(236)
(536)
(575)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في المجلس الرابع للدعوة إلى الله في شعب النبي هود عليه السلام، ضمن محور القواسم المشتركة وحماية أسس الدين، ليلة الإثنين 9 شعبان 1445هـ بعنوان:
أسرار التجلي الإلهي الرباني ومن أعلاه بالنبوة والرسالة وعليه يقوم أمر الدارين
للمشاهدة:
https://www.youtube.com/live/c0VkVDEPDk0?t=5556
(يمكنكم الاطلاع على الصور في أسفل الصفحة)
الحمد لله المُتجلِّي، وما من شيء في الوجود إلا نتيجة تجلِّيه، في عالم الأجساد، في عالم الأرواح، في عالم الخلق، في عالم الأمر، في الظاهر والباطن والحسِّ والمعنى، فيما يُنازل القلوب والعقول، فيما يُظهر من ألْسنة أو من كلمات أو من لغات؛ هي تجلياته -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- كما أنَّه لم يُخلق شيء إلا بتجلّي الخالق عليه باسمه الخالق فتبارك خالق كل شيء -جلَّ جلاله- ونحمده.
من أعظم تجلِّيات الله
وكان من عظيم تجلِّيه؛ ابتداء الخلق وما كان ابتداء الخلق إلا بإبراز نور محمد، هكذا جاءنا، الأولية في العالم الخلقي لنور حبيب الرحمن -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فَنورُ هذا الحبيب أول مخلوق برز في العالم، ومنه تفرَّع الوجود خلْقًا بعد خلق فيما حدث وما تقادم، ثم كان من شؤون تجلّيات الرحمن ما قضى من خلْق اللوح والقلم والعرش والكرسي والعقل، وثمّ خَلْق الجنة والنار والسماوات والأرضين -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-، ثمَّ ما جعل من الرِفعة والكرامة في تجلّيه اصطفاءه من يصطفي من الملائكة والناس (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) [الحج:75] -جلَّ جلاله-، فكانت هذه تجلياته العُظمى المقُتضية لعظيم أحوال العُقْبى والأخرى إبراز النبيين -صلوات الله وسلامه عليهم- مِن عهد آدم عليه السلام إلى عيسى بن مريم الذي سيواصل المشوار الذي خُلق من أجله بعد مرور هذه السنين، بالسنين الشمسية قد مضى له ألفان وثلاث وعشرين سنة -صلوات الله على نبينا وعليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين- وسينزل إلى ظهر هذه الأرض، وسيبرز من سرِّ التجلّي بالنبوة والرسالة في أمَّة خاتم النبيين وسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم إحياء وتجديد؛ يكتب الله به طوائف لأعالي درجات حُسن المآب وحُسن المصير، في دار الكرامة ومستقرّ الرحمة، وفي الفردوس الأعلى وفي ساحة النظر إلى وجهه الكريم.
كما تقوم الحُجّة على أهل دركاتٍ في نار الجحيم، وهم الذين بدّلوا وغيَّروا وحكَّموا أهواءهم وحكَّموا شهواتهم على أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ولم تزل المذكِّرات والحوادث وما يقع على ظهر الأرض من مصائب وبلايا؛ لم يزل في دائرة التبيين والتنبيه والتوجيه للكل؛ للمؤمنين ولغير المؤمنين (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة: 21].
فدخل أنَّه إذًا في حكمة الرحمة الغريبة العظيمة الباطنة، ثم بعد ذلك لا يكون للناس على الله حُجة بعد الرسل، ولا يهلك على الله إلا هالك، ومن شرد على ربه وإلهه شُراد البعير النادِّ على أهله فهذا الذي يهلك، وللأسف هم أكثر المُكلفين -أجارنا الله من النار وأجارنا من غضبه-.
وعي الخطاب وأداء الواجب
ومع ذلك أنتم في نور هذا التجلِّي بالنبوة والرسالة تجتمعون هذه المجامع لتتذكروا كيفية سماع خطاب الله وندائه الذي حمله خاتم أنبيائه، وشُرِّفتُم بِحِفظِه مِن قِبَل هذا الإله، ووصوله إليكم كما أُنزِل، تقرأون هذه السور، تقرأون هذه الآيات كما نزلت من السماء وكما خرجت من بين شفتي سيد أهل الأرض والسماء، أبي البتول الطاهرة محمد بن عبد الله، أبي القاسم، ابن آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن حكيم صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.
تتشرفون تشرُّفًا كريمًا عظيمًا يُهيّئكم لمنازل عليَّة إذا قُمتم بحق القَضيَّة في مرافقة خير البريَّة -صلوات ربي وسلامه عليه-، وهي الغاية القصوى، وفيكم قلوب وعتْ شيئًا من طلب رضوان الله ومرافقة مصطفاه وعلمتْ أنَّه غاية الغايات، وعزة ربي ما فوق ذلك شيء، ولا يمكن أن يَتَحَصَّل مَلَكٌ ولا إِنسِيٌ ولا جِنّيٌ من أول الخلق إلى أن تقوم الساعة على شيء أفضل من ذلك، ولا أحلى من ذلك، ولا أنور من ذلك، ولا أجمل من ذلك.
وفي المجامع ما ينفتح من الإرشادات والتوجيهات والتنبيهات التي تتوزّعون فيها في نواحي وعي الخطاب، والقيام بالعمل به في دائرة الشريعة الكبيرة الكاملة ليؤدي كلٌ منكم واجبه وفاء بعهد الله سبحانه وتعالى في أجزاء من حقيقة هذا الدين، وفي بُقعٍ من بقاع هذه الأرض، وفي أفراد مِمَّن يخاطبهم أو يجالسهم أو يتكلم معهم أو يستطيع التخاطب معهم، كلٌّ يؤدي بذلك دور، والعبرةُ في الكل بقبوله عند الله، وأيُ عمل قَلَّ أو كَثُر -قُبِل- فهو جليل، وهو جزيل، وهو عظيم، ظهر الأثر له في عالم الحس أو لم يظهر، ظهر سريعًا أو خُبِّئَ ليظهر بعد مدة وبعد زمن، فالأول الآخر -جلَّ جلاله- الباطن الظاهر لا يُضِيعُ مِثقَالَ ذَرَةٍ من صادقٍ معه كائنًا ما كان، في كل ما يصدق به ويقوم به مع الله تبارك وتعالى في تبعية لإمام نَصَبهُ قَدَّمَهُ على الأنبياء فضلًا عمن سواهم اسمه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
تاج الخيرية في الأمة والارتقاء فيه
الذي تُوِّجَ به كل واحد منكم تاج الخيريَّة في الأمم؛ هذه التيجان المفرَّقة عليكم، كل واحد منكم نال من هذا التاج أنَّه من أخير الأمم، من أين جاء هذا التاج؟ رب العرش وزَّع عليكم التيجان بواسطة سيد الأكوان محمد ﷺ وقال لهم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ..) [آل عمران: 110 ]، إن أردتم أن تعرفوا حقيقة البشريَّة المكلفين قبل هذه البعثة؟ (وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران: 164] هذا وضعهم، لمَّا بُعِثْ وإذا بِثُلَلِ الإجابة منهم (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110]، وتاج الخيريَّة هذا حُزتُمُوه كُلُّكُم الحمد لله على ذلك، فبقي شرف الارتقاء في عظمةَ هذا التاج للاتصال بصاحب الإسراء والمعراج -صلى الله وسلم عليه وعلى آله-؛ في حقيقة النصرة التي مَعرض مِن معارضها الواضحة التي تحدثت عنه لسان النبوة ما جرى على ألسنتكم أو في خواطركم على درجات مختلفة من شأن المحبة والشوق إلى الجناب الكريم، الذي هو عنوان محبة الله وعلامته وترجمته، وعلامة الشوق إلى لقاء الله المخصوص الذي ألحَحنَا على الله ولا نزال نُلِّحُ عليه في الليلة الماضية أنْ يُرَقِّينَا في مَراقي ذلك اللقاء لنلقاه وهو راضٍ عنّا في رفيع درجات رضاه، وأعلى معاني الصلة العبديَّة بالربوبيَّة؛ حتى تتلاشى العبوديَّة في الربوبيَّة، والعبديِّة في العنديَّة، ونجتمع (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) [القمر:55]، عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ، وقد أشرقت أنوار مقعدِ الصدق بهذه العنديَّة:
في مقعد الصدق الذي قد أشرقت ** أنواره بالعندِ (عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) يا لك من سنا والمتقون رجاله وحضوره ** يا رب ألحقنا بهم يا ربنا
يا رب ألحقنا بهم يا ربنا
كيف نكون إخوانه ﷺ
سيدنا ومولانا،، جمعْتَ هؤلاء وقَضوا أوقات في مثل هذه الساحة بجوار هذا النبيّ، مؤمنين به وبجميع الأنبياء والمرسلين بدعوة نبيك محمد ﷺ لهم، وبواسطة عبدك محمد آمنا بكل نبيّ وآمنا بكل رسول، من قصصْتَ علينا ومن لم تقصص، من كل من ابتعثته، من كل من أرسلت؛ آمنا بهم وأحببناهم فيك ومن أجلك، فلك الحمد على ما مَنَنتَ فَأتمِم النعمة أن لا تَدع قلبًا حاضرًا ولا سامعًا ولا متصلًا بهم إلا سقيته من كأس المحبة نصيبًا، يدخلُ فيها في دائرة من أشار إليهم اصبع النبوة ويد النبوة في حياته عليه الصلاة والسلام، وسمَّاهم اسمًا تَطربُ له الأرواح والقلوب سماهم "إخوانه"
مع أنَّ سادتنا الصحابة الذين هم أفضل الأمَّة لم يشتهر بهذا الوصف والاسم منهم إلا قليل، مع أنهم كلهم إخوانه من جهة الإسلام، ولكن الذي اشتهر بهذا، مثل سيدنا علي بن أبي طالب حتى كان يقول في بعض حديثه: "حبيبي وأخي في الدنيا والآخرة" و "أخي في الدنيا والآخرة"، ويقول له أنا أخوك: "أمَا تَرْضى أنْ تَكونَ منِّي بمَنزِلةِ هارونَ مِن مُوسى؟" -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وفي لفظٍ -كما سمعتم في الحديث الصحيح- قال معنى مِن الأخوَّة مخبوءة للقوم الذين يأتون من بعدكم، يقول لسادتنا الصحابة: "وددتُ أنْ لَو رأَينا إخوانَنا، قالوا: أولَسنا إخوانَكَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: أنتُمْ أصحابي،" عندكم أخوَّة وعندكم مزيَّة "وإخواني قومٌ يأتونَ من بَعدي آمنوا بي ولم يرَوني، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بنفسهِ ومالِهِ." تسليم الروح والمال دفعة واحدة في لحظة مقابل الرؤية سهل عليه ويسير بل يَودُ ذلك، "يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بنفسهِ ومالِهِ".
اللهم حَقِّقنَا بهذه الحقيقة، واربطنا بخير الخليقة، وارزقنا الاستمساك بالعروة الوثيقة يارب.
أسرار: ليظهره على الدين كله
جَمَعَكُم -جلَّ جلاله- تتذكرون هذه الحقائق ليؤدي كل منكم دورًا يكونُ لَبِنَةً من لَبِناتِ نُصرةِ الحقِّ ورسوله، وأسرارِ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:9]، ونتأمل أنَّ القائمين بالأسباب على درجاتهم وحيازتهم الأجر أوالثواب، أو القرب من رب الأرباب ورضوانه الأكبر، لم يُنسَبُ الفِعلُ إليهم إلا مجازًا ونَسَبهُ إلى نفسه حقيقة، ما قال ليظهروه ولا لتظهروه، وقال عن نفسه: (لِيُظْهِرَهُ) هو، (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، ولذا الإمام نفسه ﷺ مُقَدَّم يقول: "لَو وَضعوا الشَّمسَ في يميني والقمرَ في يساري علَى أن أتركَ هذا الأمرَ ما تركتُهُ" ما قال حتى أظهره، هو هو "حتَّى يُظهرَه اللهُ"، يعني عملي كله تَسَبُّب وأنا عبدٌ مخلوق والإظهار مِنْ قِبَل الجبار -جلَّ جلاله-، هو الذي يظهر هذا الدين، قال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ) [التوبة:32] تتأمل الكلمة هذه (يَأْبَى اللَّهُ) من يقدر يكسر إرادته؟ لا إبليس ولا من معه من إنس ومن جن، ولا قنابل ولا هيدروجينيات ولا ذريَّات ولا أيّ شيء في الوجود، من يقدر يكسر إرادة الله؟!
(وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة:32-33]:
يظهر دين الحق على الدين كله.
أو يُظهِر محمد ﷺ على الدين كله، لأن الدين الحقّ محمد، ومحمد هو دين الحق صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33]، في الآية الأخرى يقول -جلَّ جلاله-: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمٌّ نُورَه..) [الصف: 8]، وفي القراءة الأخرى (..مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، يُتبِعُها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ..) [الصف:8-11] الإيمان ساق بكم وجئتم، وزادنا الله وإياكم إيمانًا.
نصرة الله ورسوله ﷺ
بقي (..تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ..) [الصف:11]، أن نسخِّر طاقاتنا وكل مقدوراتنا لنصرة الإله ونصرة هذا الرسول، ونرُدَّ ما يعرض علينا إبليس وجنده من الأفكار ومن الأخلاق المخالفة لمنهج الله ورسوله، ومن المعاملات ومن التصوّرات، ومن المناهج ومن الأنظمة، معنا ميزان بـ "لا إله إلا الله" لا نقبل ما يخالف شرع الله ولو اجتمع عليه من في شرق الأرض وغربه. ومن يكون مَن في شرق الأرض وغربها أمام خالق الأرض؟! وخالق السماء وخالق كل شيء؟!
يجب نيل هذه الطهارة من هذا القَذر الذي قَذَّر به إبليس قلوب كثير من الأمة فتناقضوا فيه بعض شعورهم وأذواقهم مع حقيقة لا إله إلا الله، لا يمكن أن يَبطُلَ حُكمٌ مِن أحكام الله لفِكرِ مفكِّرٍ ولا مفكِّرين، لا شعوب ولا دول، لا في العرب ولا في العجم، لا في القرن الأول ولا في القرن الذي تقوم فيه الساعة، لا يمكن أن يبطل حكم من أحكام الله لأحد؛ وهو الأحكم وهو الأعلم جلَّ جلاله (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].
برمجة البيوت بالقرآن والأذكار
فنُعظِّم هذه الشريعة، ونُعظِّم الشعائر الإلهية، ونُعظِّم هذه السنن؛ نعيدها إلى الديار، نعيدها إلى البيوت، اعمروا بها بيوتكم، حَصِّنوا بها بيوتكم، يجب أن تعتمر البيوت بالقرآن وقراءته مع المحبة والتعظيم والإجلال من قِبل صغارنا وكبارنا، ويجب أن نفكر في ذلك تفكير جيد؛ لأنَّ مُعطيات أولي الغفلات بل المفسدين في الأرض أوصلت إلى بيوتنا تأثيرًا على النظام البيتي والنظام في الأسرة تأثيرًا على البرمجة، برمجة البيوت أثَّرت فيها، كما إن الرسالة والبعثة أثَّرت في البيوت، صارت البيوت محل القرآن ومحل القيام، ومحل الخضوع ومحل الخشوع، ومحل الأمر بالمعروف ومحل تطبيق الشريعة، بيوت المسلمين كانت هكذا بتأثير الرسالة، بتأثير محمد ﷺ وما جاء به عن الله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-
فتأثرت بيوتنا بكثير مما يَعرض عدو الله وعدونا، يجب أن نحرّر هذه البيوت ويجب أن نطهر هذه البيوت، ويجب أن نعيد إليها ما عُمِرت به بأثر الرسالة وأثر النبوة من الكتاب العزيز والسنة الغراء:
مثل راتب الإمام العطاس.
وراتب الإمام الحداد على سبيل المثال.
الأذكار المأثورة والواردة.
وخصوصًا التي لها سند وما يدخل في سندها أكابر الأمة من أرباب الشهود وخواص أهل الوفاء بالعهود، فالمسألة فيها أكبر وأعظم لتُحفظ البيوت، ولتُحرس ويُحرَس عقول أربابها، ويُحرَس قلوب من فيها من الزيغ ومن الانحراف، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال:24].
فلنَعُد إلى الأُسر والبيوت، ولنَعُد لإقامة هذا المعنى من الجهاد في سبيل الله الذي يتصل بأنواع الجهاد الأخرى، والذي يتصل بجهاد الإمام المهدي حين يُبرِزَه الله ويُظهِرُه، ويتصل بجهاد عيسى بن مريم عندما يعود إلى ظهر هذه الأرض، ويحكم بشريعة محمد، ويستَنّ بسنة النبي محمد ويهتدي بهدي النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ويتَّبِع آثار النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وهو الذي كان يقول في حياته: "لو كان موسى حيًّا ما وسِعَه إلا اتبَاعي" صلوات ربي وسلامه عليه.
الارتفاع إلى شريف المرافقة
فلَنا الشرف باتباع هذا المصطفى، يا رب ثبت أقدامنا على حسن متابعته وزيِّن كل حاضر معنا بقوة المتابعة لهذا الحبيب، قوةً ترفعه إلى شريف المرافقة.
أحبابنا؛ وأرباب المرافقة هذه الكثير منهم عُجِّلَت لأرواحهم بهجة المرافقة وهم في الحياة قبل الآخرة؛ ويقول قائلهم: لو احتجبَ عني رسول الله طرفة عين، ويقول الآخر كالإمام عمر العطاس: كيف يحتجب عنا وهو عين وجودنا. إلى معاني ذوقية حقيقية شرعية في مثل هذه الألفاظ الكريمة، كان يقول عنها الصديق وعندما يقول له الحبيب: "ما تَركتَ لأَهْلِكَ؟" وقد أتى له بالمال، قال: "تركتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ"، إذًا تركتُ لَهُمُ اللَّهَ، إذًا -ورسوله- كيف يعني؟ وهو أنت الرسول سيخرج إلى تبوك أم سيجلس عندك في المدينة عند أولادك، أهلك وولدك سيجلس عندهم هو أم سيخرج إلى تبوك؟ قال هو هذا الذي سيخرج إلى تبوك أنا مع الله تركته هنا في بيتي، أولادي ليس عندهم نفقة أخرجت النفقة كلها؟ تركت لهم الله ورسوله، ماذا ترى في توحيد أبوبكر؟ أم لا يعرف التوحيد -أستغفر الله العظيم- حقائق التوحيد عندهم وأخذوها من معدنها، من عند محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
منهج رحمة الخلق وإنقاذهم
وبهذه الروابط بما فيها من الضوابط، تسمعون الكلام عن واجب الغيرة لدين الله، وردِّ عدوان المعتدين كلام صحيح، واجب الرحمة والرّفق حتى بالمسيئين هذا كله صحيح؛ لكن خذ ضابطه وميزانه ولا إشكال فيه، خذ ضابطه وميزانه ولا إشكال فيه قطعًا، ونوقن أن الأنبياء من قبْل نبينا فضلًا عن نبينا ما أقاموا جهادًا بأنواع الجهاد ومنه القتال إلا برحمة لخلق الله، وإلا طلبًا لإنقاذ عباد الله ولإصلاح عباد الله، وإلا كونه الأحسن أن يكون لهم ليَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ويَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ولِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، والأمر أمره -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-.
بذلك نعرف التفسير لأحاديث وآيات الرحمة كما (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، و"اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون" و"اذهبوا فأنتم الطلقاء"، ونعرف التفسير للحديث والآيات، و(وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) [التوبة: 123] ، (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ..) [الفتح: 29]، (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورسولَه) [المجادلة: 22]، كله صحيح بأتمّ الصحّة، وكلّه واقع وكله مُندرج في الرحمة.
قال رسول الله ﷺ: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره"، شدّتك عليه لئلا يظلم رحمة ونصر ونعمة عليه، كذلك جاءت قواعد الجهاد في سبيل الله، وتمثّلت تماماً في هدْيهِ ﷺ، وهو الذي أُنزلت عليه الآيات كلها، وما أحد أحسن ترجمتها في الواقع والوجود كمثله عليه الصلاة والسلام.
ويُقدَّم إليه السؤال، الكافر الخبيث المشرك يقاتلني، ويقطع يدي، ثم يلوذ بشجرة يقول لا إله إلا الله، أقتله؟ قال لا، لا تقتله، يا رسول الله قطع يدي! قال لا تقتله، قال اتركه وقد قطع يدي؟! قال لا تقتله، فإنك إن قتلته كنت بمثابته قبل أن يقولها، وصار بمثابتك قبل أن تقتله -يعني يصير هو المسلم وأنت الذي تقع في الردة والعياذ بالله تبارك وتعالى.
فصارت المسائل في موازين، هذا مع ما جاء: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض. ويقول سبحانه وتعالى: (إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) [الأنفال: 15]، وهكذا فالميزان الصحيح الدقيق الذي غاب بعض الناس في طرَفه وبعُد عن حقائق الجهاد، وغاب الثاني في الطرف الثاني، وجعله غرضًا للوصول إلى أغراض وإلى أهواء عنده، وجعله شدة في شدة خرجت عن مساق الجهاد أيضًا، اجمع هذه الآيات وهذه الأحاديث وهذه النصوص وانظر تطبيقها في سيرته، في معاملته، في هدْيهِ؛ تهتدي إلى سواء السبيل الذي كان عليه أكابرنا، وكان عليه خيار الأمة قرنًا بعد قرن وجيلًا بعد جيل، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- وثبتنا الله على ذلكم الدرب، وألحقنا بخيار أمة ﷺ وهو راضٍ عنا.
بماذا نحصن البيوت والقلوب؟
الحمد لله على جمْعه، ويُعظِم الله سبحانه وتعالى النفع لِنُحصِّن البيوت والأُسر ولنحصِّن القلوب، بهذه السنن النبوية:
بعد أداء المفروضات
وتعظيم الفرائض
وترك المحرمات بأصنافها
والصدق مع الله تبارك وتعالى
والإلحاح على الله
معكم بقية اليومين في الشعب، أكثروا الإلحاح فيها على الله، سرًا وجهرا، في الخدور والبيوت، وفي المجامع والحضرات، ومعكم ملائكة يؤمِّنون على الدعاء، ومعكم أرواح كثيرة، الحمد لله على ذلك، ألحّوا على الله، وليشترك معكم أهل الوجهة إلى الله تعالى، ممن يشعر بالواجب والمهمة في شرق الأرض وغربها، وليلِّح الجميع على الله، فإننا نستغيث بواحد أحد، فردٍ صمد، قوي قادر، بيده الأمر كله، نحسن الرجوع إليه، ولن يخذلنا -جل جلاله- وتعالى في علاه.
ولنقم بنصرته في أنفسنا وفي أهلينا وفيما حوالينا، ألا إنّ سلعة الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله هي الجنة، ألا إنها مِنن الله سيقت إلينا وإليكم.
فيا رب ثبتنا على الحق والهدى ** ويارب اقبضنا على الخير ملَّةِ
وعُمَّ أصولًا والفروع برحمةٍ ** وأهلًا وأصحابًا وكل قرابة
وسائر أهل الدين من كل مسلم ** أقام لك التوحيد من غير ريبةِ
الاجتماع في بيت المقدس
وما قذف في القلوب مِن تمنِّي الاجتماع منا في بيت المقدس ليس ذلك على الله بعزيز، وإن شاء قضاه في الوقت الذي يريده، ولله الحمد على كل حال، وأملنا ورجاؤنا أيضاً في الاجتماع في الدرجات العلى ومرافقة خير الملا، الله لا يخيب رجانا في كل ذلك.
وما قذف هذا في القلوب وأجراه على الألسن إلا وفي سابق قضائه شيء يتعلق بذلك، كما أراد لما أراد في الوقت الذي أراد، والله يحيي القلوب بأنوار اليقين والمعرفة والصدق مع علام الغيوب، وينزِّهها عن جميع العيوب، ويطهرها من كل شوب، حتى لا ننصرف من الشعب إلا وقد سُقينا من خير مشروب، سُقيا نذوق بها حلاوة الإيمان، ونزداد معرفة بالرحمن في كل آن، حتى يلقاه كل منا على خير الأحوال وأكمل الرضوان.
دعاء وابتهال إلى الله
أيدي فقراء إليك امتدت يا غني
أيدي ضعفاء إليك امتدت يا قوي
أيدي عاجزين إليك امتدت يا قادر
أيدي عبيد إليك امتدت يا إله، يا رب يا خالق يا باري يا مصور، يا غفار يا قهار يا وهاب يا رزاق، يا سميع يا عليم يا مجيب، يا حي يا قيوم يا الله.
وقد مددتُ يدي بالذل مفتقراً ** إليك يا خير من مُدت إليه يدُ
فلا تردنَّها يارب خائبةً ** فبحر جودك يروي كل من يردُ
لك الحمد شكرًا، ولك المن فضلا، انظر إلينا بحبيبك المصطفى في جمعنا، واجزهِ عنا، واجزِ النبي هود خير الجزاء، عن أمته، وعنا في كل ما أجريت على يده من دعاء لنا، ومن تضرع في قضاء حوائجنا، ومن رحمةٍ في قلبه للخلق عامة، وأمة هذا الحبيب خاصة، اللهم اجزهم واجزِ الأنبياء عنا أفضل الجزاء، وأحسن الجزاء، وأجلّ الجزاء، وأرنا وجوههم جميعًا، في البرازخ وفي القيامة، وفي دار الكرامة والهناء، واجعلنا ممن كتبتَ أن يكونوا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وحسن أولئك رفيقا، وحسن أولئك رفيقا، رافقنا بهم يا رب، واجعلنا من رفقائهم، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما -جل جلاله- حقِّق لنا المآرب وادفع عنا المصائب والنوائب، وعجِّل بتفريج كروب الأمة في المشارق والمغارب.
يا رحمن يا رحمن نظرة من نظراتك تكتب بها جمعنا في ظل عرشك،
يا رحمن نظرة من نظراتك تكتب بها جمعنا تحت لواء الحمد،
يا رحمن نظرة من نظراتك تكتب بها جمعنا على الحوض المورود،
يا رحمن نظرة من نظراتك تكتب لنا بها مرافقة زين الوجود،
يا رحمن نظرة من نظراتك تكتب لنا بها الاجتماع في ساحة النظر إلى وجهك الكريم، يا الله..
فيا ربِّ واجمعنا وأحبابا لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
فضلًا وإحسانًا ومنًا منك يا ** ذا الجود والفضل الأتم الأوسعِ
يا الله.. واستعيدوا حلاوتها إلى قلوبكم واستحْلوها أبدًا سرمدًا، في حياتكم وعند مماتكم وفي برازخكم، ويوم القيامة، وفي دار الكرامة.
يا الله
ما أحلى يا الله.. في وجهة العبد لمولاه، الله.. في رجاء العبد لإلهه، الله.. في خضوع العبد لخالقه الله، يا الله.. و انووا بها قضاء جميع الحوائج والمآرب، وكمال التصفية والتنقية والتطهير لكم وللأمة أجمعين، ونادوه يا الله.. ونقول: يا الله يا الله يا الله يا الله…
أكرمتنا بِمناجاتك، وسؤالك، واسعدتنا بذلك، فأتِمَّ لنا الإكرام والسعادة، بتحقيق ما رجوناه وفوق ما رجوناه، ومرافقة حبيبك المصطفى محمد، والدخول في دائرته، والحضور في حضرته، وثباتنا على ما تحب حتى تتوفى كًلا منا على أكمل الإيمان واليقين والمحبة، وأنت تحب لقاءه وهو يحب لقاءك، في رضوان منك أكبر يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
خاتمة المجلس
يا الله يا الله يا الله، يا من لا يدعى بهذا الاسم أحدٌ سواه، يا من ليس غيره إله، انظر بعين الرحمة إلينا وأقبل بوجهك الكريم علينا، وعاملنا بلطفك الجميل، وعاملنا بما ما أنت أهله، إنك أهل التوبة وأهل المغفرة، اللهم لاتجعل لنا ذنبا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته ولا شقيًا إلا أسعدته، ولا غائبًا إلا رددته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها، ياأرحم الراحمين يا الله، و أن تعيد علينا هذه الليالي سنين بعد سنين، وأعوام بعد اعوام، على ما يحب الله يرضى رب الجلال والاكرام يكرمنا زائدين غير منتقصين، في خيرات ومسرات على هذه النيات وعلى كل نيه صالحة.. وقبول الزيارة وتعجيل البشارة وعلى ما يحبه الله ويرضاه وإلى حضرة النبي..
بسر الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي محمد صلى الله عليه وسلم
اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
10 شَعبان 1445