يقول: يا ربِّ حتى تغفرَ لقائلِها. يقول: غفرتُ له.

جاء في مسندِ الإمامِ أحمد كان صلى الله عليه وسلم مع جماعةٍ من أصحابه، قال: هل فيكم غيركم؟ -يعني يهودي أو مشرك ومَن يوصم بالنفاق- قالوا: لا يا رسول الله. قال: ارفعوا أيديَكم  قولوا "لا إله إلا الله". رفعوا أيديَهم قالوا "لا إلهَ إلا الله". لقَّنهم لسانُ النبوة مرَّة ثانية: قولوا "لا إلهَ إلا الله". قالوا "لا إلهَ إلا الله". ثالث مرة: لا إلهَ إلا الله. وقالوا "لا إلهَ إلا الله". قال: إنَّ الله قد غفَر لكم.

كلمة لها شأن! ما تعمله التلفونات ولا الأجهزة ولا الصواريخ ما تقدر تعمل شيء من هذا؛ لكن "لا إله إلا الله" تعمَل، غفرُ الذنوب" لا إله إلا الله" تعمل؛ أن يرضى ويتوب.

ما ذا يعملون من الأجهزة التي عندهم؟ لا يقدرون أن يَصِلُوا إلى هذا؟!

لكن عندك هذه الكلمة ما أعظمَها.. يا ربِّ ثبِّتنا عليها.

فَيَا رَبِّ ثَبِّتنَا على الحَقِّ والهُدَى ** ويَا رَبِّ اِقْبِضْنَا على خَيْرِ مِلَّةِ

قال الله لسيِّدِ مَن قالَها وأعظم مَن تَحَقَّق بحقائقها: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}. وقال عن كلمةِ سيدِنا يونس: {لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} : (أفضل الدعاءِ: دعاءُ أخي يونس). يقول الحقُّ فيه: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ..} هل وقفت عند يونس؟ قال لا {وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} كلُّ مؤمنٍ يدعوني بمثلِ هذا الدعاء أُنجِّيه، ولو في بطنِ حوت ووسط بحر وفي ظلمةِ الليل نُنجِّيه.. فما عندك من شِدَّة أكبر من هذا؟ التقمَه حوتٌ وغاصَ بِه في البحر وفي ظلمةِ الليل.. وبعدين؟ { فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ} {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} لن نضيِّق عليه؛ لماذا يخرج مِن دونِ إذنٍ وأمرٍ من البلد {فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ..} الباب ما تقفل؟ قال لا {وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}.

ونقولُها لهذه الغموم الحَالَّة بالأمة الظاهرة والباطنة: "لا إلهَ إلا أنتَ سبحانكَ إني كنتُ من الظالمين" ، "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" ، "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".

يا ربَّ ذا النون، يا ربَّ يونس وربَّ الحوتِ الذي التقَمه وربَّ البحر الذي غاصَ فيه، ويا ربَّ محمد ويا مُنزِلَ القرآن عليه؛ توجَّهنا إليك، تذلَّلنا بينَ يدَيك، سألناكَ بكتابِك وأحبابِك أن تُعَجِّل بكَشفِ الغَمِّ وننتظر وعدَكَ الذي لا يُخلَف {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}.

سمعتم هذا النبأ في الإذاعة؟ في إذاعة ربِّكم {وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} هل سمعتُم الخبر؟ هذا خبر وسط إذاعةِ الرَّب.

حقَّق اللهُ الإيمانَ في قلوبِكم، وقَبِل منكم توجَّهَكم إليه..

يا ربِّ: مَن حضَر ومَن يسمَع حقِّقهم بحقائقِ الوِجهةِ إليك، والتذلُّل بين يديك، وحقائق: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين"، مُعترفين، خاضِعين، خاشِعين، مُقِرِّين، مُتنوِّرين، مُستَبصرين، مُستَهدِين، راجين، طامعين، خائفين، موقنين: أن لا إلهَ إلا أنت، ولا مُنجِي إلا أنت، ولا كاشفَ للضُّرِّ إلا أنت، ولا دافعَ للسوء إلا أنت، وحدَك يا رب، فأغِثْنا بالحبيبِ المُقَرَّب، وأصلِح أحوالَ أمَّتِه يا أكرمَ الأكرمين في الشرقِ والغَرب، واكشِف عنهم كُلَّ هَمٍّ وغَمٍّ وكَرب.

يا الله .. يا الله

قُلها بكليَّتِك وهو ينظرُ إليك، وهو يسمعُك، وهو يَرقُبُ باطنَك، وهو أقربُ إليكَ مِن حبلِ الوريد..

إنه "الله" فقُل: "يا الله" ، يا الله، يا الله..

دَعوناكَ كما أمرتَنا فاستجِب لنا كما وعدتَنا {وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} نجِّنا في الدَّارين. وأنتَ القائلُ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.

لا إلهَ إلا أنتَ وحدَكَ لا شريكَ لك، آمنَّا بِكَ وبرسولِك محمد، فلا إله إلا اللهَ العظيم الحليم، ولا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، ولا إله إلا الله ربُّ السماواتِ ووربُّ الأرضِ وربُّ العرش الكريم.

اجعلنا عندكَ مِن أهلِّ الحظِّ العظيم، وثَبِّتنا على الصراطِ المستقيم، واجعلْ لهذا الجَمعِ ولِمَن يسمعُه اجتماعاً في دارِ النعيم، وسلامةً مِن الجحيم، وارتقاءً إلى فراديسِ الجنَّةِ العُلَا مع خيارِ الملأ، وتشريفاً لأعيُنِ الحاضرين والسامعينَ برؤيةِ وجهِ حبيبِك المصطفى، سيِّدِ أهلِ الصدقِ والوفاء، شَرِّفنا وإياهم برؤيةِ وجهِه في الدنيا والبرزخِ والآخرة، وأمتِعنا بِلَذَّةِ النظرِ إلى وجهِك الكريم،

يا الله، يا الله، يا الله

"يا الله" ما أعظمَ آثارَها، وما أطيبَ أخبارَها، والملأ الأعلى يَهتَزُّ بِها ولَها،

يا الله .. يا الله .. يا الله

يا ربَّنا وما أكثرَ القلوبَ التي خذَلْتَها فالتفتَت إلى فلوسٍ وإلى حكوماتٍ وإلى أنظمةٍ وإلى أحزابٍ، وجعلتَ في قلوبِ أمةِ حبيبك محمدٍ قلوباً حافظةً للعهدِ تقول "يا الله"، لا تلتفِت إلى سِواك، ولا تعتمِد على مَن عَداك؛ توقِنُ أنَّ الأمرَ لك، وأنك المالكُ الذي لا مُلْكَ لأحدٍ معه وإن كان في المَجاز مَلَك.

يا الله، يا الله.. نظرةً إلى قلبِ كلِّ حاضرٍ وسامع، تُرَقِّينا بها إلى مقامِ القُرْبِ الرَّافع، والوفاء بعهدِكَ الذي به نيلُ ما فوقَ المَآمِلِ والمطامِع،

يا الله، يا الله، يا الله

ولولا توفيقُك وفَضلُكَ ما قلناها، ولا اجتَمعنا على معناها؛ فلَك الحمدُ شكراً ولكَ المَنُّ فضلا، أذِقنا حلاوتَها، واسقِنا كأسَ حقائقِها، واجعلنا عندكَ مِن خَوَاصِّ أهلِها، واجعلَها ثابتَةً في أعقابِنا.

يا الله وكلُّ حاضرٍ وسامعٍ وله والدانِ أو قريبٌ لم يُسلِم فأكرِمه بالإسلام، وأخرِجهم مِن الظلام، واربُطهم بخيرِ الأنام، يا ذا الجلالِ والإكرام، يا ذا الطولِ والإنعام، حوِّلهم مِنَ الكُفرِ إلى الإسلام، حوِّلهم مِنَ الفِسْقِ إلى الائتمامِ بخيرِ الأنام، يا الله انقُلهم مِن الظلامِ إلى نورِ الإيمان.

يا الله، والمسلمون الذين أظلَمَت قلوبُهم وانحرفَت عن سواءِ السبيلِ رُدَّهم إليكَ مَرَدَّاً جميلا، خَلِّصهم وأنقِذهم وحَوِّل حالَهم إلى أحسنِ حال.

يا مُجيبَ الدعوات، يا قاضيَ الحاجات، يا ربَّ الأرضينَ والسماوات.. يا الله، برحمتِك يا أرحمَ الراحمين..

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

للاستماع إلى المحاضرة:

 

العربية