خصائص المؤمنين ووجوب تقويم رغباتهم ومقاصدهم إلى حقائق السعادة في الدارين

خصائص المؤمنين ووجوب تقويم رغباتهم ومقاصدهم إلى حقائق السعادة في الدارين
للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، بدار المصطفى ليلة الجمعة 8 صفر الخير 1442هـ، بعنوان:

( خصائص المؤمنين ووجوب تقويم رغباتهم ومقاصدهم إلى حقائق السعادة في الدارين )

 

نص المحاضرة:

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله عليه الاعتماد وإليه الاستناد، وبيدِه الأمرُ في الخافي والباد، في الدنيا والبرزخِ ويوم الميعاد، وبيدِه الأمرُ في الجنة وبيدِه الأمرُ في النار، وبيدِه الأمرُ على العرشِ، وبيدِه الأمرُ على الكرسي، وبيدِه الأمرُ في الملائكةِ والآدميِّين والجن، وبيدِه الأمرُ في الأجسادِ والأرواح، وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه، فهو الأولُ والآخِرُ والظاهِر والباطِن، وهو بكلِّ شيءٍ عليم، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، وهو السميعُ البصير، وهو العليُّ الكبير، وهو اللطيفُ الخبير، وهو الحيُّ القيومُ الذي لا تأخذُه سِنَةٌ ولا نَوم.

أكرَمَنا بالخلقِ والإيجاد، وواصلَ إرسالَ مَن اختارهم مِن عبادِه رسلاً إلينا حتى ختَمهم بخيرِ العباد، محمدٍ أجودِ الأجواد، وبلَّغَنا عنِ الله، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمة وكشفَ الغمَّة وجاهدَ في الله حقَّ جهادِه حتى أتاه اليقين، وتركَنا على محجَّةٍ بيضاءَ ليلُها كنهارِها، نأخذُ مِن ثمارِها امتداداتٍ لاجتماعات، وحصولٍ لعجائبِ صِلات واتصالاتٍ، وروابطَ وعلائقَ معنويات، للقلوبِ والأرواح والأسرار بالحقِّ ورُسلِه وملائكتِه، وشأن المستقبلِ الأعظمِ الأخطر، شأن مستقبلِ البرزخِ ومستقبلَ القيامة، بل مستقبل الخُلد والأبد، إما في الجنة وإما في النار، حقائق لن يجدَ أحدٌ مِن جميعِ المكلفين غيرَها آمَنَ أو كَفَر، أقبلَ أو أدبرَ، صدَّق أو كذَّب، أنابَ أو أدبَر، لن يصادفَ ولن يجدَ ولن يصلَ إلَّا إلى هذا، وإلا إلى برزخٍ ويومٍ موعود. قال الجبار جل جلاله :{وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}

{وعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا}

وإذا هذه المزاعمُ يظهرُ كذبُها، وتظهرُ خيبةُ أهلِها، ويظهرُ أن لا أساسَ لها، كان بعضُ مَن يَنتحِلُها ويدَّعيها في الدنيا يسمَّون علميُّون وعلمانيون وحداثيُّون ومتقدِّمون ومتطوِّرون ومتحرِّرون، فتصبحُ مزاعمَ لا حقيقةَ لها ولا حقَّ فيها ولا أصلَ لها: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا}

{وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ}

 {ذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ}

كيف حالهم في هذا المستقبلِ العظيم ؟

{فإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ۖ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ}

فيا خيبةَ مَن لم يؤمِن، والحمدُ لله على نعمةِ الإيمان، والحمدُ لله على استنادٍ إلى الرحمن، واعتمادٍ على الملكِ القويِّ العزيزِ الديان، عالمِ الإسرارِ والإعلان، مَن بيدِه الأمرُ وإليه يرجعِ الأمرُ كلُّه، لا إله إلا الله هو الباقي وما سواه فهو فان؛ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* ويَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} جل جلاله وتعالى في علاه؛ {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}

 فيا خيبةَ مَن لم يقصِد وجهَه ومَن لم يُرد وجهَه، ومَن لم يُخلِص لوجهِه الكريم، كائناً مَن كان {والعَصْر * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}

{آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فقصدوا وجهَه ونفَّذوا أمرَه.

{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ } مُستمسكينَ بوحيِه وإرسالِه وأنبائِه التي بعثَ بها النبيِّين.

{وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ثبَتوا على ما أحبَّ منهم حتى يقطعوا تلك المراحلَ والعقباتِ التي تَعترضُهم فلقُوا ربَّهم، فهم الناجُون ومَن سِواهم خاسِر، فهم الناجُون ومَن سِواهم هالك.

ثبَّتنا الله على الإيمان والعملِ الصالحِ والتواصي بالحقِّ والتواصي بالصبر، وزيَّنَ بذلك قلوبَنا، وزيَّنَ بذلك ديارَنا، وزيَّنَ بذلك مجتمعاتِنا.

 يا معشرَ مَن آمنَ بالحقِّ جل جلاله وبرسولِه الأصدقِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم: كلُّ مَن مضى منكم مِن عمرِه ما مضى وطلبُه وتعشُّقاتُه أن يزيِّنَ ذاتَه أو بيتَه بشيءٍ مِن زينةِ الحياةِ الدنيا التي توجدُ عند البَرِّ والفاجر والمؤمنِ والكافر والناجي والخاسر، توجدُ عند الكل، فعَليه بحكمِ إيمانِه باللهِ ورسولِه أن يصرفَ ويقلبَ رغبتَه لأن تتزيَّن ذاتُه وبيوتُه بمنهجِ الله، بحقائقِ القُربِ من الحق، برضوانِ ربِّ العرش، بسننِ صفوتِه مِن الخلق محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فهي حقائقُ الكرامة، حقائق الزينة، حقائقُ السَّناء حقائق البهاء، حقائق السعادة.

يجب أن تتحوَّلَ الرغباتُ مِنِ استغراقِ العمرِ بهذه الشؤون التي يستوي فيها البَرُّ والفاجرُ، ويُرادُ بها عمارةُ البيوت على مختلفِ التصوُّرات عند الناس في عمارةِ الديار والمنازل، يجب بِحُكمِ الإيمانِ أن تتحوَّل هذه الرغباتُ والصدقُ في الطلبِ إلى أن تتزيَّنَ منا الذواتُ والمنازلُ والمجتمعاتُ بسُنَّةِ خيرِ البريات، بمنهاجِ ربِّ الأرضِ والسماوات، فهي حقائقُ زينتِنا، وهي موجبةُ كرامتِنا، وهي الموصلةُ إلى السعادة، في الغيبِ والشهادة، في الدنيا والآخرة، فإنها توجيهاتُ ربِّ الدنيا والآخرة، وإن لم يحصل منك هذا التوجُّه الصادق فمتى يصحُّ لك الإيمان؟ متى تُصحِّح حقيقةَ دينِك؟ متى تُصحِّح حقيقةَ توحيدك؟ متى تُصحِّح حقيقةَ شهادتِك أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله؟

هل تصِحُّ لك شهادةُ أن محمداً رسول الله ورغبةُ القلب في عاداتِ بعضِ أعدائه أقوى مِن رغبةِ القلبِ في سننه!؟ وتفسح المجالَ لعاداتِ الكفار والفجار والمُستخفِّين بالدين وأهلِ الفسق أن تدخلَ إلى عندك في مناسبة الزواج ومناسبة افتتاح البيت ومناسبة الولادة، ومناسبة شيء مما يَعرِضُ لك في هذه الحياة.

متى تصحِّح حقائق توحيدك؟ متى تصحِّح حقائق إيمانك؟ متى تكون الرغبة أن تتزيَّن البيوت بالقرآن؟ بالسنة.. بالاستغفار في السحر.. بالخُلق النبويِّ الكريم.. بالهَديِ المصطفويِّ العظيم، ولكن ركيزة ذلك صلاحُ القلب فيما يحبُّ ومَن يحب، فإنه أقوى ما يتَّصل بحقائقِ الإيمانِ والشهادة.

لا تُترجم حقائق الإيمان بالله إلا بأسرار المحبّة، وعلى مقدارِ الإيمانِ تكون، وعلى حسبِ ما يتحقَّقُ في القلب مِن وعيٍ عن الله، وإدراكٍ لحقيقةِ وجودِه، وأن لا موجودَ سواه إلا بإيجادِه، ولا ممدودَ سواه بِحِسٍّ أو معنى، أو ظاهر أو باطن أو جسد أو روح أو مال أو حال أو سلطة أو غيره إلا مِن إمدادِه؛

{كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}

{انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}

فيا مؤمناً بالآخرة: الآخرةُ أكبرُ درجاتٍ وأكبرُ تفضيلا، فاسعَ وارغَب واصدُق في أن تحوزَ الأفضلَ والأرفعَ والأشرفَ والأعلى.

{لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ} .. ولو خفيَّ الهوى

{أفرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}

تطهَّر.. فما عُقِدَت هذه المجامعُ إلا لتنالَ طُهرَك، وتُدرِكَ خيرَك، وتصلَ إلى ربِّك، وتُنقَذَ مِن العوائقِ التي تقطعُك عن حظيرةِ القدس، التي يدخلُها مَن زكَّى اللهُ لهم النفسَ، وطهَّرهم مِن كلِّ رجس، وهم أهلُ جنَّةِ الله، اللهم اجعلنا منهم بفضلِك يا أرحمَ الراحمين.

{لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا}

{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}

 توحيدٌ للرحمن وحُسنُ معاملةٍ بميزان مع الخلقِ بميزانِه هو وبمنهاجِه وما أنزلَ مِن الشريعة، فمِن أوائلِ مَن تتعاملُ معهم وتُحسِنُ إليهم؛ الوالدان {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} إلى آخرِ ما ذكرَ سبحانه مِن الخُلقِ الكريم مع الوالدين وخفضِ جناحِ الذلِّ لهما والدعاء، وما أتبعَ ذلك مِن البُعدِ عن قتلِ النَّفس ومن البُعدِ عن الزِّنا، ومن البُعدِ عن الإسرافِ ومن البُعدِ عن التَّبختُرِ على وجهِ الأرض، آياتٌ بيِّنات وصِفاتٌ كريمات ومسالكُ واضحاتٌ في كتابِ الحقِّ جل جلاله، زيَّن اللهُ قلوبَنا بتدبُّرِه وتأمُّلِه.

{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}

ويا معشرَ مَن لم يؤمن، هل لكم أن تقفُوا لحظات؟ .. لحظات تُنصِفون فيها لأنفسِكم مِن أنفسِكم، يوجد زينةٌ غير ما عرفتُم، شأنُها وسيعٌ وعظيمٌ وكبير، تتعلَّق بما فقدتُم مِن طمأنينةِ النفوسِ المتوفرةِ في كثيرٍ مِن فقراءِ ومرضَى المسلمين بقدرٍ كبير، أنتم محرومون منها حتى أصحاب المُلكِ منكم وأصحاب الثروة وأصحاب الحظِّ المالي الكبير، زينةٌ تتَّصل بزينةِ الحياةِ الأخرى التي ينبغي لعقولِكم أن تقفَ عند أنَّ مَن أوجدَ الحياةَ الأُولى غيرُ عاجزٍ عن أن يوجِدَ حياةً أخرى، وكلُّ ما في الحياةِ الأولى شواهدُ قدرتِه على أن يحييَ ثانياً وثالثاً، فهل تُنصفوا من أنفسِكم وتُلقَوا السمع؟

{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}

ما هو الجنون الذي يقولون عنه في هذا النبي؟! أفي أخلاقِه! أم في طرحِه! أم في إرشادِه! أم في معاملتِه! ما هو هذا الجنون! أين الجنون؟!

{ ثمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ} صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ونِعمَ النذيرُ المبينُ، ونعم البشيرُ عن العليِّ الكبير صلوات ربي وسلامه عليه، والحمد لله على نعمةِ الإيمان ونعمةِ الإسلام.

إلهنا.. اجتَمعنا واستمعَ إلينا مَن استمع، مؤمنين بك وبهذا الرسول وراغبين في مرافقتِه فلا خيَّبتَ رجاءَنا.

إلهَنا: وإن اقتضَى ما اقتضى مِن غفلاتنا وذنوبِنا انقطاعاً عن ذلك الجناب فبحقِّه عليك وبمنزلتِه لديك وما بينك وبينه، اِدفع عنَّا شؤمَ تلكَ القواطعِ كلِّها، وعافِنا مِن ذنوبنا وزلَلِنا وسيئاتِنا ومعايِبنا في الظاهر والباطن، وتُب علينا توبةً نصوحا، زكِّنا بها قلباً وجسماً ورُوحا، فإنَّا نؤمُّلكَ ونرجوكَ ونظنُّ بك، أن لا تكرمَنا بالاجتماعِ مِن أجلِك في الدنيا ثم تقطعنا عن الاجتماعِ مع هادينا إليك ودالِّنا عليك في العقبى. فلا خيَّبتَ رجاءنا ولا رددْتَ دُعاءَنا، الحاضر فينا ومَن يسمَعنا ومَن في منازلِهم وديارِهم اجعلنا في زمرةِ هادينا إليك ودالِّنا عليك.

آمنَّا به وصدَّقنا وشهِدنا أنَّ ما جاء به هو الحق فأقِم منَّا شواهدَ التصديق، بالاستقامةِ على طريقهِ خير طريق، واللحوقِ بفريقهِ أعظمِ فريق، والظفرِ بمرافقتِه أعلى رفيق، ياالله.. ياالله.

الشهرُ الأول مِن عامِنا الهجري قد رحلَ عنَّا ومضى، وتوالَت علينا أيامُ الشهرِ الثاني وقد مضَى علينا منه أسبوعٌ وأنت حسبُنا، ونسألك الرضاء، واللُّطفَ فيما يجري به القضاء، وأن تتداركَ الأُمةَ يا غياثَ المستغيثين بفرجِك العاجل ولُطفِك الشامِل يا الله.

يا سيِّدَنا وإلهَنا هذه القلوبُ بين يديك، وهذه النفوس وأنت أعلمُ بها مِنَّا فآتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها أنت وليُّها ومولاها، وأصلِح قلوبَنا.

إلهَنا وهذه الأحوالُ بين يدَيك وأنت أعلمُ بها وأخبرُ بها، اللهمَّ فحوِّلِ الأحوالَ إلى أحسنِ حال، وعافِنا مِن أحوالِ أهلِ الضلال وفِعلِ الجُهَّال، يا كبيرُ يا كريمُ يا حقُّ يا جوادُ يا وال، يا عظيمَ النوال يا جزيلَ الإفضال، يا مَن ليسَ لِمُلكهِ زوال، يا حيُّ يا قيومُ يا ذا الجلال يا الله. نطرقُ أبوابَ كرَمِك ونسألُ منَّتَك ونقول يا الله.

ونلجأ إليك متذلِّلين بين يديكَ قائلين بالقلوبِ والألسنِ يا الله. نؤمِّل فرجَك للمسلمين وغياثَك لهم وأن تزيدَنا مِن إفضالك وألطافِك بقُدرتِك الباهرةِ يا الله. ونسألكَ أن تجعلَ كلَّ شهرٍ مِن أشهرِ هذا العام خيراً لنا مِن الشهرِ الذي قبلَه يا الله.

ونسألكَ بركةً في أسابيعِه ولياليه وأيامِه حتى يكونَ كلُّ أسبوعٍ لنا خيراً مِن الذي قبلَه، وكلُّ يومٍ خيراً مِن الذي قبلَه، وكلُّ ليلة خيراً مِن التي قبلَها، يا معطي العطايا ودافعَ البلايا ومُصلحَ الظواهرِ والخفايا يا ربَّ البرايا يا الله.

ولم نكُن بدعائك ربِّ أشقياء، فما شَقيَ مِن دعائك داعي، ولا رجعَ عن بابِك الوسيعِ راجعٌ بغيرِ إنجاحِ المساعي، يا الله.

تُوفِّق للسَّعيِ الجميلِ ثم تشكرُه وقلت : {ومَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} فنعوذُ بِك مِن سعيٍ يعودُ إلى ندمٍ يومَ القيامة أو إلى خِزيٍ يومَ الطامَّة.

اللهم فاجعَل جميعَ الحاضرين والسامعين عندك مِن أهلِ السَّعيِ المشكور، يا الله .. يا الله، وما مضى مِن غيرِ ما يُشكَرُ مِن سعيِنا فامحُهُ وبدِّلهُ إلى حسنات، وما بقي مِن العمرِ فلا تجعل سعيَنا فيه إلا مشكورا، وفِعلَنا فيه إلا خُيورا، وجزاءاتِنا إلا ثواباً وأجوراً.

قَوِّم نظراتِنا، قَوِّم أسماعَنا، قَوِّم كلماتِنا، قوِّم إراداتِنا، قَوِّم حركاتِنا وسكناتِنا، فإنَّا نعوذُ بوجهِك الكريمِ مِن حركةٍ أو سكونٍ يعقبهُ حسرةٌ أو ندامةٌ في الدنيا أو يوم القيامة، يا مصلحَ الصالحين يا الله.. يا الله.. يا الله.. على بابِك وقَفنا، وبأعتابِك لُذنا، ولرحمتِك رجَونا وهي أرجَى عندنا مِن كلِّ عملٍ لنا، ومغفرتُك أمَّلْنا وهي أوسعُ مِن كلِّ ذنبٍ مِن ذنوبِنا، ومِن جميع سيئاتِنا وخطايانا، يا الله.. يا الله.

ما خاب مَن رجاك، ولا جُبِهَ بالردِّ مَن دعاك، وأنتَ القائل: {وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}

{وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وليُؤمنوا بِي }..

ارزُق هذه القلوبَ صدقَ الاستجابةِ لِندائك.. لِدُعائك يا الله.. يا الله.

يا ربِّ ما آتَيتَنا مِن إيمانٍ فَزِدنا إيماناً، واجعل لنا زيادةً في الإيمانِ في كلِّ لحظةٍ مِن مَّا بقيَ مِن أعمارِنا، وفي كلِّ نَفَسٍ، وفي كلِّ لمحةٍ، وفي كلِّ طَرفَة، حتى تكونَ ساعةُ لقاءِ أحدِنا لكَ خيرَ ساعاتِه، يلقاكَ وأنت راضٍ عنه فيظفَر بأعلى سعاداتِه، يا الله.. يا الله.

ساعاتِ الخواتيمِ لنا ولكلِّ حاضر وسامع ولمَن والانا فيك نستودعُك إياها ونسألكَ كمالَ حُسنِها فأحسِن لنا الخواتيمَ يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا أرحمَ الراحمين.

واجزِ عنا الرعيلَ الأولَ أفضلَ الجزاء، وأعِد علينا عوائدَ خديجةَ وأمهاتِ المؤمنين، وفاطمةَ وبناتِ سيد المرسلين، وآل بيتِه الطاهرين وصحابتِه الأكرمين، واجزِهم عنا خيرَ الجزاء وأفضلَ الجزاء وأحسنَ الجزاء وأعلى الجزاء وأوسعَ الجزاء يا ربَّ الأرضِ والسماء.

يا الله، جعلتَهم أولَ مَن استقبلَ النَّبأ واتّصلَ بخاتمِ الأنبياء، وكانوا الأوعيةَ التي تلقّتْ عنه الإرسال، وتلقّتْ عنه الإنزال، وتلقَّتْ عنه حميدَ الخصال، وتلقَّت عنه البيانَ الذي به تصلُح الأحوال، فاجزِهم أفضلَ الجزاء، وبارِك فيما نشرتَ عبرَهم إلى مَن بعدَهم، قرناً بعد قرنٍ في عنايةٍ منكَ بحبيبِك محمد أوجبتَ أن يكون في كلِّ قرنٍ سابقون، وأن يكونَ في كلِّ قرنٍ مجدِّدون، وأن يكون في كل قرنٍ هادون مُهتدُون، فاجعلنا اللهم منهم وفيهم، وأصلِح لنا شؤونَنا كلَّها بما أصلحتَ به شؤونَ الصالحين، يا مصلحَ الصالحين يا ربَّ العالمين، واشمُل بذلك أهالينا وأولادَنا وذرارينا وقراباتِنا وجيرانَنا وأصحابَنا وذوي الحقوق علينا يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا أكرمَ الأكرمين ويا أرحمَ الراحمين بحبيبِك الأمين وأهلِ حضرتِه، وصلِّ عليه وعليهم أجمعين.

 والحمد لله رب العالمين.

للاستماع إلى المحاضرة

العربية