يوم عاشوراء وعِبَر الأيام والليال في معاملة الحق ذي الجلال

خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان في عيديد، مدينة تريم، 9 محرم 1447هـ
يوم عاشوراء وعِبَر الأيام والليال في معاملة الحق ذي الجلال
لتحميل الخطبة (نسخة إلكترونية pdf) اضغط هنا
نص الخطبة:
الحمد لله، الحمد لله المَلك الحي القيوم الدائم الباقي الواحد الأحد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، البارئ الفاطر الرافع الخافض المُقدِّم المُؤخِّر المقصود الصمد، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، خير هادٍ إلى منهج الهدى والرشد.
اللهم صلِّ وسلم وبارِك وكرِّم على نعمتك العظمى ومِنَّتك الكبرى حبيبك المختار سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن سار في منهجهم إلى يوم غد، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين مفاتيح الهُدى والرشد، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المُقرّبين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الوصية بالتقوى
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله.
فاتقوا الله عباد الله، اتّقوا الله عباد الله، اتقوا الله عباد الله، فهو خالقكم والمُنعِم عليكم والمحيط بكم، ونواصيكم بيده، وإليه مرجعكم ومآبكم ومآلكم، والحُكمُ له عليكم، وهو الحاكِم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون، إنه الله الذي أحاط بكل شيء علماً، وهو على كل شيء قدير، إنه السميع البصير اللطيف الخبير العلي القدير.
معاملة المؤمن مع الله في الأوقات
أيها المؤمنون بالله، وينطلق المؤمن في أيامه ولياليه معاملة مع هذا الإله الحق العظيم الذي يعلم ما يُظهره وما يُخفيه، وما يُعلنه وما يطويه؛ يتعامل مع الإله الحق في الليالي والأيام، من مواقيت للصلاة وقَّتها، فيقوم عليها كما يُحِب مولاه، ومِن تواصل الليل بالنهار والنهار بالليل ليكون له ذِكراً وشُكراً، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا).
ويعرف من خلال الأسبوع الأيام التي تُعرض فيها الأعمال على الله، وهي يوم الإثنين ويوم الخميس، فيكون على أدبٍ وأُهبةٍ واستشعارٍ للعرض على الإله الحق الحي القيوم العليم القدير.
يوم الجمعة وفضله
ويرتقِبُ من خلال أيام الأسبوع يوم الجمعة سيّد الأيام، خير يومٍ طلعت عليه الشمس، ويُبادر إلى ما فرض الله عليه من أداء الجمعة، ويحرص على التبكير، ويُكثر الصلاة والسلام على نبي الله البشير النذير السراج المنير، ويقرأ سورة الكهف وما تمكَّن مِن سورٍ ورد سُنّية قراءتها بخصوص اليوم: كسورة آل عمران وسورة هود، ويأخذ نصيبه من الإنابة والخشية.
ويتَّجه إلى الجمعة ذاكراً لله ليجتمع على الذكر والتذكير في المسجد وعند سماع الخطبة وصلاة الجماعة والأذكار والدعاء، ثم ينصرف من الجمعة إلى ذكر الله (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
الأشهر الحُرُم وشهر المحرم
وهو في معاملته لهذا الإله الحق يَرقُب الأشهر، وأنها مراحل انقضاء العمر وحضور الأجل، ونقص الحياة والاستعداد للرحيل والسفر، ومع هذه الأشهر يُدرك أشهراً حُرُماً، أربعة تميّزت من بين بقية الأشهر، أولها في السنة شهر الله المحرم، يأتي بعد آخري شهرين في العام قبله: ذو القعدة وذو الحجة، فيتلوهما أول شهر من أشهر العام الجديد، شهر الله المُحرم، الذي الصيام فيه أفضل الصيام بعد رمضان.
كما تتعامل مع الإله الحق في استقبال سيد الشهور رمضان ومقابلة أشهر الحج بما يليق بها، كما يترقب ليلة القدر في ليالي رمضان، كما يترقب الليالي العشر من ذي الحجة، ويترقب أيام العيد وأيام الأضحية، كما يترقب يوم تاسوعاء ويوم عاشوراء من شهر الله المحرم.
يوم عاشوراء وذكرى موسى عليه السلام
وينظر إلى الأيام البيض في الأشهر أو الإثنين والخميس فيما يتيسّر له فيها الصيام، ويخصّ يوم عاشوراء بالمعاني التي أقامها صاحب النبوة والرسالة في تقويم مسارنا وتقويم أفكارنا، وتقويم أدائنا المُهمات في أُسرنا وديارنا، وفي نفوسنا وإسرارنا ومعاملتنا لعالم سِرّنا وإجهارنا جل جلاله وتعالى في علاه.
فجعل لنا التذكُّر لسيدنا الكليم واستشعار يوم نجاته، وإهلاك الله عدوه المُتربص المُزمجر المُتحدي المعتدي، وهلك في يوم عاشوراء.
وقال زين الوجود ﷺ مُبيناً للمؤمنين وجوب تقويم روابطهم ومشاعرهم بالأنبياء والمرسلين: "نحن أحق بموسى منكم" يقول لليهود.
فإن اليهود بدَّلوا وحرَّفوا وغيَّروا وخرجوا عن مسلك النبي موسى، وما كان النبي موسى إلا مسلماً حنيفاً، وكان مُبشِّراً بمحمد بن عبد الله وآمراً بالاتباع له، ولو كان على قيد الحياة الدنيا ما وسعهُ إلا اتباع محمد ﷺ، بل قد قرأ من فضائله وفضائل أمته ما قال: "جعلتَ هذا الخير والفضل لمحمد وأمة محمد، فاجعلني من أمة أحمد".
وقال له الرحمن: (يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ).
نجّاه الله تعالى في يوم عاشوراء، وقال زين الوجود ﷺ: "نحن أحق بموسى منكم"، مقوّماً لمشاعر المؤمنين أن تتصل بمن مضى من النبيين، وصالح الأمم قبلنا ممن شهد شهادة الحق أن لا إله إلا الله واتّبع المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم.
لا خير في من خالف الأنبياء
فلا خير والله في من عداهم، ممن لم يشهد شهادة الحق ولم يتبع الرسل والأنبياء، في أي قرن كان مضى مِن عهد آدم إلى يومنا هذا. لا خير في من خالف الأنبياء، لا خير في من كذّب الأنبياء، لا خير في من خرج عن طريق الأنبياء، لا خير فيهم مهما أوتوا من ظواهر صناعة أو حركة أو فِكر مادّي أو غير ذلك.
لا خير في النمرود ولا من اتّبعه، ولا خير في الكفرة من قوم عاد، ولا خير في الكفرة من قوم ثمود قوم سيدنا صالح، ولا خير في فرعون ومن اتبعه، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ).
والنتائج الكبرى لمخالفة الأنبياء واتباع أهل الكفر: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ).
مستقبل الكافرين والمؤمنين
فمستقبل جميع الكافرين الذين بلغتهم دعوة الله على أيدي المرسلين فتولَّوا، عاقبتهم سوءاً، وعاقبتهم خِزي، ومستقبلهم وخيم تعيس، تعب وهمٌّ وعذاب شديد!
هذا مستقبل كل مناكر ومكابر ممن أبى أن يستجيب لدعوة الله التي حملها المرسلون، يكون من يكون، فمستقبلهُ الخيبة والخسران المبين والعذاب الأليم، والهُون والذِّلّة والعياذ بالله تعالى.
هذا مستقبل كل من لم يؤمن بالله ورسله ممن وصلته الدعوة فأباها، سواء كان عبقرياً سمّوه، أو مُتقدماً سمّوه، أو رئيساً سمّوه، أو وزيراً سمّوه، فهو الخائب وهو الخاسر بإبائه عن دعوة الله التي بعث بها رسله.
ولا والله ما فاز في الأمم السابقة ولن يفوز في هذه الأمة إلا من شهد شهادة الحق وعمل بِمُقتضاها واتبع المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم. فهم الذين مستقبلهم ما ذكر الله: (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ).
فكُل مَن مات على الإيمان مستقبله جميل، مستقبله حَسن، مستقبله حميد، مستقبله شرف، مستقبله كرامة، مستقبله نعيم مُؤبد ولذّة خالدة ورضوان من الله الواحد الأحد أكبر، (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
تقويم المشاعر نحو الأنبياء والمؤمنين
أيها المؤمنون، قوّموا مشاعركم نحو الأنبياء والمؤمنين من الأمم السابقة، فضلاً عن المؤمنين من هذه الأمة، خصوصاً السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وآل بيت نبيكم المختار، والعلماء والصلحاء الأخيار؛ فَوَالوهم من أجل الله الذي آمنتم به، فولاؤهم يُرضيه وهو علامة صدق الإيمان به، وصدق المعاملة معه، وصِدق الوِجهة إليه جل جلاله.
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).
وويلٌ لمن تأتي ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء وهو مُنابذ لأحد من المؤمنين بالله، وهو مقاطع لأحد من أرحامه، وهو متكبر عن أمر الله له في تقويم مشاعره نحو الأنبياء والمرسلين والمؤمنين. (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).
التوسعة على العيال في عاشوراء
أيها المؤمنون بالله، وقَوَّم لنا ﷺ تنظيم الأسرة، وأشار في يوم عاشوراء أن نُوسِّع على العيال إدخالاً للسرور عليهم؛ مِن زوجة وولد وأمٍّ ومن شملتهم دوائر أُسرنا، فإن التوسعة عليهم سبب لأن يوسِّع الله عليك في طول سَنتك.
في إشارة منه ﷺ إلى أن تستقيم وتستقر العلائق بين الآباء وأولياء الأمور وأهاليهم وأولادهم على منهج الشرع المصون، على منهج الحق الميمون، على منهج العاطفة الأبوية والعاطفة الأسرية، ممزوجة بإقامة أمر الله والتحابُب في الله والتعاون على مرضاة الله.
التحذير من إهمال الأسرة
فلا أصاب مَن ضعفت علاقته بأهله وأسرته وأبنائه وبناته وأبويه، فلا يكادون أن يجلسوا معهُ ويطمئنون بالجلوس معه إلا قليلاً، ولا يشعرونَ منه بعاطفة ولا مشاعر طيِّبة، ولا يسمعون منه نُصحاً ولا مذاكرة فيما يوجِب الفوز والسعادة، ويُصلح شأنهم في المعاش والمعاد.
لا خير في من أعرض عن أهله هذا الإعراض، مشتغلاً بشيء من شؤون دنياه أو بِشلّة من أصدقاء وأصحاب، لا يعرف معهم ابناً ولا بنتاً ولا أباً ولا أماً ولا زوجة، ولا يُعطيهم حقوقهم. وإن برّ الصديق وجفاء الأب من المناكر التي هي من علامات الساعة، وطاعة الزوجة وعقوق الأم من علامات الساعة ومن الكبائر التي حذَّر منها صاحب الرسالة ﷺ.
خطر الأجهزة والانشغال عن الأسرة
أيها المؤمنون، لا بد من تقويم العلاقة مع الأسرة، وقد داهموكم بشغلكم في الخارج، ثم شغلوكم وسط دياركم عمّن في دياركم من أبنائكم ومنِ أهاليكم، وأتوا لكم بالبرامج والمسلسلات وناولوكم الأجهزة الصغيرة تحملونها بأيديكم.
وعنده أخت ولا يدري ما تقول ولا ما يقول لها، وعنده بنت ولا ينظر إليها ولا يستمع منها ولا يكلمها، نظره إلى جواله وإلى ما فيه وهو متابع، حتى يكاد أن يُقرِّبوا له غداءً أو عشاءً وهو مشغول يغفل عن كل شيء، حتى يضع الجوال ربما على رجله وهو يتناول الطعام، لا ينظر إلى أسرته ولا إلى أولاده ولكن إلى جواله.
ما أغفله! ما أجهله! أين الأبوة؟ أين الولاية؟ أين المسؤولية؟ أين تقويم الأسرة؟ أين العواطف نحوهم؟
دعوة لتقويم العلاقات الأسرية
ولكم قبَّل الأطفال ﷺ، ولكم وضعهم على حِجره، ولكم حملهم على كتفه الشريف، ولكم لاعبهم، ولكم أخذ بخواطرهم، ولكم كان خيراً لأهله، وهو القائل: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
وآخر لَوى عنقه عن واجبه في التقويم، فلا يُبالي ماذا يصنع الأبناء، وإلى أي منحدر ينحدرون، ومع أي خبيث يتصاحبون؛ من عبر البرامج أو عبر البيئة التي يعيش فيها من أهل بلدته أو أهل حارته، حتى يرتمي خيار أبنائه وأعزّهم في أحضان فَسَقة وسَقَطة، يُزيّنون الكبائر والقبائح، ويبعدون عن الخير والهدى والملائح، فيتأثر بهم من حيث لا يشعر ذلك الأب المُقصّر، الأب المُغفَّل، الأب المضيّع للأمانة، حتى يسقط في براثن الإدمان على سوء أو شر والعياذ بالله تبارك وتعالى.
أيها المؤمنون، قوِّموا هذه العلائق كما دعاكُم خير الخلائق، وكونوا خيراً لأهلكم، ووسِّعوا يوم عاشوراء على عيالكم، وأدخلوا السرور على قلوبهم، وقوموا بأمر الله نحوهم.
اللهم وفِّقنا لاغتنام أعمارنا وأيامنا ولياليينا وساعاتنا ولحظاتنا على ظهر هذه الأرض لنفوز يوم الحُكم، يوم أن تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، وقُلتَ عن ذاك اليوم: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ).
ثبِّتنا اللهم على ما تُحب واجعلنا فيمن تُحب، برحمتك يا أرحم الراحمين.
آيات من سورة إبراهيم
والله يقول وقوله الحق المبين: (فَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ * وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ * أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ طوَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ثبَّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خِزيه وعذابه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله مِنه المبتدأ وإليه المآب، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغفور التواب، رب الأرباب ومُسبِّب الأسباب. وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، أكرم مُنيب وأوّاب.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك المختار سيد الأحباب، سيدنا محمد الذي أنزلت عليه الكتاب، وعلى آله خير آل وأصحابه خير أصحاب، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم المآب، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك وآلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المقربين وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصايا للاستفادة من عاشوراء
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
فاتقوا الله أن تمرّ الجمعة عليكم بلا تذكُّر وبلا تبصُّر وبلا تيقُّظ للقلوب، أو أن تأتيكم ليلة عاشوراء في غفلة، أو أن تغفلوا عن الصوم في الغد لكل من استطاع وتيسَّر له، والتوسعة على العيال، والتقرُّب إلى الله بما شرع لكم.
فقد كان صالحو الأمة يُحِبون أن يتذكّروا السنن في مثل ليلة عاشوراء: من النوم على طهارة وعلى الجانب الأيمن واستقبال القبلة، وعلى الاكتحال قبل النوم المسنون للرجال وللنساء، وعلى أن يستعملوا ما استُحِب من الدّهن، وعلى أن لا يُخلوا يومهم المبارك من كثرة النوافل؛ كمثل الضحى وراتبة الظهر القبلية والبعدية وراتبة العصر، ومِن ذكر الله تعالى وكثرته.
ويُروى عن سيدنا علي بن أبي طالب أنّ من قرأ سورة الإخلاص ألف مرة يوم عاشوراء نظر الرحمن إليه، ومن نظر الرحمن إليه لم يُعذّبه أبداً.
فلا يخلون يومهم عن صدقة بما تيسّر، ولا عن مسح على رأس يتيم قُربة إلى العلي العظيم، ولا عن زيارة لعالم، ولا عن عيادة لمريض، ولا عن تفقّد صلة الأرحام، إنعاشاً للسنن والعبادات، وتزويداً للأيام المباركات بخير ما يُتقرَّب به إلى رب البريات.
الدعاء وخاتمة الخطبة
اللهم وفِّقنا ولا تحرِمنا خير ما عندك لشر ما عندنا، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين.
وأكثروا الصلاة والسلام على خير الأنام، فإن أولاكم به يوم القيام أكثركم عليه صلاة وسلام، وإن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنّى بالملائكة وأيّه بالمؤمنين، فقال مُخبراً وآمراً لهم تكريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المهداة والنعمة المُسداة، سيدنا المختار محمد، نور الأنوار وسر الأسرار،
وعلى الخليفة من بعده المختار وصاحبه وأنيسه في الغار، مؤازره في حالَيِ السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.
وعلى الناطق بالصواب، حليف المحراب، المنيب الأواب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى محيي الليالي بتلاوة القرآن، من استحيت منه ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخي النبي المصطفى وابن عمه ووليّه وباب مدينة علمه، إمام المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى أمير المؤمنين الحَسن بن علي، وأخيه الذي استُشهِد في يوم عاشوراء، لاقياً ربه مُوفياً بعهده، ناصراً مِلّة رسول الله جدّه على خير الوجوه، ومن معه من شهداء كربلاء.
وعلى جميع آل البيت الطاهر والصحابة الأكابر، من آل بيعة العقبة وآل بدر وآل أُحد وآل بيعة الرضوان، وعمّي نبيك الحمزة والعباس، وعلى جميع أتباعهم بإحسان إلى يوم الوقوف بين يديك يا رب العالمين.
الدعاء للأمة
اللهم أعِزّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذِلّ الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمِّر أعداء الدين.
اللهم كما نجَّيت موسى ومن آمن معه في يوم عاشوراء، وأغرقت رأس الكفر والفسوق والعصيان فرعون ومن معه، فنسألك أن تجعل لنا في يوم عاشوراء المقبل علينا نصراً من عندك للمؤمنين، وتأييداً من عندك لأهل الدين.
اللهم ونسألك خذلاً وهزيمةً للمعتدين الظالمين الغاصبين المُتبجّحين بالجرائم والكبائر، اللهم اهزمهم وزلزلهم، يا مُنزِل الكتاب، يا منشئ السحاب، يا سريع الحساب، يا هازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم، وخالف بين وجوههم وكلماتهم وقلوبهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، واجعل الدائرة عليهم، واشغلهم بأنفسهم، واكفِ المسلمين جميع شرورهم يا حي يا قيوم، يا مغيث المستغيثين.
يا من يجيب دعوة المظلوم ولو كان كافراً، ظُلِم من عبادك المؤمنين أعداد كبار وصغار، ورجال ونساء، وأطفال وشباب وشيوخ، وإنا بلسانهم نستنصرك فانصُر، ونستغيثك فأغِث، ونسألك تعجيل فرجك للمؤمنين، وردّ كيد الظالمين الفاسقين المعتدين، يا حي يا قيوم، يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
لا صرفتنا مِن جُمعتنا إلا بقلوب عليك مُقبلة، تُحسِن لك المعاملة؛ في أيامها ولياليها وأسابيعها وأشهرها وأعوامها، حتى يلقاكَ كُل منا على حال جميل وأنت راضٍ عنه يا ذا الفضل الجزيل.
اللهم واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وذوي الحقوق علينا والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد.
ونستغيثك الغياث، ونسألك الغوث العاجل للقلوب وللجدوب، فاسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مُغيثاً مُجللاً سحّاً طبقاً عاماً دائماً مباركاً فيه يا رب العالمين.
عباد الله، إن الله أمر بثلاث وينهى عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
_______________________________________
الصفحات الرسمية للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ:
الموقع: https://alhabibomar.com
يوتيوب: https://youtube.com/HabibOmarCom
فيسبوك: https://fb.com/HabibOmarCom
انستغرام: https://instagram.com/habibomarcom
تلغرام: https://T.me/HabibOmar
قناة الواتسب: https://omr.to/channel
09 مُحرَّم 1447