تفسير سورة الحِجْر، من قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}، الآية: 45

تفسير سورة الحِجْر، من قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}، الآية: 45
للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الحِجْر من قوله تعالى:

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) ۞ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) )

ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية

نص الدرس مكتوب:

الحمدُلله مُكرِمِنا بوحْيه وتنزيله، على قلب ولسان عبده وحبيبه ورسوله، سيدنا محمدٍ خير خلق الله، وأجلِّهم مرتبةً لديه ومنزلة صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه واتبع هداهُ وعرف منزلته وفضله، وعلى آبائهِ وإخوانهِ من الأنبياء والمرسلين سادات أهل الهدى الكَمَلة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

أما بعد،،

فإننا في نعمة تدبُّرنا لكلام ربنا، وتأمُّلنا لتعليمات وتوجيهات خالقنا وإلهنا سبحانه وتعالى، وصلْنا في سورة الحِجِر إلى قوله جلَّ جلاله: (إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ  (46) وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمۡ فِيهَا نَصَبٞ وَمَا هُم مِّنۡهَا بِمُخۡرَجِينَ (48))، وقد بيَّن لنا الحق سبحانه وتعالى شأن هذا الخلْق والوجود وخَلْق الإنسان على وجه الخصوص، وما أكرمه سبحانه بالخلافة وأمَرَ الملائكة بالسجود لآدم وما حصل من تَعنُّتِ إبليس ومعاندته، وما صرَّح به من أنه يريد إغواءنا وإضلالنا، وما قابله به الحق -جل جلاله- (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ (42))، اللهم اجعلنا منهم واحفظنا وأُسَرنا وأهلينا وأولادنا ومن في ديارنا ومن في جوارنا من اتِّباع الرجيم الملعون العدو الخبيث. فمن اتبعه من الغاوين هم الذين تُسعَّرُ بهم نار جهنم، اللهم أجرنا من النار. 

ثم ذكر الحق شأن المتقين الذين اتقوا الشرك والكفر أولا؛

  • ثم كانوا على درجات في اتقاء الذنوب والمعاصي والسيئات، 
  • ثم كانوا على درجات في اتقاء الشبهات واجتناب المكروهات، 
  • ثم كانوا بعدَ ذَلِكُم على درجات أخرى لأولئك الأكابر في اتقاء الفضول وأنواع الغفلات، 
  • ثم وراء التقوى تقوى، 

ولكن التقوى الأولى التي يُتقى بها الشرك والكفرُ، من مات عليها فلابد أن يؤول إلى الجنة وأن يصير مآله دار الكرامة، وإن عُذِّب على شيء من الذنوب والسيئات، فإن الله يخرج من النار: "مَن كانَ في قَلْبِهِ أدْنَى أدْنَى أدْنَى مِثْقَالِ ذرة من إيمان -حَبَّةِ خَرْدَلٍ- مِنْ إِيمَانٍ " ، له الحمد وله المنَّة، وثبَّتنا الله على الإيمان، وزادنا إيمانا وألحقنا بالمتقين، ورفعنا أعلى مراتب التقوى التي يرفع إليها عباده المحبوبين. 

وكان الأنبياء مخصوصون من قِبل الحق تعالى كالملائكة بالعِصمة، فَهُم أتقى الأتقياء، وهم على درجات. والأتقى هو الأنقى المُجتبى المُنتقى حبيب رب العالمين محمد، من به شُرِّفنا وكُرِّمنا صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار في دربه.

يقول الحق: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45))، خبرُ صدقٍ من إله حقٍ للمصير والمستقبل الكبيرِ والغاية والنهاية لأهل التقوى؛ فيا فوز أهل التقوى. (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات (45)) أعدها الله تبارك وتعالى وأقامها وهيأها للمتقين (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) [ق:31]؛ بساتين وأنهار وأشجار خلقها الله تبارك وتعالى على حال سنيٍّ عَلِيٍّ أعلىَ، لا تساويه أنهار الدنيا وأشجارها وبساتينها، وإنما تُذكّر به كما تُذكِّر نار الدنيا بنار الآخرة. أما حقيقة الجنة والنار فإنما هي في الآخرة لا في الدنيا، ولكن من لُطْف الكريم أن جعل لنا سبحانه وتعالى صورًا ونماذج ومناسبات لنستطيع أن نقيس أو نعْلم، وعلى قدر صحة إيماننا وانفتاح بصائرنا يتسع مجال إدراكنا لحقائق النعيم ولحقائق العذاب المقبل في الدار الآخرة، لمَ؟ لأن الإنسان في ضعفه لا يستطيع أن يستوعب و يدرك إلا ما شاهده أو عاينه أو حسَّه أو ذاقه فقط، وهو ما غاب عنه دائمًا يقيسه على ما شاهده وعلى ما عاشره وعاينه، فجعل الله لنا في هذه الدنيا أمثلة للنعيم وأمثلة للعذاب وأمثلة للنار وأمثلة للجنة وأمثلة للسرور وأمثلة للضيق والهم والحزن وكلها إشارات فقط. أما حقائق السرور هناك؛ أما حقائق النعيم هناك، أما حقائق العذاب هناك، أما حقائق الحزن هناك، فأجارنا الله من خزي يوم القيامة وجعلنا في زمرة المظلَّل بالغمامة (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8].

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45))، فعلى كل من آمن بالله أن تتحرك رغبته لنيل التقوى وللتحقق بالتقوى؛ فذلك هوالضمان لمستقبلهم بخبر الحق وهو أصدق القائلين -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-. ولن يطرق أسماعهم و أذهانهم خبر أوثق ولا أزكى ولا أحق ولا أصدق من هذا الخبر؛ خبر الحق الذي هو أصدق القائلين (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً) [النساء:122]، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)  [النساء:87] -جل جلاله-، (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران:9]. 

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45))، فما بال الرغبات في قِصَرها؟ في ضعفها عند المؤمنين والمؤمنات؟ لضعف الإيمان، وإلا بعد هذا الترغيب وبعد هذا التحبيب وبعد هذا الإغراء من قِبَل الرب الأعلى ـجلّ جلاله- كيف تقصر الرغبة في تحقيق التقوى لنيل هذا المصير؟! ولنيل هذا المآل والمستقبل الكبير. إن المستقبل الصغير الحقير الزائل المنتهي الفاني لما عشعش في عقول الخلق والاهتمام به؛ 

  • رأينا من ينفق في الدراسة لتحصيل شيء من استقرار في المستقبل هذا كما يتصور العشر السنين! والاثنى عشر السنة! والأربعة عشر السنة! وثمانية عشر السنة! ويتقلَّب في سفر من بلد إلى بلد، ويتطلب منحة من هنا أو خسارة من هنا، وربما باع شيئا من ملكه؛ من أجل أن يضمن شيئا من هذا المستقبل الذي كم طوله؟! وكم عرضه؟! ولا بقاء فيه، وكثير منهم بعد الإنفاق الكثيروالجهد الكثير وقضاء السنوات الكثيرة لم يجد وظيفة تناسب حاله. 
  • وبعضهم ترك كل ذاك الجهد الذي تخصص فيه وانفتح له باب رزق من باب ثاني ما هو حوله ولا دَرَس فيه شيء ولا تَعلَّم فيه شيء والسنوات الماضية كلها مسكين راحت عليهم وهكذا. 

لكن المستقبل الأخطر .. المستقبل الأكبر الذي حاول إبليس وجنده من شياطين الجن والإنس؛ أن يُخرِجوا من عقولنا تعظيمه ومعرفة قدره مقابل أن نعظِّم المنتهي الزائل الفاني القصير القليل، والكثير منا في مستقبلهم القصير ما يبلغونه إذا تصورنا عن المستقبل القصير سبعين سنة، ثمانين سنة، أكثرهم ما يبلغونها قبل الثمانين يروح، قبل السبعين يروح، أكثرهم أكثرهم لا يبقى، ولهذا إذا اجتمع الناس في مكان يكون أكثرهم من أصحاب التسعين السنة والمئة السنة؟! هذا أندر النادر، أكثر المجالس لايوجد فيها صاحب مئة سنة، أكثر مجالس المسلمين، مجالس الناس كلهم في الأرض؛ 

  • لا يوجد فيها أصحاب المئة، وإن وُجِدوا -يكونوا أندر الندرة- 
  • وأصحاب التسعين  أقل -يكونوا ندرة- أي قليل، 
  • أصحاب الثمانين كم نفر؟ مجْمَع فيه الف .. الفين، يكون العدد: ثلاثة .. أربعة .. خمسة من أصحاب الثمانين. 
  • أصحاب السبعين، أصحاب الستين يزيدون قليلاً،  
  • أصحاب الخمسين، يزيدون قليلاً عن أصحاب الستين،
  • باقي ايه؟ أكثر الأعداد لأصحاب الثلاثين والأربعين والعشرين؛ كثير، لماذا؟  لأن الذين يموتون كثير؛ ما هي دار بقاء … ما هي دار بقاء، دار مرور.

فيجب أن نُعظِّم المستقبل الأكبر كما عظَّمه الله وكما عظّمه رسُله، ذلك المستقبل الأكبر وضمانه بالتقوى، نأخذ التقوى فنغنم المستقبل الكبير ونحوز فيه الفوز والسعادة الأبدية. 

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45))، جنات هذه البساتين والعيون، عيون تجري بأمره كما قال سبحانه وتعالى: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) [المطففين:28]، وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) [الانسان:8]، (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا) [الانسان:6]؟ يقول امشِ هنا، انزل هنا، اطلع كذا، انزل، على طول، فَجِّرها حيث تبغى؛ تطلع، تنزل، لايوجد فرق عندها بين طلوع وبين نزول، ماء الدنيا، إذا شيء مُنحدر بينزل؛ 

إذا لم يطلع الماء، أحضر آله دِيْناميكيّة معك ومكينة لترفع الماء بالقوة، ثم بعد ذلك ينزل فينحدر، وأما هذا بلا آله دِيْناميكيّة -بلا شئ- قل له: اطلع يطلع. 

ولا شيء فرق؛ مئة متر .. مئتين متر .. ألف متر كله سواء، سبحانه صاحب القدرة، يُفجِّرونها تفجيرا، يمشي بها حيث شاء.

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46))، أن يقال لهم عند دخولها: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46))، ما هي جنة واحدة هي جنات، كلما يدخل الجنة الملائكة ينادون: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46))، الله أكبر، نيابة عن الَملِك الرحمن، يقولون لهم هذا القول: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)). والسلام عند أهل الجنة عجيب، الملائكة يسلِّمون عليهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب: (سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:24]، الله أكبر. ويحملون لهم رسائل من ربهم -جلَّ جلاله- ويفتح أحدهم من أهل الجنة، رسالة يحملها الملك: "من الله الرحمن الرحيم إلى عبدي فلان بن فلان، أنا الله الذي أقول للشيء كن فيكون وقد جعلتُك في جنتي وجعلتُ ما ملَّكتك من الجنة تقول له كن فيكونأنا الله الحي الدائم الذي لا يموت وقد جعلتُك بإذني حيا لا تموت". رسالة، من أين جاءت لهم؟ ماهي لذَّتها؟  وماهي حلاوتها؟ وبعد ذلك يبشِّرهم سبحانه وتعالى بالسلام من عنده: (سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ) [يس:58]، ما هذا النعيم هذا؟ ياربي اجعلنا من أهله، يا ربي اجعلنا من أهله، يا ربي اجعلنا من أهله.

(ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ)، والسلام عليهم من الحور العين يسلِّمون عليهم، والغلمان يسلمون عليهم،، الجواري يسلمون عليهم، والجنة بأشجارها تسلم عليهم، والملائكة يسلمون عليهم، وفوقه: (سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) [يس:58]، يا سلام، "اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ وإلَيْكَ يعود السلام فحيِّنا ربنا بالسلام وأدخلنا برحمتك دارك دار السلام". 

(ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ)، سلامة من الآفات والعلل والأمراض والشرور بأنواعه، (آمِنِينَ (46))، الأمان التام الكامل. ومما لا يُتَأَتى منه الأمان في الدنيا الهرم. هل ممكن؟ هل يوجد في الدنيا أمان من الهرم؟ نسأل هؤلاء الأمنيين في العالم!  نقول هاتوا للخلق أمان من الهرم؟! لا أحد يهرم!!  حتى لو شيَّب وإلَّا كذا، يطول سنَّهُ و لا يهرم -يبقى- هل ممكن؟! ما تطوروا في الأمن؟! يا متطورين في الأمن، نريد أمن من الهرم، ما يتأتى هذا في الدنيا، هناك في أمن. (ادخلوها بسلام)، لا يوجد هرم، مرض لايوجد هكذا، طيب لايوجد هذا ما يتأتى في الدنيا، هل من الممكن أمن من المرض؟ هل في دولة متقدمة متطورة جدا، أمن من المرض، ممكن؟ رئيسها يمرض أو لا!! يمرض بأخطر الأمراض، ماهو هكذا واقع؟  وما هو واقع؟ لكن هذا (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)) لا مرض، ما هو شرط -كورونا ولا مرض القردة -هذا ماذا يسمونه؟ جدري القرود-. لا يوجد مرض، حتى صداع لا يوجد،  حمى لا توجد،  مغص لا يوجد،  وجع لا يوجد،  وجع صبع لا يوجد، وجع بطن لايوجد، وجع عين لايوجد، دوران لا يوجد، ما يتأتى هذا كله، إرهاق لايوجد؛ (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ (48))  يدي ذي تعبت، لا يدك .. ولا رجلك .. ولا رأسك؛ لا يوجد تعب أصلا، الله أكبر. 

(ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ)، ثم بعد ذلك أمن من الموت، هل هذا ممكن في الدنيا؟ هل يمكن في الدنيا؟! .. هل يمكن في الدنيا؟!  يمكن؟!  كيف؟! ما يمكن أصلا مستحيل!  لكن في الآخرة، فادخل الجنة، أمن من الموت، الله الله، أمن من البؤس، وينادون أول ما يدخلون الجنة: "وإنَّ لكم أن تشِبُّوا فلا تهرَموا أبدًا، أن تنعَموا فلا تبْأسوا أبدًا، وأن تَصِحُّوا فلا تمرضوا أبدًا، وأن تحيوا فلا تموتوا أبدًا". "إنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبَدًا". انظروا هذا الأمان: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46))، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، و حقائق الأمن عندهم، اللهم اجعلنا منهم. 

(ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ..(47)) سبحانه الخلَّاق، قال الله إن الذي يُتعب الناس في الحياة الدنيا مثل وجود الغل والتحامل في القلوب، قال أهل الجنة لما يقربون على دار ضيافتي، فالذي بقي في قلبه أي شيء من أنواع الغل؛ أنزعه، هل تعرف النزع؟ النزع ولا عاد شيء، الله .. الله .. الله .. الله؛ (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ (47))؛ 

  • أما الكبار هؤلاء من مثل الأنبياء وكبار الصديقين وعادهم في الدنيا مَنزُوعُو الغل، لا يوجد عندهم، هم يريدون الآخرة، 
  • وأما عامة المؤمنين فمنهم؛ من عند مجاوزة الصراط يُنزع عنه الغل، منهم من يُؤمرون أن يغتسلوا في نهرين: واحد نهر يغتسلوا فيه وواحد يشربون منه، لما يغتسلوا في الأول تتغير أجسامهم -تنبت تكبر- يتحول إلى مثل خلقة آدم، كل واحد منهم، طول ستين ذراع عرض سبع أذرع، يخرج من النهر وهو هكذا، ابن ثلاث وثلاثين سنة، ابن ثلاثين سنة فقط؛ إمسك عليها بريك محَّلك معاد تمشي ((يثْبُتْ السن، مثل ماهو، مايتغير ابدا))، يعني يمضي مئة سنة، كم سِنَّهُ؟ هو ابن ثلاث وثلاثين، أوه! ألف سنة مرت، كم سنهُ؟ ابن ثلاث وثلاثين سنة، يبقى في هذا الهيكل ابن ثلاث وثلاثين سنة، مليون سنة مرّت، مليار سنة ابن ثلاث وثلاثين سنة محلَّهُ ((مثل ما هو، لم يتغير)) على طول، لا إله إلا الله، اللهم اجعلنا من أهل جنتك. 
  • وآخرين عند دخول الجنة يتم النزع التام من عندهم، قبل دخول الجنة يتوهبون ما بين، يوقف الله أهل الجنة يقول: بقيت مظالم بينكم البين، يكشفها لهم يتوهبوها بينكم حتى تدخلوا الجنة وعندها تتصفى قلوبهم، إما يأخذ مقابلها ولا يُعطى مقابلها درجات يقول خلاص مسامح .. مسامح يتسامحون، يدخلون للجنة. 

دخلوا الجنة، نوع الغل غير موجود، فالواحد منهم في غاية الراحة، نحن نجد في الدنيا أرباب صفاء البواطن مرتاحين جدا، سبحان الله، حتى لو تعرَّض لشيء من الشدائد تجده مبسوط باطنه هكذا، حتى لو دخَّلوه الحبس يكون مبسوط، به انبساط، أحسن من واحد في سريره في بيته هناك، غريب!!! لكن في الآخرة تمام الصفاء، فنعيم فوق النعيم (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ..(47))؛ يعني أي غلّ، أدنى غلّ؛ (إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47))؛ بهذا تعرف أنه قد يُوجد أحيانا في الدنيا بعض اجتهادات بين الأصفياء وغيرهم فيحصل ظاهر اختلاف، لكن حالهم وبواطنهم أولا، ثم حالهم في الآخرة. 

(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47))، بهذا يروي سعيد بن منصور وبن مردوية عن سيدنا علي بن أبي طالب كان يقول: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وعثمان وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ..(47))، يعني لا أحد يأتي يقول:  قاتلنا طلحة ولا قاتل الزبير في أول أمر ولا أنا وإياهم، الله أكبر. 

  • وهكذا حتى جاءنا في السيرة أنه لما كان سيدنا طلحة بن عبيدالله -رحمة الله تعالى- قاتل مع أصحاب الجَمل،  قاتل سيدنا علي، ثم قُتل كان في آخر رمق، مرَّ عليه واحد من الصحابة يقول له: من؟ قال: فلان، قال: من أصحاب علي؟ قال: نعم، قال: مُدْ يدك، مد يده، قال: هذه بيعتي لعلي. ثم، فاضت روحه ومات. فجاء هذا يخبر سيدنا علي، قال: الله أكبر، سيدنا علي قال: الله أكبر أبى الله أن يدخل الجنة إلاّ وبيعتي في عنقه، وهو من أهل الجنة وهو من المبشرين بالجنة. النظر والاجتهاد خانهُ في فترة ووقف في الصف، لكن بعد ذلك أدرك قبل ما يموت وأن الحق هنا -أي مع سيدنا علي- وأخذ البيعة لسيدنا علي. 
  • وهكذا جاء في روايات عند الحاكم من طُرُق وهي أيضا عند سعيد بن منصور وعند  ابْن جَرِيرٍ وابْن  المُنْذِرِ وابْن  أبي حاتم وابْن مَرْدَوَيْهِ، وهم يروون عن سيدنا علي أنه كان يوم جالس، قال لإبن سيدنا طلحة: إني أرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47))
  • واحد من الحارث -يقولوا أنه من همدان- قال: إن الله أعدل أن يجمعك أنت وطلحة مرة ثانية، انت منزلتك أعلى، فصاح سيدنا علي صيحه اهتز البيت الذي هم فيه وقال له:  فمن إذًا إن لم نكن نحن أولئك؟  فمن إذًا إن لم نكن نحن أولئك؟ نحن الذين جاء صيغتنا وصبغتنا على يد محمد والتففنا حوله، وتَرَكنا على محجة بيضاء، من؟ من الذين يكون هؤلاء الذي أرادهم الله إن لم نكن نحن؟!  قال صاح سيدنا علي صيحة اهتز لها القصر الذي هو فيه وقال له: ويحك!! فمن إذًا إن لم نكن نحن أولئك؟ عليهم الرضوان، ورزقنا الله محبتهم وحشرنا في زمرتهم.

(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47))، لما ذهب بعض طلبة العلم في القرن الماضي، -في القرن الثالث عشر الهجري- إلى سيؤون وقضى مدة يطلب العلم ، لما جاء، بعض علماء تريم يسألوه عن علماء سيؤون الذين كانوا في ذاك الوقت، قال: كيف رأيتهم؟، قال: رأيتهم كما قال الله:   (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47))، فهم يعيشون عيشة الجنة وهم في الدنيا؛ من أدبهم مع الله، ممن صفتْ بواطنهم. 

إبليس وجنده جلبوا للناس الشقاء والتعب ومنّوهم بأماني كاذبة وقالوا أنه بنعطيكم السعادة، وإذا كان ماهي من خزائن بارئ السماوات والأرض السعادة من أين تأتي؟  ليست في يد أحد، من عنده تجي وهو يُسعد من شاء، أسعدنا اللهم بأعلى السعادة. 

(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا ..(47))، حالة كونهم في إخوة، بحكم الإيمان (عَلَىٰ سُرُرٍ) عظيمة من سُرر الجنة المرتفعة العالية، ومن الذهب، من الفضة، من الجواهر، من الياقوت، من الزبرجد، ومن المرجان، وأمثال ذلك، سرر .. سرر سواء. (عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47))، يقابل بعضهم بعض ما يرى أحدهم وراء الآخر، كلهم متقابلين من المحبة، والسرر تمشي بهم، حتى جاءنا في الأحاديث أنه يخطر على بال هذا، أخاه في الله فلان، في نفس الوقت يخطر على بال الثاني، بمجرد خاطر هذا يمشي سرير ويمشي سرير الى أن يتقابلا، قال له: الآن كنت أذكرك أريد عندك، الآن .. الآن، كنت أذكرك أريد عندك؛ فيتقابلون  ويتذاكرون، تذكُر أيام الدنيا ما أقصرها وما أقلها، ولكن العمل فيها الصالح غنيمة، تذكر في يوم عملنا كذا وإياك، حضرنا مجلس كذا وإياك، و الله أعطاني هذا! شوف هذه قصورك في الجنة حق اليوم هذاك، يتذاكرون أخبارهم في الدنيا (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ) -خايفين من الله- (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ) [الطور:25-28]. اللهم يا برُّ يارحيم مُنْ علينا وقنا عذاب السموم.

قال تعالى: (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ (48))؛ أي تعب، لايوجد، لايوجد تعب، الفكر ما يتعب، القلب ما يتعب، الأعضاء ما تتعب، لا رجل تتعب، لا يد تتعب ،لا عين تتعب، انظر تقول انظر تعبت عيني؛ لا يوجد تعب في الجنة. انظر لما تشبع لا يوجد تعب، لا يوجد تعب لأذنك؛ التعب غير موجود، الله أكبر، لا إله إلا الله. لا يسمعون فِيهَا لَاغِيَةً، لغو غير موجود، قط غير موجود، (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) [الواقعة:25-26]. من يضيع هذا؟. 

قال: (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ ..(48))؛ لايوجد تعب .. لايوجد حزن .. لايوجد غم لايوجد همّ؛ (وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48))، دائمين لا أحد يقدر أن يخرجهم، لا يوجد ثورات .. لا يوجد انقلابات .. لا يوجد تأميمات .. لا يوجد انتفاضات، لايوجد كل ذلك في الدنيا،  لايوجد هذا منه، كل واحد بملكه كامل (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) [الإنسان:20]، ما حد يخرجك من بيتك ولا من قصرك ولا من ملكك؛ (وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48))، الله. 

يقول الله بعد هذا: ( نَبِّئْ عِبَادِي ..(49)) كلِّم، كلِّم عبادي، قل لهم، (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49))، يا خير نبأ، (وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ (50))، وبعد هذا لا يجوز لأحد أن ييأس من رحمة الله، ولا أن يأمن مكر الله؛ لأن هذا وصفه الله. (نَبِّئْ)، الله يقول يقول لحبيبه محمد: خذ نبأ من عندي، أخبر وأعلم عبادي، اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين معك الموفين  بعهدك. 

(نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49))، يقول، كل من أدرك أنه عبد لله وأقرَّ بالعبودية لله فهو قاسم في المغفرة والرحمة، مهما كان وأين ذهب؟ لا بد أن يصيبه نصيب على قدر اعترافه بالعبودية لله (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)) ،ها، الغالب، بيترتب على أنهم إذا عرفوا أنهم عباده، إنه أنا الغفور الرحيم لهم هم، الله .. الله .. الله

ومن تكبَّر، وتجبَّر وماقرب للعبودية راح يستعبد لنفسه، يستعبد لحزب، يستعبد لطايفة، يستعبد لحكومة، يستعبد لجماعة، يستعبد لمن غيري، وناكر عبوديته لي؛ (وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)). ولما كلَّم العباد هؤلاء الذين استجابوا، باشرهم بالضمائرعن نفسه (نَبِّئْ)، أول قال: (عِبَادِي) أضافهم إلى نفسه؛ انظر إلى التشريف والتكريم، ( نَبِّئْ عِبَادِي) -الله أكبر- (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) -الله- (وَأَنَّ عَذَابِي)، لم يقل، وأنا المعذِّب المؤلِم (وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ) الأليم، انظر إلى اللطف في العبارة، ولما جاء عند الرحمة قال: (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) -الله أكبر-. ويبشرنا هو ويبادر بمغفرته ورحمته -جل جلاله- (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50))، أي البالغ في الإيلام الذي يؤلم ألم لا يطاق، اللهم أجرنا من عذابك يوم تبعث عبادك.

(نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)) -يا غفور يارحيم- (وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50))، إذًا، فلا مجال لأحد أن ييأس ولا يقنط من رحمة الله، كما لا مجال له أن يتجرأ ولا يُبالي بالمعاصي والذنوب ويأمن مكر الله، لأنه هذا وصفه: (أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50))، فكل من ادعى رجاءً في الله ولم يعمل بالصالحات فهو كذاب، وكل من ادعى خوفا من الله ولم ينته عن المحرمات فهو كذاب، ولكن الرجاء يحملك على الطاعة والخوف يزجرك عن المعصية، وأنت بين الأمرين ولابد من ذلك لك ولا يجوز لك اليأس ولا يجوز لك الأمن من مكر الله؛ فإنه (لَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:99]. (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50))،.

واذكر لهم في واقع الحال من أخبار أنبيائي مايدركون به هذا الشأن وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِي، اذكر لهم: (نَبِّئْ عِبَادِي)، في مرة من المرات أنا أرسلت من ملائكتي قوم مرُّوا على الخليل إبراهيم، قال الله: (نبئ)؛ يعتني بأخبار أنبيائه لما فيها من المنفعة لنا والمصلحة لنا والفائدة لنا والتنوير لنا والتطهير، قال الله: نبئهم قل لهم ( نَبِّئْ عِبَادِي ..(49))،  (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (50))، أنا أرسلت ملائكة إلى الخليل إبراهيم مروا عليه، عندما أرسلتهم ليقوموا بمهمة هلاك قوم لوط المُعاندين، المُؤذيين، الطاغين، المُصرين على الفحشاء، أرسلتهم فمروا على إبراهيم، (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا) -فرد عليهم السلام- (سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52))، قدَّم لهم الطعام، ما رضوا أن يأكلوا،  ملائكة ما يأكلون، وظن أنهم ناس وردوا، ما عرفهم، تنكروا عليه ما عرفهم، ظن أنهم ناس فقدم لهم الطعام مباشرة،  فـ(جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) ، (فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود:69]، (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) [الذاريات:27]؛ (قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52))، تأتون في وقت مُستغرب، ثم ليس عليكم أثر السفر ولا غبار ولا ذا، وبعدين نقدم لكم طعامنا وتمتنعون من الطعام، ماذا معكم؟ كيف أنتم؟ (قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52))،. 

(قَالُوا لَا تَوْجَلْ ..(53))، ما أتيناك بشَرٌ ولا أتيناك إلا لخير وما هو هذا محل وجل نحن ملائكة لهذا ما أكلنا، ملائكة من عند ربك جيئنا، عندنا مهمة (إِنَّا نُبَشِّرُكَ ..(53))، معنا بشارة لك، الله، (بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53))، سوف يأتي لك ولد، قد معه الولد الأول سيدنا إسماعيل أولا، هذا ثاني (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات:112]. إسماعيل قد جاء وهو كبير -بعد مدة طويلة- والآن بعد سنوات بيجي ثاني، (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ ..(54))، أظهرَ لهم التعجب واطمأن لهم لأنهم ملائكة من عند الله جاؤوا ومن الصادقين في خبرهم: أنهم ما جاؤوا إلا لمهمة، وعرف أنهم ما هم مجرد بشر، لكن استفسرهم: (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ ..(54))؟ تجئيون لي بالبشارة بالولد، مامعنى هذا؟  يعطيني قوة جديدة وامرأتي عجوز كبيرة، ما الذي يحصل؟ كما هي استنكرت (قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [هود:72-73]. 

سيدنا إبراهيم تعجب وقال: ( فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54))؟ أوضحوا لي عن حقيقة الأمر؛ (قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ ..(55))، الذي لا يتأخر ولا ينقص منه شيء ولا يكون إلا هو، (بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ ..(55))، وهكذا كثير من بشائر الحق تجي بحسب الظاهر ما هي؟ وكيف تتم؟ تتم كما قال الله وكما قال ﷺ. (قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (55))، قال لهم ما نحن أهل قنوط ولا الأنبياء يقنطون من رحمة الله وهم يعرفونه،  (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56))؛ فويل لمن قنط من رحمة الله؛ ولهذا يقول: 

  • لو علِمَ العصاة بما عند الله من المغفرة لأقبلوا عليه بالكلية ولمااستعظموا شيء من معاصيهم، 
  • ولو علم أهل الطاعات ما عنده من العذاب لاستصغروا طاعاتهم ولخافوا من عذابه -جل جلاله-. 

لا إله إلا هو، لا أحد يقدر ينفعه، ولا أحد يقدر يضره، ويعطي ولا يبالي، ويمنع ولا يبالي، ويسعد ولا يبالي، ويشقي ولا يبالي، لا إله إلا هو. 

(قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ ..(57))، إذاً جئتم لمهمة ما هو مجرد بشارة، مالذي جاء بكم؟  (فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57))، قالوا جئنا لمهمة من أجل قوم لوط هنا، قال وأخذ يناقشهم في قوم لوط؛ لأنه مهتم بالنبي لوط ومهتم بأهله وذاته وكيف هم، قال كما قص الله علينا في هذا الكلام العظيم.

والحمد لله على هذا الصراط المستقيم، ثبتنا الله وإياكم واخذ بأيدينا وجعلنا من أهل القرآن العظيم. يارب بالقرآن اجعلنا من أهل القرآن. نسألك بمن أنزلت عليه القرآن أن تجعلنا وأحبابنا وأصحابنا ومن حضر معنا ومن يسمعنا عندك من أهل القرآن، احشرنا في زمرة أهل القرآن، ومُنَّ بفائضات الامتنان والجود والإحسان يا كريم يا منان وفرِّج كروب الأمة أجمعين، وارفع البلاء عنا وعن المؤمنين واسقِ القلوب واسقِ الجدوب، وأنعم علينا وعلى الأمة برحمة الهنا والسرور والأنس والحضور بلا أضرار ولا بأفآت ولا أكدار، وأنعم على ساحات القلوب بفياض من صييب ماطر فضل إحسانك ونوالك وامتنانك وعفوك وغفرانك ورضوانك وأمانك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، وفرج كروب الأمة أجمعين وأختم عامنا بخير، واختم عامنا بخير، واختم عامنا بخير، واجعل العام الذي يقبل علينا خيرا لنا من العام الذي قبله، وزدنا زيادة، وزدنا زيادة، وزدنا زيادة، وأسعدنا بأعلى السعادة في الغيب والشهادة يا أرحم الراحمين.

 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

27 ذو الحِجّة 1443

تاريخ النشر الميلادي

26 يوليو 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام