(535)
(339)
(364)
درس يلقيه الحبيب عمر بن حفيظ في تفسير سورة الكهف بعد الفجر ضمن دروس الدورة التعليمية التاسعة عشرة بدار المصطفى 1434هجرية.
﷽
(وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103))
الحمدلله، ونسأله أن يُحسِن الخواتيم وأن يثبتنا على الصراط المستقيم هنا ثم هناك، فالصراط المستقيم، الثبات عليه هنا هو الشأن الأعظم، والمترتب عليه أيضًا ثباتٌ هناك. فتزلزُل الأقدام هنا هو سبب زلزلة الأقدام على جسور جهنم إذا اضطربت قدماً هناك، فنسأل الله أن يثبت أقدامنا، وأن يثبت قلوبنا، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وإننا نأتي إلى أيام ختام الدورة، وأيام ختام الشهر، وأيام ختام تأمّل معاني سورة الكهف، ونسأل الله حسن الخواتيم. والخواتيم تتنوع وتتعدد، ولكل شيء خاتمة، ولكل قول خاتمة، ولكل فعل خاتمة، ولكل يوم خاتمة، ولكل شهر خاتمة، ولكل عمل خاتمة، وللعمر خاتمة.
ومن حسنت منه الخواتيم رُجِيَ أن يحسن خاتمة عمره، ولذا:
يا الله بها يا الله بها *** يا الله بحسن الخاتمة
نسأل الله حسن الخاتمة، ونلحّ على الله أن يحسن لنا الخاتمة، ولأهلينا ولأصحابنا ولجيراننا ولقراباتنا ولطلابنا وأحبابنا في الله، والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. اللهم إنا نسألك لنا ولهم كمال حسن الخاتمة.
الحمدلله، وقد وصلنا في تأمل الآيات إلى قوله جلّ جلاله وتعالى في علاه: (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)) بعد الجمْع الذي لا يتخلف عنه أحد، حتى من الحيوانات:
هذا العليم الخبير! (فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) وما قدرة الخلق إذا قد كثّروا عليكم فما تدري بعد ذلك، من نقص و من زاد! و(قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا) [النور:63] لكن اللطيف الخبير؛ جميع الكائنات، ولا واحد يتخلف، ولا ينسى واحد، ولا ينسى واحد؛ من البعوض، ولا واحد من النمل، ولا واحدة من الأسماك، ولا واحد من بني آدم، ولا واحد من الجن، ولا شيء، ولا واحد من الطيور، لا شيء يُنتسى، كل واحد.
(فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99))، فجمعناهم جمعاً، (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100))، أنت ترى أهل الدنيا يُقيمون استعراض؛ استعراض عسكري، و استعراض تجاري.. أما في موقف الجزاء، عرضُ جهنمَ، تبكيت للكفرة:
يا لطيف! (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا):
فالطبقة الأولى:
ما هذه المصيبة؟
وهذه يخرج منها المؤمنون، واحد بعد الثاني، بحسب الشفاعات والعفو، اواستكمال العذاب على الذنوب التي لم يُعفَ عنها، فيخرجون، حتى يكون آخرهم خروجاً بعد مرور سبعة أيام من أيام الآخرة بمقدار سبعة آلاف سنة.
كم قد احترق ! كم قد اشتَوَى، كم قد رجع رماداً!
فهذا أدنى أهل الجنة منزلةً، فيدخل، يقف على رأسه كل يوم ثلاث مائة من الولدان، خدام الجنة، كأنهم لؤلؤ منثور: (۞ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا) [الانسان:19].
ويُزَوَّجُ اثنتين وسبعين، وله مثل الدنيا عشر مرات! يطوف فيما أعد الله له فلا يأتي على جميع ما أُعد له إلا بمقدار ألف عام؛ هذا أقلهم! فما أوسع الجنة! اللهم اجعلنا من أهلها، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
يا ما أحسنها من جزاء! (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)، فما يعملون؟ (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [التوبة:111]، فلما قرأ الصحابة الآية قالوا: ربح البيع! فلا نُقِيل ولا نستقيل! ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل.
هذا أدنى أهل الجنة منزلةً، وما فيهم دنيء:
أجارنا الله منها. هذه الحقائق عن نهاية الخلائق المكلفين. أما بقية الحيوانات التي تُحشَر معنا:
فيرى الكافرون من الحيوانات الكثيرة بعدما تم الاقتصاص فيما بينها، وفيما بينها وبين الناس، يقال لها: كوني تراباً. فصارت تراب وهم أمامهم العذاب، فيقول الكافر: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) [النبأ:40].
كم من المتبجحين المتكبرين رافعي رؤوسهم الذين يعدُّون أنفسهم من أكبر الناس في الأرض! فتبيَّن أن ذاك الغرور والتصور والاستشعار كله باطل في باطل، ضلالٌ في ضلال، لا وزن له، يغتر به من يغتر.
الحمدلله الذي بيّن لنا الحق وماذا سيكون في المستقبل، حقيقة بلا تضليل ولا دجل ولا قلْب للحقيقة، كما قال الله:(هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52].
قال: (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100))، انظروا الحيّات التي فيها! وشاهدوا العقارب مثل البغال! فمنها عقرب مثل حجم البغلة، شاهدوا هذا الهول! شاهدوا السلاسل! شاهدوا الأغلال! شاهدوا المقامع التي يُضرب بها! شاهدوا السلاسل التي يُسحبون فيها!
(وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا)، وقد ذكرنا حديث مسلم:
قال: "ما مِنكُم أحَدٌ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تُرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ منه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ مِن عَمَلِهِ، ويَنْظُرُ أشْأَمَ منه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بيْنَ يَدَيْهِ فلا يَرَى إلَّا النَّارَ تِلْقاءَ وجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ".
(وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا(100))، وهذا العرض والدقة؛ كان نتيجة ما كانوا يتصاممون ويتعامون في الدنيا: (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي)، قل: هذا الذي تعاميتم عنه، انظروا إليه، إنه واضح أمامكم تماماً! (ذكري) أحد قال لهم: آخرة، جنة، نار، دخول؟ هذا حق اليقين:
قال: (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي) كانت العيون مغطاة، عليها غطاء فلا ترى ذكر الله. كيف هذا؟
ومن ضرورة كل عاقل:
أن يتأمل الكون وما فيه، وأن يقول أن لهذا الكون إله، لهذا الكون موجد وخالق حكيم عظيم، من هو؟ اللغز محلول بيد المرسلين الذين جاءوا إليك.
ولكن أن تظل تكابر وتعاند وهذا يقول: الطبيعة! ولا يدري ما معنى الطبيعة، وكيف الطبيعة ومن أين هذه جاءت الطبيعة؟ يقول: هي فقط قوة غير معروفة! تعال نعرِّفك بها! لماذا هي غير معروفة؟ والرسل جاءوك يعرفونك بها بالآيات والدلائل، والعلائم؟ لماذا تتصامم؟ اسمع!
(الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي):
وهي معجزات كثيرة، ولها معنى في البقاء في الأمة؛ بقاء ذكره معجزة، انتشار ذكره كلما مرت القرون معجزة:
جاءت أفكار في زمانه وبعد زمانه، في القرن الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، رُفضت وأتباعها صاروا يتبرأون منها، لماذا هو هذا كذا؟ لماذا هو هذا كذا؟ معجز هذا! هذا معجزة!
مُعجِزٌ في القولِ والفِعال، كريمُ *** الخُلُقِ والخَلْقِ، مُقْسِطٌ، مُعطاءٌ
كلُّه رحمة، و كلُّه حزمٌ *** وعزمٌ ووقارٌ وعِصمة
وحياءٌ ما ساواه حياءُ النَّسيم *** ولا غيّرَ محيّاه روضةٌ غنّاء
ما رأت عينٌ، ولن ترى *** مثلَ طه في الورى بَشرًا
خيرُ من فوقَ الثرى سَرى *** طاهــرُ الأخلاقِ و الشِّيم
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ولا يزال ذكره ينتشر، والآن أهم بقاع الأرض يُذكر فيها محمد رسول الله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسولُ الله، اللهم صلِّ عليه وعلى آله.
قال: هؤلاء الكفار عاشوا في الدنيا، (كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي):
اليوم أحسِن استعمال البصر! لِم ترضَ أن تحسن استعماله كذا كذا سنة؟ اليوم استعمله الآن! انظر! انظر الى ما كنت تُكذِّب! انظر الى ماكنت تنكر! انظر الى ما كنت تجحد! فتِّح بعينك! يا الله بسم الله، انظر!
وهذا سمعك الذي تتصامم به عن كلام الله وعن كلام الصالحين وعن كلام العارفين وعن كلام الأولياء، ولا يعجبك، وتتولى عنه، دعهُ ينفتح الآن! دعهُ ينفتح! اسمع! هل تسمع زفير جهنم الذي كنت تكذب به؟! اسمع غليانها! اسمع غليان الزقوم فيها، غليان الحميم فيها! اسمع أصوات عقاربها وحياتها! اسمع! و الذين كانوا صدَّقوا واستمعوا: (لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ) [الأنبياء:102]، وأنت الآن ماذا تسمع! الذي لم يرضَ يسمع!
(الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي)؛ وفي هذا إشارة إلى أن أرباب اليقين وأرباب النور يشاهدون معاني للذكر لا يشهدوها هؤلاء المحجوبون، وهؤلاء الغافلون. إنفتحت أعينهم لذكر الله:
هذا بداية، إذا تم ذلك، شاهدتْ منهم القلوب والبصائر أسرار الذكر.
والآخرين، ذلك الصنف المحجوب البعيد، (كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي)؛ مساكين! حتى نعيم الدنيا حُرموا!
هؤلاء تتنعم أرواحهم وهم في الدنيا، يعاينون أسرار الذكر، وجمال الذكر ونور الذكر، يدخلون حضائر الذكر؛ لذا النبي يقول لنا: "إذا مررتم برِياضِ الجنَّةِ فارتَعوا"، مثل سيدنا داود، جعل في دعائه يقول: "ربي إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى من دونهم، فاكسر رجليّ عنهم حتى لا أتجاوزهم".
ورأينا هؤلاء الذين أدركوا بأعينهم وأسماعهم شؤون الذكر، لم تكن أعينهم في غطاء عن الذكر، وكانوا يسمعون..
دائماً إذا أحدث توضأ، وإذا توضأ صلّى، مع الله دائماً. لكن انظر الى المحجوبين! (كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)):
(كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا):
وكم من أعين تنفتح في الليالي العشر من رمضان، وأَسْمَاعٌ تنفتح كذلك في هذه الليالي! وكانوا إذا ذكروا النبي ﷺ، الصحابة يقولون: فَفتَح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً. اللهم صلِّ عليه.
وفي الذين اهتدوا به، أنزل الله - بداية سبب النزول؛ أنّ سيدنا حمزة وسيدنا عمر بن الخطاب أسلموا - فأنزل الله: (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) [الأنعام:122].
قال لساداتنا الأنصارِ: "أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فهَدَاكُمُ اللهُ بي، وكنتم مُتَفَرِّقِينَ فأَلَّفَكُمُ اللهُ بي، وكنتم عالةً فأغناكم اللهُ بي"؟ صلى الله عليه. قالوا: بلى، المنُّ لله ورسوله يا رسول الله، المن لله ورسوله.
(الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ)، (أَفَحَسِبَ) أي بمعنى ظنَّ، ناسٌ عبادٌ يخشعون لجلالي. وتقرأون في الصلاة:
(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) [الإسراء:102]، قال: هم يبتغون الوسيلة إلي، ويتقربون بالاقرب منهم، وإلّا فهم مقربون كلهم، ولكن يتقرّبون بالأقرب، فكيف أنتم تتخذونهم آلهة من دوني؟!
قال:
(أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ) أيظنون انه كافيهم؟ أيكفيهم هذا؟ أو: يَكْفِيهم هذا الخذلان والبعد عن الرحمن؟ قال: ووراءهم العذاب مقبل! (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا(102)) .
(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ):
قال: أيظنون أن ذلك نافعهم أو منجيهم من عذابي؟! وأني لن أغضب عليهم؟! (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا): من العُدّة والإعداد، وكلٌّ يعدّ على قدر قوته، وهذا إعداد الجبار جلّ جلاله.
لأن كلٌّ على قدره، وهذا إعداد رباني، (لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [التوبة:88-89]. وأنت تنظر أنهم يبنون فندق بخمسة نجوم، بستة نجوم، يصنعون إعداد على قدرهم. دعْ إعدادات الخلق؛ أنا سأعِدُّ دار الضيافة، قال الله للمؤمنين: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ). اللهم اجعلنا من أهل جنّتك.
والكفار، قالوا: (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا(102)): أيّ نُزُل هذا؟! النُّزُل هو ما يُهيّأ للضيف. وأي ضيافة هذه؟! نار!
هؤلاء لا تصلح لهم الضيافة إلا النار؛ لأننا فتحنا لهم باب الرحمة والكرامة، ولكنهم عاندوا وجحدوا وتكبروا، ما لهم إلا النار:
اللهم أجرنا من النار. لا نعيم مثل نعيم الله، وهو يعدّه بقدرته وعظمته، ولا عذاب مثل عذاب الله، وهو الذي يعده بقدرته وعظمته -سبحانه وتعالى-. اللهم اجعل مآلنا عندك الجنة.
قال: (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102))، محل الضيافة:
وأصل النُّزُل الضيافة، ليست فندقة يأخذ مقابل، هذا ليس نزلاً! هذا بيع وإيجار، لا يُعد كالنزُل (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا).
ثم قال: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103))، انتهى علينا الوقت، يكفي. ورزقنا الله الادِّكار والاعتبار والاستنارة بهذه الأنوار.
الاسئلة:
يقول النبي:"لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ"، و "وان من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان لا يُخلَّد في النار".
نقول إنه لا يموت ميت وفي قلبه مثقال ذرة من كبر إلا سَلَبَ الكبرُ ما بقي عنده من الإيمان. فإذا بقي الكبر إلى عند الموت، يسلب الكبر ما بقي من الإيمان، فلا يبقى إيمان مع الكبر. ولكن إذا عنده ولو مثقال ذرة من إيمان، فتدفع عنه الكبرَ، فلا يموت متكبراً.
يقول: الذين فيهم صفة من صفات النفاق، أيخرجون من النار؟ الخروج من النار لكل من مات وفي قلبه إيمان.
أما صفات النفاق منها عملية ومنها اعتقادية:
فإذا مات وهناك إيمان محفوظ ولو مثقال ذرة، مات عليه؛ فيخرج من النار. ولكن بعد عذاب لا يطاق! وهل تطيقه ولو دقيقة واحدة! إذا أردت أن تجرِّب، سنعرض عليك نار الدنيا. انزل فيها نصف دقيقة فقط! أو عشرين ثانية فقط؟ ما رأيك؟ ما رأيك؟ نارٌ من نار الدنيا، عشرين ثانية! ما عشرين ثانية؟! عشر ثواني فقط، سدس دقيقة؟ تقدر سدس دقيقة؟! سدس دقيقة تفتح النار بوقود غاز، سدس دقيقة! سيموت! وستة أشخاص أو حتى عشرة، ماتطاق! فكيف بنار الآخرة؟!
اللهم اجرنا منها، اللهم اجرنا منها، اللهم اجرنا منها برحمتك يا أرحم الراحمين، وجودك يا أجود الأجودين.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن، و يحشرنا في زمرة أهل القرآن مع نبي القرآن، ويخلدنا في الجنان في أعلى الجنان، وينظمنا في سلك الصالحين أهل الطهر عن الأدران، ويبارك لنا في خاتمة رمضان. اختم لنا بخير ما يُختَم به رمضانات للمقبولين المحبوبين، في عافية.
بسر الفاتحة إلى حضرة النبي…
01 ذو القِعدة 1434