أكثر ما يُدخِل الجنَّة، وأكثر ما يُدخِل النار، والداعون إلى كلٍّ منهما

للاستماع إلى الخطبة

خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة بعيديد، مدينة تريم، 24 ذو الحجة 1446هـ بعنوان: 

أكثر ما يُدخِل الجنَّة، وأكثر ما يُدخِل النار، والداعون إلى كلٍّ منهما

لتحميل الخطبة pdf:

https://omr.to/K241246-pdf

يؤكد في الخطبة أنّ أكثر ما يُدخل الناس الجنة هو تقوى الله وحسن الخُلق، وأكثر ما يُدخل النار هو الأجوَفان: الفم والفرج

 وتضمنت الخطبة:

  1.  التحذير من آفات اللسان والبطن
  •  الكذب، الغيبة، النميمة، السب، اللعن، المسكرات، المخدرات، الربا
  1.   خاتمة العام الهجري
  • - يذكّر بقرب انتهاء العام الهجري (1446هـ)
  • - يحث على محاسبة النفس والتوبة الصادقة
  • - يؤكد أن "الأعمال بخواتيمها"
  1.   الدعوة إلى الخير مقابل الدعوة إلى الشر
  • - يقارن بين دعاة الجنة (الأنبياء وأتباعهم) ودعاة النار (إبليس وأتباعه)
  • - يحث على الانضمام لركب الصالحين
  1.   علامات الساعة
  • - يشير إلى كثرة القتل (الهرج) علامة من علامات القيامة

 

نص الخطبة:

الحمد لله، الحمد لله مُقلُّب القلوب، المُسخِّر لها القوالب، والذي بيده ملكوت كل شيء وهو القويّ الغالب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مَن خضع لجلاله وامتثل لأمره فهو الفائز الرّاقي إلى أعلى المراتب، ومن خالفَ أمره وعصاهُ فهو النادم الخاسر الخائب.

وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرّة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، أطيَب الأطايب.

اللهم صلّ وسلم وبارك وكرِّم على عبدك المختار المخصوص منك بأجلّ المواهب، وعلى آله الكرام وصحبه الغُر الميامين، ومن تبعهم بإحسان من كل منيب خاشع خاضع مراقب، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين رفعتَ لهم القدر والمراتب، وعلى آلهم ومن لهم مصاحب، وعلى أتباعهم بإحسان، وملائكتك المُقربين وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،، 

   عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله.

تقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

أكثر ما يدخل الناس الجنة حسن الخُلق:

   أيها المؤمنون بالله، تَحمل تقوى الله معاني الإيمان الذي يتغلغل في القلب والصدر فيثمر الخشية والمراقبة، والتعظيم للحق جل جلاله والرجوع إليه، والاستعداد للقائه جلّ وعلا.

أيها المؤمنون، لا تقترِن هذه التقوى بحسن الخُلق إلا كان صاحبها مِن الداخلين إلى جنة الله في الأوائل.

وأكثر ما يُدخِل الجنة كما جاءنا في الأحاديث عن سيدنا المصطفى محمد ﷺ، فيما رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام البخاري في كتاب الأدب المُفرَد، ورواه جماعة من أصحاب السنن، يقول ﷺ: "أكثر ما يُدخل الناس الجنة: تقوى الله وحسن الخلق، وأكثر ما يدخل الناس النار: الأجوفان، الفم والفرج".

الدعاة إلى الجنة :

   أيها العباد، نتائج الكسب للمُكلّفين من حين بلوغ أحدهم إلى أن يلقى الله، أكثر ما يوجب دخول الجنة من هذه المكاسب: 

  • تقوى الذي يعلم السر وأخفى، 
  • وحُسن الأخلاق مع عباده من أجله ﷻ، 

فلا يهتمّ بها ويدعو إليها إلا مَن سبقت له سابقة السعادة، وهُيِّئ للحسنى وزيادة.

وسادة الداعين إليها أنبياء الله، ثم خلفاؤهم من آلهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسان، وأولئك الذين قال الله عنهم: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)، 

وقال ﷻ: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ). 

دعاة النار وآفات القول والبطن:

وإنما يدعو إلى النار إبليس عدو الله ومن دخل في دائرته وصفه وحزبه من شياطين الإنس والجن. 

أولئك الذين يدعون إلى :

  • اجتراء الفم قولاً على قول الحرام والكذب والزور والغيبة والنميمة، والسب والشتم واللعن، والفتنة بين الناس، والقول بغير علم في مسائل الدين، إلى غير ذلك من آفات القول. 
  • ومن آفات الطَعم مِما يُدخَل عبر الفم إلى البطن من مطعوم ومشروب، ويزيِّنون للناس تناول المحرمات والمسكرات والمخدرات، والشبهات، والغصب والسرقة والربا، إلى غير ذلك مما يوجب الخزي في يوم الحُكم بين الأولين والآخرين.

وقد خابَ من حمل ظلماً، (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا). 

  • وما يتعلق بالفرج، فيُروّجون للمنكرات من الزنا واللواط بأنواع الترويج، مسموعات ومرئيات وأسباب كثيرات، أولئك الذين يدعونَ إلى النار، فاحذر أن تُقاربهم، واحذر أن تُشابههم، فضلاً عن أن تكون أنت أو أحد أسرتك عضواً منهم وفردًا من أفرادهم.

أولئك الذين قال عنهم الجبار ﷻ: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ‎* وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ‏). 

الاستعداد لختام العام الهجري:

   ألا يا أيها المؤمنون، يرتفع عنا ويذهب بحر العام الهجري الذي وصلتم إلى أواخره، ووسطه أعمال ونيّات ومقاصد لكل المكلفين، منها ما كان من التقوى وحُسن الخلق، فنِعمَ المكاسب ونِعم الزاد ونِعم ما يُستعَد به للقاء عالم الخافي والباد، رب العباد ﷻ.

وفي خِضَم بحر العام، مساعٍ من مساعي النار، وموجبات الخزي والعار، ومنها ما يتعلق بالفم والفرج، فويلٌ لمن انختم عامه وهو معلق الذمة والرقبة بأعمال أهل النار، لم يصدُق في التوبة منها، ولم يتخلّص منها، ولم يفدهُ شرف التخلص منها والارتفاع عنها مواسم العام من أشهرٍ حُرم ولا رمضان، ولا أشهرِ حجٍ ولا مناسبات شريفة. 

ويل له ثم ويل له ثم ويل له، رجلاً كان أو امرأة، فُرادى أو جماعات، يعملون أعمال أهل النار، ويدعون إلى أعمال أهل النار، أجارنا الله وأعاذنا وأهلينا وأسرنا وديارنا ومنازلنا وبلداننا من أولئك الأشرار، أولئك المُتعرّضين لغضب الملك القهار الجبار، وللدخول إلى سوء الدار وعذاب النار، أجارنا الله من ذلك.

    أيها المؤمنون، وأنتم في خواتيم العام، انظروا ما لكم من ائتمام واهتمام، بأي شيء تهتمون؟ وبمن تأتمون؟ وإلى ماذا تَدعون؟ وعلى ماذا تَدلّون؟ وماذا تَنشرون؟ وماذا يَتحبّب بكم إلى الأهل والأولاد والجلساء الذين لهم تجالسون؟

راية التقوى وحسن الخلق:

     أيها المؤمنون، ارفعوا واحملوا راية التقوى وحسن الخلق.. 

التقوى وحسن الخلق..  

التقوى: تَوَقِّي الذنوب والمعاصي، كبيرها وصغيرها، سرها وجهرها، ليلها ونهارها، ظاهرها وباطنها. 

واستجيبوا لنداء الخلاق الذي خلق ورزق، وللعبادة وحده استحق، وإليه مرجع كل واحد منكم ووقوفه بين يديه، ويقول ﷻ: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ)، (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ). 

وتمَكَّنوا، واصدقوا وأرسِخوا أقدامكم في تقوى الله وحُسن الخلق، والحقوا بالركب الذين يدعون إلى تقوى الله وحسن الخلق، ويدلّون عليه بعد أنفسهم أهليهم وأولادهم، وأصحابهم وأقاربهم، وجلساءهم ومن يتحدثون معهم، تلحقون بركب الأنبياء والأصفياء الأولياء، (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ). 

بِخُلق الصبر واليقين، ارتقوا مراتب الدنو من رب العالمين، وحازوا الثبات والتمكين، (لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ). 

كثرة الهرج من علامات القيامة:

واغنموا مرور العام عليكم، وفيه قد انتقل من نظرائكم وأمثالكم، صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً، عرباً وعجماً، ألوف مؤلفة، وفيهم الذين كانوا مظهراً من مظاهر علامات الساعة وقرب القيامة، المقتولون ظُلماً وعدواناً، وكثرة الهرج من علامات يوم القيامة، أن يكثر الهرج. 

قيل: وما الهرج؟ قال ﷺ: "القتل". 

أعاذنا الله من كل سوء، وفرَّج على المسلمين.

    أيها المؤمنون، قوموا بأمر الله، وبما يُقرِّبكم إليه، واغنَموا خاتمة العام، فإن الحق بلّغكم أواخره، والله يُتمّه علينا ويتم علينا في آخره نعمته، ويجعلنا من المقبولين ويغفر لنا ما مضى ويحفظنا فيما بقي.

الأعمال بخواتيمها:

  أيها المؤمنون بالله ﷻ، والأعمال بخواتيمها، والأيام بخواتيمها، والأسابيع بخواتيمها، والأشهر بخواتيمها، والأعوام والسنون بخواتيمها، فأحسِنوا خاتمة العام باللحوق بركب الكرام، والتحقُّق بحقائق التقوى في السر والنجوى، ويقول رب الأرباب: (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ). 

فضل حسن الخلق:

وحُسن الخلق، قياماً بحقه، تكليفاً للنفس:

  • بالتصبر، 
  • وبالتزهُّد، 
  • وبالتخلُّق بمكارم الأخلاق، 

تكلُّفاً في البداية، وبهناءٍ وراحةٍ في النهاية. 

ولا يوضع في الميزان الحثيم ميزان الحسنات يوم الميقات، شيء أثقل من حسن الخلق.

يقول ﷺ: "وأنا ضمين ببيت في أعلى الجنة لمن حسّن خلقه"، ويقول: "إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا، الموَطَّؤونَ أكنافًا".

خاتمة الخطبة الأولى :

اللهم ارزقنا حقائق التقوى وحسن الخلق، واجعلنا من المُتحقّقين بها والراسخين فيها والداعين إليها، اللهم وألحقنا بذلك الركب من حزبك المفلحين، والأنبياء والمرسلين، والعباد الصالحين الهداة المهتدين، غير ضالين ولا مُضلين، يا أكرم الأكرمين.

والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). 

وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

(سَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ‎*‏ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ‎* وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ‎* أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ‎* قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ‎* هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ‎* وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ‎* إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ‎* وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ‎* أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ‏).

(سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ‎* مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ‎* لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ‎* الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمتْ لِغَد وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ‎* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ‎* لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبَّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

   الحمد لله المُطَّلِع على الغيوب، والمُنقِّي مَن شاء عن الدرن والأدناس والعيوب، وأشهد أن لا إله إلا الله غفار الذنوب، وقابل التوبة ممن يتوب، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرّة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، وحبيبه الطاهر المحبوب.

اللهم صل وسلم وبارك وكرِّم على أكرم خلقك عليك وأحبّهم إليك سيدنا محمد، خير داعٍ إلى الهدى والبر والتقوى وحسن الخلق، وعلى آله وأصحابه السالكين على أقوم الطُّرُق، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم وضع الميزان، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،، 

عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله وأحسنوا يرحمكم الله، (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ).

زمرة من يدعون إلى الجنة:

   أيها المؤمنون، انتظموا وأهاليكم وأولادكم وأصحابكم في زمرة من يهدون إلى الحق، من يهدون إلى الهدى، من يهدونَ إلى الجنة، ومن يَدعون إلى الجنة.

أيها المؤمنون، الله يدعو إلى الجنة بإذنه، والكافرون والكافرات أولئك يدعون إلى النار، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ﷻ.

وإن أنبياءه ليدعون إلى الجنة، وإن أتباعهم لكذلك، يقول قائلهم: (مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ‎* تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ). 

فادعوا إلى العزيز الغفار، مقتدين بالنبي المختار، وطَهِّروا قلوبكم وأعضاءكم ودياركم وأهاليكم وأولادكم أن تشابهوا من يدعون إلى النار، ومن يكتسبون ما يوجب دخول النار من معاصي الفم والفرج، أولئك الذين يتساهلون بصغارها، فيَصِلون إلى كبارها، ويستجرّون إلى الإصرار على آفاتها، فلا يسلمون من سوء عواقبها، ويتعرضون لنار موقدة تطلع على الأفئدة.

ودّعوا عامكم بتطهير البيوت:

فاحموا قلوبكم وأعضاءكم، واحموا دياركم وأهاليكم، وعلى مثل هذا التفقد والانتباه ودِّعوا العام السادس والأربعين بعد الأربعمائة والألف من هجرة نبيكم الأمين، ولقد مرّت هذه السنون ونوره يُلألئ ويضيء لمن يهتدون، ولمن يلقون السمع وينصتون، ولمن يُخلصون ويصدقون، وهم معه يوم يحشرون، وإلى دار الكرامة سالمين من عذاب الهون، جعلنا الله وإياكم منهم.

اللهم طهِّر قلوبنا وأعضاءنا، وطهِّر أهالينا وأولادنا وديارنا من تبعية أهل النار، وما يوجب دخول النار، فلا تظهر فضائع الغيبة ولا النميمة في ديارنا، ولا الكذب ولا اللعن، ولا الحلف الكذب، ولا الفتنة، ولا الزيغ والضلال، ولا التّجرِّي على كتابك وسنة رسولك والقول بما لا نعلم، ولا أكل الشبهات ولا المُحرمات.

اللهم ولا نحوم حول ما يوجِب الانخراطَ في ذنوب الفروج، لا فكراً ولا قولاً ولا نظراً ولا سمعاً. ابنِ بيوتنا على العفاف والتقوى، وتولنا بما أنت أهله في السر والنجوى.

خاتمة الخطبة الثانية:

   ألا واجعلوا من مظاهر اتصالكم بأهل الله وجُنده الداعين إليه كثرة صلاتكم وسلامكم على سيدهم وإمامهم، حبيب الله محمد، الذي يجتمع جميع أهل الجنة تحت ظل لوائه، جمعنا الله تحت ذاك اللواء، وثبَّتنا على طريقه وسبيله الأقوم الأقوى في السر والنجوى.

صلّوا عليه ليلاً ونهاراً، سراً وإجهاراً، فإن أولى أمته به في القيامة أكثرهم عليه صلاة، ومن صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشراً.

وإنّ الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بالملائكة وأيها بالمؤمنين، فقال مُخبراً وآمراً لهم تكريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صلِّ وسلم على الرحمة المهداة والنعمة المُسداة، البشير النذير السراج المنير، عبدك المختار محمد، 

وعلى صاحبه وأنيسه في الغار، مؤازره في حالَيِ السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق. 

وعلى الناطق بالصواب، حليف المحراب، المنيب الأواب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب. 

وعلى مُحيي الليالي بتلاوة القرآن، الناصح لله في السر والإعلان، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان. 

وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب. 

وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنة، وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا، 

وعلى الحمزة والعباس، وسائر أهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس، وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وسائر أصحاب نبيك الكريم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

الدعاء :

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.

اللهم أذِل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة الدين، اللهم دمِّر أعداء الدين، اللهم لا تُرِنا في وجه مؤمن ذلة، اللهم لا ترنا في وجه مؤمن ذلة، اللهم لا ترنا في وجه مؤمن ذلة، ولا في وجه كافر مغتصب مُعتدٍ عزة.

اللهم أعز دينك وأعزنا بدينك وأعز الإسلام بسنة رسولك، وما جاء به عنك يا حي يا قيوم.

اللهم اخذل المعتدين الظالمين الغاصبين المفترين المجترين من الصهاينة ومن والاهم ومن وقف معهم، اللهم اخذلهم واهزمهم وزلزلهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم ومزِّقهم كل مُمزق مزَّقتَ به أعداءك انتصاراً لأنبيائك ورسلك وأوليائك.

اللهم رُد كيدهم في نحورهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، واكفِ المسلمين جميع شرورهم، يا حي يا قيوم.

بك نستنصر فانصرنا، وبك نستغيث فأغثنا، وعلى بابك وقفنا فأكرمنا.

اللهم ثبتنا على الحق فيما نقول، وثبتنا على الحق فيما نفعل، وثبتنا على الحق فيما نعتقد، يا قوي يا متين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) .

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

(رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

(رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). 

(رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). 

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ). 

نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.

 

تاريخ النشر الهجري

24 ذو الحِجّة 1446

تاريخ النشر الميلادي

20 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

الأقسام