فوائد من: تفسير سورة طه (12) منهج الله في العلم والحياة

العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:

 

 أثر التأمل في آيات الله:

(وَكذلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) واضح المعاني، يُبَيِّن الحقيقة ويُنقذ الخليقة، ويجمع على ما يُوجِب السعادة الكبرى، ويجمع قلب من آمن به وصَدَّق واتّبعهُ على الحق جل وعلا، ويجمع له الخيرات من جميع الجهات.

(لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا)؛ تَذَكُّرًا حَسنًا للمصير والمآب؛ يَحمِلهُم على مغالبة الأهواء والشهوات بأنوار العقول والمدارك للحقائق؛ حتى يحذروا من كل ما يوجب الحسرة والندامة.

(يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) كلُّ من أحسن التأمل لآيات الله أوصلَتهُ إلى رحاب التقوى وجعلت له الذِّكر الجميل، جَعلَت فيه تَذَكُّر للمآل والمصير، وجعلت فيه حُسن مُحاسبة لنفسه فيما يأتي وما يترك، وجعلت له ذكرًا حسنًا في الملأ الأعلى، وذكرًا بعد موته على ألسُن الأخيار على مدى الأعصار؛ جميلًا طيباً.

الصورة

 

أمر إلهي للاستزادة من العلم:

يقول الله لنبيه ﷺ: (وَقُل ربِّ زِدْنِي عِلمًا) كُن على قدم الاستزادة من عجائب ما نُعلمك، فإنك وإن كنتَ أعلم خلقنا بنا، فإن عجائب حِكَمنا وأحكامنا وعظمتنا وصفاتنا وآياتنا لا غاية لها ولا نهاية، فكن مستزيدًا دائمًا من هذا الخير، فإنه خير ما رَغبَت فيه القلوب والعقول، وتشوَّف إليه أحد في الأرض أو في السماء.

قال له ربه: (وَعَلَّمكَ ما لمْ تَكُن تَعْلمُ)، ومع ذلك أُمِر ﷺ بطلب الزيادة من العلم (وَقُل رَبِّ زِدني علمًا)؛ فتتعلم أمته أنه يجب على كل منهم أن يزداد من العلم النافع، وأين تكون علومنا عند عِلم رسول الله ﷺ؟ أرشده أن يطلب الزيادة لنكون حريصين على أن نستزيد من هذا العلم، وأجهل الناس مَن ظن أنه عَلِمَ وأنه لا حاجة له أن يستزيد.

منزلة العلم الشرعي في حياة المسلم:

(وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلمًا) وجب أن نُنزِل هذا العلم مكانته، وهي المنزلة التي بمعرفة قدرها نتَفقَّه جميعًا في الدين، "من يُرِد الله به خيرًا يُفقِّههُ في الدين"؛ اجتهد إبليس أن يُنزِل قدرها عند من يستجيب له، وحرّك جنده ليُعظِّم الناس من العلوم غير علم الله في قرآنه، وغير ما بعث به خاتم أنبيائه، حتى يتوهّمون أن من العلوم الأُخرى ما هو أهم وأعظم، وكل ذلك ضلال وباطل.

- نُعظِّم هذا العلم، ولا نُهمل أحدًا من أهلينا وأولادنا؛ دون أن يأخذ نصيبه من العلم النافع الرافع لأربابه.

الصورة

 

ميزان نظرتنا إلى العلوم:

لا خلاص للناس إلا منهج رب الناس، وهذا العلم الأساس الذي يجب أن يُنزْل منزلته وأن يُعظَّم، وأن يؤخذ منه ميزان نظرتنا إلى العلوم بأصنافها، وما الذي يُقبَل وما الذي يُرَد، وكيف يُستعمل الذي يُقبَل وعلى أي وجه يُستعمل؛ بذلك تستقيم الأمور وتطيب الحياة قبل الآخرة.

انظر الى مختلف هذه الأجهزة والأسلحة وغيرها لما استُخدِمت على غير المنهج القويم؛ ضرّت العباد، انتُهكت فيها حُرمة الإنسان، ما أُهين الإنسان في وقت من الأوقات كما أُهين في هذا الوقت الذي فيه التشدُّق بحقوق الإنسان تُستخدم فيه أنواع الأجهزة، وأنواع العلوم، وأنواع التكنولوجيا!

الصورة

 

قصة آدم والخلافة في الأرض:

(ولقد عَهِدنا إلى آدمَ مِن قبلُ فَنَسِيَ ولم نجدْ له عزمًا)، ما كان عازمًا على مخالفتنا ولا على الخروج عنا ولكن نسي، ومع ذلك آخذتُه وفي طي مؤاخذتي حكمة أُخرى؛ ليقوم بالخلافة عني في الأرض، وهو شأنٌ شريف أشدتُ به في الملأ الأعلى قبل خلق آدم، (وإذْ قال رَبُّكَ للملائكةِ إنِّي جاعلٌ)، أين؟ (في الأرضِ خليفةً) وليس في الجنة.

- لما أسكن آدم الجنة ما كان ليخرجه منها إلا بصورة عبرة ومخالفة؛ ليعلم من هذا الدرس كيف يقوم بشأن الخلافة على ظهر الأرض، وأهبطه الله إلى الأرض ليقوم بالمهمة العظيمة.

(إِنّي أعلمُ ما لا تعلمونَ) هذا الخالق الذي خلقنا يحدِّثنا، وهو الأعلم بنا وبكل شيء، فمن الذي سيعرف حقيقة ومآل الإنسان غير الله الذي خلق الإنسان؟! هل واحد منا بيننا البين كان نطفة وعلقة ومضغة، وخرج من بطن أمه لا يعلم شيئًا، وبعد ذلك هو الذي سيعرف؟ الله الذي يعلم وقوله الحق، هذه قصتنا وهذه حقيقة الوجود على ظهر الأرض.

الصورة

 

عقول وأسماع وأبصار ومدارك يعطيها الله للآدمي، ومنهج يُبيِّنه له: اعمل كذا ولا تعمل كذا، ورسل يرسلهم يُبينون ويكونون قدوة، وعدو يتربص به ويقول: خالف منهج ربك واخرج إلى الشر، بهذا تكتمل حلقة الاختبار والامتحان لأسرار هذه الخلافة، (ولو شاء اللهُ لجعلكمْ أُمَّةً واحدةً ولكن يُضلُّ مَن يشاءُ ويهدي مَن يشاء)

الصورة

 

يا ربنا لا تجعل مآل أحد منا النار ولا الخزي ولا العار، ولا الفضيحة في يوم القيامة، اجعلنا في زُمرة نبيك محمد، في صفوف نبيك محمد وأهل بيته وصحابته وأتباعه، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اجمعنا بهم في ظل عرشك وتحت لواء الحمد وعلى الحوض، وفي دار الكرامة ومُستقر الرحمة.

الصورة

 

لقراءة الدرس كاملاً أو المشاهدة:

https://omr.to/q-taha12

 

#الحبيب_عمر_بن_حفيظ #تفسير #القرآن #سورة_طه #معاني_ودلالات #قصص #آدم #جلسة_الإثنين #درس_التفسير #تفسير_القرآن #habibumar #habibumarbinhafidz #tarim 

تاريخ النشر الهجري

14 ذو القِعدة 1446

تاريخ النشر الميلادي

10 مايو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية