شرح كتاب الأدب في الدين للإمام الغزالي -27- آداب العيد، وآداب الخسوف

للاستماع إلى الدرس

الدرس السابع والعشرون من شرح العلامة الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب الأدب في الدين لحجة الإسلام الإمام محمد بن محمد الغزالي، ضمن الدروس الصباحية لأيام الست الأولى من شوال 1443هـ، آداب العيد، وآداب الخسوف.

فجر  الخميس 4 شوال 1443هـ.

 

آداب العيد

"إحياء ليلته، والاغتسال في صبيحة يومه، ونظافة البدن، وطيب الرائحة، وإدامة التكبير، وكثرة الذكر، واستعمال الخشوع، والتسبيح والحمـد بين تضاعف التكبير، والإنصات للخطبة بعد الصلاة، وأكل اليسير قبل الخروج إن كان فِطرًا، والذهاب في طريق والرجوع في أخرى، والانصراف بالإشفاق خوف الغيبة."

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرمنا بعظيم الخطاب ومبينه على لسان من حلّاه بخير الآداب سيدنا محمد سيد أهل حضرة الاقتراب، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه خير آل وخير أصحاب، وعلى من والاهم في الله تبارك وتعالى واستقام على منهجهم به إلى الله أناب، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين فسح الله -تبارك وتعالى- لهم في مجال القرب منه والفهم عنه والمعرفة به الرحاب، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

وبعدُ،

فإننا في تذكّر الآداب التي هي سُلّمنا لارتقاء مراتب الاقتراب ونيل رضا الملك الوهاب، ورابطتنا بحبيبه سيد الأحباب ﷺ المنزَل عليه الكتاب، ذكرنا من آداب الجمعة وآداب الخطيب، ويذكر الإمام -عليه رحمة الله-: "آداب العيد"؛ والعيد ما كان من مجال سرور وفرح للناس وابتهاج وانبساط. وجعل الله لنا في يومين من أيام السنة عيدين عظيمين كبيرين يعقبان أيام عتقٍ واسع من النار: 

  • عيد الفطر التي نحن في أيامها، ويسبقها عتق رقاب كثيرة بالألوف ومئات الألوف والملايين من النار. 

  • كما أنه يعظم العتق في يوم عرفة ويعتق الألوف والألوف الألوف من النار فجعل الله اليوم العاشر من ذي الحجة يوم عيد. 

وخصّص هذين العيدين بمشروعية إقامة الصلاة فيهما، وسنيّة إظهار شعار التكبير. 

  • وجعل في عيد الفطر زكاة الفطرة. 

  • وجعل في عيد الأضحى ذبح الأضاحي. 

ثم أنّ موجبات السرور والابتهاج والفرح كثيرات، وكلها بالنسبة للمؤمن أعياد لا يتعلق بها خصوصية زكاة فطر ولا صلاة عيد ولا تخصيص تكبير بمرسل ولا مقيد، ولا ذبح أضحية ولا غيرها. فبهذا المعنى ما يُروى عن سيدنا علي بن أبي طالب أنه لما هُنيء بالعيد، قال: اليوم عيد وأمس عيد وغدًا إن شاء الله يكون لنا عيدًا، وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو عيد. 

ويتعلق بالعيد أيضًا ما إذا أحدث الله فضلًا أو مِنّةً كبيرةً غير معتادة؛ من غير ما يعتاد الناس حصولها، فإن ذكراها أيضًا في كل عام يُعدّ عيدًا، لقول الله تعالى على لسان عيسى بن مريم عليه السلام: (رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا)؛ أي: يوم نزولها (وَآخِرِنَا)؛ كيف آخرهم؟ الذين جاءوا من بعدهم، ذكراها ذكرى اليوم الذي نزلت فيه المائدة يتخذونه عيدًا؛ (تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا) [المائدة:114]، فتستمر عيد لهم كلهم؛ لأن اليوم الذي أبرز الله لهم هذه المنة ونزلت عليهم مائدة من السماء فيها أرغفة وأحوات أكلوا منها، (قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا) [المائدة:113]، قال الله ولكن أنبِئْهم أيضًا أنني إذا أظهرت شيئًا من المعجزات وخوارق العادات فيتعلق بها أمور، منها: أن الذي يكفر بعدها يشتد عذابه ويعظم عقابه أكثر ممن لم تظهر له، (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) [المائدة:115].

وهكذا كان من خُصّ بخصوصيات وأعطيَ فضائل ثم تنكّر أو أنكر أو جحد فإنه يشتد عليه العذاب أكثر -والعياذ بالله-. كما أنه من الآيات ما إذا حدثت ثم لم يؤمن بها من حدثت لهم أن يعجل لهم الهلاك قال سبحانه وتعالى: (وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ) [الأنعام:8]، لوقع الهلاك عليهم إذا لم يؤمنوا مباشرة. (وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا) فكيف نظهر لهم المَلَك؟ نصوّره بصورة آدمي (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ)[الأنعام:8-9]، يقولون هذا إنما إنسان مثلنا! وكيف تشوفهم؟ وما عندهم استعداد بالطاقات التي عندهم أن يروا الملائكة على أصل خلقتهم وتصورهم فلا يقدرون على ذلك، (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ). 

علمنا بذلك معنى العيد، وبذلك نعلم أن مثل يوم بروز نبينا ﷺ فإنه حدث فيه ما لم يكن قبله مثله ولا بعده مثله إلى الأبد؛ فكان من أعظم الأيام.. أو نزول المائدة أعظم؟ أستغفر الله، يُتخذ نزول المائدة يوم نزولها عيدًا لأولهم وآخرهم، فبروز نبينا أعظم من الأحوات والأرغفة وما ينزل من السماء ﷺ، ولذلك قال لمن سأله عن صوم يوم الإثنين، قال: "ذاك يومٌ وُلدت فيه"، ولنعم الصوم فيه، ﷺ.

وهكذا فبقيت خصوصيات لعيد الفطر وعيد الأضحى معلومة، وبذلك أيضًا وجدنا في مثل ما درج في تاريخ بلدان المسلمين إذا اتخذوا لهم أعيادًا: 

  • فيأتون لمثل يوم عرفة 

  • ويأتون لمثل مطلع العام الهجري، هجرة المصطفى ﷺ 

  • ويأتون ليوم ميلاده 

  • ويأتون ليوم معراجه 

  • يأتون للأشهر الحرم فيجعلون لهم فيها مظاهر فرح 

كل ذلك داخل في الاتصال بالمنهج النبوي والتعظيم لشعائر الله جل جلاله.

 ثم طرأ على العالم الإسلامي تواريخ، عيد الثورة، عيد الأم، عيد الشجرة، …. إيش أصلها؟ وإيش أساسها؟ ومن أين جاءت؟ وكيف قامت؟ وعلى أي أساس؟ بعض الأيام يوم سفك الدماء والاعتداء على الغير جعلوه عيد! لا حول ولا قوة إلا بالله.. يوم احتلال دماء الخلائق ويوم سفكها ويوم الظلم يصير عيد؟ يوم أخذ حق الغير والاستيلاء عليه عيد؟ هذا عيد إبليسي من أين أصله، ومن أين أساسه؟ ومن أين تأتي البهجة والفرح والسرور إلا بـ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)[يونس:58].

وجدنا في مثل عامة مناطق اليمن، ومناطق الشام، ومناطق مصر، مرت عليهم قرون ما يعرفون عيد إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وأول رجب، يوم الإسراء والمعراج، يوم عاشوراء، أول السنة، ويوم الميلاد النبوي؛ هذه أعياد يعرفونها، ما يعرفوا عيد يخترعه لهم جني ولا شيطان من هنا أو من هنا، كل ساعة يجيبون لهم عيد! ويصلّحون عليها أعياد يضاهئون بها أعياد الفرح بفضل الله ورحمته إلى الفرح بالسفاسف والدنايا والتفاهات والعياذ بالله تعالى! ويصلحون لهم بها أعياد ما لها أساس ولا أصل.

 فامتازَ يوم عيد الفطر وعيد الأضحى بسُنن وآداب؛ منها: "إحياء ليلته"؛ إحياء الليلتين. وإن كان لا يختص بالعيد فهناك ليالي أيضًا ينبغي إحياؤها في العام على وجه الخصوص؛ 

  • كأول ليلة من رجب 

  • وليلة النصف من شعبان 

  • وليلة التروية 

  • وليلة عرفة 

وغيرها من الليالي التي ورد في السنة ومسلك الصحابة ومن بعدهم الحرص على إحيائها. وليلة العيد؛ ليلتي الفطر والأضحى أيضًا يُسنّ إحيائهما على وجه الخصوص بقضاء معظم ليلهما في عبادة. 

  • مع صلاة المغرب والعشاء والفجر في جماعة 

ثم قضاء أكثر ساعات تلك الليالي في عبادة وطاعة ومن أعظمها:

  • التكبير

  • والصلاة 

  • وقراءة القرآن 

فينبغي أن تأخذ نصيبًا وافرًا من الليل. ويروى: من أحيا ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب؛ القلوب عند الموت بزيغها وانحرافها عن الإيمان، ويوم القيامة لما تزيغ من الهول والهلع؛ فالمحيي للعيدين لا ينزع عنه الإيمان عند الخاتمة ولا تسوء خاتمته عند الموت يوم تموت القلوب ولا يوم البعث ما يهوله الفزع الأكبر وينخلع، (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) [إبراهيم:43] كما قال الله تعالى، هذاك يوم موت القلوب، فما يموت قلبه بل يبقى آمنًا يوم الخوف، أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب.

قال: "والاغتسال في صبيحة يومه"، والصبيحة أفضل، 

  • وهو يدخل من نصف الليل إلى غروب شمس يوم العيد. 

  • وأفضل عند الذهاب لصلاة العيد. 

ونظافة البدن مستحبة على الإطلاق وعلى الخصوص في مثل يوم الجمعة وفي مثل الاجتماعات حتى ذكر بعض الفقهاء الشافعية وغيرهم: الاغتسال لاجتماع المسلمين؛ لاجتماع المسلمين على خير يُسن له الاغتسال تعظيمًا للشعائر ولأجل أن النظافة محمودة، تحبها الملائكة والأرواح الطاهرة. "ونظافة البدن، وطيب الرائحة"، باستعمال الطيب وإزالة ما يُستحب إزالته مما يسبب الرائحة الكريهة. 

"وإدامة التكبير"، 

  • من غروب الشمس ليلة العيد إلى وقت الإحرام بالصلاة؛ هذا التكبير المرسل.

  • وتختص عيد الأضحى بسنية التكبير بعد كل صلاة فرضًا كانت أو نفلًا من فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الثالث عشر، الثالث من أيام التشريق، يوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة. 

على خلاف بين الأئمة الأربعة في ابتداء وقت التكبير وانتهاءه متقارب؛ فهذا أطول ما قيل فيه: أنه من فجر يوم عرفة إلى عصر يوم الثالث عشر؛ اليوم الثالث من أيام التشريق؛ يكبر بعد كل صلاة يصليها فرضًا أو نفلًا. وهو بعث لخالص الإجلال للرحمن، وانتزاع تعظيم ما سواه أمامه -جلّ جلاله- من أي شيء كان؛ فكرًا أو قوة أو متعة أو علمًا أو أي شيء دون الله ليس بشيء، صغير.. الله أكبر! على أن للتكبير معنى في حقيقة التوحيد وهو أن الله تعالى أكبر من أن يُحاط به وأن يُعرف كنهه وأن يُحاط بشيء من أوصافه وأسمائه فضلًا عن ذاته فهو أكبر جلّ جلاله وتعالى في علاه. 

وبالتحقّق بها يكبر قدر المؤمن عند ربه، ويكبر فضل الله عليه، على قدر التحقق بالتكبير. 

  • فجعل الله دخولنا للصلاة باب دخولنا للصلاة التكبير. 

  • وجعل الله شعار أعيادنا. 

  • وعند كل فرح والسرور ينبغي أن نكبر الله 

(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]، (لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ) [الحج:34] بالتكبير.

ومادام في المسلمين تعظيم وإجلال لشيءٍ من القوى والمظاهر فيما تغيب أمام تعظيمهم وإجلالهم لله، فيُسلَّط عليهم غير الله تبارك وتعالى، ويُذَلَّون له حتى يخرج من قلوبهم تكبير غير الله، ويصدقون في تكبيره فلا يُسلّط عليهم غيره، (وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]، (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [محمد:35].

ولكن كلما دخل في القلوب تكبير غير الله، استحسان شيء أو استكباره أعظم من الحق وشعائره ورسوله وما جاء به؛ فيعاقب أهل هذه القلوب بتسليط أهل تلك الدناءات عليهم -والعياذ بالله تبارك وتعالى- وأن يذِلّوا لهم. ولا يزال حقيقة التكبير منوطٌ بها نصر الله للمؤمنين؛ فكلّما كبّروا الله تعالى؛ كَبُرَ غياثهم من الله، وجُود الله عليهم ونُصروا. 

حتى أن من المواطن التي  ذكرها ﷺ في آخر الزمان عندما يأتي المجاهدون في سبيل الله فيكبّرون فترتج القصور الكبيرة للكفار والفجار وحصونهم بتكبير المؤمنين، ترتج ويذِلّون عندها، الله أكبر! 

أما مسلم ما عرف حق التكبير لو يكبر ألف تكبيرة ما يحرك حتى منديل! هذا سيحصل في المجاهدين الصادقين ومن سيفتح على أيديهم، وأنت صلّح قلبك ونظّف جيبك وعظّم ربك حتى تصير في المجاهدين على الحقيقة. لا إله إلا الله، الله أكبر.

 قال: "وكثرة الذكر"، فإن الرحمن يقول: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152]، لو لم يرد في فضل الذكر إلا هذه الآية لكفى بها أن يشغل المؤمن وقته وعمره بذكر ربه، وقد قال له: (أَذْكُرْكُمْ) ومن ذا الذي سيذكرك؟ كيف ما تذكره؟ تتشرف بذكره.

 قال النبي لسيدنا معاذ: "يا معاذ أني أحبك، فلا تتدعَنَّ أن تقول بعد كل صلاة اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"؛ كثرة الذكر، وبكثرة الذكر يظهر سر ما في الغيوب.

"واستعمال الخشوع"؛ وهو: 

  • حضور القلب مع الله. 

  • مع تفهّم المعاني فيما يقرأ الإنسان أو يشاهد أو يتأمل في آيات له كل ما في الكون آيات 

  • ومع سكون الأعضاء، أيضًا يكون معظِّمًا لهذا الإله. 

  • ويكون مع تعظيمه له مهتابًا منه؛ صاحب هيبة يخاف.. 

  • ومع خوفه صاحب رجاء أن يقبله وأن يواليه بإفضاله وجزيل نواله ويعطيه ما لا يخطر بباله. 

  • ومع هذا كله حياء وانكسار وهو إيقانه بأنه مهما اجتهد فقد قصّر، وأنه لم يقم بالأمر كما ينبغي.

فإذا اجتمعت هذه المعاني فهذا هو الخشوع؛ وهو علمٌ شريفٌ، قال عنه سيدنا ابن مسعود صاحب المصطفى ﷺ وخادمه الذي قال عنه: إن رِجْل ابن أمّ عبد أثقل في الميزان من جبل أحد! كان دقيق الساقين، فلما ضحك بعض الصحابة من دقة ساقيه قال: لرِجْل ابن أم عبد أثقل في الميزان من جبل أحد. وقال: "من أراد أن يقرأ القرآن غضًّا طريًّا كما أُنزل، فليقرأ بقراءة ابن أمّ عبد"؛ يعني: عبد الله بن مسعود.

قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: إن أول علم يُنزع من هذه الأمة الخشوع حتى لا تكاد ترى خاشعًا! فشيء من جامعاتنا يعلَم عِلم الخشوع؟ من الكليات حقنا يعلم علم الخشوع؟ في شيء من مدارسنا يعلم علم الخشوع؟ موجود ما ينزع الخشوع، نعم، كثير ينزع الخشوع، يبعدك من الخشوع!.. لكن يعلمك الخشوع: ما بقي من آثار نورانية المصطفى فيما خلّف من مجالس الخير والعلم والذكر متصلة بأسانيدها فقط هذه التي يمكن تُعَلِم الخشوع. 

وقد كان الخشوع في أسواق المسلمين، في معامل المسلمين، في مزارع المسلمين، في مصانع المسلمين، تجد الخاشعين، في بيوت المسلمين كان الخشوع ساري، فقال: حتى لا تكاد تجد خاشعًا. وقال بعض الصحابة: إذا كان يجتمع في الأمة نحو العشرين ليس فيهم من يُستحيا منه -صاحب خشوع- فقد حلَّ بهم البلاء، هذه مصيبة نزلت بالأمة. وقد كان ما يجتمع كم نفر إلا وفيهم من أهل الخشوع من يستحيا منه، لا إله إلا الله!.. 

قال "واستعمال الخشوع". قال ربي: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]. قال ويمتد الخشوع أيضًا خارج الصلاة كما هو في الصلاة. حتى قال الإمام عبدالوهاب الشعراني -من كبار علماء مصر- كان يقول: إني أعاشر أهلي على الحالة التي أدخل فيها في الصلاة من الحضور مع الله، قال نفس الشيء! يدوم خشوعهم..  لا إله إلا الله!.. 

"والتسبيح"؛ وهو: التقديس والتنزيه، والمراد أن تقدّس مشهدك، ومعرفتك، ورؤيتك، ونظرك نحو الله تعالى، أما ربك هو القدوس قبل ما تُخلَق أنت، وقبل ما يخلق الملائكة المسبّحون بحمده، وقبل ما يخلق العرش والكرسي والسماوات والأرض، هو المقدّس المنزّه -سبحانه وتعالى- لكن أنت تسبّحه؛ يعني: تقدّس مشهدك، وتقدّس معرفتك وعلمك، وتصفّي نفسك.

وبهذا لما نبه إلى معنى التسبيح بعض العارفين، كان يكثر التسبيح، فقيل له: من  تسبّح؟ قال: أسبح الله، قال: هل رأيت في ربك نقص تنزّهه عنه؟ قال: أستغفر الله، قال: بس نفسك، قال له: فنفسك؛ نزّه طهّر نفسك صفِّها. يعني المقصود من التسبيح هذا أنت الذي تتطهر، أما هو مقدس سبحانه قبل ما تخلق أنت، هو الملك القدوس الذي ليس كمثله شيء، لكن أنت نزِّه مشهدك، نزِّه فِكرك، نزّه علمك أن تظن به ما ليس أهل، نزهه نحو الله تعالى وقدّسه، وبواسطة تقديسك له هو يطهرك من دناياك وأوساخك وأقذارك.

"والحمـد بين تضاعف التكبير"؛ لأن ما يستحق الحمد شيء على الحقيقة إلا الله، وكل ما يستحق الحمد من سواه فبحمده وبتيسيره وبخلقه لذلك الذي يُحمَد ولفِعله المحمود ولمعروفه وإحسانه هو الخالق للكل، فهو الذي يستحق الحمد على الإطلاق.

والحمَّادون أول من يدخلون الجنة من هذه الأمة، وهو وصف الأمة لكثرة الحمّادين فيهم، الحمّادون يحمدون الله تعالى على كل شدةٍ ورخاء هذا وصف الأمّة المحمدية، الحمد لله على كل حال ظاهرًا وباطنًا، مرٍ وحالٍ ماضٍ وحالْ ومستقبل، الحمد لله.

اللهم ما أصبح بنا من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر على ذلك. لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، لك الحمد في كل لمحةٍ ونفسٍ عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك. فالذي يستحق الثناء الجميل والذي يستحق الشكر والحمد، فهو المسدي لكل النعم، والدافع للنقم، والخالق من العدم، وهو ذو الكمال المطلق -سبحانه وتعالى- لا يحيط به محيط.

"والإنصات للخطبة" أيضًا للعيد بعد الصلاة، كالإنصات للخطبة في الجمعة قبل الصلاة.

"وأكل يسير قبل الخروج إن كان فطرًا"؛ في عيد الفطر، والإمساك عن تناول المفطرات بعد الفجر إلى أن يصلي العيد في عيد الأضحى.

"والذهاب في طريق والرجوع في أخرى"؛ 

  • من أجل تشهد لك هذه الطريق وهذه الطريق. 

  • ومن أجل إذا كان هناك صدقة لك تكون في هذا الطريق وهذا الطريق. 

  • ومن أجل أن يظهر شعار العيد في البلد أكثر. 

  • ومن أجل إذا كان لك أرحام تزورهم هنا وهناك. 

إلى غير ذلك مما اجتهدوا فيه من الحِكم، لمَ رسول الله ﷺ يذهب إلى العيد بطريق ويرجع بطريق آخر؟ هل ليغيظ المنافقين أو لتشهد الطريقان، أو ليؤدي صدقة هنا وهناك، أو ليزور الرحم هنا وهناك، أو غير ذلك من الحكم، أو كل ذلك وزيادة كل ذلك وزيادة؛ ففي أفعاله ﷺ حكم منها ما يهتدى إليه ومنها ما لا يهتدي إليها غيره ﷺ.

قال: "والانصراف بالإشفاق"، إشفاق خشية الرد، عدم القبول، وخشية إعراض الحقّ -سبحانه وتعالى- عنك إلى غير ذلك.

 

آداب الخسوف 

 

آداب الخسوف

"دوام الفزع، وإظهار الجزع، ومبادرة التوبة، وترك الملل، وسرعة القيام إلى الصلاة، وطول القيام فيها، واستشعار الحذر ."

 

فإذا حصل خسوف أو كسوف للشمس أو للقمر، فينبغي “دوام الفزع”؛ وهو الرجوع إلى الرب، والاستغفار، وإظهار الخوف والإشفاق، لأنها آية يذكرك بها، هذا خالق الشمس والقمر يقول لك شوف أنا أسيرها وأدبّرها، أغيرها لك عن وضعها في وقت لتعلم عظمتي وتخضع لجلالي، وتعلم أني إذا أردت أن أغيرها أو أغير الأرض التي عليها وأبدلها، سهل عليّ.. يذكرك بذلك -سبحانه وتعالى- فينبغي تهرع إليه، وكذلك تغتسل، وتبادر بالتوبة، وتتصدق، وتترك الملل.

قال: "وسرعة القيام إلى الصلاة"، الاغتسال وصلاة ركعتين لكسوف الشمس أو ركعتين لخسوف القمر. وقد حصل في عهده ﷺ وصلى بهم. "وطول القيام فيها"؛ فيجعل في الركعة الواحدة قيامين: 

  • القيام الأول فرض. 

  • والثاني سنة. 

وإذا ركع يرجع ثاني مرة إلى القيام ويقرأ الفاتحة وسورة، ويركع ثاني ركعة؛ فتكون في كل ركعة ركوعان وقيامان، ويُسنّ تطويلهما: 

  • فقد كان يقوم في القيام الأول مقدار سورة البقرة، ويسبّح في الركوع الأول مقدار مئة آية.

  • ثم يقوم في القيام الثاني مقدار سورة آل عمران، ثم يركع فيسبّح بمقدار ثمانين آية. 

ثم يعتدل، ثم يسجد فيسبّح بمقدار مِئة آية، ثم يجلس بين السجدتين، ثم يسجد فيسبّح بمقدار ثمانين آية، هذه الركعة الأولى. في الركعة الثانية: 

  • يقوم القيام الثالث فيقرأ بمقدار سورة النساء، ثم يركع فيسبّح بمقدار سبعين آية. 

  • ثم يرفع فيقوم القيام الرابعة فيقوم بمقدار سورة المائدة، ثم يركع فيسبّح بمقدار خمسين آية. 

ثم يعتدل، ثم يركع فيسبّح بمقدار سبعين آية، ثم يجلس بين السجدتين، ثم يسجد فيسبّح بمقدار خمسين آية، ثم يجلس يتشهّد ويسلم، هذا أكمل طريقة وكيفية لصلاة الكسوف والخسوف.

والكيفية الوسطى: أن يصلي الكسوف والخسوف بقيامين وركوعين من دون تطويل، يقرأ من أوساط السور.

وأقل الكيفيات وأدناها: يصليها ركعتين في كل ركعة قيام واحد وركوع واحد، كمثل سُنّة الصبح، فهذه صلاة الكسوف والخسوف. 

قال: "واستشعار الحذر"، من الذي ذكّرنا بآياته سبحانه وتعالى، هما آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة.

رزقنا الله الآداب والاستقامة على منهج سيد الأحباب، حتى نلتقي بذلك الجناب، والله يجمعنا في الدنيا وفي المآب يا كريم يا وهاب، اكتب جمعنا بحبيبك سيد الأحباب، ولا تفرّق بيننا وبينه، ولا تبعدنا عنه، يا رب بجاهه عليك، احشرنا في زمرته، وأسعدنا بمرافقته، وارضَ عنّا به رضوانك الأكبر، وأصلح شؤون أمته، واجمع شملهم بعد الشتات، وألّف ذات بينهم واجمع قلوبهم على مرضاتك، اللهم إنه أخذ قلوبهم الاغترار بالكفار والفجّار والأشرار والمظاهر، لو أنصفوا لعلموا أنها من تسييرك ومن تقديرك ولهابوك دونها، ولخضعوا لجلالك ولاتّبعوا أمرك وأمر رسولك، فنازلهم ما أنت بهم أعلم، فخلّصهم من هذه البلايا والآفات، وحوّل حالهم إلى أحسن الأحوال والحالات، واجعلنا والحاضرين والسامعين من أسباب توفيقك ونصرك وتأييدك ونُصرة رسولك ﷺ، ونشر الخير، مفاتيح للخير مغاليق للشر يا حي قيوم، ولا تجعل فينا سببًا لبلاء ولا لآفة ولا لإضلال ولا لإفساد ولا لنزول بليّة ولا لحضور رزيّة، واجعلنا ممن يصدقون معك ويلوذون بك، ويلجئون إليك فترحمهم وترحم بهم، وادفع عنّا البلايا وعن الأمة ظاهرًا وباطنًا بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي مُحمَّد ﷺ.

 

أسئلة:

يجتمعون جماعات في مكان عمل أو غيره فيكونون أكثر من الأربعين فهل الأفضل لهم يقيمون جمعة وهم غير مستوطنين؟

ما تلزمهم الجمعة، وإذا أقاموا جمعة على شيء من الأقوال فينبغي أن يُصلّوا معها الظهر احتياطًا؛ لأن أكثر العلماء يقولون بعدم صحة الجمعة لغير المستوطنين.

والسفر يوم الجمعة اختلفوا فيه العلماء؛ ما بين: 

  • كراهة التنزيه 

  • وكراهة التحريم 

إنشاء السفر يوم الجمعة لمن وجبت عليه الجمعة بعد طلوع الفجر: 

  • فأما خروجه قبل الفجر فلا إشكال فيه. 

  • ولكن من وجبت عليه الجمعة باستيطان أو إقامة وهو رجل صحيح، فاعتمد الشافعية أنه يحرم عن كراهة التحريم، يحرم عليه السفر بعد طلوع الفجر، إلا حيث يدرك الجمعة، الجمعة يدركها في مكان آخر يجوز، وأما حيث تفوت الجمعة فلا يجوز له أن يسافر حتى يصلي الجمعة. 

وقيل هي كراهة تنزيه وللعلماء في ذلك اختلاف.

ومن لا يُسنّ له التبكير..

الذي لا يُسنّ له التبكير لو لم يكن فيه ذلك الوصف لبكّر فله الثواب، وكل عمل صالح ما أخّر الإنسان عنه إلا عذر صحيح ولو لم يكن ذلك العذر لفعل فله الثواب، إنما يحرم الله: 

  • من أعرض 

  • ومن لم يبالي 

  • ومن لا نية له 

والله يرزقنا الإنابة والخشية والاستقامة إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرحمن. 

 

تاريخ النشر الهجري

16 شوّال 1443

تاريخ النشر الميلادي

17 مايو 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام