تفسير سورة الكهف(1434) -21- من قوله تعالى:(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89))

تفسير سورة الكهف - الدرس الحادي والعشرون
للاستماع إلى الدرس

درس يلقيه الحبيب عمر بن حفيظ في تفسير سورة الكهف بعد الفجر ضمن دروس الدورة التعليمية التاسعة عشرة بدار المصطفى 1434هجرية.

نص الدرس مكتوب:

﷽ 

(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) ۞ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99))

الحمد لله الهادي سواء السبيل، والساقي قلوب أهل الإقبال عليه من أحلى سلسبيل، الذي أكرمنا بالقرآن والتنزيل والوحي الذي أوحاه إلى رسوله الجليل، فكان لنا نعم الهادي والدليل. صلى الله وسلم وبارك وكرم على ذلكم المصطفى ذي الخلق العظيم، المسمى بالرؤوف الرحيم، وعلى آله، أوعية أسراره ومعادِنها، وأصحابه أهل حمل الأمانة ومواطنها، وعلى من تبعهم بإحسان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الأعيان، وعلى آلهم وأصحابهم وملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وفي نعمة تدبر كلام ربنا، وتأمل ما ألقى إلينا بلسان حبيبه وصفوته الهادي المعلم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، انتهينا إلى قصة (ذِي الْقَرْنَيْنِ): وقد ذكرنا أنه ملِكٌ يونانيٌ مكّن الله له في الأرض، وكان تلقيبه بـ(ذِي الْقَرْنَيْنِ) لأسباب أو لأحد أسباب يذكرها المفسرون: 

  • لأنه بلغ قرني الشمس؛ شرقها وغربها.
  • أو لأنه حكم في قرني البلاد.
  • أو لأنه كان نابت له في طرفي رأسه أثر القرن.
  • أو لأنه ضُرِبَ على قرنه الأيمن ومات ثم بعثه الله، فضُرِبَ على القرن الأيسر، فمات فبعثه الله -تبارك وتعالى-. 
  • إلى غير ذلك من الأقوال حتى سمي بـ(ذِي الْقَرْنَيْنِ).

وذكرنا ما آتاه الله من الأسباب، وقيامه نشطاً باذلاً معطياً متبعاً للأسباب، فبلغ مغرب الشمس، ووجد عندها القوم. 

قال الله -تبارك وتعالى-: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89))، وفي قراءة: (ثُمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا)، واصل قيامه بالأسباب، فإذا انتهى من مهمة وقام بواجب في مكان انتقل إلى المكان الآخر. وهذا يذكرنا معشر الأمة:

  • أننا أتباع محمد ﷺ، المرسل إلى جميع العالمين وإلى مشارق الأرض ومغاربها. 
  • فينبغي لكل ذي قدرة منا أن يوصل آثار هذا النبي وأنواره وتعليمه إلى أي بقعة من بقاع الأرض. 
  • أن لا يقنع ببقعة واحدة ولا ينقطع عند مكان واحد بحسب ما يؤتيه الله. 

وقد يسر الله لنا الوسائل التي نتواصل بها اليوم مع أصناف الناس في مختلف بقاع العالم: 

  • فلنستفد من قصة (ذِي الْقَرْنَيْنِ) أن تكون لنا آمال وهموم واسعات بهذا المنهاج النبوي والنور المحمدي لنوصله إلى مشارق الأرض ومغاربها، فإن نبينا بُعث إلى أهل الشرق والغرب. 
  • وهذا المعنى الذي حّل في قلوب أصحابه حينما فقهوا الرسالة وواجبهم نحوها، فوقف الواقف منهم على البحر يقول: لو علمتُ أن وراءك أحداً يبلغ هذا الدين لركبتُ حتى أوصله. 

فهذا ما كانت تحمله القلوب والعقول والوعي عن هذا الدين العظيم الذي هو أمانة الله بين أيديكم، جعلكم الله ممن يحسن أداء الأمانة.

(حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) ومن المغرب إلى المشرق، حتى انتهى إلى أقاصي ما يتمكن الوصول إليه من المشرق، ويذكر بعضهم نواحي الصين اوغيرها. فإلى من انتهى إليه من أقاصي الشرق، قال تعالى: 

  • (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90))، وجد طائفة وأقواما يعيشون في تلك البقاع ليست لهم جبال تظللهم من الشمس، ولا أشجار طويلة تظلل من الشمس، ولا يثبت البناء الطويل في أرضهم. 
  • (لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا) ما بينهم وبين الشمس وقاية وساتر كغيرهم من البلدان والأماكن والأقوام المنتشرين في الأرض. 

(وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90))

  • وكذلك الذي يقرُب من مطالع الخيرات ومطالع شموس السعادات والشهود والعطايا الوافرات؛ لا يجعل: (لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا)
  • فإذا حلُّوا بالمطلع، انقطع عنهم كل قاطع يقطع، فلم يكن بينهم وبين شموس الفضل والوصل حجاب.

(لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَٰلِكَ)، ما معنى كذلك؟ 

(كذلك) يعني: فَعلَ مع القوم في المطلع مثلما فعلَ مع القوم في المغرب، (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)).

يقول الله: (كَذَٰلِكَ) في المطلع، خيّرناه، وقال (كَذَٰلِكَ)، يعني على موازين في العدل والقسط، ما تختلف، لا عند أهل المغرب ولا عند أهل المشرق، حكم واحد: 

  • إكرام المحسنين، والإحسان إليهم.
  • وكف الظالمين عن ظلمهم، وردعهم وزجرهم. 

فهذا منهج عدل وقسط في أي بقعة؛ 

  • في المغرب قال هكذا، في المشرق قال هكذا؛ عند مغرب الشمس، عند مطلع الشمس، (كَذَٰلِكَ)
  • ليس هناك محاباة طائفة دون طائفة، ولا تغيير شيء من الأحكام من أجل جماعة ولا بقعة ولا مكان، حكم واحد (كَذَٰلِكَ)

قال سبحانه وتعالى: (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)) أحطنا بما لديه من قوة آتيناه وتمكين مكّناه، أحطنا به، ما المعنى؟ 

  • أن كل متصرف وكل فاعل ومنطلق في الأرض، فهو بمقدار ما أعطاه الجبار أو مكّنه، محاط به من قِبل الجبار؛ علما وقدرةً وقهراً وإرادةً، (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) [هود:56]. 
  • من أين يأتي ذو القرنين أوغيره، من المسلمين والكفار بأي معنى من معاني القوة والغلبة والتمكن والقدرة؟ من أين يأتون بها إلا من الله؟ (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات: 95-96]. فهو محيط بما لديهم. 
  • ولذا ينتزع من أهل اليقين الخوف من هؤلاء الناس بأصنافهم من حيث هم ولذواتهم، ولا يُبقي إلا خوفه -تعالى- أن يسلط أو يقطع عن أحد منهم الخير والهدى.

قال لنبيه: (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْۘ)، الجماعة يأتون بكلام شنيع سيء لا يليق بمقامك، ويريدون أن يضلوا كثيرا من الناس، ويغيّروا به أفكارهم ويشوهوا به الحقائق. 

  • قال الله لحبيبه: (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ)، ما الحكمة والسر التي يذهب بها الحزن من هذه التصرفات السيئة الشنيعة؟ 
  • قال: (إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)، وأنت مرسول منا ومعتمد علينا ونحن مستندك، فلا تحزن، نحن نعلم (مَا يُسِرُّونَ)، (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) [يس:76].

وقد قرأنا في الصلاة قوله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا)، لا يظنوا أنفسهم سبقوا، انفلتوا وانتصروا. فأين ينفلتون؟ وأين يريدون؟ 

  • (إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ) [الأنفال:59]؛ لكن لأجل الحكمة يبلو بعضنا ببعض، أوجد على هذه الأرض مؤمنين وكفار، وأخيار وأشرار، وصالحين وطالحين، وأهل عدل وظالمين. 
  • يختبرنا: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) [محمد:4]. 

فلهذا قال: أنتم يا من أكرمناكم بالإيمان بنا وأخذِ منهاجنا: 

  • (أَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم) فقط، ولا نخاطبكم فيما لا تستطيعون، ولا تقولوا: هم أقدر ولا هم أكثر ولا هم أقوى ولا هم أخبر ولا هم عندهم معدات ممتازة. 
  • أبعد هذا الخربطة، وهذا التخويف الشيطاني: (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) [آل عمران:175]. 

فذاك يقول: أوليائي الذين على الأرض منظمين أحسن منك، عندهم قدرة، عندهم إمكانية، معهم مخابرات منتشرة في الأرض كلها: 

  • أتفزِّعنا منهم؟ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ) [الزمر:36]. 
  • قال الله: اتركوا هذا الكلام؛ (لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ۚ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم) [الأنفال:59-60] فقط. 

فإن لم نستطع يا ربنا؟ أأَمركم أن تعدُّوا ما تستطيعون، فيكفيكم ما لا تستطيعون، وأنا أكفيكم ما لا تستطيعون: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال:60].هكذا يقول.

وسيأتينا في قصة (ذِي الْقَرْنَيْنِ): القوم الذين بين السدين، وما قال لهم، وعن طغيانهم وإيذائهم، ما في مشكلة أبدا، سنعمل ما في وسعنا الآن، وإن كفُّوا بإذن الله تعالى.

قال: (كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا(91))

  • نحن نعلم ما مكناه فيه، وما أعطيناه، وإلى أي مدى وإلى أي مستوى. 
  • وراقبناه فوجدناه صادقاً معنا، مخلصا لوجهنا، باذلاً وسعه في طلب مرضاتنا. 
  • فلذلك أدمْنا له التمكين ورفعناه في مراتب القرب مع الصالحين. 
  • ونشرنا ذكره في الذكر المبين. 

(وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا)

  • كذلك أحاط الله بما لدى كل واحد منا من طاقة. 
  • وهو يعرف؛ كيف استعملها؟ وفي أين بذلها؟ وكيف قام بها؟ وأين أهملها؟ وأين أضاعها؟ 
  • وأعطاك قوة معينة وقدرات معينة ويراقبك فيها. 

(أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا)، ينظر، ماذا تصنع بها؟ ماذا تعمل بها؟ (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ)، من أين جاء بها؟ من مصنع من؟  من مخزن من؟ أي دولة؟ أي جماعة؟ أي طائفة؟ أي شركة لتصنع العيون، لتصنع الأسماع والأبصار، لخلق الله تعالى، والألسن والشفاه؟! من أين تأتي؟ 

  • (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد:8-10]؛ طريق الخير وطريق الشر. 
  • قال: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ) -نختبره- (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) [الإنسان:2-3].

(وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا(91)):إذا كان الأمر هكذا، فما آتاك أنت وجعله لديك من قوات وقدرات، فاتقّهِ فيها ولا تستعملها إلا في طاعته واطلب بها رضوانه، ولا تقصِّر حتى لا تتعرض لعقابه. 

وما كان عند عدوك ومن يبغضك في الله -تبارك وتعالى- يعني بغير حق، فأنت من أجل الله قمتَ بطاعته فأبغضك ذاك وعاداك، ما كان عنده من كل القوى والإمكانيات، قد أحاط بها خُبْرًا هذا الذي أمرك، وسنَّ لك هذا المنهج: 

  • فلا تحفل بها ولا تخف منها ولا تحزن من أجله، (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا)، 
  • قال تعالى: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ). فإذا أنتم تريدونه وتنصرونه وتقومون معه، من ماذا تخافون؟ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ)، هو يدري أحوالهم وقواتهم وقدراتهم وإمكانياتهم. 
  • (أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا)، (أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا) [النساء:45]؛ فاصدقوا معه وأخلصوا لوجهه، يكفيكم هؤلاء الأعداء. 
  • (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ): 
    • أهل الظاهر وأهل الباطن؛ إبليس وجنده ومن معه من شياطين الإنس والجن. 
    • وكل من يعادينا ويريد قطعنا عن طريق بارينا؛ من نفسٍ أو هوى أو دنيا، (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) فثق به واعتمد عليه.

يقول سبحانه وتعالى: 

  • (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا)؛ أديتم الأمانة، عرضتم البضاعةَ عرضاً حسناً بينتم بالحكمة وبذلتم ما بوسعكم. 
  • (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ)؛ لأن حجة أهل الدين والحق في كل زمان أقوى الحجج، أقوى الحجج وأوضحها؛ عقلا ومنطقا عند كل منصف. 

(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا) -هداهم الله- (وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ)؛ هؤلاء مُشاقّين معاندين لا يريدون الحق! ما دورنا نحن يا رب مع أهل الشقاق؟ هل نقوم نحاربهم؟ ثم نجيء بكل ما عندنا؟ قال: لا لا، المنهج الذي أعطيتكم فقط الزموه: (فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) - اتصل به- (صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) [البقرة:137-138]، صبغته -جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه-.

قال في الآية الأخرى فيما شرع لنا من القتال على الوجه الذي ارتضاه: (وَقَاتِلُوهُمْ)، لأي غرض؟ هل من أجل أن تأخذوا أراضيهم؟ من أجل أن تأخذوا ثرواتهم؟ من أجل أن تملكوا ديارهم؟ لا لا لا؛ (حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) تخلِّص الأمة من الفتن، (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال:39]؛ لهذا في بعض زمن الفتن، قال بعضهم لبعض الصحابة: ما لك تتقاعس وتتأخر وتنحجز عن القيام بواجب القتال؟ 

  • قال: أبدا، قال الله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ)، وقد قاتلنا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، واليوم أنتم تقاتلون لتكون فتنة. 
  • أي أنا عرفت القتال مع محمد وقمت به، غرضه ومقصوده ومؤداه؛ إبعاد الفتنة: (حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ)، وأنتم تقاتلون لتقوم الفتنة. 

اذهب وابحث لك عن واحد آخر تلعب على عقله، أما واحد صاغه محمد ﷺ لن تضحك عليه بكلامك هذا، إذهب وسمِّنا ما تريد! يعني لو اعلم الخير في هذا ما نتقاعس عنه ولا نتأخر عنه، نحن قاتلنا (حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ)، ويكون الدين لله، وأنتم اليوم تقاتلون لتكون فتنة، فكيف؟ 

  • ما على هذا قاتلنا مع محمد، ولا على هذا قمنا معه ﷺ في جهاده: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، فلا تفتحوا ملفات حسابات، ولا تقولوا أنت قلت لنا أو قلنا لك ونزلنا وطلعنا. 
  • (وَإِن تَوَلَّوْا) -لم يرضوا- (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ۚ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ)؛ انظر إلى الكلام الصريح: (وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ۚ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الأنفال:39-40] -جل جلاله وتعالى في عُلاه-.

قال: (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا): علماً، أحطنا خُبْرًا: علماً بكل ما لديه؛ فوجدناه: 

  • عبدا صادقا مخلصا يبذل وسعه من أجلنا. 
  • لا تحركه نفسه ولا هواه ولا شهواته. 
  • يخافنا ويَرْقُبُنَا، ولطلب رضانا يعطي ويترك ويقبل ويَرفُضُ ويحب ويبغِضُ، عبد مخلص. 

(وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا(91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92))؛ هذا علامة صدقه معنا، وصل المشرق وصل المغرب وما وقف، لا زال شغّال، مواصل للأعمال ولأداء المهمة والواجب. 

قال واحد لسيدنا الجنيد بن محمد وهو في أواخر رمقه في حياته، في النزع، يكلِّمُهُ وكان في ورده السابع. قال: تَعُدُّ الأورادَ وأنتَ في الحالِ هذه؟ قال: ومَنْ أحقُّ مني بها وها هي تُطوى صحيفتي أمامي الآن، أواصل الأوراد.

 وهذا يواصل: 

  • (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا(89)): وصل المغرب، وكان ما كان، وقام بالدعوة وآمن من آمن وكذب من كذب، ورجع إلى المشرق ومطلع الشمس وكان ما كان. 
  • (كَذَٰلِكَ..(91))، (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا(92))، ما وقف، لم يقل وصلنا الى الشرق والغرب سنرتاح الآن، نرتاح بترك الراح؟ نرتاح بالغفلة عن الفتاح؟ ما هذه راحة، ما هذه راحة، هذه أتراح وليست براحة. 

وما راحة الأرواح إلا في مواصلة النَصَب من أجل مولاه -جل جلاله وتعالى في عُلاه-.

قال: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) جبلين عظيمين، بنى السد بينهما، فكان السّدين قَاطِعَين لمن وسطهُ. 

(حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا) -قبلهما- (قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93))، أي يفهمون، وفي قراءة: (يُفْقُهُونَ قَوْلًا) يعني يُبَيِّنون لغيرهم، ما يقدرون يوضحون لغيرهم: 

  • ولكن هؤلاء القوم الذين لا يكادون يفقهون ولا يُفْقِهون قولا، أصغى واستمع إليهم ذو(الْقَرْنَيْنِ)، وعمِل معهم محاورة ومشاريع ومشاهد؛ هذا صاحب الهمة، هذا صاحب العزيمة. 
  • وبعضهم إذا قيل له؛ لا يكاد (يَفْقَهُونَ) يقول: اترك هؤلاء القوم، إذهب إلى مكان ثاني! الرجل لا يتبع نفسه، الرجل عبد لربه. 

ولهذا حتى في مواطن التعب وعدم العمل: 

  • تَفَهِّمهم صعب، يفهِّمونك صعب. 
  • تَفَهَّمَ وفَهَّمَ إلى أن تمم المشروع على تمام، وأكمل الواجب. 

وهو المشروع على بركة الله، بل كان ذلك آية من الآيات مذكورة في كتاب الله متعلقة بآخر نهاية البشر على ظهر الأرض: 

  • وعند قرب الساعة، وبعد سيدنا عيسى بن مريم ينفتح هذا السد ويخرج هؤلاء القوم، فتكون الساعة كالحامِل التي آن أوانُ مخاضها، تقرب. 
  • يهلكهم الله وسيدنا عيسى ينزل بمن معه من المؤمنين إلى الأرض ثانياً، ويتوفى بالمدينة ويُقْبَر عند نبينا. 

عندئذ، يتلاحق خير الأرض ويرتفع شيئا فشيئا: 

  • ما عاد يبقى الخير في الأرض، يبدأ قلة المؤمنين وانتشار الغفلات. 
  • ويبدأ بعد خروج الدابة من تحت جبل الصفا: 
    • تُكِّلم الناس وتكشف حال المؤمن والمنافق، ويُفضح من يُفضح بها. 
    • وإذا رآها المنافق هرب، فأمسكته، لا تُدرَك إن جَرَتْ، ولا يفوتها مَنْ جرى. 
    • وتختم وتضرب بالعصا وينتقش على الجباه حال هذا المؤمن وحال هذا المنافق. 

حتى قال -سبحانه وتعالى-: (۞ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) [النمل: 82]. 

هكذا: 

  • يرتفع القرآن. 
  • تطلع الشمس من مغربها. 
  • تهب ريح تخطف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، لا يبقى إلا كافر. 

ثم لا يبقى على وجه الأرض إلا كافر ابن كافر. ينتهي الجيل الأول، الجيل الثاني كلهم كفار أبناء كفار:

  • ليس فيهم من يقول: الله. 
  • عليهم تقوم الساعةُ وهم شرار الخلق. 

فلا خير في الأرض بعد سيدنا عيسى ينمو ولا يكثر ولا ينتشر، -سبحان الله-.

قال -سبحانه وتعالى-: (وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)). فهل احتقرهم؟ لا، فهل ترّفع عن خطابهم؟ لا، فهل قصّر في القيام بما يحتاجون؟ لا، تَفَهَّمَ وتكلم وتخاطب وتَوَاضَح وفَهَّمَ اليّ -الذي- لا يفهم. 

ولهذا لما سمع بعض سلفنا قول القائل:

عَلَيَّ نَحتُ القَوافي مِن مَعادِنِها *** وَما عَلَيَّ إذا لَم تَفهَمِ البَقَرُ؟

قال الإمام عبدالله بن حسين بن طاهر: 

تَرَكتُ نَحتَ القَوافي مِن مَعادِنِها *** لِأنَّ لي مَقصِداً أَن تَفهَمَ البَقَرُ

أنا أريد أن أُفهِّم البقرَ هذه، فاجتهد عليها حتى تفهم؛ لأن لي مقصداً أن تفهم البقر، وهذا إلى قوله (قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا)

  • بسط لهم بساط النظرَ في أمرهم، والتخاطب معهم والصبر عليهم. 
  • وتَفَهَّمَ منهم وتفهيمهم وتنفيذ المشروع الذي طلبوا منه على التمام.

(قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ)، هذا ما وصل إليه من الفهم بعد المحاورات الطويلة والمحاولات الكثيرة؛، فهِم هذا الكلام منهم: 

  • (يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ) يا ملك بسط الله لك بساط في الأرض ومدّ لك، نحن ضعفاء ومساكين. 
  • انظر في حالنا: (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ):
    • قبيلتان كبيرتان من بني آدم، غريبة في أطوارها أشكالها. 
    • (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) ما يبقون الشجر، ما يبقون الماء،  ما يبقون! 
    • يؤذون خلق الله، (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ)
    • وهم يتكاثرون بسرعة و يتوالدون. 

وسيغلبوننا، سنصبح هالكين؛ 

  • لأنهم قد يأكلون الناس وقد يضربون الناس. 
  • وإذا أتى وقت الثمار وأينعت، ما تركوا ثمرة في الشجر. 

 (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ..(94)) وهذا الفساد موروث عند طوائف من بني آدم يتوارثونه: (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة:205]، ولكن يتوارث الفساد قوم بعد قوم، -سبحان الله-، الله يُجِيرنَا من الفساد والمفسدين. 

  • (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا).
  • أما الذين يريدون يخربون ويريدون علوا في الأرض ما لهم في الآخرة شيء -يا لطيف-: 
    • (لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا) [القصص:83] آخرتهم لهم، هناك ملكهم، وهناك عزهم، وهناك كرامتهم ونعيمهم الأبدي. 

(لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا)، اللهم اجعلنا منهم وألحقنا بهم.

جلس مع القوم هؤلاء، قالوا له: 

  • (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) وقد أُخِذَتْ من أجيج النار. 
  • (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ)، لم يبقوا لنا أشجار، ولا تركوا لنا حرث. 

حتى إذا دخلت فكرة القتل في رؤوسهم، يقتلون، يأكلون بني آدم، فإذا تكاثروا ما نصنع؟ 

(فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا) -أجرةً ومقابل وثمن نعطيك- (عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94))

  • أنت عندك إمكانيات وقدرة، اصنع سد بيننا وبينهم؛ فلا عاد يظهروا علينا ولا نظهر عليهم، و لا يرونا ولا نراهم-، نكتفي شرهم. 
  • ولأنهم قوم من أهل الفساد، ما يجدي معهم إلا حجزهم عن الناس، وإذا أبقيتهم في الناس يسببون مصائب ومشاكل، لا ينفع معهم قانون، ولا ينفع معهم نظام، ولا ينفع معهم أمر ولا نهي ولا ترغيب ولا ترهيب.

يسببون مصائب بين الناس، قالوا له: الحل الوحيد أن تبني سدًا بيننا وبينهم. قال: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا) -نعطيك أجرة وثمن- (عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا):

  • قال: أنا لا أحتاج أن آخذ منكم أجرة ولا أريد منكم أجرة. 
  • لكني رجل أتّبع السبب: عملي أقوم بالواجب والمهمة. 
  • أنتم شاركوني بأنفسكم، تعالوا اعملوا معي، ولا أريد أجرة منكم. 

انظر، إنه يريد الصلاح، يريد الخير: فكل من كان في وظيفة، أول ما يخطُر على باله: كم سأحصّل، كم سيدخل في جيبي؟ هذا مُفسد، هذا ما يقوم صلاح على يده في الأرض. 

لكن هذا عرضوا عليه الأجر، قال: 

  • (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ)، أنا معي ما يكفينا، واتركوا الأجرة لكم، لكن تعالوا سويا سنعمل. 
  • (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ)، تعالوا بأنفسكم، ساعدوا معنا. 
  • وتحولوا إلى أيادي عاملة؛ وسننهض بالمشروع، (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)).

انظر الى مدى تفكيره وإتقانه وإحسانه: 

  • قال: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)، صفائح وقِطَعَ الحديد الكبيرة، هاتوها.
  • إجمعوا الحديد الذي معكم: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ): القطع الكبيرة من الحديد هاتوها. 

(آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)، جمعوا الحديد فوق الحديد، وجعلوا بينها حطب من النار. 

حتى من عند الجبل هذا إلى الجبل هذا، في عرض أربعين ذراع وطول مائتين ذراع،  بسم الله، جمعوا وجمعوا الحديد. 

  • قال: (حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) بين الجبلين، هذا الجبل وهذا الجبل، إلى قمة الجبل؛ وصل الى مائتين ذراع، مرتفع في الهواء، أربعين ذراع عرض.
  • (حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا)، أوقدوا النار، الحطب هذا الذي بين الحديد؛ إجعلوه يشتعل الآن! 

(حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي) -اعطوني، هاتوا- (أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96))

  • رصاص مذاب ونحاس صبوه، فصار يدخل يذوب بسبب النار. 
  • يدخل بين الحديد، بدلا عن الحطب، وذاب فيه.
  • وإذا به سد منيع، حديد ملآن بالنحاس والرصاص المذاب، مذوب. 
  • لا أحد يقدر يفتح فيه شيء، ولا يكسر منه شيء.

(حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصُّدَفَيْنِ)، وفي قراءة: (الصَّدَفَيْنِ) -هما الجبلان- (قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ) -اصب- (عَلَيْهِ قِطْرًا (96)) نحاساً ورصاصاً، حتى كمل.

جاء القوم؛ (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ)، وجدوا السد، قوي ومنيع:

  • (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ)
    • يطلعوا فوقه لأنه أملس، ما تمسك الرِّجل فيه ولا شيء. 
    • (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ)، يصعدوا عليه. ويحفرون فيه. 
  • (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97))، واسطاعوا واسْتَطَاعُوا بمعنى واحد: 
    • ولكن ناسب لما أن الظهور عليه أيسر جاء لفظ أقل: (اسْطَاعُوا)
    • ولمّا النقب أصعب زيّد التاء: (وَمَااسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا)

(فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)) حفراً؛ هنا أكمل المهمة تماما. 

وقال: (قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي)، وسيبقى وعد الى أن تقرب الساعة، يندكّ هذا السد برصاصه وبحديده، وبما احتطنا من احتياطات، سيذهب (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)، وفي قراءة: (دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) ۞ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ..(99))

  • ويخرج هؤلاء الألوف أو الملايين و يملؤون الأرض، حتى يأمر الله سيدنا عيسى ومن معه من المؤمنين أن يرتفعوا إلى الجبال فيرتفعون: (حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) [الأنبياء: 96-97].
  • فيمشون في غيهم وطغيانهم كحال البشر من وقت لوقت، حتى يرون أنفسهم أنهم غلبوا الخلق، يأتون إلى نهر دجلة والفرات، بحيرة طبرية، يشربون حتى لا يبقى فيها شيء، بحار كاملة. يأتي آخرهم يقول: هنا أثر ماء، كان هنا ماء، يقولون: الآن غلبنا أهل الأرض، بقي أهل السماء. 

ويشترك التفكير للإنسان هذا إذا لم يكن له نور ولا هداية! 

  • سمعت فرعون من أول يقول: (يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ) [غافر: 36-37]. 
  • هؤلاء قالوا باقي أهل السماء؛ سنقاتلهم، نحارب أهل السماء، يرمون سهام نحو السماء، يرمون سهام نحو السماء؛ يردها الله عليهم ملطخة بالدم، فيقولون: قتلناهم، انتهى. 
  •  قضيتم على أهل الأرض وعلى أهل السماء. 

موتة واحدة! واذا هم  هؤلاء ماتوا ملايين، من سيقبرهم؟ لو كان في الوسع العادي البشري، سيدنا عيسى بيخرج سيقبرهم، لكن هؤلاء ملايين! أمطار وسيول تجر جميع جثثهم إلى البحار، قال: فيبقى المؤمنون؛ سيدنا عيسى ومن معه، سنة كاملة حطبهم من عصي هؤلاء، العصي المرمية، سنة كاملة وهم يوقدون في العصي وما تنتهي العصي، من كثرتهم. 

فيوقدون بعصيهم سنة كاملة وحطبهم من عصي (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ)، قوم (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ)، ثم بعد ذلك: 

  • يدنو أجل سيدنا عيسى بن مريم ويموت وقد ولد له، ولا يزال في الأمة زوجة نبي من أولي العزم من الرسل، تُولَد ويتزوجها هذا النبي. 
  • وقد سمعنا النبي ﷺ ذكر اسم القبيلة يتزوج عندهم سيدنا عيسى بن مريم، كما جاء في دروس السيرة معنا. 

وهم موجودون الآن وعلى ظهر الأرض، والناس بالأقمار الصناعية وبالطائرات؛ ولا يصلون إليهم، ولن يصلوا حتى يأتي موعدهم ويخرجوا؛ ليعلم أهل الشرق والغرب أنهم عَجَزَة، لا يستطيعون أن يحتووا ما على الكرة الأرضية، فضلا عن سواها. 

  • وكم من عجائب! و ساعة يذكرون مثلث برمودا، حيث السفينة تدخل فيه وتذهب ولا ترجع، طائرة تدخل فيه وتذهب ولا ترجع؛ تختفي. 
  • وماذا بعد ذلك؟ ضعاف هم! أليسوا قد تقدموا؟ تقدموا! انظر إلى الذين تقولون أنهم تقدموا، انظر أنهم في السنوات هذه سظهر آثار عجزهم في مشاكل في أحوالهم وبلادهم، ولن يقدروا عليها. 

ولن تنحتلّ إلا بهذا الكتاب، هو الذي سيصل إلى هناك وهو الذي سيحل بلايا الخلائق ويرفع عنهم البلاء؛ لأن المملكة ما خرجت من يد الملك، الملك قيومٌ على مملكته؛ ويطغى الطاغي ويبغي الباغي، والمرجع إليه:

  • (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم ) [الغاشية:25-26]. 
  • (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:115]. 
  • (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّۗ) [فصلت:53]. 

وبعض الأشياء قد بدأت تظهر فيهم ولا يريدون أن يعترفوا! 

  • ولكن مثل الإنسان لما يبدأ يكبر، يتظاهر بأنه لا زال شاب قوي، حتى لما يطلع في الدرج، إذا في أحد عنده يتقوى، وإذا كان وحدهُ يتأوه،
  • لكن كم يبقى؟ بعد قليل آه! لو يريد أو لا يريد، سواء عنده أحد أو ما أحد عنده، يقول انتهت،  قليل قليل، في بداية الضعف يتقاوى. وهكذا، 

ونحن ضَعَفَاء والناس ضَعَفَاء وخلق الله ضُعَفَاءُ، والقوي واحد: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) [البقرة: 165].

اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنْ عذابك واجعل اعتمادنا عليك، استنادنا إليك، إقبالنا عليك، واكتب قبولنا لديك، واجعلنا في الصادقين معك. 

وباقي ليالي رمضان يُشَعْشِعُ لنا فيها النور وندخل دائرة بدر البدور، نحضر مع أهل الحضور، وندخل مع كل بر شكور مع أهل السعي المشكور، يا بر يا غفور. هبنا من غير حد ولا حصرٍ محصور، كما يليق بجودك في البطون والظهور، نسعد به في الدنيا والبرزخ ويوم البعث والنشور. واربطنا ببدر البدور ربطًا لا انحلالَ له أبدا، يا أكرم الأكرمين. اجعلنا به من أسعد الناس ظاهرا وباطنا.       

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم 

تاريخ النشر الهجري

13 شوّال 1434

تاريخ النشر الميلادي

20 أغسطس 2013

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام