تفسير سورة الكهف(1434) -24- من قوله تعالى:(وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100))

تفسير سورة الكهف - الدرس الرابع والعشرون
للاستماع إلى الدرس

درس يلقيه الحبيب عمر بن حفيظ في تفسير سورة الكهف بعد الفجر ضمن دروس الدورة التعليمية التاسعة عشرة بدار المصطفى 1434هجرية.

نص الدرس مكتوب:

﷽ 

(وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103))

الحمدلله، ونسأله أن يُحسِن الخواتيم وأن يثبتنا على الصراط المستقيم هنا ثم هناك، فالصراط المستقيم، الثبات عليه هنا هو الشأن الأعظم، والمترتب عليه أيضًا ثباتٌ هناك. فتزلزُل الأقدام هنا هو سبب زلزلة الأقدام على جسور جهنم إذا اضطربت قدماً هناك، فنسأل الله أن يثبت أقدامنا، وأن يثبت قلوبنا، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

وإننا نأتي إلى أيام ختام الدورة، وأيام ختام الشهر، وأيام ختام تأمّل معاني سورة الكهف، ونسأل الله حسن الخواتيم. والخواتيم تتنوع وتتعدد، ولكل شيء خاتمة، ولكل قول خاتمة، ولكل فعل خاتمة، ولكل يوم خاتمة، ولكل شهر خاتمة، ولكل عمل خاتمة، وللعمر خاتمة. 

ومن حسنت منه الخواتيم رُجِيَ أن يحسن خاتمة عمره، ولذا: 

  • تجد الكثير من الصالحين يحرصون على خاتمة الأعمال، وفي الحديث: "اللَّهمَّ اجعَل خيرَ عمُري آخرَهُ، وخيرَ عملي خواتمَهُ".
  • فتجدهم في السجدة الأخيرة في الصلاة يحسنون، في التشهد الأخير يحسنون، رجاء أن تنعطف الخاتمة على باقي العمل، كما أن خاتمة العمر تنعطف على باقي العمر. والأعمال بخواتيمها..

يا الله بها يا الله بها *** يا الله بحسن الخاتمة 

  • وفي الخبر، إن إبليس يقول: قصم ظهري الذي يسأل الله حسن الخاتمة. 

نسأل الله حسن الخاتمة، ونلحّ على الله أن يحسن لنا الخاتمة، ولأهلينا ولأصحابنا ولجيراننا ولقراباتنا ولطلابنا وأحبابنا في الله، والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. اللهم إنا نسألك لنا ولهم كمال حسن الخاتمة.

الحمدلله، وقد وصلنا في تأمل الآيات إلى قوله جلّ جلاله وتعالى في علاه: (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)) بعد الجمْع الذي لا يتخلف عنه أحد، حتى من الحيوانات:

  •  قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام:34]. حتى الحيوانات؛ ما من دابة ولا طائر، الحيوانات والطيور كلها (ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ). 
  • فلا يبقى ذو روح من جميع المخلوقات: الإنس والجن، وحيوانات البر والبحر، ومعهم الملائكة، إلا حضروا يوم الحشر: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف:47] الله الله

هذا العليم الخبير! (فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) وما قدرة الخلق إذا قد كثّروا عليكم فما تدري بعد ذلك، من نقص و من زاد! و(قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا) [النور:63] لكن اللطيف الخبير؛ جميع الكائنات، ولا واحد يتخلف، ولا ينسى واحد، ولا ينسى واحد؛ من البعوض، ولا واحد من النمل، ولا واحدة من الأسماك، ولا واحد من بني آدم، ولا واحد من الجن، ولا شيء، ولا واحد من الطيور، لا شيء يُنتسى، كل واحد. 

(فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99))، فجمعناهم جمعاً، (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100))، أنت ترى أهل الدنيا يُقيمون استعراض؛ استعراض عسكري، و استعراض تجاري.. أما في موقف الجزاء، عرضُ جهنمَ، تبكيت للكفرة: 

  • (هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ)[المطففين:17]. 
  • (أَفَسِحْرٌ هَٰذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ) [الطور:15-16]. 

يا لطيف! (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا)

  • (..جَهَنَّمَ..)إذا أُطلِقت، أُريدَ بها النار كلها بدركاتها وطبقاتها الست. 
  • وإذا خُصِّصت، فجهنم أخف طبقة، أعلى طبقة منها،
  • ووراءها بعد ذلك:  
    • طبقة النار،  طبقة الحطمة،  طبقة الهاوية، طبقة لظى، طبقة السعير، طبقة سقر.
    • طبقات طبقات، أسفلها وأشدها هي الهاوية، ما يُدرَك لها قعر. 

فالطبقة الأولى:

  • هذه التي هي جهنم، مخصصة بعُصاة الموحدين. 
  • من ماتوا وفي قلوبهم إيمان التوحيد وعندهم معاصي ما عفا الله عنها، مسكنهم هناك. 
  • فهم أخف أهل النار عذاب، لكن لا يوجد في عذاب النار خفيف! 
  • وإن أهونهم وأقلهم عذاباً من يُنْعَلُ بنعلين من نار يفور منهما دماغه، يا لطيف!  

ما هذه المصيبة؟ 

  • لو جمرة من نار الدنيا هذه وُطِئتَ عليها، ستصيح صيحات، تتألم، وترفع رجلك بسرعة وتصيح! هذه نعلين من نار يفور بهما الدماغ! اللهم أجرنا من النار. 
  • قال: يرى أنه أشدهم عذاباً، وإنه لأهونهم، يرى أنه لا يوجد عذاب أشد من هذا، وهو أخف شيء. 

وهذه يخرج منها المؤمنون، واحد بعد الثاني، بحسب الشفاعات والعفو، اواستكمال العذاب على الذنوب التي لم يُعفَ عنها، فيخرجون، حتى يكون آخرهم خروجاً بعد مرور سبعة أيام من أيام الآخرة بمقدار سبعة آلاف سنة. 

كم قد احترق ! كم قد اشتَوَى، كم قد رجع رماداً!

  • آخر أهل النار خروجا؛ رجل من قبيلة جهينة، وقيل إن اسمه جهينة؛ هذا في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان. 
  • وبعد ما يُعذَّب سبعة آلاف سنة يخرج، فيقف أمام النار ويمكث ما شاء الله، يقول: ربي أسألك مسألة لا أسألك غيرها. ما هي؟ يقول: اصرف وجهي عن النار، فقد آذاني ريحها وأحرقني العذاب الذي فيها. باعد وجهي! 
  • يقول الله: يا ابن آدم، لعلك إن أعطيتك هذا تسألني غيره؟ يقول: وعزتك وجلالك ما أسألك غيره! وقد أعطى العهود والمواثيق. فيأمر الله فيُحوَّل وجهه عن النار؛ فيرى الجنة فيبقى ما شاء الله ينظر، يزيد شوقه إليها، ثم يقول: يارب أسألك مسألة لا أسألك غيرها. 
  • يقول الله: ويحك يا ابن آدم! ما أغدرك! ألم تعطني العهود والمواثيق أن لا تسألني غيرها؟ قال: هذه، ولا أسألك غيرها أبدا، يقول: ما هي؟ يقول: قربني إلى باب الجنة. 
  • يقول الله: ويحك يا ابن آدم، ما أغدرك! ألم تعطني العهود والمواثيق أن لا تسألني غيرها؟ يقول: نعم، هذه ولا أسألك غيرها أبدا، ويعطي العهود والمواثيق. 
  • فيُقَرَّب حتى يرى بهجتها ويشم ريحها، زاد شوقه. تقرُب له الجنة ورائحتها الطيبة من مسيرة خمسمائة عام تُشَمّ. لو نزل واحد من أهل الجنة في شرق الأرض لوُجِد طيبهُ في الغرب! 
  • أيّ طيب هذا! يملأ البلد كلها من شرقها وغربها. يقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، دعني أكون عند باب الجنة ولا أدخلها. 
  • يقول الله: ويحك يا ابن آدم! ما أغدرك! ألم تعطني العهود والمواثيق أنك لا تسألني غيرها؟ يقول: هذه هي يا رب، فقط لا أسألك غيرها. 
  • يقول الله تعالى: اذهب فأدخل الجنة، فإن لك في الجنة مثل الدنيا عشرة أمثالها، يقول: أتسخر بي وأنت الملك؟! الجنة مُلئت ووزّعت المنازل، ولايوجد لي مكان. 
  • يقول الله: هل يرضيك أن يكون لك مثل مُلكِ مَلِكٍ من ملوك الأرض؟ يقول: نعم يا رب. يقول: لك ذلك ومثله معه، ومثله معه، ومثله معه، ومثله معه. قال في الخامسة: لك ذلك وعشرة أمثاله. ادخل. فإن لك في الجنة مثل الدنيا وعشرة أمثالها.

فهذا أدنى أهل الجنة منزلةً، فيدخل، يقف على رأسه كل يوم ثلاث مائة من الولدان، خدام الجنة، كأنهم لؤلؤ منثور: (۞ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا) [الانسان:19]. 

ويُزَوَّجُ اثنتين وسبعين، وله مثل الدنيا عشر مرات! يطوف فيما أعد الله له فلا يأتي على جميع ما أُعد له إلا بمقدار ألف عام؛ هذا أقلهم! فما أوسع الجنة!  اللهم اجعلنا من أهلها، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.

يا ما أحسنها من جزاء! (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)، فما يعملون؟ (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [التوبة:111]، فلما قرأ الصحابة الآية قالوا: ربح البيع! فلا نُقِيل ولا نستقيل!  ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل. 

هذا أدنى أهل الجنة منزلةً، وما فيهم دنيء: 

  • فإذا خرج هذا جُهينة، حتى يقال: عند جهينة الخبر اليقين، يعني آخر من يخرج من النار هذا جهينة. 
  • فإذا خرج، تُغلَقُ الطبقة الأولى؛ جهنم، وأؤصَدت الست على أصحابها، فلا يطمع أحد في الخروج:
    • (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا) [المائدة:37].
    • (إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ) [الهمزة:9].

أجارنا الله منها. هذه الحقائق عن نهاية الخلائق المكلفين. أما بقية الحيوانات التي تُحشَر معنا: 

  • منها ما يُحرَق مرة واحدة فيفنى ويذهب، مثل الذباب وهذه الحيوانات المؤذية التي كانت تؤذي غيرها. 
  • ومنها ما يعود تراب يقال لها: كوني تراباً. 

فيرى الكافرون من الحيوانات الكثيرة بعدما تم الاقتصاص فيما بينها، وفيما بينها وبين الناس، يقال لها: كوني تراباً. فصارت تراب وهم أمامهم العذاب، فيقول الكافر: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) [النبأ:40]. 

كم من المتبجحين المتكبرين رافعي رؤوسهم الذين يعدُّون أنفسهم من أكبر الناس في الأرض! فتبيَّن أن ذاك الغرور والتصور والاستشعار كله باطل في باطل، ضلالٌ في ضلال، لا وزن له، يغتر به من يغتر. 

الحمدلله الذي بيّن لنا الحق وماذا سيكون في المستقبل، حقيقة بلا تضليل ولا دجل ولا قلْب للحقيقة، كما قال الله:(هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52].

قال: (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100))، انظروا الحيّات التي فيها! وشاهدوا العقارب مثل البغال! فمنها عقرب مثل حجم البغلة، شاهدوا هذا الهول! شاهدوا السلاسل! شاهدوا الأغلال! شاهدوا المقامع التي يُضرب بها! شاهدوا السلاسل التي يُسحبون فيها!

(وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا)، وقد ذكرنا حديث مسلم: 

  • أنه يُؤتى بجهنم تُقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام يقوده سبعون ألف من الزبانية، كبار الملائكة. 
  • فإذا رأت هذا الموقف، تغيَّظت وزفرت، ثم تحيط بالخلق من الجوانب كلها. 

قال: "ما مِنكُم أحَدٌ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تُرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ منه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ مِن عَمَلِهِ، ويَنْظُرُ أشْأَمَ منه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بيْنَ يَدَيْهِ فلا يَرَى إلَّا النَّارَ تِلْقاءَ وجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ".

(وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا(100))، وهذا العرض والدقة؛ كان نتيجة ما كانوا يتصاممون ويتعامون في الدنيا: (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي)، قل: هذا الذي تعاميتم عنه، انظروا إليه، إنه واضح أمامكم تماماً! (ذكري) أحد قال لهم: آخرة، جنة، نار، دخول؟ هذا حق اليقين: 

  • قال سبحانه وتعالى: (وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) [الواقعة:92-95]. 
  • ما عاد فيه علم يقين، بل عين يقين، وحق يقين بدخول هذه النار تحرقك مباشرة، أجارنا الله منها. 

قال: (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي) كانت العيون مغطاة، عليها غطاء فلا ترى ذكر الله. كيف هذا؟ 

  • (فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي)، آياته المنزلة، وآياته في الكون، والمعجزات التي جرت على يد الرسول.
  • (فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي) لا يتأملون القرآن، ولا يتدبرون آيات الكون البديعة الدالة على الصانع العظيم جل جلاله. 

ومن ضرورة كل عاقل: 

أن يتأمل الكون وما فيه، وأن يقول أن لهذا الكون إله، لهذا الكون موجد وخالق حكيم عظيم، من هو؟ اللغز محلول بيد المرسلين الذين جاءوا إليك. 

ولكن أن تظل تكابر وتعاند وهذا يقول: الطبيعة! ولا يدري ما معنى الطبيعة، وكيف الطبيعة  ومن أين هذه جاءت الطبيعة؟ يقول: هي فقط قوة غير معروفة! تعال نعرِّفك بها! لماذا هي غير معروفة؟ والرسل جاءوك يعرفونك بها بالآيات والدلائل، والعلائم؟ لماذا تتصامم؟ اسمع! 

(الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي): 

  • فلا يحسنون تأمل آيات الكون. 
  • ولا يستمعون آيات القرآن. 
  • ولا يتأملون معجزات محمد. 

وهي معجزات كثيرة، ولها معنى في البقاء في الأمة؛ بقاء ذكره معجزة، انتشار ذكره كلما مرت القرون معجزة: 

  • يتأمل بعض الناس بمجرد عقله، ويقول: درست المبادئ والأفكار التي كانت قبل 100 سنة، 200 سنة، 300 سنة، 400 سنة؛ تضمحل، ويضمحل أصحابها. 
  • وكلما مرت السنين، فالذين كانوا يُتَّبَعون وكانوا يُعظَّمون؛ يقل تعظيمهم، يقل تعظيمهم. وبعد ذلك بعضهم، يتراجع أتباعهم ويحرقون صورهم. 
  • كما عملوا بعض أصحاب الاشتراكية وأتباع لينين وماركس وأولئك الشيوعيين، حرقوا صورهم في بلدانهم، حيث كانوا يصفقون لهم، حيث كانوا يعظمونهم. 
  • ويقولون: إن منهجهم هذا الذي يحول الناس في جنة، والناس يعيشون في راحة بسببهم، وبعد ذلك فشلوا وخسروا وتعبوا وحرقوا صورهم. 
  • قال: لكن رأيت محمداً، كلما مرَّ الزمان يزداد أتباعه ومحبوه، ويعظم شأنه، وتعظيمه يزيد، أيُّ إنسان هذا؟! ولم يظهر أبداً أي خطأ؛ فيما قال، فيما فعل، فيما رتِّب، على مدى القرون، ويزداد محبة ويزداد أتباعه ويزداد تعظيمه، واسمه في كل بلاد. 

جاءت أفكار في زمانه وبعد زمانه، في القرن الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، رُفضت وأتباعها صاروا يتبرأون منها، لماذا هو هذا كذا؟ لماذا هو هذا كذا؟ معجز هذا! هذا معجزة! 

مُعجِزٌ في القولِ والفِعال، كريمُ *** الخُلُقِ والخَلْقِ، مُقْسِطٌ، مُعطاءٌ 

كلُّه رحمة، و كلُّه حزمٌ *** وعزمٌ ووقارٌ وعِصمة

وحياءٌ ما ساواه  حياءُ النَّسيم *** ولا غيّرَ محيّاه روضةٌ غنّاء

ما رأت عينٌ، ولن  ترى *** مثلَ طه في الورى بَشرًا

خيرُ من فوقَ الثرى سَرى *** طاهــرُ  الأخلاقِ  و الشِّيم

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ولا يزال ذكره ينتشر، والآن أهم بقاع الأرض يُذكر فيها محمد رسول الله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسولُ الله، اللهم صلِّ عليه وعلى آله.

قال: هؤلاء الكفار عاشوا في الدنيا، (كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي): 

  • آتيناهم سمعاً وبصراً وفكراً وقلوباً وعقولاً؛ عطّلوها، ما أحسنوا استعمالها. 
  • فاليوم نقول لهم: فتِّحوا! فتِّحوا الآن! (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ) فتِّح عينك! (لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق:22]. 

اليوم أحسِن استعمال البصر! لِم ترضَ أن تحسن استعماله كذا كذا سنة؟ اليوم استعمله الآن! انظر! انظر الى ما كنت تُكذِّب! انظر الى ماكنت تنكر! انظر الى ما كنت تجحد! فتِّح بعينك! يا الله بسم الله، انظر! 

وهذا سمعك الذي تتصامم به عن كلام الله وعن كلام الصالحين وعن كلام العارفين وعن كلام الأولياء، ولا يعجبك، وتتولى عنه، دعهُ ينفتح الآن! دعهُ ينفتح! اسمع! هل تسمع زفير جهنم الذي كنت تكذب به؟! اسمع غليانها! اسمع غليان الزقوم فيها، غليان الحميم فيها! اسمع أصوات عقاربها وحياتها! اسمع! و الذين كانوا صدَّقوا واستمعوا: (لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ) [الأنبياء:102]، وأنت الآن ماذا تسمع! الذي لم يرضَ يسمع!

(الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي)؛ وفي هذا إشارة إلى أن أرباب اليقين وأرباب النور يشاهدون معاني للذكر لا يشهدوها هؤلاء المحجوبون، وهؤلاء الغافلون. إنفتحت أعينهم لذكر الله: 

  • فبدايةً يحسنون التأمل في الكائنات. 
  • يحسنون التأمل في الآيات. 
  • يفرحون إذا تأملوا معاني الآيات. 
  • إذا حصّلوا درس في التفسير، وإذا قرأوا كلام المفسرين، وإذا دارت بهم بصائرهم في معاني الآيات
  • ويتأملون معجزات محمد؛ يزدادون به إيمان ويقين. 

هذا بداية، إذا تم ذلك، شاهدتْ منهم القلوب والبصائر أسرار الذكر.

والآخرين، ذلك الصنف المحجوب البعيد، (كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي)؛ مساكين! حتى نعيم الدنيا حُرموا! 

هؤلاء تتنعم أرواحهم وهم في الدنيا، يعاينون أسرار الذكر، وجمال الذكر ونور الذكر، يدخلون حضائر الذكر؛ لذا النبي يقول لنا: "إذا مررتم برِياضِ الجنَّةِ فارتَعوا"، مثل سيدنا داود، جعل في دعائه يقول: "ربي إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى من دونهم، فاكسر رجليّ عنهم حتى لا أتجاوزهم". 

ورأينا هؤلاء الذين أدركوا بأعينهم وأسماعهم شؤون الذكر، لم تكن أعينهم في غطاء عن الذكر، وكانوا يسمعون.. 

  • يقولون؛ مجالس في الدنيا جلسناها مع الصالحين وأهل القلوب، لو في تلك الأحوال وقف سيدنا رضوان على الأبواب يقول: تفضلوا، قوموا ادخلوا الجنة، ما قمنا! لِما يُنازِل أرواحَنا في هذه المجالس من نور المعرفة بالله والقرب منه. 
  • أما تسمع الذين تلذذوا بمناجاة الله في الليل؟ يقولون: إن كان أهل الجنة في الجنة على مثل ما نحن فيه في الليل، إنهم لفي عيش طيب. إن كانوا يحصّلون مثل هذه اللذة والراحة والحلاوة التي نحصِّلها مع ربنا في الليل، فالعيش طيب في الجنة، وإن كان مع غيره، ما تنفع الجنة! الله أكبر! 
  • سمعتَ النبي يقول: "دخلتُ الجنة البارحة فسمعتُ دفَّ نعليك يا بلال"، تعرف معنى البارحة؟ هل يعني هذا أن البارحة كان بلال في الجنة! "فسمعتُ دفَّ نعليك"، وفي لفظ: "سَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي". بأي شيء؟ قال: أنا ألازمُ الطهارة والصلاة، ما أحدثتُ إلا توضأتُ، ولا توضأتُ إلا صليتُ بذلك الوضوء ما كتب الله لي. هذا أرجى عمل عملته في الإسلام، أي دائم الحضور مع الله، أذكر الله، أحب الذكر. 

دائماً إذا أحدث توضأ، وإذا توضأ صلّى، مع الله دائماً. لكن انظر الى المحجوبين! (كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)): 

  • (لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا)؛ مشيراً إلى المصيبة التي تحل في قلوب من أراد الله دخوله النار، وبعْده عنه تعالى، وهو كراهته للحق وأهل الحق.
  •  فالعرب يعبِّرون إذا واحد يستثقل كلام واحد يقول: أنا لا أستطيع أرى فلاناً، أنا لا أستطيع أسمع كلامه، ما أقدر! 
  • (وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا)، عندهم النبي، عندهم الصحابة، عندهم آل البيت، عندهم الصالحون، عندهم العلماء، لا يحبون كلامهم، ينفرون منهم. 
  • (لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا)، فلا يهتدون إلى المعاني العظيمة والحقائق الثابتة في كلام العارفين والصالحين وكلام الحق ورسوله أبداً. 
  • (لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا)؛ لأنهم لا يحبون التأمل فيها ولا أخذها باهتمام ولا بمحبة ولا بتكريم أبداً. 

(كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا)

وكم من أعين تنفتح في الليالي العشر من رمضان، وأَسْمَاعٌ تنفتح كذلك في هذه الليالي! وكانوا إذا ذكروا النبي ﷺ، الصحابة يقولون: فَفتَح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً. اللهم صلِّ عليه. 

وفي الذين اهتدوا به، أنزل الله - بداية سبب النزول؛ أنّ سيدنا حمزة وسيدنا عمر بن الخطاب أسلموا - فأنزل الله: (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) [الأنعام:122]. 

قال لساداتنا الأنصارِ: "أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فهَدَاكُمُ اللهُ بي، وكنتم مُتَفَرِّقِينَ فأَلَّفَكُمُ اللهُ بي، وكنتم عالةً فأغناكم اللهُ بي"؟ صلى الله عليه. قالوا: بلى، المنُّ لله ورسوله يا رسول الله، المن لله ورسوله. 

(الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ)، (أَفَحَسِبَ) أي بمعنى ظنَّ، ناسٌ عبادٌ يخشعون لجلالي. وتقرأون في الصلاة: 

  • (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ)، مثل اليهود يقولون: عزير ابن الله، والنصارى يقولون: المسيح ابن الله. 
  • (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) -من الأنبياء والصالحين- (يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) [الإسراء:102]. 
  • هم يتقربون إلى الله، هم يعبدون الله، هم يفتخرون بعبوديتهم لله -سبحانه وتعالى-: (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [النساء:172]. 

(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) [الإسراء:102]، قال: هم يبتغون الوسيلة إلي، ويتقربون  بالاقرب منهم، وإلّا فهم مقربون كلهم، ولكن يتقرّبون بالأقرب، فكيف أنتم تتخذونهم آلهة من دوني؟! 

  • (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) [المائدة:17]. 
  • (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) [المائدة:72]. 

قال: 

  • (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ..(102)) أفينفعهم ذلك؟ أو لا أغضب عليهم؟ ولا يُعَذَّبوا؟! 
  • (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ)  فيكون هذا نافع لهم، أو ينجون من عذابي، أو أني لا أغضب عليهم؟ 
  • بئس ما ظنوا! كيف يكون هذا؟ قال: وفي قراءة عند بعض الصحابة: (أفَحسبُ الَّذِينَ كَفَرُوا)، يعني: أكَافَيهمْ؟

(أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ) أيظنون انه كافيهم؟ أيكفيهم هذا؟ أو: يَكْفِيهم هذا الخذلان والبعد عن الرحمن؟ قال: ووراءهم العذاب مقبل! (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا(102)) .

(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ)

  • يظنون أنهم يعبدون ما شاء من كائناتي ومخلوقاتي وأن هذا سينفعهم؟ كلّا(سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم:82]. 
  •  وقد قرأنا في الصلاة: (وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ ۖ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ) [النحل:86]. ما نفعهم الشركاء. 
  • (وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ ۖ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [النحل:87]. 

قال: أيظنون أن ذلك نافعهم أو منجيهم من عذابي؟! وأني لن أغضب عليهم؟! (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا): من العُدّة والإعداد، وكلٌّ يعدّ على قدر قوته، وهذا إعداد الجبار جلّ جلاله. 

  • إذا قال: أعددتُ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [التوبة:89] هذا إعداد على قدر العظيم. 
  • لكن إذا أعدّ عذابه، (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ*وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) [الفجر:25-26] لا يوجد عذاب مثل عذابه، -والعياذ بالله تعالى-! 

لأن كلٌّ على قدره، وهذا إعداد رباني، (لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [التوبة:88-89]. وأنت تنظر أنهم يبنون فندق بخمسة نجوم، بستة نجوم، يصنعون إعداد على قدرهم. دعْ إعدادات الخلق؛ أنا سأعِدُّ دار الضيافة، قال الله للمؤمنين: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ). اللهم اجعلنا من أهل جنّتك. 

والكفار، قالوا: (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا(102)): أيّ نُزُل هذا؟! النُّزُل هو ما يُهيّأ للضيف. وأي ضيافة هذه؟! نار!

هؤلاء لا تصلح لهم الضيافة إلا النار؛ لأننا فتحنا لهم باب الرحمة والكرامة، ولكنهم عاندوا وجحدوا وتكبروا، ما لهم إلا النار: 

  • فضيافتهم النار: (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [الانشقاق:24] بشرهم! تمام، ماهي البشارة؟ قال: بعذاب أليم. بشارة بالعذاب، تبكيت زيادة. 
  • وفي النار يُطعمون طعم الزقوم، في حلوقهم يغصون، ويستغيثون: (وَإِن يَسْتَغِيثُوا)، يريدون ماء، قال الله: (يُغَاثُوا) هل يحصل لهم الغوث؟ لا! (يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ)[الكهف:29]! هذا غياث هذا؟! 
  • يشوي الوجوه، من حرارته، إذا قربوا الإناء الذي فيه الحميم هذا؛ يفور عند وجهه، يشوي الوجه، ويسقى! كيف يُسقى هذا؟! وإذا سُقِي يقطع الأمعاء! (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) [محمد:15] وترجع على طول، ثم تُقطَّع مرة أخرى. 

اللهم أجرنا من النار. لا نعيم مثل نعيم الله، وهو يعدّه بقدرته وعظمته، ولا عذاب مثل عذاب الله، وهو الذي يعده بقدرته وعظمته -سبحانه وتعالى-. اللهم اجعل مآلنا عندك الجنة. 

قال: (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102))، محل الضيافة: 

  • ويأتي النُّزُل بمعنى المنزل وبمعنى المكان، يعني مكاناً ومنزلاً؛ هو جهنم. 
  • ويأتي النُّزُل بمعنى ما يُعد ويُهيّأ للضيف النُّزُل، تجد بعض العرب يسمي الفنادق نُزُل.

 وأصل النُّزُل الضيافة، ليست فندقة يأخذ مقابل، هذا ليس نزلاً! هذا بيع وإيجار، لا يُعد كالنزُل (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا).

ثم قال: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103))، انتهى علينا الوقت، يكفي. ورزقنا الله الادِّكار والاعتبار والاستنارة بهذه الأنوار.

الاسئلة:

يقول النبي:"لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ"، و "وان من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان لا يُخلَّد في النار". 

نقول إنه لا يموت ميت وفي قلبه مثقال ذرة من كبر إلا سَلَبَ الكبرُ ما بقي عنده من الإيمان. فإذا بقي الكبر إلى عند الموت، يسلب الكبر ما بقي من الإيمان، فلا يبقى إيمان مع الكبر. ولكن إذا عنده ولو مثقال ذرة من إيمان، فتدفع عنه الكبرَ، فلا يموت متكبراً.

يقول: الذين فيهم صفة من صفات النفاق، أيخرجون من النار؟ الخروج من النار لكل من مات وفي قلبه إيمان. 

أما صفات النفاق منها عملية ومنها اعتقادية: 

  • أما الاعتقادية، فهؤلاء أصحابها مخلدين في النار، صفات الاعتقاد وهو الكفر. 
  • وأما الصفات العملية، مثل الكذب وإخلاف الوعد وما إلى ذلك، لا، فهذه قد تكون مع وجود إيمان. 

فإذا مات وهناك إيمان محفوظ ولو مثقال ذرة، مات عليه؛ فيخرج من النار. ولكن بعد عذاب لا يطاق! وهل تطيقه ولو دقيقة واحدة! إذا أردت أن تجرِّب، سنعرض عليك نار الدنيا. انزل فيها نصف دقيقة فقط! أو عشرين ثانية فقط؟  ما رأيك؟ ما رأيك؟ نارٌ من نار الدنيا، عشرين ثانية! ما عشرين ثانية؟!  عشر ثواني فقط، سدس دقيقة؟ تقدر سدس دقيقة؟! سدس دقيقة تفتح النار بوقود غاز، سدس دقيقة! سيموت! وستة أشخاص أو حتى عشرة، ماتطاق! فكيف بنار الآخرة؟! 

اللهم اجرنا منها، اللهم اجرنا منها، اللهم اجرنا منها برحمتك يا أرحم الراحمين، وجودك يا أجود الأجودين.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن، و يحشرنا في زمرة أهل القرآن مع نبي القرآن، ويخلدنا في الجنان في أعلى الجنان، وينظمنا في سلك الصالحين أهل الطهر عن الأدران، ويبارك لنا في خاتمة رمضان. اختم لنا بخير ما يُختَم به رمضانات للمقبولين المحبوبين، في عافية. 

بسر الفاتحة إلى حضرة النبي…

تاريخ النشر الهجري

01 ذو القِعدة 1434

تاريخ النشر الميلادي

07 سبتمبر 2013

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام