ما موقف الشرع من ذكرِ اللهِ تبارَكَ وتعالى في المساجدِ جهراً بعدَ انصرافِ الناسِ من الصلاةِ، هل هو بدعةٌ أم سنةٌ؟ وكم فضْلُهُ عندَ اللهِ تبارك وتعالى؟

نقولُ إنَّ من الواجبِ علينا أمامَ ذكرِ اللهِ عدة أمور:
الأمرُ الأولُ : أن نرعى طمأنينةَ قلوبِنَا بذكرِ اللهِ وَوَجَلهَا ( إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) (وتطمئن قلوبهم بذكر الله ) فهذا الواجِبُ أن يكون على كلِّ مسلمٍ مناَّ هذا الواجبُ الأول.
الأمرُ الثاني: الجهرُ والإسرارُ وردا عن صاحبِ الشريعةِ، في عهدِه صلى الله عليه وآله وسلم، فمن يقبل واحداً ويردُّ الثاني يردُّ على صاحبِ الشريعة، ومنَ أرادَ أن يفعلَ واحداً منهم دونَ الثاني فلا شيءَ عليه قط، فلو أراد أن لا يذكرَ إلا في السر فلا شيءَ عليه، ورد في الحديث القدسي يقولُ النبيُّ محمدٌ عن ربِّ العزة (من ذكرني في نفسِهِ ذكرتُهُ في نفسي، ومن ذكرني في ملأٍ ذكرتُهُ في ملأٍ خيرٍ منه) وهذا حديثُ البخاري عن ابن العباسِ: رفعُ الناسِ الصوتَ بالذكرِ كان على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند الإنصرافِ من المكتوبةِ، وكنت أعلم أنهم انصرفوا بذلك إذا سمعتُه، فلما يكون خارجَ المسجدَ يعلمُ أنَّهم أكملوا الصلاةَ بهذا الصوت، هذا الحديثُ في صحيحِ البخاري يرويه سيدُنا ابن عباسٍ لأنه صغيرُ السنِّ قد يكونُ خارجَ المسجدِ فيسمعُ أصواتَ الصحابةِ بالذكر، وعندنا تقريباً خمسون حديثاً واردة في الجهرِ بالذكرِ وفي فضلِهِ، وعلى أيِّ حالٍ فلو أردت أن تذكرَ اللهَ جهراً فاذكره، أو أردتَ أن تذكرَ اللهَ سراً فاذكره ولا شيء عليك، لكن أن تتحاملَ على المسلمينَ.. من أباحَهُ لك؟ هذه بدعةٌ بلا خلافٍ، التحاملُ على أهلِ الإسلامِ بدعةٌ بلا خلاف، لأنها مناقضَةٌ لنصوصٍ صحيحةٍ صريحةٍ، أما قضيةُ رفعِ الصوتِ بالذكرِ والمسلمين يصلِّحُونَ عليها مشاكل، الصلواتُ المفروضَةُ اللهُ جعلَ بعضَها سرية وبعضَها جهرية، هل فيه شيءٌ؟ وإلا بحجَّةِ أنَ اللهَ يسمعُ لا داعي من رفع الصوت في المغربِ والعشاءِ والفجرِ لأنَّ اللهَ يسمع، وبما أن ربي يسمع كل شيء فالأفضل أن نُسِرُّ في الصبحِ وفي المغربِ، هل هذا ممكن؟ هذه ليست حجة فربي يسمعُ خاطري دونِ أن أتكلم، أنا أعلمُ هذا، أنا لا أجهر من لكي يسمع ربي ، أنا أجهرُ من أجلِ أن أعبدَ اللهَ بصوتٍ آتانيه، ومن أجلِ أن أُذَكِّرَ غيري بالإله سبحانه وتعالى، ومن أجلِ أن يذكرَني في الملأ الأعلى كما أخبر النبيُّ صلى الله وسلم عليه وعلى آله، ليست المسألةُ مشكلةً من أصلِها، لكن مع وضوحِها وورودِها في الحديثِ الصحيحِ كم قام عليها من نزاع؟ تضاربوا وتقاتلوا، لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، يا أخي أسكت ساكت لا تجهر بالذكرِ، وإلا اقعد محلَّك، لكن لا تؤذي الناس، وأنت إذا أردتَ أيضاً أن تجهرَ بالذكرِ راعِ عندَ الجهرِ بالذكرِ أن لا يكونَ بجانِبِكَ مصلِّي ورفعُكَ إلى حدِّ تشوش عليه، يكونُ بحدٍ معقول، كلكم يناجي ربه من دون أن يشوِّشَ هذا على هذا، وليكن جهرُكَ أيضاً بالذكرِ مع طلبِ الإخلاصِ لله تبارك وتعالى لا للسمعة، ولتكن معتدلاً أيضاً في ذلك بحسبِ الحاجة، فالكلُّ مشروعٌ في شريعةِ النبيِّ محمدٍ صلى الله وسلم عليه وعلى آله، في الجهرِ بعد الصلاةِ على وجهِ الخصوصِ هذا الحديثُ الذي ذكرتُهُ في صحيحِ البخاري، والأمرُ في غايةِ السعة، والمهمُّ أن تكونَ ذاكراً للهِ بقلبِكَ إن جهرتَ أو أسررتَ بلسانِك، ، المشكلةُ إذا قد ذكرُ اللهِ بدل ما توجل منهُ وتطمئنُّ به.. تغضبُ من عليهِ وعلى الذاكر، ويتحمَّرُ ويتلوَّنُ وجهك ، وبدل ما يجيكَ الخوفُ والوجلُ يجيه الزمجرةُ والشفُّ ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً) ولولا الحكمةُ في فائدةِ الجهرِ أحياناً لما جاءت الصلواتُ على هذه الصورة، ولما كان الحقُّ يأمرُ عبدَهُ داؤدَ أن يذكرَهُ جهراً فتأوِّبَ الجبالُ معه تأويباً ( يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ) عليه صلواتُ اللهِ وتسليماتِهِ مع النبيِّ وجميعِ الأنبياءِ والمرسلين.