الآية البينة لكل عامل ذي بصيرة في تأمُّل مآلات ونهايات كل من خالف الخلاق وكذَّب المرسلين

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 9 صفر الخير 1445هـ، بعنوان: 

الآية البينة لكل عامل ذي بصيرة في تأمُّل مآلات ونهايات كل من خالف الخلاق وكذَّب المرسلين

نص المحاضرة:

الحمدُ للهِ المَلِك الحق، الذي بِحِكمَةٍ وإرادةٍ وغايات عظيمة أنشأ وفطرَ وخلق، ووحدهُ للعبادةِ استحق، وما كان ينبغي لمخلوقٍ أن يعبدَ سِوى هذا الإله، ولا أن يتوكّلَ على مَن عداه، ولا أن يَبذُل لِغيره خشيتهُ وخوفهُ ولا طمعهُ ولا رجاه.

القيام بحق الخلافة

ورحم الله تبارك وتعالى هذا النوع مِن الخلق النوع الإنساني وجعلهم خلفاء في الأرض؛ لِيُكرَمَ مَن قام بِحَقِّ الخِلافة في يوم العرض، وخلق أبانا آدم ونفخ فيه من روحهِ، وأمر الملائكة بالسجود له، وأنزلهُ في الوقت الذي عَيَّنَه، لِيقومَ خليفةً عن الرحمن في أرضه، يقول له تبارك وتعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي)

نتائج الإعراض عن ذكر الله

كان المُقابل في الآية يقول ومَنِ اتَّبَع هُدى غيري.. قال: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي)؛ لأنَّ كُلَّ اتِّباعٍ لِهُدى غيرِه سببهُ الغفلة عَن ذكرهِ، سببه الجهل بِعَظَمتهِ، سببهُ الإعراض عنه -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-، وإلّا ما كان يُخدَع مَن أقبلَ على الله، ما كان يُضحَك على مَن ذَكَرَ الله، ولكن من أعرضَ عَن ذكره.

وذِكرهُ سبحانه وتعالى القُرآن المُنزَّل والنَّبي المُرسَل، وذِكرهُ تَذَكُّر قلوب عِبادهِ لأسماءهِ وصِفاتهِ، ولِعَظَمتهِ وجلاله، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي) فلم يُصغي لِلوحي، ولم يعرِف قدرَ الرسول، ولم يشتغل بِتسبيحي وتحميدي وتهليلي، والتهى وانشغل بِغَيري؛ (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) يظلُّ يتظاهرُ أنَّهُ في نجاحٍ وكثرة مشاريع، وإصلاحٍ للوضع وحضارة، عشر، عشرين سنة، ثلاثين أربعين خمسين، سبعين ثمانين.. في الغالب ما تُجاوِز مائة سنة! تذهب الحضارة كُلّها وما فيها! والنتائج خَيبة ومُصيبة وفشل وتعب، وتنكشف الحقائق أنّهُ كذب في كذب وخداع في خداع، (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) ومِن أوّلها إلى آخرها القلق معه، والحَزَن مُتَردِّد على قلوبهم، والخشية والخوف مِن غير الله تبارك وتعالى مُتَسَلِّط على أفئِدتهم، واللَّهَث وراء المتاع الفاني يأخُذ كُلِّيَّاته (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).

والأمر الأخطر مِن كُلّ هذا: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ * وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ) فماذا يُنتظر مِمّن أسرف ولم يُؤمن بآيات ربّه، أن يكون مُنقِذاً؟ أن يكونَ مُصلِحاً؟ أن يكون قُدوةً؟ أسرفَ ولم يؤمن بآيات ربِّهِ! (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ * أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ) الأماكن التي تمشون فيها وتتبخترون فيها كان أمثالكم فيها، وكان أدعياء مِثل دعواكُم وجراءة مثل جراءتكُم، وافتراء مثل أفريِتكُم وافتراءكُم.. أهلكناهُم!

(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ) أولي العُقول، يا رب احفَظ علينا عقولنا ونورها، واجعلها سبب هِدايتنا لِلحقيقة والحَق، حتّى بِخواصِّ أهلِ السَّعادة الكُبرى في الدُّنيا والآخرة نلحَق يا حق، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ * وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ) وقضى وقدر بترتيب الأوقات وتَعيِين الحوادث والنهايات لِكُلِّ شَيء، (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى) أي ولولا أجل مُسمَّى وكلمة سبقت لهذا الأجل لكان الأمر لِزام! كُلّ من رفع رأسه يُقصَم في نفس اللحظة، قُل له يتمادى ويصل إلى هذه الحدود ولكن نِداء صاحب الحق وحبيب الحق اخسأ فلن تَعدُوَ قدرك.

من عجائب النصر

(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) ومِن عجائب هذا النَّصر ما ترونه، حدَّثكُم الدكتور خالد أنهُ مرَّت على المسلمين في كثيرٍ من النواحي، في كثير من البُلدان، في كثير من المدن، في كثير من القرى، خطط إبعاد! أبعدوهم عن الشيوخ، أبعدوهم عن شيوخ الأزهر في مصر البقية من الباقية، أبعدوهم عن المُرَبِّين، أبعدوهم عن المُزَكِّين، وزَجُّوا بهم في ترتيب لِمدارس مُعَيَّنة ومناهج معينة، وترتيبات في المجتمع معينة للفصل التام، ووصل الحال الذي ذكرهُ في كثير مِن بلاد المسلمين إلى مثل ذلك الحال، ولكن في كل محل وصل فيه الحال إلى مثل ذلك عقبهُ حال آخر، وقام فيه أمر غير الذي خُطِّطَ له! فمن الذي خطط؟ خِطط تأتي ضِدَّها، أصحابها يقولون مُفكّرون مُثقّفون مُتمكِّنون.. كذب! لو كانوا كذلك ما جاءت النتائج عكس ما خطَّطوا، لكن قول قالهُ الصَّادق عن الخالق، كما هو ثابت قائم على مدى القرون (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).

نعمة وصول النور وانتشاره

جعلنا الله وإيّاكم مِن أنصارِه، جعلنا الله وإيّاكم مِن مُقتفي آثاره، جعلنا الله وإيّاكم مِن المُمتلئينَ المُستضئينَ بِأنوارهِ؛ حتى نحوزَ مُرافقتهُ في يومٍ عظيمٍ كبيرٍ شديدٍ هائل، فيهِ الحُكمُ قال الرَّبُّ الحاكمُ فيهِ عنهُ: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، عالِم أنَّ النِّعمَةَ والمِنَّةَ والسَّعادةَ واللَّذةَ والحلاوة على الحقيقة تَكَوَّنَت في شيئين: تجلِّي هذا النُّور، ومغفرة الذُّنوبِ والوُزور، هم يقولون (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا) يعني زِدنا معرفة بِكَ وبالحبيب هذا، لأنّنا ذُقنا حلاوة، لأنّنا وجدنا سعادة، لأننا أدركنا شرفاً ومزايا لا تُحَدّ ولا تُحصى فوق ما يَتخيَّل كُلّ خيال، (أَتْمِمْ لَنَا): زِدنا مِن هذا، (وَاغْفِرْ لَنَا)؛ لأنّنا ما وجدنا سَبب للانقطاع ولا البُعد ولا لإضعاف هذهِ المعرفة إلا الذُّنوب والمعاصي، (إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

(رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

ثُمَّ تَجِد كما سمِعتُم الأماكن والبُلدان التي تزعَّمَت نشر الفساد في الأرض، نشر الإلحاد في الأرض، نشر الكُفر في الأرض، نشر التَّفرِقَة بين الناس في الأرض، نشر المُخدَّرات والمُسكِرات في الأرض، نشر التَّباغُض والشَّحناء بين الناس وضرب الناس بعضهم ببعض، نشرت في الأرض أمثال هذا.. وسط عُقر دِيارها والنور يشع، دعوة محمد تَصل وخيره يظهر، مِن أين جاء هذا؟ هذا النور حُورِب في معادنه هناك ومواطنه الأصيلة! ايش الذي أوصله إلى هنا؟ وخطّطوا خُطّة كذا كذا كذا.. لِينتهي فَتمشي الخُطّة ويَقوى، الذي قالوا ينتهي؛ يقوى! والذي قالوا يقوى؛ يضعف ويتلاشى! ما درينا مَن الذي يعرف يُخطّط؟ كُل مُخبَّط قال أنّه مُخطِّط! والنتيجة بعدين تطلع مُخبّط في مُخبّط لا له شيء (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ) اعطِهم مِنَ المواعيد (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا).

قال اسمع؛ لا أزال أرعى في أرضي أقوام ربطتُهُم بي لا تَقوى عليهم (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا) أيُّ رَب هذا؟ الرَّب الذي بيده ملكوت كل شيء (رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، لك الحمد يا مَن سخَّرَتَ لنا بحر وبَر وأرض وسماء، ويصُب علينا منها خَيرات، ويصب علينا منها أرزاق، ويصُب علينا منها منافع، ونحيا فيها مُيَسَّر لنا أن نذكُرك، مُيَسَّر لنا أن نحمدك؛ بِبِعثَةِ هذا الحبيب، لا تزال تُعقَد على ظهر الأرض مجامع ذِكرِك وذِكرِه، وحُبِّك وحُبِّه، والإقبال عليك وعليه، والوِجهَة إليك بِمَنهجهِ وطريقهِ، تُسبَّح وتُحمَد وتُهلَّل وتُكبَّر وتُستغفَر ويُصلَّى على حبيبِك، هُنا وهُناك، تشمل صِغار وكبار ومأمورين وأُمراء، وفُقراء وأغنياء، والكُلّ يتوجَّه إليك بِصَوت واحد، لك الحمد أتمِم النِّعمَة علينا يا رب وعلى هذه الأمّة، واجعلنا مِن خواصِّ أنصارِ هذا المُصطفى بِجميع ما أوتينا، يا حيُّ يا قيُّوم، حتى نَسعد بِرُؤيةِ وجههِ، ولقاءهُ في أعلى مكان، ومُرافقته في مواقف القيامة كُلها، وعند المرور على الصِّراط وعند دخول الجنة، وفي ساحة النظر إلى وجهك الكريم، يا كريم أكرِمنا بِذلك، واسلُك بِنا أشرف المسالك، وعجِّل بِكَشفِ الغُمَّة عن الأمّة، واملأنا بالإيمان واليقين.

مشاركة السيدة خديجة في النصرة

قالوا في مِثلِ هذا الشَّهر كان زواجه صلى الله عليه وسلم وعُمرهُ خمس وعشرون سنة، بالسَّيِّدَة خديجة بنت خويلد، وخديجة وتضحياتها، وخديجة وبذلها، وخديجة وصِدقها، وخديجة وإيمانها؛ ما يُعقَد مجلس خير في الأرض إلا وهي مُشاركة فيه، هي التي نصرته، هي التي قامت معه، هي التي بذلت نفسها ومالها وروحها له، وهي التي كانت أوّل أُم للمؤمنين على الإطلاق، أول أم للمؤمنين، ما كانت أُم للمؤمنين غيرها، وخمس وعشرين سنة وهي معه لا أُمَّ لِعُموم المؤمنين إلا هي -عليها الرضوان-، ثُمَّ وصفها بِقوله: "لقد آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدَّقتني حين كذَّبني الناس، وآوَتني حين طردني الناس، وفدتني بِمالِها ونفسها، فلا والله ما أبدلني الله خيراً منها" عليها رضوان ربِّنا، وجمعنا الله بها في دار الكرامة، واجعل كُلَّ مرأة مِن نسائنا بناتنا وزوجاتنا وأخواتنا وقريباتنا ينظُرن وجهها، في البرزخ والقيامة ودار الكرامة يا الله، إنَّ مَن لم ينظُر مِن نسائنا وجهها ولا وجه ابنتها الزهراء ما ينظُر وجه مُحمَّد، ومن لم ينظُر وجه محمد ما يدخل الجنة، "الويل لمن لا يراني يوم القيامة" "الويل لمن لا يراني يوم القيامة" ! شرِّفنا بِرُؤيةِ مُحَيَّاه، واجعلنا من أهلِ رِضاكَ ورِضاهُ يا الله.

نتوجَّه إليك ونتشفَّع إليك ونتوسَّل إليك بِأكرم الخلق عليك، وبالزهراء وأمّها الكُبرى وأهل الكِساء، والسّابقين الأوَّلين مِنَ المُهاجرين والأنصار أن تجعلنا في خواصِّ مَن قرَّبتَ وأحبَبت، ونشرت على أيديهم الخير لِعِبادِكَ شرقاً وغرباً، يا حيُّ يا قيُّوم لا تجعل فينا ولا في بيوتنا محروماً ولا مبعوداً ولا مأثوماً ولا مأزوراً ولا شقِيّاً.

التحقق بحقائق الرضا عن الله ورسوله

يا الله، خصَّصتنا بِمُحمَّد النَّبي وقد رَضينا بِدَعوتهِ وما جاءَ بهِ عنكَ ربّاً، وبالإسلامِ ديناً، وبِالنَّبيِّ مُحمّدٍ نبيّاً، فَحقِّقنا بِحقائقِ ذلك وارضَ عنّا، يا الله يا الله، ومَن قالَ في ليلةٍ: "رضيتُ بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبِمُحمّدٍ نبيّاً" ثلاثاً بات والله راضٍ عنه، رضينا بالله ربّاً وبالإسلامِ ديناً وبِسيدنا مُحمّدٍ نبيّاً ورسولاً، رضينا بالله ربّاً وبالإسلامِ ديناً وبِسيدنا مُحمّدٍ نبيّاً ورسولاً، رضينا بالله ربّاً وبالإسلامِ ديناً وبِسيدنا مُحمّدٍ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم نبيّاً ورسولاً، قال: مَن قالها كان حقّاً على الله أن يُرضِيه، ما معنى أن يُرضِيه؟ يفتَح لهُ باب إلى دائرة القُرب مِنّي، وقد قال: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)، ويُقَرِّبه مِن هنا ويَرضى! كان حقّاً على الله أن يُرضِيه، يعني يجد مِن جودِ الله وكرمه بالدُّخول في دائرة الحبيب فوق ما يرجو ويرضى ويرضى، لك الحمد!

الأوائِل الذين جاهدوا معه وقفوا بين يدِ الله، قال تمنّوا عليَّ ما شِئتم، قالوا عبدك هذا الزين الطَّيِّب ما شيء أحلى من القيام مَعهُ والنُّصرة له والجهاد في سبيلك في صفّه، رُدّنا ثاني مرة نُقتَّل معه! الجماعة جُدِّعَت أنوفهُم، بُقِرَت بطونهم، جُدِّعَت آذانهم وقُطِعت، قالوا رُدّنا مرة أخرى نجد مِثل هذا معه، وجدوا النتيجة قالوا مرة أخرى رُدّنا.. لا رُدّنا لِنبني بيت ولا رُدّنا لِنَملِك دابّة.. بل رُدّنا فنُقتَل معه، نُقاتل معه ونُقتَل مرة ثانية مثل هذه القتلة الحسنة الحالية، ما هي هذه القتلة؟ مثّلوا بهم! جدّعوا أنوفهم! قطّعوا آذانهم! قالوا واحدة ثانية مثل هذه، رُدّنا مرة ثانية! قال الحق: سَبَق القضاء مِني أنهم إليها لا يرجعون، قالوا يا ربّنا أبلِغ عنّا مَن ورانا أنّا لَقيناك فَرَضيتَ عنّا وأرضَيتنا، قالوا أنتَ رضيتَ عنا ونحن رضينا! يذكُر بعضهم صلى الله عليه وسلم مِن الذين قُتِلوا، فيقول: وما يُحِبَ أحدهم أنه الآن معكم هنا، يعني ما يُحِب أن يتخلَّف في الدُّنيا معكم، لِما رأوا مِن فضل الله تعالى عليهم، وهذا الرَّكب الذي نُحِب أن نلحَق به، فلا تُخَلِّف يا ربِّ مِنّا صغيراً ولا كبيراً ولا ذَكَراً ولا أُنثى يا الله.

والقلوب التي بَثثتَ فيها هذا النُّور في شرق الأرض وغربها بارِك لنا ولِلأُمّة فيها وزِدها، وثبِّتها وأعِنها وصُنها، وانشُر النُّور بِها فيمن حَوَالَيها؛ حتى تنتشِر يا مولانا كلمة التوحيد والإيمان في جميع بقاع الأرض، يا الله يا الله يا الله، عجِّل بالفرج المسلمين، وادفع البلاء عن المؤمنين، وحَوِّل أحوالنا إلى أحسنها يا أكرم الأكرمين، توجَّهوا إليه أجمعين، قولوا: يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين فَرِّج على المسلمين.

 

العربية