شرح كتاب الأدب في الدين للإمام الغزالي -30- آداب المتصدِّق، وآداب السائل
الدرس الثلاثون من شرح العلامة الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب الأدب في الدين لحجة الإسلام الإمام محمد بن محمد الغزالي، ضمن الدروس الصباحية لأيام الست الأولى من شوال 1443هـ، آداب المتصدِّق، وآداب السائل.
فجر الأحد 7 شوال 1443هـ.
آداب المتصدِّق
"ينبغي له أداؤها قبل المسألة، وإخفاء الصدقة عند العطاء، وكتمانها بعد العطاء، والرفق بالسائل، ولا يبدؤه بردّ الجواب، ويردّ عليه بالوسوسة في الوسوسة، ويمنع نفسه البخل، ويعطيه ما سأل أو يردّه ردًّا جميلًا، فإن عارضه العدو إبليس -لعنه الله- أن السائل ليس يستحق، فلا يرجع بما أنعم الله به عليه، بل هو مستحق لها."
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مكرمنا بشريعته ودينه، وبيانها على لسان حبيبه وأمينه، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه الواعين لدلالته وتبيينه، وعلى من والاه في الله واتبعه بإحسانٍ فيما جاء به عن الحقِّ في ظهوره وبطونه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين مستودع خزائن المعارف والعلوم واللطائف الربانية من سِرِّ علم الحق ومكنونه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيُذَكِّرنا المؤلف بالآداب، حلَّانا الله بحُلَاها وجعلنا من خوَاصِّ مَن رقى مرقاها. ويقول: "آداب المتصدق: ينبغي له أداؤها قبل المسألة"، وذلك أنَّ الله -سبحانه وتعالى- بحكمته رتَّب في هذا الوجود أنّ الناس يعيشون:
-
منهم مُوَسَّعٌ عليه في الرزق
-
ومنهم مُقَتَّرٌ عليه
-
ومنهم من يكون كذلك في غالب عمره أو في أكثره
-
ومنهم من يكون في أول عمره في حال، وآخر عمره في حال
ومنهم من يكون في فترة ويعود إلى فترة أخرى، ومدة أخرى يكون فيها في حال آخر، ثم يعود إلى الحال الآخر، وهكذا.. يرزق من يشاء (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) [الرعد:26].
ثم إنه في تكوين هؤلاء البشر حبَّب إليهم هذه الأموال والمُتَع، ثم أعلمهم أنه هو الذي خلقهم وخلق لهم هذه الأشياء، وأنه حبَّبها إلى نفوسهم اختبارًا لهم، فطلب منهم أن يحبوه؛ لأنه ربهم له الحق بالمحبة وأن يطيعوه، وجعل العلامة على الصِّدق في محبته؛ أن يُبذَل ما جُبِلَت النفوس على محبته من أجله، فيكون علامة صدق في الإيمان به وفي محبته -سبحانه وتعالى- ولذا قرن الله تعالى البخل بالزكاة بالشرك، وقال: (فَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) [فصلت:6-7].
وذكر كلام أهل النار فيما أصابهم من وطأة نار الجحيم وشدة أعذابها وأسباب وصولهم إلى ذلك، وقال: (وَلَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) [المدثر:43-46]. وقال سبحانه وتعالى للمصلين: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [الماعون:4-7].
وقال: (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الحاقة:33-34]، تو حطَّها جنبها؛ لا يؤمن بالله ولا يحض على طعام المسكين؛ فمن آمن بالله العظيم وجد في نفسه قوةً لبذل ما تحبه النفس من أجل الله، وهم على ذلك درجات، وقد أثنى الله على رعيلنا الأول من سادتنا الأنصار، فقال: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9].
فبذلك شرَع الله لنا الصدقة، وجعلها بابًا من أبواب قُربه، و "كل امرئٍ في ظِلّ صدقته يوم القيامة"، وهي:
-
برهان على الصدق مع الرحمن -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-
-
وسببًا لدفع النقم والبلايا في الدنيا وفي يوم القيامة.
بذلك نظر الأخيار إلى مَن يقبَل منهم الصدقة أنَّ له المِنَّة؛ فإنه يُقدِّمُ لهم زادهم إلى الآخرة ويُكسِبهم مراتب عند الله -تبارك وتعالى-، وبذلك كان يستقبل بعض الصالحين من جاء من السائلين يقول: أهلاً بمن جاء يحَمِلُ لي زادي إلى الآخرة بلا مقابل، من دون ما يأخذ مني أجرة ولا شيء.. يحمِّل زادي إلى الآخرة.
وبذلك صاروا يتفقّدون أحوال المحتاجين، ومَن عرفوه، ومَن كان في دوائرهم، يجتهدون أن لا يحوجوه إلى السؤال، بل قبل أن يسأل يُبادئونه بما قدَروا عليه. ومن هنا قال: "ينبغي له أداؤها قبل المسألة".
ولمَّا جاء بعض الصالحين إلى أخيه في الله الصالح الآخر لم يجده، فوجد الجارية، فقال: أخرجي صندوق أخي، فأخرجت له صندوقه ففتحه وأخذ منه الدراهم وذهب، فخافت الجارية الآن سيّدها بيقول كيف تخرجي الفلوس! فلما جاء أخبرته أخوك فلان جاء، وأنه طلب مني صندوقك وقلت له أنك غير موجود قال هاتي صندوقه فأخذ منه، قال فعل ذلك؟ أنت قالت: نعم! فقال: إن صدقتي فأنتِ حُرَّة لوجه الله؛ شكرًا لله أنه سقَطَت الكُلفة بيني وبين أخي وصحَّت الأخوة والألفة! إذا قده يأخذ من مالي كأنه ماله، فأعتقها.
وجاء آخر إلى أخيه في الله -تبارك وتعالى- وطلب منه أن يُقرضه مالًا، فأخرج له من صندوقه ما يحتاجه وأعطاه مبلغًا تامًّا، وذهب ورجع يبكي، فقالت زوجته: لِمَ لم تعتذر له؟ قال: أعتذر له! أنا أبكي أني قصّرت في حقِّه حتى أحوجته إلى أن يسألني ولم أتفقده حتى أعطيه قبل أن يسأل ولكن أبقيته إلى أن جاء إلى عندي! فأنا أبكي لأجل هذا.. لا لأني أعطيته!
وهكذا.. كان سيدنا جعفر الصادق وقف له واحد بيسأل وهو على دابته، فقال له: حاجتك مقضية قبل أن يتكلم، قالوا له ما تدري إيش بيطلب منك وتقول له حاجتك مقضية؟! قال كرهتُ أن يَقِف في ذل السؤال مؤمن! ما أحببت ذلك، قلت له حاجتك مطلوبة ليبعد من ذل السؤال، وبشوف حاجته وأعطيه! ما أعجب أهل هذه الأذواق، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
فهنا درجات، وقد أثنى الله -تبارك وتعالى- على رعيلنا الأول، وعلى زبدة منهم خاصة، والعامة بعد ذلك عامة في قوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ)؛ يعني: على حب الله؛ بدافع محبة الله، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) على سبيل محبتهم للرب (مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان:8-9].
وكانت السيدة عائشة تقول إذا أرسلت صدقة مع أحد: اسمع ما يقول، فإذا دعا بدعوات ترجع وتدعو له بمثل الدعوات، وتقول لا أستعجل أجري في الدنيا ولكن دعاء مقابل الدعاء، وخلّ هذا الثواب للآخرة.
قال: فإذا أخرجها شاكرًا لله الذي وفقه رزقه ووفقه وأوجد مَن يستلمه، وإلّا فستأتي بعض المدد على الناس على ظهر الأرض ما يجدون مَن يقبل الصدقة، حتى يخرج بصدقته يدور بها فلا يجد في البلد مَن يقبلها! سبحان الله!.. ثم تأتي أيضًا مدة على مشارف القيامة تُلقي الأرض كنوزها وذهبها فما أحد.. يعدّون عنده ويقولون هذا الذي كنا نتقاتل عليه!… تحت رجولهم يدحقّونه -يدوسونه- ويمشون! لأنها ليس لها قدَر في الحقيقة؛ إنما ابتليت النفوس بتعظيمها وجُعِلت وسيلة لقضاء الحوائج في الفانية؛ فتعلّقت بها النفوس، وإلّا ما هي شيء. "ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة". اللهم اجعلنا من أهل جنتك.
وقد داروا في أيام سيدنا عمر بن عبد العزيز بالذهب من بلد إلى بلد فلم يجدوا من يقبله، حتى ردّوه، فقال: ضعوه في بيت المال، بسبب البركة التي حصلت، وما انتشر في القلوب من الزهد، لأنَّ الناس على دين ملوكهم والملك كان زاهد، ولذلك تَعْلَم أيام سيدنا عيسى تكون من أحسن أيام الدنيا بعد أيام نبينا محمد ﷺ.. وكان أزهد الناس بعد النبيّ محمد ﷺ سيدنا عيسى -عليه السلام- لهذا الشَّعب كله والرعايا زهّاد، تخرج الأرض خيراتها وبركاتها وكنوزها ما عاد يلتفتون إليها! وحتى أنَّ قشرَ الرمانة ليستظلّ به أهل بيت، وإن الرمانةَ لتشبعهم، تشبع النفر منهم.. رمانة واحدة! وتخرج الأرض خيراتها وبركاتها في أيامه عليه السلام فتكون خير الأيام بعد أيام نبينا محمد ﷺ.
وقال: "ينبغي له أداؤها قبل المساءلة، وإخفاء الصدقة عند العطاء" ما وجد لذلك سبيلا، "وكتمانها بعد العطاء" وبعضهم يعطي ثم يقول: عطينا فلان، عطينا فلان، يتكلم عند ذا ويتكلم عند ذا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) [البقرة:264]، (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) [البقرة:263].
احتاج بعضُهم إلى خشبة لأجل سقف المنزل عنده في البيت، فجاء له واحد بخشبة، فجعل يزوره ويقول: هذه الخشبة حسَّنت السقف حقك، وجاء ثاني مرة وثالث مرة، حتى خرَّجها صاحب البيت وردّها له وجاء لنفسه بخشبة ثانية وقال له: خذ خشبتك هذه.. لا إله إلا الله!
وكان كما سمعتم لمّا يطلبون الصدقة الخفيّة؛ يتوصلون إلى ذلك بحيل حتى يجتهدون من لا يعرفهم من تصدّقوا عليه ولا يعرف أنها صدقة! كيف ما يعرف أنها صدقة؟ يكون أحدهم خارج إلى السوق مشتري يريد حاجة للبيت، فيجيء إلى عند بعض أهل الفقر الذين يتعرضون لسداد ضرورياتهم ببيع بساط، ما هم من التجار الكبار، فيجيء إلى عندهم ويعرف أن البضاعة هذه قيمتها عشرة، فيصلّح نفسه كأنه ما يعرف ويقول: اسمع ستبيع هذا لي بخمسة عشر وإلا ما سأشتريها منك ولا أزيدك شيء! والبائع يفرح يظن المشتري ما هو داري بالسعر، فيقول: نعم نعم سأبيعها لك هات خمسة عشر، يقول في نفسه: نحن زدنا عليه، وأصلا المشتري هو الذي زاد، يريد أن الخمسة هذه صدقة لا يعلم من تُصُدِّقَ عليه أنها صدقة، حتى الذي يتصدق عليه ما يدري أنها صدقة! يريدها بينه وبين الله.
كذلك بعض البيّاعين من الأخيار في السوق، يأتيهم بعض الفقراء ليشتري حاجة لأهل بيته، ويعرفه أنه فقير من أهل البلد، وعنده البضاعة بعشرة، يقول له الفقير: أريد الحاجة الفلانية، فيقول البيّاع: اسمع، ما ببيعها لك إلا بخمسة، بتجيب خمسة كاملة الآن وإلا ما ببيعها عليك! يقول: نعم نعم مرحبا، يقول في نفسه: صاحب الدكان ما هو داري الناس يبيعون بعشرة وخمسة عشر، يظن نفسه أنه زاد عليه وفي الحقيقة ذاك الذي زاد، يريد الخمسة هذه صدقة سرّ بينه وبين الله حتى الذي أعطاه إياه ما هو داري بها! سامحه فيها ما هو داري بها؛ يريدها بينه وبين الله، بلغوا هذا المبلغ.
وحدّثنا النبي ﷺ ليحثّنا عما وقع في بني إسرائيل في الأمم السابقة ليكون في أمته من يفعل. قال إن رجلًا اجتهد فجمع مالًا له وأراده صدقة سر، وخرج مستخفيًا في الليل، فأقبل حوله شخص فرمى له بالصرّة فيها الدراهم التي تعب عليها مدة حتى جمعها، فأصبح أهل المدينة يتحدثون: تُصُدِّقَ البارحةَ على سارق، واحد خرج ليسرق وذا -الرجل الذي أراد يتصدق- حصّله وأعطاه، قال في نفسه: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! سمع الخبر وعرف أنه هو، فقال: أظن ما أنا مخلص ولا صادق مع الله وما وقعت إلا في يد سارق! لا حول ولا قوة إلا بالله... اجتهد حتى جمع له مال آخر وضعه في صُرّة وخرج في ظلمة الليل يتستر لا أحد يعرفه ورأى شخصًا مقبلًا فرمى له الصُرّة، فأصبح أهل المدينة يتحدثون، قالوا: أنه تُصُدِّق البارحة على زانية! وصل الخبر إلى عنده قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم لك الحمد.. على سارق وعلى زانية!! الآن أنا غير صادق وغير مخلص ما وقعت إلا في يد هؤلاء؟..
فجمَّع له صدقة ثالثة، حتى خرج في ظلمة الليل متستر، فإذا بشخص مقبل فرماها له ما يدري من هذا في ظلمة الليل فأخذها ذلك الشخص، أصبح أهل المدينة يتحدثون قالوا: البارحة تُصُدِّق على فلان التاجر، واحد غني كبير! قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون! تصدقت على سارق وعلى زانية وعلى غني!
وأوحى الله إلي نبيّه: قل لفلان إن الله قَبِلَ صدقتك وضاعفها لك، ولك فوق ثواب الصدقة أن السارق تاب من سرقته ولك ثوابه، وأن الزانية استعفَّت بعد ما أعطيتها ولك ثوابها، وأن الغني هذا اعتبر، كان بخيل ما يتصدق لكن من بعد ما أعطيته هذا صار يتصدق ولك مثل ثوابه؛ فقَبِل وبسبب صدقه مع الله ضاعف له ثوابها وحصَّل له غير ثواب الصدقة عاده من هذا، لأنَّ الصادق مع الرحمن ما يخيب، الرحمن في كرمه وعظمته ما يمكن أن يخيب من صدق معه أبدًا كائن من كان! يربح يربح يربح لأنه الله، لأنه الله… جلّ جلاله من يصدق معه يربح، كائن من كان، ما ينقص العباد إلا صدقهم مع هذا الإله، وإلا من صدق معه على طول.. خزائنه ملأى، وقدرته لا حدّ لها، وكرمه لا يوصف، اصدق معه وبتشوف ايش يعطي، وكيف يعامل، ما أحد أحسن معاملة من الله قط، ما يمكن أن يكون مخلوق أحسن من الرب، أحسِن معاملته ترى، لا أحد أحسن لك منه، ظاهر وباطن، ودنيا وآخرة، كله ملكه؛ كله حقه هو من سيعطيك، وهو من يقرّب، هو من يدفع البلاء عنك، هو من يرفع الدرجة، الأمر أمره، وخزائنه ملآنة والحكم حكمه والملك مُلكه -جلّ جلاله- الله يرزقنا حسن المعاملة معه.
وبينما كانت مغسِّلة تغسّل ميتة إذا بها تتبسم، قالت: إيش هذا؟ موت وابتسام؟ أسألك بالله تظهري عليّ في النوم وتخبريني لماذا تتبسّمين؟ وفي الليل رأتها، قالت لها: أنت كنا نغسلك في الأمس وقعدت تتبسمين على المغتسل، قالت: وأنا على المغتسل عُرضت علي أعمالي، وكنت من أعمالي أخرِّج كل يوم صدقة -كسرة من طعامي- أتصدق بها، وكل يوم أعطيها أحد، في يوم صادفت عفوة -أنثى الحمار-، أعطيتها إياها، لقَّمتُها إياها، لما عُرضت علي أعمالي بعد الموت وأنا على المغتسل أول ما قابلني من الحسنات حسنة هذه العفوة، حسنة الدابة هذه فضحكت، قلت في نفسي هذه نفعتني أكثر! رحمها الله، فكأنها كانت الدابة جائعة مسكينة وما حصلت رزق؛ فوقعت في مكان فرحمها الله بسبب ذلك، قالت: لهذا رأيتيني أضحك. لا إله إلا الله! (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) [الكهف:30] ومن أخلص له وقصد وجهه يربح ربح كبير.
وسمعتم قصة المرأة التي تأكل الطعام من بني إسرائيل، عندما رفعت آخر لقمة إلى عند فمها وقف سائل، فردّت اللقمة من قريب فمها وأعطته إياه، فأخذها لأنها وقعت منه موقع. وبعد أيام تعدّى ذئب على ابنها، أخذ الطفل وهي تجري وراء الذئب وتصيح: ابني! ابني! فما شعرت إلا بشخص وقَّف الذئب، وخرَّج الولد ومسحه وما كأن به شيء أبدًا! وناولها إياه، قالت: من أنت الذي أدركني الله بك وسلّم ولدي؟ قال ﷺ: فقال لها: أنا مَلَك كنت في السماء الرابعة حين عدَى الذئب على ابن،ك فناداني الله: اخرج إلى الأرض واستخلص ابنها من فم الذئب وردّه إليها سالمًا، سأعافيه بإذني، ورُدَّه إليها وقل لها: يقول لك الله: لقمة بلقمة! أنت ردّيتِ اللقمة من عند فمك وأعطيتِها المسكين ذاك، اليوم نردّ لك اللقمة هذه خذيها من فم الذئب؛ فردّ إليها ولدها سالم وعاش ببركة صدقتها على هذا المسكين.
ومن هنا قالوا:
-
اللُّقَم تدفع النِّقَم.
-
و "صدقة السَّر تطفئ غضب الرَّب".
-
وصدقة السِّر "تقي مصارع السوء"؛ أي: ما تموت بسقطة ولا بحادث ولا بفزعة، مصارع السوء تروح إذا أنت تتصدق صدقة السر، صدقة السر "تقي مصارع السوء"؛ ما تموت بهدم ولا بخسف ولا بزلزال ولا بحادث؛ مصارع السوء ما تحوم حول الذي يتصدق سرًّا لله تعالى.
قال: "والرفق بالسائل"، لقول الله سبحانه وتعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) [الضحى:9-10]،
-
إذا ما معك شيء؛ تردّه بالكلام الطيب.
-
أو علمت أنه غير صادق إن تمكّنت من نُصحه وإلا فردّه بالكلام الطيب ولا تُعنّف.
قال: "ويمنع نفسه البخل"؛ لأن الله يقول: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9]. قال ﷺ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الشُّحِّ: مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ , وَقَرَّى الضَّيْفَ"، إذا نزل به، "وَأَعْطَى فًي النَّائِبَةِ"؛ وقت الشدة والحادثة والمصيبة يعطي، "ثَلاثٌ مَن كنَّ فيهِ وُقِيَ شُحَّ نفسِهِ: مَن أدَّى الزَّكاةَ، وقَرَى الضَّيفَ، وأعطَى في النَّائبةِ" (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9].
"ويعطيه ما سأل أو يردّه ردًّا جميلًا"، ولمّا وقف بعضهم عند النبي ﷺ وسأله، قال: إنه ليس عندي الآن ما أعطيك، ولكن استدن، استدن عليّ اقضِ دينك. فقال له بعض الصحابة: لماذا تكلّف نفسك يا رسول الله... ما أعجبه كلامه، قال له سيدنا بلال: "أنفق ولا تخشَ من ذي العرش إقلالًا"، فسُرَّ وجهه ﷺ. وكان يقول لبلال وهو صاحب النفقة حقه: "أنفق بلالًا ولا تخشَ من ذي العرش إقلالًا". وقال الأعرابي الذي أعطاه غنم بين جبلين ملء وادي، قال: عجبتك؟ هي لك خذها.. فانبهر وذهب إلى عند أصحابه وقبيلته، يقول: يا قوم أسلموا! إنَّ محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، من لا يخشى فقر أبدا!.. فهو أفقر الخلق إلى الله وهو أغنى الخلق بالله ﷺ.
قال: "فإن عارضه العدو إبليس -لعنه الله- أن السائل ليس يستحق، فلا يرجع بما أنعم الله به عليه، بل هو مستحق لها"، و "في كل كبدٍ رطبةٍ أجر"؛ يعني: كل حرَّى ذات كبد لها أجر في إطعامها ولو حيوان، لا إله إلا الله.
وقد أخبرنا ﷺ أن الله غفر لفاسقٍ ولفاسقة من بنى إسرائيل بِسَقْيِ كلبٍ كان يلهث من العطش وليس هناك على البئر دلو، فخرجت هذه الفاسقة -وفي رواية أخرى الفاسق- إلى البئر، وملأت الخف ماءً وحملته بفمها حتى طلعت وسقت الكلب فغفر الله لها.
قالوا لبعض أهل العلم -وكانت له أعمال وعلوم كثيرة- لما رُئيَ بعد موته: ما فعل الله بك؟ قال: "غفر لي بسبب أني كنت أكتب يومًا، فوقف ذباب عطشان على رأس القلم يشرب من الحبر، فثبتُّ يدي وما حرَّكت القلم حتى شرب الذباب ثم طار فأكملت الكتابة، فلما أمسكت القلم لأجل أن يشرب الذباب رحمةً غفر لي بهذا، سبحان الله!..
ومن عليه دَين حال يجب على أن يقضي الدين ولا يجوز له أن يتصدق، والدَّين عليه حتى يقضي دين الحال، فإن كان مؤجَّلًا ويأمل حصول شيء للقضاء فيجوز له أن يتصدق، وإلا إذا لم يظهر له بظنٍّ صحيح أنه يمكن أن يأتي إليه ما يسدده، فليسدد به الدين فإن:
-
سداد دين فرض.
-
والصدقة سنة.
ولا ينبغي أن يجعل زكاته لأولاده.
-
فإن كانوا عاجزين عن الكسب فنفقتهم واجبة عليه ولا يجوز أن يعطيهم زكاة.
-
وإن كانوا غير عاجزين ولم يحصِّلوا فينبغي أن ينزه سلسلته لرحِمه وإعطاؤه لأولاده من الزكاة، وليعطِهم من ماله هديةً أو صدقة مندوبة غير زكاة.
وإن كان يجوز للمرأة أن تعطي الرجلَ من زكاتها إذا كان فقير، ولكن الأولى لها أن لا تجعل زوجها في باب الزكاة، وتعطيه من حرِّ مالها الخالص وتخرج الزكاة على الفقراء. وكذلك الأرحام ينبغي أن يواصلهم من خالص ماله من غير الزكاة.. هذا أفضل، وإن كان الذي محتاج منهم يجوز أن يعطيهم من الزكاة هذا صحيح.
آداب السائل
آداب السائل
"يُبدي الفاقة بصدق الحقيقة، ويُظهر السؤال بلطافة القول، ويأخذ ما أعطى بمقابلة الشكر وإن قلّ، وحُسن الدعاء، فإن رُدَّ عليه رجع بجميل قبول العذر، وترك المعاودة والإلحاح."
قال: "وآداب السائل: يُبدي الفاقة بصدق الحقيقة" فإن من سأل باسم الفقر وعنده قوت اليوم والليلة وقع في الإثم عند أكثر أهل العلم. "ويظهر السؤال بلطافة القول" (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة:273]. "ويأخذ ما أعطيَ بمقابلة الشكر، وإن قلَّ". فإن الناس يختلفون، والشكور يشكره الله بل الذي يأخذ عن فاقة وحاجة أو لمصلحة عامة ما يقلّ ثوابه عن ثواب المتصدق؛ لأنه أدخل عليه الثواب ولأنه لأجل الله أخذ.
جاء إلى النبي ﷺ سيدنا عمر مرة، وقال له: إن فلان لقيتُه يشكرك أنك أعطيته، قال ﷺ: ولكن غيره أعطينا أكثر منه ولا يشكر! يعني: الناس الثانيين أعطيناهم أكثر من هذا، وهذا شكر، فكان ﷺ يمجِّد الوصف هذا الحسن وأنه شكور، ويعاتب على الذي ما يشكر، ومن لم يشكر على القليل لم يأته الكثير.
ولما جاءت بعض النساء معها شطر - يعني نصف - مُد من طعام ليس من الجيّد، وتريده للشيخ أبو بكر بن سالم، فقالت للخادم: أين الشيخ أبو بكر؟ قال: الآن وقت قيلولته نائم، قالت: نبّهه أريده، قال: لماذا؟ قالت: أريد أن أعطيه هذا، قال: تريدني أنبّه الشيخ لأجل حقك هذا؟! نحن نخبز هنا كل يوم 500 قرص 700 قرص إلى ألف في اليوم، ولأجل هذا تريديني أنبّه الشيخ! أنتِ مجنونة؟! وكأنه انكسر خاطرها.. وما شعر إلا بحركة في الدرج، فإذا به الشيخ نازل، قال: مرحبا من جاء؟ قالت: العفو منكم جئت بشيء قليل فقط لكم، قال: أهلًا وسهلًا، جئت بهذا من أجل الله! وقطعتِ هذه المسافة.. بارك الله فيك.. كم من حبات في هذه؟ كل حبة كم ذرات في الميزان يوم القيامة؟ الله الله الله! فرحت واطمئنت، رفعه وقبّله ودخل جاء لها بهدية وأعطاها، فرجعت فرحانة.. ثم التفت إلى الخادم وقال: إيش قلت للمرأة؟ ارتبك.. قال: قالت لي أنبهك، وهذا وقت راحتك…. قال: احذر من هذا، تكسر خاطرها! من أجل الله جاءت وقطعت هذه المسافة وهذا مقدورها مسكينة، أما تدري أننا لو لم نشكر القليل ما جاءنا الكثير؟ أنت غرّك الذي نعطيه الناس كل يوم؟ هذا لما صَدَقنا مع الله وشكرنا القليل جاء لنا بالكثير. الله أكبر!.. لا إله إلا الله.
"وحسن الدعاء"، قال ﷺ: "مَنْ أسدى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تقدروا على أن تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم كافئتموه". كما أن المظلومَ قد يدعو على ظالمه ويدعو ويدعو ويدعو حتى يستوفي حقه ثم يزيد في الدعاء، فيصير هو الظالم! يجيء يوم القيامة ذاك يطالبه، هو ظلمه في حاجة وذا صلّح له ملء الدنيا دعوات!.. على حاجة بسيطة أخذ حقه وزيَّد فرجع هو الظالم.
وسمعتم قصة ابن مسعود -عليه الرضوان- معه دراهم حطها في عذبة العمامة وجاء يشتري حاجة من السوق، تبايع هو وصاحب الدكان، ثم أهوى بيده إلى الدراهم حصل العذبة قد حد فكّها وأخذ الذي فيها، زعل الناس حواليه لأنه بقية من الصحابة سيدنا ابن مسعود: من هذا الذي يسرق صاحب رسول الله ﷺ! فسكَّتهم، رفع يده قال: اللهم إن كان هذا الذي أخذ مني هذا، أخذها عن فاقة وحاجة فبارك له فيها ووسّع رزقه، وإن كان أخذها تكثُّرًا فاجعلها آخر معصية له وتُب عليه. هكذا دعا ابن مسعود، تربية سيدنا محمد ﷺ.
قال: "فإن ردَّ عليه رجع بجميل قبول العذر" رُدَّ عليه؛ قالوا: ما عندنا شيء، "وترك المعاودة والإلحاح." (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة:273]. كما قال جلَّ جلالُه وتعالى في علاه. وهكذا اختبر الله الناس بعضهم ببعض، يقول سبحانه وتعالى: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [النحل:71]، لو شاء أَحْوَجَكَ أنت إلى الغير، واشكره إذا جعل حاجةَ الغير إليك، ولم يجعل حاجتك إلى الغير.
لا إله إلا هو.. يختبرهم،
-
(فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ)؛ يعني: بأموال الدنيا (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ)، قال الله: كرمي ما هو بهذا، هذا أعطيه الصالح والطالح والباغي والولي…
-
(وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) قال الله: إهانتي ما هو بهذا، فالكثير من أحبابي والمقربين عندي فقراء.. من أنبياء وغيرهم.
قال: لا بهذا إهانة ولا بهذا إكرام، بل:
-
الإهانة بالمعصية
-
والإكرام بالطاعة
قال (كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) بهذا الكرامة: الطاعات، والإهانة: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ) [الفجر:15-20] هو ذا الإهانة ما هو ذاك.
وكان السلطان عبد الله بن راشد ملَكَ في وادي حضرموت من العقاد -وراء شبام- إلى شعب النبي هود، فكانت هذه كلها تحت ولايته. وكان يفتخر بثلاثة أشياء:
-
أن في سلطنته من طرفها إلى طرفها لا يوجد سارق.
-
ولا حرام، ما تحصله .. إذا بغيت الحرام ما تحصله، صعب تتحصل على حرام.
-
ولا يوجد محتاج، لمواساة الأغنياء للفقراء، فكان كلهم الرعية متواسين بينهم البين.
ما عاد أحد محتاج ولا سارق ولا الحرام غير موجود. ولكن هذا السلطان كان ورده كل ليلة: مائة ركعة، وكان يحفظ صحيح الإمام البخاري عن ظهر قلب، "كَمَا تَكُونوا يُوَلَّى عَليكم" والناس أخيار وتولّى عليهم أخيار.
وسيدنا الإمام المهدي ينادي في أيام الحج -اجتماع الناس- يقول: من كان له حاجة فليأتنا.. فيجيء واحد، من الأمة كلهم يجيء واحد، فيأمر به إلى عند الخزائن، يقول: اذهب إلى الخازن فقل له يعطيك. فيجيء إلى عنده فيقول: خذ من الذهب هذا ما تقدر على حمله، فيحمِّله الحمول، فإذا مشى خطوات يُلقى الزهد في قلبه، يقول: عُرِضَ هذا على الأمة كلهم ما أحد راح إلا أنا، أنا أجشع أمة محمد عيب عليّ! فيرجعه، يقول: خلاص أنا ما أريد هذا، قالوا: نحن ما نرجع شيء قد أُخِذ منا، يقول: أنا ما أريده! قال: ونحن ما نقبله خلاص قد أخذته خُذْ رُحْ. لا إله إلا الله سبحان الله..
وبعد كله هذا ينتهي، وإذا بعملة الحسنات والسيئات رنّانة في القبور ويوم المحشر والبعث، عملة الحسنات والسيئات ما عاد شيء إلا هي! كلها روّحت… والعملات هذه تتهاوى، كل ساعة عملة بتتهاوى بتسقط، بعضها قبل الأخرى؛ فيبقى إلى حين الدينار والدرهم، وبعد الكل ينتهي بعد ذلك. ولكن عملة الحسنات والسيئات رنانة حنانة على طول، على الكل.. الأول والآخر كلهم، هذه عملة حق دولة ملك الملوك، ما تنقص أبدًا الحساب عليها، الطالع والنازل عليها، حسنات وسيئات.
اللهم وفّقنا للحسنات وجنّبنا المعاصي والذنوب السيئات والمخالفات في الظواهر وفي الخفيات، وخُتم رمضان، ووصلنا إلى آخر يوم من الأيام الست بعد رمضان، الحمد لله رب العالمين الله يمنّ بالقبول، ولا يجعله آخر العهد من هذه الخيور، ويعيدنا إلى أمثالها في نور وسرور وأنس وحبور وصلاح للأمور ودفع للشرور، ونصرة لبدر البدور ولسنته ولشريعته ولطريقته ولمنهجه ولما جاء به عن الله تعالى.
الله يرزقنا الاستقامة ويتحفنا بالكرامة ولا يجعله آخر العهد من هذه الأيام وشهر رمضان، وكانوا يودّعونه ستة أشهر؛ يعني: يسألون الله القبول لما مضى لهم في رمضان.. ثم يستعدّون لاستقبال رمضان الثاني باقي الأشهر فكل سنتِهم رمضان! الله يكرمنا بالإقبال وبالقبول ويقبل بوجهه الكريم علينا، وينيلنا غايات السول، ويفرج كروبنا وكروب المسلمين، ويجعلنا في الهداة المهتدين، ويقبِل بوجهه الكريم علينا في كل شأن وحال وحين، ويعاملنا بفضله وبما هو أهله، ويختم لنا بأكمل حسنى وهو راضٍ عنا، ويجعل أعمارنا مباركة فيها، مصروفة في خير الطاعات وأفضل القربات وإلى حضرة النبي ﷺ.
أسئلة
-
لبس الأبيض يوم الجمعة
لبس الأبيض يوم الجمعة فلأجل حضور الجمعة ولأجل الصلاة، وثمّ بعد ذلك "إنَّ مِن خيرِ ثيابِكم البِيضَ فكفِّنوا فيها موتاكم" واشهدوا فيها الجُمع فهي من خير الثياب في أي وقت الجمعة والسبت والأحد…، ولكن لخصوص حضور الجمعة الأفضل أن يكون اللباس أبيض.
- زكاة حليّ المرأة
حُليّ الْمرأة إن كان زائدًا على عددِ أمثَالِهَا فَيَجب عليهَا إخراج الزكاة فيه، وإن كان كعادةِ أمثالها من النساء ففيه خلافٍ بينَ الفقهاءِ.
-
في مذهب الشافعية لا زكاة عليها.
-
وبعض الأئمة الأربعة يقولون عليها الزكاة.
فتتخير بين أن تخرج الزكاة أو لا تخرجها إذا كان مقدار ما عندها مُعَدًّا من أجل اللباس وهو كغيرها من أمثالها في المجتمع، لم يكن زائدًا على المعتاد عند أمثالها، والله أعلم.
25 شوّال 1443