حقائق الفوز في الغايات الكبرى بحسن الصلة وقوتها بمالك الدنيا والأخرى وشنيع خطر الانقطاع عنه

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 23 شوال 1442هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:

حقائق الفوز في الغايات الكبرى بحسن الصلة وقوتها بمالك الدنيا والأخرى وشنيع خطر الانقطاع عنه.

 

نص المحاضرة:

 

بسمِ اللِه الرَّحمنِ الرَّحيم

الحمدُ للهِ الحيِّ القيُّوم الدائم، لا إله إلا هو وحدَه لا شريكَ له، يرعَى ما لرسولِه المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مِن آثارٍ ومآثرَ ومعالِم، وأعظمُها ما كان في ذواتِ كلِّ صادقٍ مع الحقِّ بشرعِه عالم، وبه عامل مخلص لوجهِ الكريم جلَّ جلاله ثابت على الصراطِ المستقيم؛ فتلكم آثارُ سيدنا محمد، فتلكم أنوارُ سيدنا محمد، وتلكم هداياتُ سيدنا محمد، وتلكم أخلاقُ سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله؛ تتجلَّى في تلكم الذوات، وتَحِلُّ فيها وبها البركات، وتنتشر بها الخيراتُ في الظَّواهر والخفيَّات في مشارقِ الأرض ومغاربِها. ووراء ذلك لخيراتِهم تلك اتصالاتٌ بالسماوات السبع، وبما فوقَ السماوات السَّبع، وبالبرزخِ والآخرة.. فما القارات في الدنيا! وما الكوكب الأرضي الذي نحن عليه؟!

إنَّ هؤلاء اتصلوا بمُكَوْكِبِ الكواكب، بمُنشِىء الوجود، بخالق البرايا والعوالم جلَّ جلاله؛ فلذا كان ما حصَّلوه منه مِن خيرٍ أكبر مِن الأرض، وأكبر مِن السماء، وأكبر مِن هذه العوالم؛ لاتِّصالهم بهذا الحيِّ القيوم جلَّ جلاله، اتصالَ مَن عبدُوه وتحقَّقوا بالعبوديَّةِ له وخضَعوا لجلالِه؛ فأشرقَت عليهم أنوارُ جماله، وذاقوا لذَّة وِصالِه. وهو الدائم وهو الحيُّ القيومُ جل جلاله وتعالى في علاه {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} يقول في الحديث القدسي: ( إنني إذا أطاعني عبدِي رضيتُ عنه، وإذا رضيتُ عنه باركتُ فيه وفي أثرِه، وليس لبرَكتي مِن نهاية، وإذا عصاني عبدي غضبتُ عليه وإذا غضبتُ عليه لعنتُه، ولعنتي تبلغ السابع من الولد ) _ والعياذ بالله تبارك وتعالى-.

فهكذا الشؤون.. وما الذي يخسرُ مَنِ انقطعَ عن هذا الإله أو عاندَه أو جحدَ به؟ أو كفرَ به أو كذَّبَ رُسلَه؟ خسارة ما هي بمقدارِ الأرضِ ولا ما في الأرض.. لا هي خسارةُ قصورِ الأرض ولا خسارة مُلكِ الأرضِ ولا خسارةُ فقرِ الأرض، ولا خسارةُ المرضِ في الأرض.. أكبر مِن ذلك! يقع في خسارة كبرى! يقع في ندامة دائمة! يقع في عذاب مستمرٍّ مُهين أليم عظيم كبير شديد مستمر! - والعياذ بالله تبارك وتعالى–..

فهذا الإنسان ما أخطر شأنَه في اتِّصاله بالرحمن وانقطاعِه، إن اتَّصل ما أعظمَ جمالَه، وما أعظمَ نوالَه، وما أعظمَ فوزَه بحقائقِ السعادة في الغيبِ والشهادة. وإن انقطع عن هذا الإله وعاند وكفر وأدبر ما أعظمَ خسرانَه، ما أعظم هوانَه، ما أعظم عذابَه، ما أعظم خيبتَه وشدَّته الأبدية! -والعياذ بالله تبارك وتعالى-

إنه "الله".. إنه "الله".. إنه "الله"..

اُربط هذه القلوبَ بك يا رب، وصِلْها بمُواصلتِك لمَن أحببتَ ولك أحب، يا ربَّ الدنيا والبرزخِ والمُنقلَب، يا مَن بيدِه الأمرُ كلُّه وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه لا تقطعنا عنك، ولا تحُلّ بيننا وبين رضوانِك الأكبر ومَنِّكَ الأوفر ومرافقةِ خيرِ البشر.. يا الله .. يا الله .. يــــــا اللــــــه

هو المُنعِم علينا وعليكم بالحضور، وهو المُنعِم علينا وعليكم بإشراقِ النورِ في الصدور، وبشهادةِ أن لا إله إلا هو وأن محمداً عبدُه ورسوله بدرُ البدور، الشفيعُ الأعظم يومَ البعثِ والنشور، صاحب الحوضِ المورود واللواءِ المعقود، سيدُ أهلِ جنانِ الخلود، التي لا يؤذنُ لأحدٍ أن يدخلَها حتى يدخلَها هو، ولا لصالحٍ أو وليٍّ أو شهيدٍ أو مُقَرَّبٍ أو صِدِّيقٍ مِن الأممِ أن يدخلَها حتى تدخلَ أمَّتُه، فهو صاحبُ الراية، وهو منتهى الغاية في محبةِ الإله ورضوانه وتمجيدِه سبحانه وتعالى وتعظيمِه وإكرامِه وإنعامِه، لا إله إلا هو.. فمحمدٌ الفردُ في البرية، والوحيدُ في الخليقةِ في الظاهرة والخَفِيَّة، صلوات ربي وسلامه عليه.. اللهم احشُرنا في زُمرتِه أجمعين.

وهؤلاء الأكارم الوَرَثَة له حبالٌ تُوصِل إليه وتَربِط به؛ فبذلك عَظُمَت النعمة على مَن والاهم في الله جل جلاله، وعلى مَن أحبَّهم في الله جلَّ جلاله.

إنَّ الهَوسَ وإنَّ البلادة وإنَّ البلاهَةَ في مَن يُتقِنُ صناعةً أو أجهزةً أو طائرةً بلا طيَّار ثم يخسر ربَّه! ويخسر خالقَه وصلتَه به! ويخسر موالاة مَن والى الله ومعاداة مَن عادى الله!

هذا الأهْوَس! هذا الأبله! هذا الأحمق! هذا الذي يقول يوم القيامة: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}!

لا فوزَ ولا حيازةَ لحقيقةِ السعادة إلا بموالاةِ الله وموالاةِ أوليائه مِن أجله، وإلا بمعاداةِ أعدائه مِن أجلِه. قال سيدُ أهلِ وَصْلِهِ وإمام الظَّافرين بفضلِه في دعائه لربِّه: (نُحِبُّ بحبِّك الناس، ونُعَادِي بعداوتك مَن خالفكَ مِن خلقِك) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وهو صاحب هذه الدعوات التي كان يردِّدها في كُلِّ يومٍ صلى الله عليه وسلم: (أسألكَ الأمنَ يومَ الوعيد، والجنةَ يومَ الخلود مع المُقَرَّبِينَ الشُّهود، والرُّكَّعِ السجود المُوفين لك بالعهود، إنك رحيم ودود وأنت تفعل ..) صفة الربوبية (وأنت تفعل ما تريد). ولا يكون إلا ما يريد، ولو كان ما كان مِن شأن الكافرِ العنيد، والظالمِ الجحود فهو تحتَ إرادتِه وقَهرِه وقُدرتِه، والمرجعُ إليه، ويحكم بين عبادِه فيما كانوا فيه يختلفون.

ولمَّا قال رأسُ الكفرة ورأسُ الظَّلَمَة ورأسُ المعاندِين الجاحدين إبليسُ لمَّا قال {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ..} استثنى قال {..إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} لمَّا يجي أمرك ونورك وإرادتك أنا ما أنا شيء.. (إلا عبادك) {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ..}، {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}. وأمَّا أتباعك ومَن رضي بِك بدلاً عن وحيِي وأنبيائي ورسلي {..لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} -والعياذ بالله تبارك وتعالى.

اللهم أجِرنا مِن النار، اللهم أجِرنا مِن غضبِك يا قهَّار.

ولا شيءَ أخوفُ على مُكَلَّفٍ مِن هذا.. لا والله! لا أمراض ولا علل ولا فقر ولا زلزلة ولا قنابل.. لا شيء أخوف عليه من غضب الجبار! لا شيء أخبث عليه من غَضبِ الواحد القهَّار جلَّ جلاله! لا شيء أضر له -كائن ما كان- ولو أن يُقَطَّع قطعة قطعة في عالمِ الدنيا ما هو أضر عليه مِن غضبِ الجبَّار جَلَّ جلاله! غضبُ الجبَّار لا يُطاق! وهو الأشَد!

اللهم أجِرنا مِن غضبِك وأجِرنا مِن عذابِك، ونسألك يا ربَّ الدنيا والآخرة خيرَ الدنيا والآخرة، وأن تكفيَنا شرَّ الدنيا والآخرة، وأن تُسعدَنا في الدنيا والآخرة، وأن تُهيِّئنا لحُسنِ المَعَادِ يا كريمُ يا جواد يا الله.. يا الله..

ومِن سِرِّ المتابعةِ التي حظيَ بها حبيبُنا عليُّ المشهور في أقوالٍ له وأفعالٍ له، ومقاصد ونيَّات، وصدرٍ حُشِي بالهمِّ بخلقِ الله، مِن أجل الله، بالهمِّ بدينِ الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه.. وتُوِّجَ في ذلك أنه ورثَ ذلك مِن سندٍ مَكِينٍ ثَمِينٍ قَويمٍ قَوِيٍّ؛ مِن عارفٍ عن عارفٍ وقطبٍ عن قطبٍ ومُقَرَّبٍ عن مُقَرَّبٍ وصدِّيق عن صدِّيق إلى حضرة النبوَّة؛ في مسلكٍ قال عنه الإمام الحداد:

فبالحقِّ فلنأخذ علومَ طريقِهم ** يَدٍ بِيَدٍ حتى مَقَامِ النبوَّةِ

ولذا قال للذي بعقلِه أو بفكرِه يريد أن يَطمِسَ معالمَ الأخيارِ والصالحين وهؤلاء الأطهار المقرَّبين، بهوى نفسِه أو بشيءٍ مِن تَحامُل غِلِّه وغشِّه:

أيريدون أن يُطفِئوا بأفواه زورهم** مصابيحَ نورٍ قد مَحَت لظلامٍ

من السَّلَف الماضين والخلَفِ ** الذي كِرَام السجايا أعقبَت بكِرَامِ!

يا مَن في وقتِ الحبيب علي المشهور أُغوِيت واغترَرتَ بجيش وسلطة ومعسكر شرقي قال لك إن عنده مُلك الأرض ووضعت على حلقِه مسدَّسَك وأنت تكلمه: -وقد مرَّت السنين الآن- ماذا بقي من ذكرك؟ وما حصَّلت مِن نتائجِ أمرِك؟ وما كان عاقبةُ أمرِك إلا خُسُر! وكيف يُذكَر هذا الذي مددتَ يدك عليه؟ وكيف يُمَجَّد ونحن في الدنيا؟ استندتَ إلى مَن؟! أنت استندتَ إلى حزب وحكومة، خذِ الجزاءَ حقك! لكن هذا السَّند إلى واحد أحد فرد وصمد فليأخُذ جزاءه..

وهل هذا لهم وحدهم؟ لكل أهلِّ هذا الاتجاه في كلِّ الأوقات، وفي كل الأماكن، مَن ارتفعَ إلى فوق بالصدقِ مع الحيِّ القيوم ومراقبته هو الرابح وهو الفائز وهو المرفوع القدر.

 والاغترارات هذه..!

وكان حزبُهم في تلك الأيام يكتب في أماكن وسط تريم "لا صوتَ يعلو فوقَ صوت الحزب"! كذبوا.. هذا الصوت عالي فوق حزبِكم، صوت محمد، وصوت قرآنه.. هو الذي لا يَعلو عليه صوت.. وإن خطفتم وإن هدَّدتم وإن قتلتم..

خِطط مَن خَطَّها لكم!؟ وظننتم أنكم بها تمحُون ما يريد اللهُ أن يُثبت أو تُثبِتون ما يريد الله أن يمحو؟ كذبتم الأمر له لا لكم، والحكم له لا لكم، والدنيا له، والآخرة له. ومعكم الأوهام والخيالات والضلالات.. سمَّيتموها ثقافات وتقدُّمات وتطورات.. فاصرفِوها.. شوفوا كم صرفَها يطلع بعدين وما نتيجتها! عيوننا رأت النتائج ونحن في الدنيا، والستارة ستنكشف وسنرى الحقائق {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ..} -يقول القوَّة العُظمى قوَّة الرحمن الإله-: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ..} -لو كنتم غير محاسبين ومجازين كما يقول لكم نبيُّنا محمد وجاءكم بهذه الرسالة- {.. تَرْجِعُونَهَا..} -رُدُّوا روحاً واحدةً مِن هذه الأرواح.. لكبارِكم لزعمائكم لمؤسِّسي أحزابكم- {تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ..} -ما يقدرون- {..فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ..} -يقول العلي العظيم- {..إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} هذه الغاية، هذه النهاية.. خلِّ الهَوس، خِلِّ الوهمَ والظلامَ والخيال، خَلِّ اعتمادَك على غيرِ الله ما يسوى شيء {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} كلُّ المستندِين لغير الله.. أفراد وجماعات وشعوب ودول {كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا}.

 ومَن يوجد مِن المعتمدين على "الله" تبارك وتعالى فقد أوَوا إلى ركنٍ شديد، هم الذين أوَوا إلى ركنٍ شديد. كما قال صلى الله عليه وسلم في سيدِنا لوط لما جاء الملائكة له، فجاء القومُ أربابُ الشهوات اللي ما يعرفون إلا شهوتَهم ولا يعرفون قدرَ ضيف ولا قدر مَن جاء ولا قدر حُرمة ولا قدرَ عِرض.. وقال لهم سيدنا لوط عليه السلام: هذه الشهوةُ التي خلقَها الله لكم تصرِفوها في محلّها بالزواج هؤلاء بناتي -يعني بنات أهل المنطقة عنده وقومه- {قَالَ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ}، {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ} قال صلى الله عليه وسلم: (لقد أوى لوط إلى ركنٍ شديد).

وين الركن الشديد هذا؟ ما شي حوله حكومة ولا جماعة ولا أسلحة؛ أوى إلى "الله" جَلَّ جلاله فخاطبَته الملائكة {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ..} خلّهم وزمجرتَهم هذه ما بيقدرون على شيء {لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ}، {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ}، {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ..} لماذا؟ لأنها في اتجاهها مالَت إلى المنحطِّين، مالَت إلى السافلين؛ فانحطَّت معهم مسكينة! وإلَّا كانت بقربِ الحِصنِ الحصين، بقربِ النور المبين.. لو أنها اتَّقت ودخلت مع لوط لنَجَت مع الناجين وسَعِدَت أبدَ الآبدين، لكنها ظنَّت أنَّ المَهْقَلَة حق هؤلاء والسَّقَاطَة حقهم وجمعهم أنها شيء وأنهم بيحمونها.. ما أحد حماها ولا أحد أعلاها! سَفُلَت وخَسِرَت ونَدِمَت واستمرَّ خُسرَانُها إلى الأبد -والعياذ بالله- {..إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ *  فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}  قال الله هذه النقمة على مَن ظلم ليست بعيدةً على مَن ظلم؛ على مَن آثرَ غيري، على مَن كذَّب برسلي.. ما هذه النقمة ببعيد.. أمرَ سيدَنا جبريل يحمل قُرَاهُم التِّسْع، فحملَها ورفعَها ورَدَّها رأسَاً على عَقِب.. وانتهوا.. "لا إله إلا الله"

وهل هم هؤلاء وحدهم؟ وكم قبلَهم وكم بعدَهم! وإلى ما قبلَ أوقاتنا هذه، وإلى ما عايَنَّاه في أوقاتنا، وكذلك السنَّة فيما يأتي! والوعدُ يومَ الوعد، ويعرف الناسُ مَن الفائز ومن الرابح، ومَن المُنحَط ومَن الخاسر، مَن السعيد ومَن الشقي {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} كما قال الله جَلَّ جلاله {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}.

وتتجلَّى جميعُ الأمور.. نحن نعيش في زمانٍ مَن يَقتل فيه الأطفالَ ويعتدي فيه على حقوق الخلق يدَّعي القمَّة في الديموقراطية والتقدُّم والعدل.. وقدَّام الناس قتَّل خلقَ الله! مئات الأطفال على يده يموتون! وهو محل التقدُّم والتطور وحقوق الإنسان! هل هو كلام هو؟ هل هي ألفاظ هي؟!  ما لهم حقيقة! وتُغني الأقوال شيء؟ وتنفع أصحابها شيء؟

قد قال الله تعالى أنَّ هذا الصنف الأهوس في فكره: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ..} هذا في ميزانهم.. فما الميزان عندك يا قوي يا حاكم يا دائم؟ قال: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ..} انظروا الأنبياء وأتباع الأنبياء.. {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ..} هكذا في ميزانكم!؟ شوف ميزان الدائمِ القويِّ الحاكم، يقول جَلَّ جلاله وتعالى في علاه: {..أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ}. وبعدين صنف الكذابين المنافقين منهم: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} نضحك على هؤلاء.. تضحكون على مَن؟  قال الحق تعالى ليس أحبابي هؤلاء المؤمنين سيضحكون عليكم بل {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} قال أنا أُرَوِّيكم كيف أنتصرُ لأحبابي، ونفاقكم ما ينفعكم، تجيء بوجه وتروح بوجه.. وأين مُقَلِّب القلوب وأين المُطَّلع على الغيوب جَلَّ جلاله.. "أهو غاب؟!" ظنَّيت نفسك ستعمل ما تشاء؟ الفعّال لما يريد غيرك؛ "هو"، أنت واحد من العبيد، إن أطعتَه فُزت وسَعِدْت وإن عصيتَه خِبْتَ وخَسِرت، الفعال لما يريد "هو" هو وحده جَلَّ جلاله {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}.

له الحمدُ وله الشكرُ، جمعَنا على هذه الأنوار، وعلى هذه الخيرات والأسرار وتذكُّرِ الأخيار. أعلى اللهُ درجاتِ حبيبنا علي المشهور، وفقَدنا في عامنا معَه وقبلَه وبعده كثيراً مِن أهل النور وأهل الخير وأهل الهدى، رفع اللهُ درجاتِهم وجمعَنا بهم في أعلى الجنة. كما مات في العام من أهلِ الشقاءِ ومِن أهلِ النار كثير، والمصير مُقبلٌ على الصغيرِ وعلى الكبير، وبيقوم الناسُ لربِّ العالمين جَلَّ جلاله، وسيحكمُ بينهم و {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ؛ فلا فوزَ إلا مع النبيِّين وأتباعِهم.

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا..} تقول لهم الملائكة {..هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ..} الصدق ما هو عند أحزابكم ولا عند هيئاتكم ولا عند حكوماتكم ولا عند مكاتبِكم ومؤسساتكم.. الصدق عند الرسلِ والأنبياء، اليوم كلامُهم هو الذي يتَّضح، ويُعرَف أنَّ الحق ما قال الأنبياء، لا ما قال هؤلاء المفسدون كائنين من كانوا {هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} -الله أكبر .. أمر الله إذا جاء- {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} آتٍ آتٍ، مُقبِل فما أقربه! أنت تستبطىء بك السنوات المعدودة ستضمحل.. ليست سنواتك أنت.. سنواتك وسنوات أولادك وسنوات جماعتك كلهم قليلة ومَن يجي بعدك إلى وقت النفخ في الصور لا تساوي شيء عند مجيء النفخ في الصور.. (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ}.

ما كل آت قريب {أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، {..إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بتعرف الفوز لمن؟ {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ} يقول الله خالفتم مُرَادَات أنفسكم إيماناً بي في الدنيا فاليوم كل ما تريدُه أنفسكم أُحَضّره لكم {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} الله الله .. تركتُم أهواءَكم مِن أجلي وتركتُم شهواتِكم إيمانا بيّ.. فاليوم كل ما تشتهون {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. يقول سبحانه وتعالى: { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ..} فوق هذا كله قال أنا بنفسي بأعطيكم السلام من حضرتي {سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} الله! يا ما أحسنَ مآلَهم وعاقبتهم!

والصنف الثاني فين؟ {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} روحوا..

هؤلاء: {سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} (أحلُّ عليكم رضواني فلا أسخطُ عليكم بعدَه أبدا) وهؤلاء: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} تأمل الفرق! { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}

هذا هو المستقبل الأكبر لمَن آمنَ ولمَن كفر.. ما يُغَيِّرُه إيمانُ مؤمن ولا كُفر كافر.. هو هو كما حكم جل جلاله وكما أراد الفعَّالُ لما يريد.

فالله يهيئنا وإياكم لحُسنِ المَعَاد، ويُزَوِّدنا بأشرفِ زاد، ويُعلي درجاتِ هؤلاء الأمجاد، ويجمعنا معهم في زمرةِ خيرِ العباد، ويجمعنا بهم في جناتٍ تجري مِن تحتِها الأنهار، وفي فراديسها العُلا يا كريم يا غفَّار

فيَا ربِّ واجمعنا وأحبابا لنا ** في دارِك الفردوسِ في أطيَبِ مَوْضِعِ

فضلاً وإحساناً ومَنَّاً منك يا** ذا الجود والفضْلِ الأتَمِّ الأَوْسَعِ

برحمتك يا أرحم الراحمين..

انظر إلى جمعِنا وإلى مَن يسمعُنا، فاجمعنا في ذاك اليوم مع خيارِ القوم، في زمرةِ سيِّدِهم محمد صلى الله عليه وسلم، يا رب قِنَا الندامة فبئستِ الندامة ندامة يوم القيامة، قِنَا القيامة وقِنَا مِن عذابِك يومَ تبعثُ عبادَك، وأظلَّنا في ظلِّ عرشك يومَ لا ظلَّ إلا ظلك، وأورِدنا على حوضِ نبيِّك المورود، وأسكنَّا في جنانِ الخلود، في زمرتِه والمقرَّبين الشهود الرُّكَّعِ السجود الموفينَ لك بالعهود إنك رحيم ودود، وأنت تفعل ما تريد.. يا الله.. يا الله.. يا الله

ساعة أعطاكم إيَّاها تتذلَّلون لعظمتِه فيُفيضُ عليكم مِن كرامتِه وعِزَّته ويُهيئكم لحُسنِ المصير عند مُلاقاته.. فاسألوه واطلبوه ولا تضيِّعوا ساعةَ عطائه وجودِه وإسدائه وعظيمِ نعمائه.. لا إله إلا هو، جمعكم ليُربحَكم وليمنحَكم ولينظرَ إليكم وليناديكم مناديه: "أن قومُوا مغفوراً لكم قد بُدِّلَت سيئاتكم حسنات"، يا ربَّ الأرضِ والسماوات هذه أيدينا بالافتقارِ إليك والذِّلَّةِ بين يديك، آمنَّا بك وأنك ربُّ كلِّ شيء، ومليكُ كلِّ شيء، وإليك يرجعُ كلِّ شيء، فيَا ربَّ كُلِّ شيء بقدرتِك على كُلِّ شيء، اغفر لنا كُلَّ شيء، وأصلِح لنا كُلَّ شيء، ولا تسألْنا عن شيء ولا تُعذِّبنا على شيء.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. برحمتِك يا أرحمَ الراحمين..

وكل سَاعٍ في الخير.. إخواننا في مركز الإبداع الثقافي ومَن قام معَهم والناظر إليهم ومؤسِّسهم حبيبنا أبوبكر بن علي المشهور أَمِدَّه بكمالِ العافية ودوامِها وطولِ العمرِ في عافية تامة، ومضاعفة نفعٍ وانتفاع، وارتقاء وارتفاع، وخيرا يعمُّ الجهات والبقاع، يا حيُّ يا قيُّوم، وسعيا صالحا في أشرف المَسَاع، وزيادةً مِن كلِّ سموٍّ وارتفاع، وعطايا وساع، وسلامة مِن الآفات والعاهات.

اللهم ومَن في زمانِنا مِن أربابِ القلوب وأربابِ المعارف والصادقين معك أمتِعنا بهم في عوافي، وأصلِحِ الظواهرَ والخوافي، اللهم وصلاتِ القلوب بكَ احفظها علينا وعلى جميعِ مَن والانا فيك، وكل حاضر وسامع وفِّر حظَّه مِن هذه المِنن، وتولَّنا وإيَّاهم في السرِّ والعلَن، يا حيُّ يا قيُّوم يا رحمن يا الله.. يا الله..

أنتم السعداء بِدُعاه، وأنتم المُشَرَّفون بالمناجاة، وأنتم الرابحون مِن قولِكم بقلوبِكم وأسرارِكم وألسنتِكم: " يا الله".

خيرُ ما نطقتُم به، أشرفُ ما وُفِّقتُم له: أن تقولوا له "يا الله"، خاضعين خاشعين متذلِّلين، راجين طامِعين، متوكِّلين عليه، معتمدِين عليه، متذلِّلين بين يديه، راغبِين فيما عنده، خائفين مِن عذابه، تقولون له "يا اللــــــــه"

أتمِم لنا ولهم السعادة، أصلِح لنا الغيبَ والشهادة، نَقِّنا عن جميعِ الشوائب، ارفعنا إلى عليِّ المراتب، واسقِنا مِن أحلى كُلِّ المشارب، يا كريمُ يا واهب، يا مُنيلَ الرغائب، يا دافعَ المصائب، يا مَن بيدهِ أمرُ الحاضرِ والعواقب.. يا اللــــــــــــــــــــه..

وعجِّل بتفريجِ كروبِ المسلمين، ودفعِ البلاءِ عن جميعِ المؤمنين، ولا تَصرِفنا مِن المجمعِ إلا والقلوبُ عليك مجموعة، والدعوات عندكَ مسموعة، وجميع البلايا والآفات يا ربِّ عنَّا مدفوعة، يا حيُّ يا قيُّوم يا رحمن يا رحيم يا الله.. برحمتك يا أرحمَ الراحمين، وصلِّ على عبدِك الأمين، ولكَ الحمدُ في كُلِّ حالٍ وحينٍ، والحمدُ لله رب العالمين.

للمشاهدة:

للاستماع:

 

 

 

العربية