منزلة ومكان حفظ اللسان من خلعة التقوى من أرباح رمضان
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان، بحارة الإيمان، عيديد، تريم، 13 شوال 1446هـ بعنوان:
منزلة ومكان حفظ اللسان من خلعة التقوى من أرباح رمضان

فوائد مكتوبة من الخطبة:
لتحميل الخطبة (نسخة إلكترونية pdf):
نص الخطبة مكتوبة:
الخطبة الأولى :
الحمد لله، الحمد لله الملك الرحمن، العزيز الديان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السر والإعلان، المُطَّلِع على ما ينطق به اللسان وما يستقر في الجنان.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، جاءنا عن الرحمن بخير بيان، وجعله الله سبحانه وتعالى السيد المنتقى من جميع الأكوان.
أدِم اللهم منك الصلوات والتسليمات على رسول الرحمة عبدك المصطفى من عدنان، سيدنا محمد وعلى آله وأهل بيته المُطهرين عن الأدران، وعلى أصحابه الغُرّ الميامين الأعيان، وعلى من والاهم فيك واتّبعهم بإحسان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من رفعتَ لهم القدر وعظّمت لهم الشأن، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى جميع ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
المؤمن بعد رمضان :
أما بعد،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، وهي الخِلعة السَّنيّة التي يخرج بها المؤمنون من رمضان، فيكون ذلك علامة صِدقهم وقبولهم عند إلههم؛ فيما قاموا به من صيام أو قيام أو تلاوة للقرآن، أو أعمال صالحة تقرّبوا بها إلى مولاهم المنّان -جل جلاله وتعالى في علاه-، فيخرجون بخلعة التقوى في السر والنجوى.
تقوى اللسان:
ومن أبرز ما تكون التقوى في اللسان، ويخرجون من رمضان بألسُن ألِفت قراءة القرآن، وكلما ألِف اللِّسان قراءة القرآن ممتزجاً بالتدبر ومرور معانيه على الجنان، استحلى ذكر الإله وتلاوة آياته وقراءة أخبار وأحاديث عبده وصفوته المصطفى ﷺ، واستبشَع هذا اللسان معاصي الرحمن بمقاييسها، فحبسَ لِسانه عن كل ما لا يليق وأن ينطق به المؤمن، بل عن كل ما لا يُقرّبه إلى مولاه -جل جلاله وتعالى في علاه-، وعلِم أن ذلك من خالص الإيمان: "مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ".
يُستجلى قبول الصيام والقيام والتلاوة للقرآن في رمضان بعد رمضان بضبط هذا اللسان الذي هو من أجلى معاني التحقق بحقائق تقوى الرحمن جل جلاله وتعالى في علاه.
عيُّ اللّسان :
ولقد قال ﷺ فيما روى عبد الرزاق بسنده: "ثلاث من الإيمان"، فذكر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "الحياء، والعفاف، والعِيُّ، عيُّ اللسان، لا عيُّ القلب ولا عيُّ العمل".
عيُّ اللسان: عدم انطلاق اللسان وعدم تسلسله فيما لا يُقرِّب، وفيما لا ينفع، وفيما لا يُرضِي الرب ﷻ .
وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: وهن مما يزدن في الآخرة وينقصن من الدنيا، وما يزدن في الآخرة أكثر مما ينقصن من الدنيا.
فمهما نقص بعيِّ اللسان الذي ما كان عيُّه إلا خوفاً من الجبار الأعلى -جل جلاله وتعالى في عُلاه-، يستشعر حقائق ما قال: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
ويعلم ما ينطِق به لسانه أنه في ميزانه؛ إما في ميزان حسناته أو في ميزان سيئاته، "إنَّ الرَّجلَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، ما كان يظُنُّ أن تبلُغَ ما بلغت، يكتبُ اللهُ له بها رضوانَه إلى يومِ يلقاه، وإنَّ الرَّجلَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ، ما كان يظُنُّ أن تبلُغَ ما بلغت، يكتبُ اللهُ له بها سخطَه إلى يومِ يلقاه"، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
الألسُن آية من آيات الله ونعمه :
أيها المؤمنون، الألسنُ آياتٌ من آيات الله أعطانا إياها، وجعل لها نُطقاً بأحرف متعدداتٍ مخارجها ما بين الشفتين إلى أقصى الحلق، تخرُج بيسر وسهولة، تُفهم بها معاني وتترتب عليها شؤون، فهي آياتٌ من آيات الإله ﷻ، ونعمةٌ من نِعمه، من شكرها:
-
توفَّر أجره،
-
وعظُم حظه
-
وعلا قدره،
-
وأضاء قلبه
-
وأضاء قبره،
-
وسعد في يوم حشره.
ومن أهمل هذا اللسان وصرفه فيما لا ينبغي ولا يليق:
-
ضاق به الطريق،
-
وبَعُد عن خير فريق،
-
واستحق السخط يوم اللقاء والعياذ بالله على التحقيق.
حصاد الألسُن وخطره :
أيها المؤمنون بالله، قال المصطفى محمد لسيدنا معاذ: "ألا أخبرُك بمِلاكِ ذلِك كلِّه؟ قلتُ: بلَى، يا نبيَّ اللهِ، فأخذَ بلسانِهِ، وقال: كُفَّ عليكَ هذا، فقُلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِعلَى وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم".
وبذلك جاء: "مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَقُّ بِطُولِ السِّجْنِ مِنَ اللِّسَانِ"، هو أحق بطول السَّجن عن كل ما لا يرضي الرحمن ﷻ، "مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ".
لسانك بعد رمضان :
فلتهنأ بعد رمضان:
-
بلسان يستلذ القرآن،
-
وبلسان يستلذ ذكر الله وصفاته وأسمائه،
-
وذكر محمد بن عبد الله، لا يستلذ بذكر أحد من الخلق كما يستلذ بذكر حبيب الحق صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر أقواله، وذكر صفاته وأحواله ونعوته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم،
-
وذكر الصالحين،
-
وذكر ما يُقرِّب إلى الرب، بالقول بالنصيحة للأهل والولد، وللأصحاب وللأصدقاء، يستلذ القول بالنصح مخلصا لوجه الرب جل جلاله، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ).
اللسان وما يستقر في القلب :
أيها المؤمنون بالله -جل جلاله وتعالى في علاه-، استقرِؤوا الصدق والقبول في أحوال ألسُنكم بعد رمضان، وما تنطقون به، بل ويمتد ذلك إلى ما يستقر في الجنان ويثبت في وسط القلب أيها الإنسان، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ) يقول إلهك، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)، جل جلاله وتعالى في علاه.
الخوض في الباطل :
أيها المؤمنون بالله، الخوض في الباطل، بل وفي ما لا يعني ديدن المجرمين والفاسقين والكافرين والخاسرين من المسلمين.
بل بذلك الخوض وذلك التطاول ينشرون إجرامهم، وينشرون فسادهم، وينشرون إضلالهم، ويزدادون مقتاً وبُغضاً من الله وبُعداً عنه تعالى في علاه.
الحرص على ما يخرج من بين الشفتين:
أيها المؤمنون، وبحرص المؤمنين على ما يخرج من بين شفتي أحدهم، ينالون قرباً من الرحمن، وينالون منه العفو بل والرضوان، ولا تنطلق ألسنتهم إلا فيما يحب كما يحب -جل جلاله وتعالى في علاه-.
بذلك ينشرون الهدى، وينشرون النور، وينشرون العفو والتسامح، وينشرون تعظيم شعائر الله، وينشرون الوصية بتقوى الله ﷻ، والوصية بالحق، والوصية بالصبر، والوصية بالمرحمة.
في هذه الميادين ألسُنهم شغالة، في هذه الميادين ألسنهم ذات مقالة، لا يدخلون ميدان الغيبة القبيحة التي شبّهها الجبار في كتابه بأكل لحم الميتة، لا يدخلون ميدان الكذب، ولا يدخلون بألسنتهم في ميادين السب ولا الشتم، وقد سمعوا صاحب الرسالة يقول: "سِبابُ المسلمِ فسوقٌ ، وقِتالُه كفرٌ".
الوقاية من شر اللسان :
أيها المؤمنون بالله ﷻ، وقد روى عبد الرزاق وغيره عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أنه قال: "من وُقِيَ شر اثنتين دخل الجنة"، فسكت، فقال بعض الأعراب: ما هما يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "من وُقِيَ شر اثنتين دخل الجنة"، وسكت، فقال الأعرابي: ما هما يا رسول الله؟ فقال الثالثة، فأراد أن يتكلم الأعرابي فأسكته من بجنبه، فقال: "من وُقِيَ شر اثنتين دخل الجنة؛ شر ما بين لَحييه وما بين رجليه، ما بين لَحييه وما بين رجليه، ما بين لحييه وما بين رجليه".
ما أعجبه من ناصح! وما أصدقه من شفيق رحيم! يرجو لأمته المصالح، ويَحودهم عن النار ويقيهم شرها وغضب الجبار.
"إنما مثلي ومثلُكم كمثلِ رجلٍ أوقدَ نارًا ، فجعل الفراشُ، والجنادِبُ يقعْنَ فيها، وهو يذُبُّهُنَّ عنها، وأنا آخُذُ بحُجْزِكُمْ عنِ النارِ، وأنتم تفْلِتونَ مِنْ يَدَيْ".
خاتمة الخطبة الأولى :
اللهم صل على خير ناصح من عبيدك سيدنا محمد بن عبد الله، الآتي بخير النصائح، وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، وقوِّم ألسنتنا على تقواك، واجعلنا ممن حفظ ما بين لحييه وما بين رجليه، فلم يصرفهما إلا فيما يرضيك عنه، يا حي يا قيوم يا أرحم الراحمين.
والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَِ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا مِن خزيِهِ وعذابه الأليم، واستعمل ألسِنتنا في خير ما يُقرِّبنا إليه، واجعلنا من أهل الخوف منه واللجاء إليه والتذلل بين يديه، إنه أكرم الأكرمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله، مَن إليه المرجع والمصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، الذي لم يخرُج من بين شفتيه إلا الحق، في كل مُقيّد ومُطلَق، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ).
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك المجتبى المختار سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه وسار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ما فيك يظهر على فيك :
أما بعد،،
عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
ومِلاكها ضبط اللسان، يتبعهُ ضبط الجنان، في السر والإعلان، وما فيك يظهر على فيك، ما فيك يظهر على فيك!
إن المُتحقِّقين بحقائق الإيمان لا عيَّ لهم في القلب، بل قلوبهم منبسطة بالصدق مع علام الغيوب، منزهة عن العيوب، ولا عيَّ لهم في العمل، بل هم المسارعون إلى الخيرات في مختلف الأوقات، الحريصون على الحسنات، ولهم عِيٌّ في اللسان، يُخرس ألسنتهم خوف الرحمن، يخرس ألسنتهم آيات القرآن، يُخرس ألسنتهم عن أنواع الشر وعن أنواع الكذب وعن أنواع السوء بلاغُ محمد سيد الأكوان.
وقد جعل الله القرآن لألسنتهم عن الخوض في الباطل، من غير آفة، من غير خرس، ومن غير شيء من مما يعتري اللسان من المرض، لكنه مُخرِس، مُخرِس لهم عن الخوض في الباطل، هكذا فعل فيهم القرآن، وهكذا صيَّرتهم بلاغات من أُنزل عليه القرآن.
تقويم الألسن علامة الاستقامة :
أيها المؤمنون بالرحمن، قَوِّموا الألسنة فهي أقوى علامة على استقامة القلوب، واتقوا الله فيما تنطقون به، وانطقوا بالنصيحة، وبالرأفة والرحمة والشفقة، وبنشر الخير والهُدى بين أنفسكم وأهاليكم وأصدقائكم وأصحابكم وفي مجالسكم، وحيثما كنتم، فإنه (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
فاتقوا الله فيما تقولون، تظهر عليكم آثار التقوى فيما تنظرون وتسمعون، وفيما تتحركون وتسكنون، وفيما تُسرون وفيما تُعلنون.
خلعة من خلع رمضان :
ألا إنها غنائم رمضان لمن ظفر بغنائمه، وإنها لفوائد شهر الصيام لمن حاز من فوائده، يخرج بهذه الخلعة والكسوة الشريفة الكريمة مُقوَّمَ اللسان، مُطهَّر الجنان، مسدَّداً فيما يقول في السر والإعلان، يخشى الرحمن، ويرجو ما عنده من العطاء والفضل الذي ليس له حد ولا حسبان، (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
فلتكونوا بألسنتكم مبلغين عن الله وعن رسوله، ناشرين للخير والهدى والفضائل في أسركم وفي مجالسكم وفيمن يسمعكم بأي وسيلة من الوسائل، تحثون على الفضائل وحميد الشمائل، وتحذرون من الرذائل وقبيح الخصائل.
أيها المؤمنون بالله، تلكم هي النتائج، بل تلكم هي المعارج التي تعرُج بها أرواح المؤمنين إلى أوج القرب من الإله تعالى في علاه، والقرب من عبده وحبيبه ومصطفاه.
خاتمة الخطبة الثانية :
اللهم قَوِّم قلوبنا وألسنتنا على ما هو أحب وأطيب، وارفع لنا عندك المنازل والرتب، وأعِذنا يا مولانا من شر الآفات والعاهات وموجبات الخزي والندامات في الدنيا ويوم الشدائد والكُرَب، يا رب يا رب، وعجِّل بتفريج كرب أمة حبيبك أجمعين.
ألا ومن خير ما يجول به اللسان من خير، من أفسح وأطيب ميدان؛ الصلاة على من أُنزِل عليه القرآن، فإن أولى الناس به يوم القيامة أكثرهم عليه صلاة، ومن صلى عليه واحدة صلى عليه عشر مرات إلههُ الرحمن ﷻ.
ولقد قال في مُحكَم القرآن، مبتدئاً بنفسه، مثنيّاً بالملائكة، مؤيّهاً بالمؤمنين، تعميماً وتعظيماً وتكريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلِّ وسلم على الصفوة المختار، نور الأنوار وسر الأسرار، عبدك المصطفى محمد،
وعلى صاحبه وأنيسه في الغار، مؤازرهِ في حاليِ السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وعلى الناطق بالصواب، حليف المحراب، الناشر للعدل، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وعلى مُحيي الليالي بتلاوة القرآن، الناصح لله في السر والإعلان، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وعلى أخِ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وعلى الحَسن والحُسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنة، وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا، وأمهات المؤمنين، ومريم وآسية،
وعلى الحمزة والعباس عمي نبيك خير الناس، وعلى أهل بيته الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس، وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وسائر أصحاب نبيك الكريم الذين أقمتَ لهم المجد على أقوى أساس، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الدعاء :
اللهم أعِزّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذِلّ الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمر أعداء الدين.
اللهم إن في الأرض ثُللاً أنت أدرى بهم، ينشرون الفساد والغيّ والضلال، ويؤذون العباد ويظلمونهم بغير حق، ويصدعون بذلك ويتجاهرون به غير هائبين من أحد، بسطوا أيديهم على المستضعفين وعلى العُزّل ومن لا قدرة لهم على مواجهتهم، وأنت القوي القادر المتين القاهر، وإليك تتوجه آمال ومطامح المؤمنين بك من كل مستقيم صابر شاكر، فنتوجه إليك اللهم مع حزبك المؤمنين من العباد المفلحين أن تتدارك الأمة بِرَدّ كيد هؤلاء الظالمين المعتدين المجترئين المفترين، اللهم رُدّ كيدهم في نحورهم، اللهم خالف بين وجوههم وكلماتهم، اللهم اهزمهم وزلزلهم، منزل الكتاب، سريع الحساب، مُنشئ السحاب، هازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، وادفع شرهم عن أهل لا إله إلا الله أجمعين، يا قوي يا متين.
اللهم فرِّج الكروب وادفع الخطوب، وأصلح القوالب والقلوب، واغفر الذنوب، واكشف الكروب، واستر لنا العيوب، وتولنا بما أنت أهله في الدنيا ويوم تقلب فيه القلوب، يا حي يا قيوم يا علام الغيوب، عاملنا بما أنت أهله، واكشف عنا السوء، وادفع عنا الشر وأهله، وكن لنا بما أنت أهل حيث ما كنا وأينما كنا، ولا تصرفنا من جمعتنا إلا بقلوب مُقبلة عليك، وألسنٍ زمها زمام تقواك وخشيتك من كل ما لا يرضيك، وجوارح كذلك.
اللهم اسلك بنا أشرف المسالك، واغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا وذوي الحقوق علينا، والمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، أحيائهم والأموات إلى يوم الميقات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر.
13 شوّال 1446