حقائق الإيمان ومسلكه ومعالم تطبيقه

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، ليلة الجمعة 25 جمادى الثانية 1443هـ بعنوان:

حقائق الإيمان ومسلكه ومعالم تطبيقه

 

نص المحاضرة:

 

الحمد لله الذي يجمعُنا ويُسمعنا وينفعُنا، اللهم ضاعِف لنا النفعَ واكتب لنا عندك الارتقاءَ والاعتلاءَ والرَّفْع؛ فإنه لا يُخفَضُ مَن رفعتَ ولا يُرفَعُ مَن خفضتَ، و: (إنه لا يذلُّ مَن واليت، ولا يَعِزُّ مَن عاديت) {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} ومن يُكرِم الرحمنُ فما له مِن مُهين.

أعزَّنا بطاعتك، أَعِزَّنا بمعرفتك، أَعِزَّنا بقُربك، أَعِزَّنا بمحبَّتك، أَعِزَّنا بالاقتداءِ بنبيِّك محمد صلى الله عليه وسلم، أَعِزَّنا بالتخلُّصِ من سلطةِ الأهواءِ والشهواتِ والنفوسِ وشياطينِ الإنسِ والجنِّ؛ حتى نكون عبيداً خُلَّصَاً لك وحدك، لا إله إلا أنت.. اعزَّنا اللهم بذلك العِزِّ، وأنت الذي قلت: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.

علِّمنا يا رب..

وقد عَلِمنَا وأيقنَّا أنَّ العزَّة لكَ ولرسولك وللمؤمنين فحَقِّقنا بحقائقِ الإيمان، وارفعنا في مراتبهِ العَلِيَّة الحِسَان، يا كريمُ يا منَّانُ، يا رحيم يا رحمن.. يا الله..

فإنَّ عنايتَك ساقَتنا حتى وقَفنا على أبوابك، ولُذنا بأعتابك، وتوجَّهنا إليك بأحبابك، وبما تحب، وبمن تُحِب، وبأسمائك وصفاتِك وذاتِك العليَّة؛ فارحم اللهم مَوْكِبَاً ساقَته عنايتُك حتى شُرِّفَ هذا الشَّرَف، وتوجَّه إليك، لا يألو إلى مَن غَفِلَ ولا إلى مَن أسرف. لك الحمد يا مَن وفَّقتَ فأتمِم النعمة على الحاضرين والسامعين، ولا تدَع واحداً منهم إلا قبلتَه في القُربِ مِن حضرتِك، وقَبِلتَه في نيلِ محبَّتك ومودَّتِك، وأكرمتَه بسرٍّ مِن معرفتِك.. يا الله.. يا الله.. يا أكرمَ مدعو، يا خيرَ مرجو، يا مَن له الوجوه تَذِلُّ وتَخضَع وتعنُو {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}.

وكلُّ مَن آثرَ شهواتِ نفسِه على أمرِ ربِّه فقد حملَ ظُلما، وكلُّ مَن استحسنَ أنظمةَ خَلْقٍ في الشرق والغرب على نظامِ ربِّه فقد حمَلَ ظُلما، وكُلُّ مَن ضيَّع أبناءَه أو بناتِه لأفكارِ الفجارِ والكفارِ دون أنوارِ الوحي والنبيِّ المختار فقد حَمَلَ ظُلما {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} -والعياذ بالله-، وكُلُّ من اعتدَى على الغَير -بأيِّ وجهٍ مِن الوجوه- بغيرِ حقٍّ فقد حمَلَ ظلما..

و: (اِتَّقُوا الظُّلْمَ فإنَّ الظُّلم ظلماتٌ يومَ القيامة)

{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا * وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}   

رَبِّ زِدنَا عِلمَاً، رَبِّ زِدنَا عِلمَاً، وارزقنا فَهْمَاً، وجنِّبنا الظلمَ وآفاتِه، أعزَّنا بقُربِك وبطاعتِك وبمعرفتِك وبمحبَّتك يا أكرمَ الأكرمين.

فأهلُ ذلك هم أهل العِزِّ الأبديِّ الدائم، الثابت القائم، مِن غير انقطاعِ إلى الأبد، أهل العِزَّة بالذي لا يفنَى ولا يبيد مُلْكُه، ولا يخرج شيء عن قبضتِه، الواحد الحيِّ القيوم -جَلَّ جلاله- الذي وفَّقكم فاجتمعتُم على بابه، ولُذتم بأعتابه، وتوجَّهتم بسيِّدِ أحبابه -صلى الله عليه وسلم-.

ولا يجد المؤمنون مِن الإنس والجنِّ في الشرقِ والغربِ عنواناً ولا علامة على صدقِهم في الإيمانِ بالله وتوحيدِه مِن مثلِ محبَّةِ محمد؛ الذي هو أكرم مَن يُحَبُّ مِن أجلِ اللهِ الأكرم، أكرم مَن يُحَب مِن أجل الله، أعز مَن يُحَب مِن أجلِ الله، أعظم مَن يُحَب من أجلِ الله "محمد بن عبدالله" -صلى الله عليه وسلم-

وباليقين الذي لا مريةَ فيه لا تتمكَّنُ محبَّتُه في قلبٍ إلا تمكَّنت محبةُ آلُ بيتِه، وتمكَّنت محبةُ صحابتِه، وتمكَّنت محبَّة ورثتُه وأهل خلافتِه، والسائرين على دربِ متابعتِه -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؛ أمرٌ يقينيٌّ حتميٌّ بمقتضَى العقلِ وبمقتضَى الشرع.

ولذا نُفِيَ الإيمان عمَّن خلَا قلبُه عن محبَّة آل البيت أو عن محبَّة الصحابة من المهاجرين والأنصار، وإن زعمَ أنه مؤمن، وإن عمل من الأعمال ما عَمِل، وقال لهم زين الوجود: (لا يحبُّكم إلا مؤمن ولا يبغضُكم إلا منافق) كما قال لسيدِنا علي، وقال: (لا يؤمنون حتى يحبُّوكم لله ولقَرابتِي)، وقال: (آيةُ الإيمان حبُّ الأنصار، وآيةُ النفاقِ حبُّ الأنصار، ولا يحبُّهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، ومَن أحبَّهم يحبُّه الله ومَن يبغضْهم يبغَضه الله)؛ فامتزَجت حقيقةُ الإيمانِ به وحقيقةُ توحيدِه وحقيقةُ محبَّته بمحبةِ هؤلاء، ومعرفةِ قدرِ هؤلاء.

فعلى ذلك فَعِش واحْيَ أيها المؤمن، وإن جاءك تفسيرٌ مِن نفسِك أو مِن أحدٍ مِن آل الشرقِ والغربِ للإسلام والإيمان وحقائقِها غير هذا فهو كذبٌ وهو ضلال، وهو خطأ. هذه حقائقُ الإيمان بشواهدِ العقلِ بل بشواهدِ الوحي، بشواهدِ البلاغِ النبوي عنه صلى الله عليه وسلم؛ حتى تؤتي ثمارَها بمحبَّة المؤمنين.

ولا يحب المؤمنين صادقاً أحدٌ ما يحبُّ رؤوسَهم! ولا يحب أصولَهم ولا يحب أسسَهم! كيف يحب المؤمنين؟ ( والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابّوا)

فإذا أحبَبنا المؤمنين هل يمكن أن نحبَّ المؤمنين ونبغضَ رؤوسَهم؟ كبارَهم، عظماءَهم، آل البيت الطاهر، الصحابة الأكابر؟

كيف ".."؟! كيف يُعقَل؟! كيف يُصَدَّق؟

العقل والنقل قاضيان ألا حقائق إيمان إلا هنا، وفي هذا المسلكِ الأهنى والمشربِ الطيِّب الأسنى في هذهِ الطريقة، في هذه الحقيقة، في هذه الأذواق، حقائق الإيمان وحقائق الإسلام وحقائق الإحسان. وهي المؤكَّدَات بالمعرفة لكلِّ عارف، وكلما اتَّسعَ في المعرفةِ بالله تأكَّدَت فيه محبةُ المؤمنين عامَّة وخاصَّتهم خاصَّة. ورؤوسهم مِن النبيِّين والملائكة؛ جعل اللهُ الإيمانَ بهم أركاناً في الإيمانِ به جَلَّ جلاله.

ما الإيمان؟ (أخبرني عن الإيمان؟...) قل أن تؤمنَ بالله سبحانه وتعالى وأنه واحد أحد فرد صمد حيٌّ قيومٌ بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء!!؟ بل قال: (أن تؤمنَ باللهِ وملائكتِه وكُتبِه ورسله) هذا الإيمان..

(أن تؤمنَ بالله وملائكته) تعرف قدرَ الملائكة وتؤمنَ بهم وبوجودِهم وأنهم معصومون وأنهم مكرمون عليه

(وكُتبه) المنزلة مِن السماء.. ما تجيب لك أنظمة مِن عند ذا أو مِن عند ذاك.. ساعة يُملي عليك فكرُك وشيطانُك، وساعة واحد مِن شياطينِ الإنس أو الجن وتأخذه نظام عظيم وتترك الكتب المنزلة من فوق! آمِن بها واتَّبِعها..

و(رُسله) اِعرف قدرهم، اِعرف اختيارَ الحق لهم {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}

(أن تؤمنَ باللهِ وملاكتِه وكُتبِه ورسلِه وباليومِ الآخر) المقبل عليك لتستعدَّ له وتتزوَّد له، ثم في مجريات الأمور أنَّ فوقها قهَّاراً يقضي بحكمِه لا يُشاركُه غيرُه (وبالقضاءِ والقدرِ خيرِه وشرِّه) مِن الله تبارك وتعالى.

هذه حقائق الإيمان بتفسير "محمد"..

أنت تذهب عند مَن يفسِّر لك الإيمان ذا!؟ حد يفسِّر لك الإيمان بأن ادخل في الحزبِ الفلاني، وحد يفسِّر لك الإيمان بأن اشتغل بالوظيفةِ الفلانية، وحد يفسِّر لك الإيمان بأن قاتِل آل فلان، وحد يفسِّر لك الإيمان بأن تُطوِّر فكرَك في صناعات، وحَد في زراعات، وحَد يفسِّر لك الإيمان في عمل أسلحة والإبداع فيها!

فسِّروا ما تفسروا؛ الإيمان أخذناه عن "محمد" خيرِ مَن آمَن، وما عُرِفَ الإيمانُ إلا به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وقد آمَن لنا بخبرِ ربِّنا بقوله سبحانه وتعالى في المنافقين: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}

وبذلك آمنَّا.. فالحمد لله على نعمة "محمد"..

وهذا تفسيرُه للإيمان؛ أن نؤمن: (باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخِر وبالقدرِ خيرِه وشره) ثم ذكر نتيجتَه وثمرتَه فقال: (المؤمن مَن أَمِنَه الناسُ على دمائهم وأموالِهم وأعراضِهم) هذا المؤمن.. ما أحد يخاف منه يزيغ ولا ينحرف ولا يعتدي في مال ولا في نفس ولا في عرض.. هذا هو المؤمن، وأخذ يذكرُ العلاماتِ للإيمان ويقول: (لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه) (لا يؤمنُ أحدُكم حتى يكونَ هواه تبعاً لما جئتُ به).

ولا يزال في هذه الأسس الأصول وفروعها يذكر علاماتِ الإيمان وحقائقَ الإيمان في بلاغِه، ويأتي إلى أصولها ويقول: (لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه مِن والدِه وولدِه والناس أجمعين)

ويُقسِمُ الرَّبُّ بحقائقَ في الإيمان ويقول: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}

هذا هو الإيمانُ كما عرفناه مِن القرآن، كما عرفناه عن محمد، وعرفناه في سيرةِ علمائنا وصلحائنا وسندِهم إلى الصحبِ الأكرمين.. هذا هو الإيمان.

حقِّقنا بحقائقِه يا رب، وزِدنا إيماناً يا رب.. برحمتِك يا أرحمَ الراحمين وجودِك يا أجودَ الأجودين.

وبذلك نعلَم أنَّ الإيمانَ يقتضي اغتنامَ هذه الأعمارِ والاستعداد للقاءِ الواحدِ القهَّار.

ونتذكَّر في هذا الشهر ولادةَ السيدةِ فاطمة -عليها رضوانُ الله- بضعةِ سيد المرسلين، سيدةِ نساء أهل الجنة. ونرجو أن يكون نساؤنا مِن أهل الجنة.. أزواجنا وبناتنا وأخواتنا وأمهاتنا..

 وإن كُنَّ مِن أهل الجنة فكلُّ واحدةٍ منهنَّ تشعر روحُها بسيادتِها.. هذه سيدةُ نساءِ أهلِ الجنة.. ما سيدتها ممثلة، ما سيدتها مغنية، ما سيدتها فرنسية ولا سيدتها أمريكية ولا سيدتها بريطانية ولا سيدتها روسية..؛ سيدتها "فاطمة بنت محمد بن عبدالله"..

إذن فلا رغبة في الاقتداء بتلك ولا بتلك؛ إن شي قدوة فهو "فاطمة"، إن شي زيّ فزيّ "فاطمة"، إن شي خُلُق فخُلُق "فاطمة" ، إن شي كلام فكلام "فاطمة"، إن شي مسلَك فمسلَك "فاطمة"

على يد مَن تربَّت؟ على يد مَن نشأت؟ أيُّ يدٍ صاغَتها بالصياغةِ العظيمة؟

وهو ابنُ خمسٍ وثلاثين سنة وُلِدت فاطمة، في عامِ وضعِ الحجرِ الأسود عندما جدَّدت قريشٌ بناءَ الكعبة وُلدت السيدة فاطمة، وهي ابنةُ خمس سنين و{اقرأ} نزلت في حراء وجاء أبوها -صلى الله عليه وسلم- مِن حراءَ إلى عند أمِّها خديجة.. وهي ابنة خمس سنين -عليهنَّ رضوان الله-

هنّ اللاتي قارنَ إسلامُهنَّ نزولَ الوحي.. في الساعة التي نزل الوحيُ فيها بناتُه مسلمات -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّ الأطفال دينُهم دينُ آبائهم؛ ولذا ما ذكروهن فيمن سبقَ إلى الإسلام ذكروا غيرهن.. أما بناته ما يذكرن؛ في اللحظة التي نزل فيها جبريل هنَّ مسلمات.. تبع أبيهنّ -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-

ولكن كان أول مَن أسلم خديجةُ بنت خويلد، وكان فيمن سبَقَ بعدها إلى الإسلام مَن في بيته -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة، ولم يَسبِق من أصحابه إلى الإسلام أبا بكر الصديق فكانَ أولَ مَن أسلم مِن صحبِه الكرام، وذُكر عنه قال: (ما كلمتُ أحداً -يعني من عموم أصحابه- في الإسلام إلا كان له بعضُ تردُّد إلا أبا بكر) بمجرد ما كلمتُه قال أنا معك أشهد أن لَّا إله إلا الله وأنك رسولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ *  لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ}

يا رب حقِّقنا بحقائقِ الإيمان، واحشُرنا مع هؤلاء الأعيان في زمرةِ سيدِ الأكوان.

ويودِّعكم الشَّهر ولا يأتينا الأسبوعُ القادم إلا ونحن في شهرِ رجب، في مثلِه حملت آمنةُ بسيِّدِنا محمد، في مثلِه أُسرِيَ به صلى الله عليه وسلم، وعُرِجَ فوق السماوات العُلا بروحِه وجسدِه الشريف {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ}

يَا مَا أعظمه من شرف، نتحدَّث عن هذا الشرف الأفخم.. ما هو اكتشاف قمر ولا مريخ! علَا فوق السماوات العُلا النبي محمد ليتصِّل بالرَّبِّ الأعلى ويأتينا بهذه الصلاة ويأتيها بهذه الخيرات.. الحمد لله على هذه المِنَّة.

وفي مثل هذا الشهر حُمِلنا في سفينةِ نوح وستة أشهر فوق المياه ولولا عنايةُ الله وعينه ترعاه لتكسَّرت السفينة.. وما تكون هذه السفينة؟ ولكن قال ربكم: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} وإلى شهر محرم ست أشهر والمياه.. ثم {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} قال ربنا يُذكِّرنا هذا: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} سفينة نوح؛ حملناكم لأننا كُنَّا في أصلاب الذين في السفينة.. ما أحد مِنَّا إلا وهو من صلب من أصلاب الذين في السفينة {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}.

ارزقنا وعيَاً يا رب، واهتداءً واقتداءً نَسعَدُ به ونرقى رُقِيَّاً يا رب، ونسمو مع الذين قويَ لهم الإيمان وجعلتَ مأواهم أعلى الجِنَان، مِن غيرِ سابقةِ عذاب ولا عتاب ولا فتنةٍ ولا حساب يا رحمن..

يا الله..

ادعوه، وارجوه، وتوجَّهوا إليه، متذلِّلين بين يديه، قولوا: يا ربَّ العرش، يا رب السماوات والأرض، يا ربَّ محمد، يا ربَّ آلِ بيته، يا ربَّ صحابتِه، يا ربَّ جبريل، يا ربَّ ميكائيل، يا ربَّ حملةِ العرش، يا ربَّ أهلِ السماوات والأرض: ما تهبه بالعِزِّ بالإيمان بِك وبرسولك فهَبنا أوفرَه، وأجلَّه وأكثرَه، وأعظمَه وأفخرَه، ظاهراً وباطنا .. يا الله ..

وهيِّئ لذلك قلوباً كثيرةً في شرقِ الأرض وغربِها مِن الإنسِ والجنِّ تمنحُهم الإيمان، تمنحُهم المحبة، تمنحُهم الاستقامة، تمنحُهم الصدق، تُلحِقنا وإيَّاهم بخيارِ الخلق.

يا حيُّ يا قيوم مِن الخزائن التي خزنتَها لحبيبِك افتح لنا مِن كبارِها ومِن عِظَامها ومِن أوسعِها ما تنشرُ به الهدايات وتدفع به الغوايات والشرور والآفات، يا مجيبُ الدعوات يا قاضي الحاجات.. يا الله

الله الله يا الله لنا بالقبول..

للاستماع إلى المحاضرة:

للمشاهدة:

 

 

العربية