(536)
(236)
(575)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (69) باب صفة الصلاة -23- خاتمة في آداب الفراغ من الصلاة والأذكار بعدها
صباح الأحد 24 ذو الحجة 1445هـ
خاتمة: في آداب الفراغ من الصلاة
وبيان بعض الأذكار المأثورة عقب الصلوات
"كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لا يقل أحدكم إذا انصرف من الصلاة انصرفت فإن قومًا انصرفوا فصرف الله قلوبهم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وكان رسول الله ﷺ إذا سلم من صلاته انحرف فأقبل على المأمومين بوجهه منحرفًا إلى جهة من كان على يمينه في الصلاة.
وقال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: كان يعجبني أن أصلي مما يلي يمين رسول الله؛ لأنه كان إذا سلم أقبل علينا بوجههﷺ، وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا انصرف النبي ﷺ من صلاته يثورون إليه حتى يزدحموا فيأخذون يده فيمسحون بها وجوههم وصدورهم، وكان ﷺ يأمر بالفصل بين الفريضة والنافلة بالتأخر عن مكان الفريضة أو التقدم كما سيأتي في باب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى.
وصلى رجل مرة الفريضة ثم قام فصلى النافلة فأخذ عمر بمنكبه فهزه ثم قال: اجلس فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنهم لم يكن بين صلاتهم فصل، فرفع النبي ﷺ بصره فقال: أصاب الله بك يا ابن الخطاب، وكان ﷺ إذا صلى وراءه نساء يمكث بالرجال يسيرًا حتى ينصرف النساء لكيلا يختلطوا بهن في الخروج، وكان ﷺ يمكث جالسًا بعد السلام مقدار الذكر الذي يقوله ثم ينهض إن لم يكن له حاجة.
وكان ﷺ ينصرف عن يمينه وهو الأكثر من فعله، وكان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: لا يجعلن أحدكم للشيطان عليه جبرًا يرى حقاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، وإني رأيت رسول الله ﷺ أكثر ما كان ينصرف عن يساره، وكان جابر بن سمرة -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ إذا صلى الصبح أقبل علينا بوجهه وقال: "من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له"
قال جابر -رضي الله عنه-: وكنا نستحب للرجل إذا طلع الفجر أن لا يطعم طعامًا ولا يتكلم فيما لا يعنيه حتى تطلع الشمس ويصلي ركعتين، وكان رسول الله ﷺ يحب لأصحابه أن لا ينصرفوا بعد صلاة الصبح حتى ينصرف هو، وكان ﷺ كثيرًا ما يقبل على الناس بوجهه إذا صلى الصبح ويقول: "هل فيكم مريض نعوده فإن قالوا لا يقول هل فيكم جنازة نتبعها".
وكان ﷺ لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس حسناء قام، وكان ﷺ يقول: "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله -عز وجل- حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين أو أربع ركعات كانت له كأجر حجة تامة تامة تامة"، وكان ﷺ يقول: "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل"، وفي رواية: "من صلى الفجر ثم ذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس لم تمس جلده النار أبدًا". وكان ﷺ يقول: «الثابت في مصلاه بعد صلاة الصبح يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الآفاق". وكان ﷺ يقول: " لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إليَّ من أن أعتق أربعة".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، عبده وصفوته سيدنا محمد، صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وآبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله محل نظر الرحمن -جل جلاله- واصطفائه من خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،،
فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- في هذه الخاتمة آداب الفراغ من الصلاة، وبيان بعض الأذكار المأثورة عقب الصلوات. والصلاة دخول خاص إلى حضرة الرحمن -جل جلاله-، يُنال من عجائب ما فيه على قدر الصدق والإخلاص، وسوابق الفضل والاختصاص.
جعلنا الله من مقيمي الصلاة، المدركين لخيرها وبركتها وسرّها، والذائقين حلاوة مناجاة الحق -تبارك وتعالى- فيها، قال سيدنا المصطفى: " وجُعِلت قرَّة عيني في الصلاة".
وعند الانصراف من الصلاة تقدم معنا أنه ينصرف بالسلام، إلقاء السلام على من على يمينه ومن على يساره من الملائكة ومؤمني الإنس والجن، فيجب أن يكون على سلام معهم، وبعد هذا السلام فمن المستحب بعد كل صلاة أن يشتغل المصلّي الذي أكمل الصلاة، بأدعية وأذكار وردت عن رسول الله ﷺ، وكذلك إذا كان إمامًا فيلتفت عن يمينه، ويُقبُل عليهم بوجهه، ثم يدعو الله تعالى، واستحب بعض أهل الذوق والمعرفة: أن يكون رفع المؤمنين أيديهم بعد رفع الإمام يده، كما أنه ينبغي أن يكون انصرافهم بعد انصراف الإمام.
وذكر عن ابن عباس ملاحظته للفظة الانصراف، وقول الحق تعالى عن قوم ( ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّه قُلُوبَهُمْ) [التوبة-127] فما أحب أن يقول انصرف من الصلاة من باب الذوق عنده فقط والوجدان واستحضاره لمعنى هذه الكلمة، وإلا فقد استُعملت الانصراف من الصلاة وغيرها في كثير من أقوال الصحابة، ومن بعدهم، حتى في قوله هو ابن عباس، روى البخاري عنه أنه كان يقول: "إن رفع صوتي بالذكر بعد الصلاة كان على عهد رسول الله ﷺ، فكنت أعلم أنهم انصرفوا بذلك إذا سمعته"، ففي الأمر سعة، وإنما يجد أرباب الذوق أحيانا عند ورود المعنى لشيء من الكلمات عندهم أن يتحاشوا بعض ما يُوهمُ سوءًا، أو يشابهون به أهل سوء.
قال: " لا يقل أحدكم إذا انصرف من الصلاة انصرفت فإن قومًا انصرفوا فصرف الله قلوبهم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وكان رسول الله ﷺ إذا سلم من صلاته انحرف فأقبل على المأمومين بوجهه منحرفًا إلى جهة من كان على يمينه في الصلاة". ولذا أحبّوا أن يكونوا على اليمين فإنه ينصرف كأن وجهه ورقة مصحف ﷺ، فيحبون أن يكونوا على يمينه؛ ولكن لا يُبدأ صف حتى يُكمل الصف الذي قبله يمينًا ويسارًا.
قال: "وقال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: كان يعجبني أن أصلي مما يلي يمين رسول الله؛ لأنه كان إذا سلم أقبل علينا بوجههﷺ، - كأنّه ورقة مصحف- كما جاء في روايات. "وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا انصرف النبي ﷺ من صلاته يثورون إليه حتى يزدحموا فيأخذون يده -الكريمة ﷺ- فيمسحون بها وجوههم وصدورهم".
فهذا مما جاء في السنّة الشريفة من تسابق الصحابة إليه ﷺ في أوقاتٍ، ومنها: بعد بعض الصلوات، يثوبون إليه ويزدحمون عليه؛ لينالوا مصافحته، وبركة وضع يده الكريمة على وجوههم وعلى صدورهم، ويتمسّحون بها، فلو نظر إليهم مبتدع لقال هؤلاء صوفية مبالغين، وهم كانوا كذلك -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- أمام صاحب الرسالة ﷺ، ومحسن الدلالة على الحق والهدى والإيصال الى الله ﷺ.
قال: "وكان ﷺ يأمر بالفصل بين الفريضة والنافلة بالتأخر عن مكان الفريضة أو التقدم كما سيأتي في باب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى".
فإذا صلّى الفرض وكما يأتي كلام سيدنا عمر بن الخطاب عن هذا، وإلا فقال الحنفية: إذا كان الصلاة بعدها نافلة فينبغي أن يباشر من الصلاة ويقوم يأتي بالنافلة، فيقدّمونها على كثير من الأذكار، ويباشرون بأداء النافلة البعدية للصلوات؛ لكن في الصبح وفي العصر لا نافلة بعدها، ولهذا يقولون: يمكث ما شاء، وينصرف ما شاء -على الإمام-، وما عدا ذلك ما يستحبون أن يكون مُكثه إلا بمقدار "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يعود السلام، فحيّنا ربنا بالسلام، وأدخلنا برحمتك دارك دار السلام، برحمتك يا ذا الجلال والإكرام ". ثم يبدأون في صلاة النافلة.
قال: "وصلى رجل مرة الفريضة ثم قام -في نفس المكان- فصلى النافلة فأخذ عمر بمنكبه فهزه ثم قال: اجلس فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنهم لم يكن بين صلاتهم فصل، فرفع النبي ﷺ بصره فقال: أصاب الله بك يا ابن الخطاب". يعني: سار بك في سبيل الصواب. "وكان ﷺ إذا صلى وراءه نساء" فيصطفين خلف الأطفال، فيكون الرجال يلُوون الإمام، ومن ورائهم الصبيان، ثم ورائهم النساء، فإذا صلّى النساء معه ثبت في مكانه مستقبل القبلة، حتى لا ينصرف أحد من الرجال حتى ينصرف النساء، فينصرف النساء ثم يلتفت؛ وبهذا نصّ أيضًا الفقهاء على: إن كان خلفهم نساء فينبغي أن يثبت في مكانه حتى ينصرف النساء.
قال: "لكيلا يختلطوا بهن في الخروج" فيخرجن قبل أن يخرج الرجال؛ وكم في هذا الاختلاط من اختباط، وآثار سلبية كثيرة على حياة الناس، وعلى أعمالهم حتى الدنيوية، حتى الأعمال الدنيوية إذا قامت على الاختلاط حصل فيها كثير من الاختباط، ولم يستقم الأمر فيه حتى في الدراسات والمدارس المختلطة نسبة الكسل وقلة الفهم كبيرة بالنسبة للمدارس التي ليس فيها اختلاط، وهكذا يشاهدون الآثار في الحس والمعنى، ويأبى الشيطان إلا أن يوحي إليهم: دعوا هذا واختلطوا فإني أحب منكم الاختلاط، ودعوا ما يحب ربّكم وما يحبّ نبيكم، ودعوا ما هو أصلح لكم، فأنا أدعوكم أن تعبدوني من دون الله تبارك وتعالى، وأن تقدموا كلامي على كلام الله -جل جلاله- والعياذ بالله، وهذا الوحي لعب في أذهان كثير من الغافلين -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، ولهذا هديه ﷺ أولًا في طريقة صفه للصفوف، يأمر الرجال ويقول: " لِيَلِيَنِي مِنكمْ أُولُوا الأحْلامِ والنُّهَى" ثم يصفّوا وراءهم الصبيان، ثم يجعل صلاة النساء من وراء ذلك، فإذا سلّم ثبت في مكانه حتى ينصرف النساء، ثم التفت عن يمينه، واشتغل بالدعاء، وبدأ أيضًا الانصراف، والانصراف يكون لحاجته سواء على اليمين أو على اليسار؛ ولكن إن لم يكن له حاجة فانصرافه على اليمين أولى.
قال: "وكان ﷺ يمكث جالسًا بعد السلام مقدار الذكر الذي يقوله ثم ينهض إن لم يكن له حاجة. وكان ﷺ ينصرف عن يمينه وهو الأكثر من فعله، وكان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: لا يجعلن أحدكم للشيطان عليه جبرًا يرى حقاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، وإني رأيت رسول الله ﷺ أكثر ما كان ينصرف عن يساره". وذلك أن حُجَره وبيوته الشريفة كانت على اليسار، فإذا سلّم ودعا انصرف وراح؛ إلا أنه في غالب الأحيان كما سمعتَ يقابلهم بوجهه ويدعوا، فإذا فعل ذلك فإنه يحتاج إذا قد أقبل عليهم وانصرف عن يمينه، فيكون انصرافه إلى بيوته أيضًا عن اليمين؛ لكن هيئته في الصلاة هو على يساره، بيوته على اليسار في هيئته؛ ولكن لمّا ينصرف ويقابلهم تصير الحُجرة على يمينه لما ينصرف، فمن حكى على اليمين فهو من حين انصرافه لأنه ما بينصرف إلى جهة اليسار إلا إن كان له حاجة هناك أورده، إلا غالب شؤونه سيخرج ويدخل الى بيته، وبيوته على اليمين، أي على يمينه إذا قابلهم، وهو على يسار المصلي، فالقبلة في المدينة المنورة الى الجنوب، ويكون الشرق إلى اليسار، والغرب إلى اليمين، فيكون انصرافه غالبًا الى حجره، فمن روى أنه انصرف عن يساره فذلك بحكم هيئة المصلي، أو ما يحصل نادرًا من قيامه من الصلاة مباشرة إلى الجهة اليسار، ومن روى أنه ينصرف عن يمينه أو اكثر ما ينصرف عن يمينه، فهو باعتبار أنه قد التفت عن اليمين وقابل القوم فيما احتاجوه، فلما يرجع إلى جهة الحجرات يكون هو منصرفًا عن يمينه في تلك الساعة، أو في تلك الهيئة ﷺ، وفيه تتبّع الصحابة بدقّة لأحواله؛ لأجل الاقتداء ولما أيقنوا أن في تبعيته الرّفعة عند الله تعالى، ونيل خالص المحبة. (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران-31] ﷺ.
قال: "وإني رأيت رسول الله ﷺ أكثر ما كان ينصرف عن يساره، وكان جابر بن سمرة رضي الله عنه يقول : كان رسول الله ﷺ إذا صلى الصبح أقبل علينا بوجهه وقال: "من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له ".
وهذا كان في أوائل أمره لما جاء المدينة، وكانوا يقصّون رؤاهم فيعبّرها ﷺ، حتى قال ابن عمر: فتمنّيت أن أرى رؤيا، فرأيتُ ليلة رؤيا وكأنه جيء بي على شفير جهنم، وكان ناداني مَلَك قال: إنك لن تراع، إنك لست من أهلها، لن تراع إنك لست من أهلها. قال: واستحييت أن أقصّها عليه ﷺ، وأخبرتُ بها أختي حفصة -أم المؤمنين- لتقصّها عليه، فقصّتها عليه، فقال: "نِعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل"، فلما بلّغته قول النبي ﷺ لم يترك قيام ليلة بعدها حتى مات، فكان يقوم كل ليلة، "نِعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل".
"قال جابر -رضي الله عنه-: وكنا نستحب للرجل إذا طلع الفجر أن لا يطعم طعامًا ولا يتكلم فيما لا يعنيه حتى تطلع الشمس" أي: هذا من الساعات الشريفة التي تُصرف للذكر والعبادة والدعاء والعلم، ما بين صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ويصلي ركعتين أو أربعة. "وكان رسول الله ﷺ يحب لأصحابه أن لا ينصرفوا بعد صلاة الصبح حتى ينصرف هو، وكان ﷺ كثيرًا ما يقبل على الناس بوجهه إذا صلى الصبح ويقول: "هل فيكم مريض نعوده؟ فإن قالوا لا يقول هل فيكم جنازة نتبعها؟".
وكان ﷺ لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس حسناء قام، وكان ﷺ يقول: "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين أو أربع ركعات كانت له كأجر حجة تامة تامة تامة"
فهذه حجة بلا جواز ولا رسوم تحصّلها في وقت قصير، حجة وعدَّها تامّة، تامّة تامّة تامّة بشهادته ﷺ، فمن المسلمين من يحجّ كل يوم، له حجات على عدد أيامه، حجات تامّات، حاضر القلب مع الله يصلّي الصّبح في جماعة، ويقعد في المصلّى يذكر الله حتى تطلع الشمس، خذ لك حجة، وثاني يوم وثالث يوم ورابع يوم، وكم يخزن في صحيفته من حجّات، هكذا كما جاء في رواية الترمذي أيضًا: "ومن صلّى الصبح في جماعة ثم قعد في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلّى ركعتين أو أربعًا -في رواية- انقلب إلى بيته بحجة وعمرة تامّة تامّة تامّة" ما شاء الله لاقوة إلا بالله. "وكان ﷺ يقول: "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من الغداة -يعني: صلاة الفجر، الغداة: صلاة الصبح صلاة الفجر- حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل". أربع رقاب "من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار"، قال: "أحب إليّ من أن أعتق أربعة"، القعود مع قوم يذكرون الله -تبارك وتعالى- فيه فضيلة الاجتماع على الذكر، أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى.
"وفي رواية: "من صلى الفجر ثم ذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس لم تمس جلده النار أبدًا". قال أخرجه البيهقي في شعب الإيمان. "من صلى الفجر ثم ذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس لم تمس جلده النار أبدًا".
"وكان ﷺ يقول: «الثابت في مصلاه بعد صلاة الصبح يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الآفاق". يعني: السفر فيها لطلب الرزق هذا أسرع في تحصيل الرزق المبارك الحلال، مِن هذا الذي يجوب الآفاق.
"وكان ﷺ يقول: " لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إليَّ من أن أعتق أربعة". كما قال: "ما بين الصبح إلى طلوع الشمس"، وكذلك بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، فهي من الأوقات التي ينبغي أن تُصرف إلى الذكر وإلى الدعاء، الله أكبر! وفي الحديث الصحيح أيضًا: "لا تزال الملائكة تصلّي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه مادام في مصلاه الذي صلّى فيه، ما لم يُحدث أو يتكلّم" أي: بكلام الدنيا، مادام في محله الذي صلّى فيه.
وأما حديث "أنه لم يكن يمكث إلا بمقدار اللهم أنت السلام… يعني: مستقبلًا للقبلة يعني، يوم يقول يمكث يعني: مستقبل القبلة، أما ينصرف ويقعد للدعاء كثير، وقد ورد عنه كثير من الأدعية، ويأتي بعضها، كثير من الأدعية والأذكار بعد الصلاة، وإلا أن الأذكار التي بعد الصلاة لا تفوت بفعل الرّاتبة، ولا بتأخيرها ما دام وقت الفريضة باقيًا، ما يخرج وقتها فتصير قضاء؛ إلا إذا خرج وقت الفريضة، وما دام وقت الفريضة باقي فالذكر بعد الصلاة باقي وقته، فيأتي بالأذكار التي بعد الصلاة ما دام وقت الصلاة باقيًا إلى أن يدخل وقت الفريضة الأخرى، فهذا وقت الأذكار،
وهي كثيرة أذكار واردة في السنة المشرفة، ومن أعظمها ما سيأتي معنا: من آية الكرسي، والتسبيح ثلاثة وثلاثين، والتحميد ثلاثة وثلاثين، والتكبير ثلاثة وثلاثين وتمام المئة لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويموت وهو على كل شيء قدير،"ومن قرأ آية الكرسي بعد الصلاة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى"، "ومن قرأ آية الكرسي بعد كل صلاة لم يكن بينه وبين الجنة إلّا أن يمت"، "ومن قرأ آية الكرسي بعد كل صلاة تولّى الرحمن قبض روحه بيده" أي: يلطف به ويلاطفه عند نزع الرّوح، وتولّاه -سبحانه وتعالى- بلطفه قبض روحه، هذه من فوائد آية الكرسي بعد كل صلاة.
رزقنا الله الاستقامة والتحقّق بحقائق الصلاة، وأكرمنا بأعلى الكرامة في الدنيا والبرزخ والقيامة ودار المقامة، وأصلح شؤوننا والمسلمين، ودَفَع السوء عنا وعن المؤمنين، وحوَّل الأحوال إلى أحسنها، وجَعَلَنا فيمن ترعاهم عين عنايته في جميع الأطوار بسرِّ الفاتحة.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد ﷺ اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله
الفاتحة
27 ذو الحِجّة 1445