شرح عقيدة أهل السنة والجماعة -11- منهج أهل السنة في محبة الصحابة وأهل البيت

عقيدة أهل الإسلام-11- منهج أهل السنة في محبة الصحابة وأهل البيت
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب عقيدة أهل السنة والجماعة للإمام شيخ الإسلام عبد الله بن علوي الحداد، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية العشرين بدار المصطفى.

نص الدرس مكتوب:

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

رضى الله عنكم من من كتاب عقيدة أهل الأسلام لإمام شيخ الاسلام سيدنا / عبد الله بن علوي بن محمد الحداد رضي الله تعالى عنه  قال: وأن يعتقد فضل أصحاب رسول الله صلى اللّه عليه وسلم وترتيبهم؛ وأنهم عدول أخيار أمناء. لا يجوز سبهم ولا القدح في أحد منهم. وأن الخليفة الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبوبكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان الشهيد، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وعنا معهم برحمتك اللهم يا أرحم الراحمين.

الحمدُ لله على نورِ الحق المشرق، وصَيِّب الإفضال المُغْدق ، وصلّى الله وسلم وبارك على عبده المصطفى المجتبى الأصدق سيدنا محمد من جاء من الحق بالحق ، وكان حقاَ ونورًا مبينا ، يزيد الله تعالى من آمن به واتبعه وأحبه توفيقاَ وإيماناً ويقيناَ، وقد جعل خزي الدنيا والآخرة لكل من كذَّبه وحاد عن سبيله، وخرج عن دربه، واستبدل به شيطانًا يورث من اتبعه عذاباَ مبيناَ، أدِم اللهم الصلوات والتسليمات على صفوتك من الخلق سيد أهل الصدق من جاء بالحق حبيبك المصطفى سيدنا محمد وعلى آله الأطهار معدن الأسرار وأصحابه الأخيار مقتبسي الأنوار، ومن سار في منهاجهم واتبع الآثار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الغُرر الكبار، وعلى آلهم وصحبهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوقوف بين يديك يا عزيز يا غفار، وعلينا ومعهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين .

ختم الإمام الحداد كتابه أو ذكْره للعقيدة الموروثة عن خير الأنام، بوجوب اعتقاد فضل أصحاب رسول الله الكرام، وذلك ما دُعينا إليه في نص الكتاب بخطاب سيد الأحباب ، وقد أُمرنا أن نقيم الميزان في الحب في الله، والبغض في الله، وفي الولاء وفي المعاداة، وفرض الله تعالى علينا محبة أنبيائه وملائكته والصالحين من عباده خاصة ومحبة المؤمنين عامة، وجعلهم أولياءنا ، حرّم علينا معاداتهم وجعل النجاة في الآخرة مقرونة بسلامة الصدور عنهم، يقول جلّ جلاله على لسان الخليل إبراهيم في دعائه للإله العظيم: ( وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) [الشعراء:88].

ثم إن الحق تبارك وتعالى في فرضهِ علينا موالاة المؤمنين في مثل ما قال لنا : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) [المائدة:55-56]، وقال سبحانه وتعالى : ( وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) [التوبة:16]، وقال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )  [المائدة:57]، وقال : ( لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا )  [النساء:144]، ثم إنه تولَّى في كتابه، الثناء على أقوامٍ من خلْقه وعباده جلَّ جلاله ، فحسْبُ المؤمن أن يأخذ من ذلك زيادة الولاء لهم ، والبر بهم ، والاحسان إليهم، وتعظيمهم من أجل الله؛ الذي قصَّ علينا في وحْيهِ الثناء عليهم، وتولَّى بذكره أيضاَ تولى بنفسه سبحانه وتعالى إيجاب المودة والولاء لطوائف في كتابه العزيز، ومنهم من في كتابه شرع لمن بعدهم أن يقتدي بهم ويتَّبعهم ، فتجد في القرآن:

  •  الثناء على الأنبياء والمرسلين ، 
  • الثناء على الملائكة ، 

ونجد في القرآن أن من يعادي واحدًا منهم فقد عادى الله، لمّا قالت اليهود لنبينا : من يأتيك من الملائكة ؟ قال : جبريل ، قالوا : ذاك عدونا ينزل العذاب على قومنا وآبائنا من قبل ، فأنزل الله : ( قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) [البقرة:97-98]، ولذا قال في حق المرسلين ﷺ : ( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ )  [البقرة:285]، ولو كذَّب مُكذِّب برسول واحد من المرسلين ثم قال : آمنتُ بالباقين لكان متناقضاَ في قوله آمنت، وكان كاذباَ ، وكان كافراَ، تكذيب برسول واحد .

إذاً علمنا المنهج الهدى في قول الله :( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ) [البقرة:285]: 

  • فجاء إلى القمة وهم المرسلون ، فأثنى عليهم الثناء العظيم وربطهم بتسبيحه وتحميده وتنزيهه : ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [الصافات:180-182]، وقال تعالى : ( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ) [الحجر:75]، فلا مجال للتفريق بين المرسلين ولا إلى نيل أحد منهم بسبٍ أو انتقاص ، ومن فعل ذلك فقد كفر .  
  • علِمْنا وكذلك الملائكة ، وقد سمعنا قوله: ( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ) [البقرة:98]، فقد خصهم الله بالذكر بين الملائكة لقول هؤلاء ، علمنا ذلك نصاَ نقرأه في كلام الحق جلَّ جلاله واضح الدلالة بيِّناَ صريحاَ ، علمنا ذلك ، 
  • وعلمنا شأن الذين اصطفاهم و اجتباهم، وممن ظهرت عليه علامات الاصطفاء، فرأينا أنه ربط إكرامهم وإلقاء السلام عليهم والثناء عليهم بحمده سبحانه وتعالى :( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ) [النمل:59]، احمِدْني وأكرِم أصفيائي وأكرِم من اصطفيت ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ) [النمل:59] .

ومن دقيق معاملة الحبيب ﷺ  لربه ، أنه راسل أئمة الكفر ، و دُول الكفر ورؤساء الكفر، فكتب في الرسالة إليهم وهو يراسلهم ، «سلامٌ على من اتبع الهدى» ، لم يُقْصهم عن ذكْر السلام أصلًا في الكتاب ، ولم يسلّم على شخص منهم في كفره ، وقال : منكم ومن غيركم من اتبع الهدى، فمن جنابي سلامٌ عليك، صلوات الله وسلامه عليه «سلامٌ على من اتبع الهدى».

وهكذا رأينا هذه النصوص الكريمة، ورأينا الحق تعالى يُصرِّح بوجوب التبعيِّة بخصوص صنفٍ من السابقين الأوّلين من الصحابة وأهل البيت الطاهر

  • وفي السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار أهل بيت المصطفى وصحابته الغُرر، يقول الله : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ) [التوبة:100] ،
  •  ( وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم ) [التوبة:100] ، اتبعوهم ! هذا تشريع من الله أن نتبعه، أن نقتدي به، الله أكبر، في نص القرآن ، ومن جعله الله محل الاقتداء والاتباع لا يجوز أن ننتقص منه، لا يجوز أن أبغضه، لا يجوز أن أتهاون به ، فكيف أن أسبَّه ؟؟ الله في كتابه يقول (اتّبعه) أجي أنا وأقول أنت !! وفعلت !! إيش هذا ؟ استغفر الله العظيم ، إيش هذا ؟؟ كيف يكون الإيمان ؟ كيف يكون الصدق مع الرحمن ؟

(وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم) السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار من ؟! أوائل أهل البيت والصحب الأكرمين هم هم، هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار: 

  • السابقون من المهاجرين : أبو بكر .. وعمر .. وعثمان .. وعلي .. وفاطمة وأم كلثوم ورقية وزينب هؤلاء السابقون الأولون من المهاجرين؟ نعم ومن معهم مصعب بن عمير .... ونظراءهم وأمثالهم ، 
  • من الأنصار : سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، أصحاب بيعة العقبة ، السابقون الأولون من الأنصار ، 

جمعهم ربي فمن يفرق بينهم ؟؟ ومجََدهم ربي فمن يتجرأ على أحدٍ منهم ؟؟ فما شأن التفريق بينهم إلا التفريق بين الرسل :  ( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ )  [البقرة:285]، قال :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ) [التوبة:100]، اللهم ارزقنا أتباعهم بإحسان، ماذا لهم عندك يا رب ؟ ما نحن من السابقين الأولين من المهاجرين، حد منكم ؟ ولا من الأنصار ، طيب نكون من الذين اتبعهم إن شاء الله، معنا فرصة في الحياة نلحق(وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم ) ماذا لهم عندك يارب ؟ ( رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ ) [التوبة:100]؛ وهذه الآية تؤيد وتؤكد الأحاديث التي وردتْ في أن من حفظه في أصحابه رافقهُ وكان معه في الجنة ، ومن لم يحفظه فيه لم يرد عليه الحوض، جاءت عدد من الروايات والآية دليل واضح على ذلك (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [التوبة:100]، ثم نص أيضاَ في الكتاب العزيز على مودة قرباه عليه الصلاة والسلام : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) [الشورى:23]. 

ثم رأينا الأمة بعد ذلك آلاً وصحباَ ومحبين، متبعين، وهؤلاء هم أمته الذين يرِدون عليه الحوض ، آل وصحب محبين متبعين ، تمام، فمن لم يكن من الآل، ولامن الصحب ولا من المحبين المتبعين، فأين سيكون ؟! ما حد هو في الأمة !! وفيهم من جمع الثلاثة ، وفيهم من جمع الاثنين ، وفيهم من فيه واحدة، وكلهم يجتمعون على الحوض ثم في الجنة  ، 

  1. فجمع الثلاثة مثل بناته ﷺ ، مثل أمهات المؤمنين ، مثل علي بن أبي طالب، هؤلاء جمعوا الثلاثة، آل (آله ) ، الأصحب ( أصحابه ) ، محبوه (محبوه) ، متبعوه نعم كله عندهم . 
  2. منهم من جمع الاثنين ، صحبه ومحبوه ومتبعوه ، 
    1. أولهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار : أبو بكر، وعمر ، وعثمان ، 
    2. وبقية الصحب المهاجرين الذين هاجروا الى الحبشة والذين لحقوا المدينة المنورة ، 
    3. والأنصار الأكابر الأخيار، المُثنى عليهم بكلام الله تعالى؛

 جمعوا الاثنين ، هم أصحابه وهم محبوه وأتباعه فمن بعدهم يأتِ محب ومتبِّع ، 

  1. أما من هو ليس من الآل ولا من الأنصار ولا محب متبع !! إنا لله وإنا إليه راجعون ، مبغض مبتدع !! 

قال ربي سبحانه وتعالى لما ذكر في الثناء على المهاجرين والأنصار ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) [الحشر:8]، ما هذه الشهادة ؟؟ هل أنت منتظر كلام من أحد من الفِرَق !! أو منتظر كلام من أحد من أهل التاريخ يشهدون لهؤلاء بالسبق والأفضلية ويترضون عنهم ويستغفروا لهم!! : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ) [الحشر:10]؛ وبهذا رأينا بعض أئمة أهل البيت الذين انحرفوا : ممن أنتم ؟؟ 

  • أأنتم من الفقراء و الْمُهَاجِرِينَ ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ؟؟ [الحشر:10]؛ أشهد بالله لستم منهم ، 
  • فأنتم من الذين ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) ؟؟ [الحشر:9]؛ لستم منهم !!

فأين يكونوا؟؟ اين نضعهم؟؟ لا هم من المهاجرين ولا من الأنصار ولا من الذين جاءوا بعدهم يقولون:  (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ) [الحشر:10]؛ وهذه شهادات الله في قرآنه وبيانه كافٍ كافٍ كاف، والقرآن عِصْمتنا عند الفتن، عِصْمتنا من الأهواء، عصْمتنا من الآراء، عصْمتنا من النفسيات، عصْمتنا من الوساوس، عصْمتنا من العصبية، عصْمتنا من المذاهب الهاوية؛ القرآن الكريم، وكفى به معتصما، وكفى به شهادة، هكذا يذكر الحق جلّ جلاله؛ هذه صرَفها لهم ماصرَفها لسواهم خصوصا ذاك الرعيل الأول ( أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) [الحجرات:15]؛ ثم يقول سبحانه وتعالى: ( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) [الفتح:18]؛ ثم يغيِّروا كلامهم ويقولوا تَبدَّل !! تغيَّر!! فردَّ الله عليهم : ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) [الفتح:18]؛ الله، واترك علم ربي لفتنتك؟ !! ( قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه )؟؟  [البقرة:140]؛ ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) ، إذا لم يكفيك هذا، إذهب واتبع من شئتَ، هذا كلام ربي ، أنا ما أبيعه بأي مقابل ، وإذا ما أغناك هذا فلا غنيت ، وإذا ما هداك هذا فلا هديت ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) [الفتح:18]، منشور الرضا عنهم في الكتاب العزيز: ( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ )  [الفتح:18]، ثم ماذا بعد ذلك ؟ وبعد رضوانه، أنا لا أعلم بنفسي هل رضي الله عنى أم لم يرضى ؟؟ وأنت كذلك ،؟ ما الذي أوقعك في المصيبة هذه ؟؟ اذهب ابحث لك رضا !! أما هؤلاء و قد نشر راية الرضا عنهم في كتابه ، تأتي -الآن- تتكلم عليهم من أجل أن يغضب الله عليك ويسخط !! إذا أنا ما رضيت عن من رضي عنهم ربي فما أنا بعبد صالح لربي ، ربي رضي عنهم، وأنا أقوم أسخط !! أنا قليل أدب مع الله ، أنا متجرِّي على الله ( رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) [التوبه:100].

هكذا علمنا ذلك ، وعلمنا تلك الرابطة ، وما حمل تاريخ أمة أجمل ولا أفضل ولا أكمل ولا أوثق من حُسن الروابط في التراحم والتألف والمحبة مثلما كان في الرعيل الأول، وما بين خصوصهم من أهل البيت وخصوص السابقين منهم من المهاجرين والأنصار من غير أهل البيت، وشهادة ذلك في القرآن  : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)  [الفتح:28]، إيش تشوفها هذه ؟ في أي واقعة وقعتْ، احذر أن تظن أنها غيَّرت علم الله فيهم أو غيَّرت ثناء الله عليهم!! اتهِم من نقلَ لك واتهِم فهمك ولا تتهم ربك، لا تتهم ربك فيما قال وفيما قرر، اتهم من نقل إليك، واتهم فهمك في الواقع والقضية ولا تتهم ربك، عندنا ناس من الأمة وضعوا أنفسهم محل الرب، ومحل تقديم وتأخير ! واتهموا ربهم وصدَّقوا أهوائهم وأنفسهم ! لا مجال للنيل من أحد من أهل البيت الطاهر، ولا من الصحب الأكابر ولا بضرْب بعضهم ببعض، وهم المجموعون في آيات وأحاديث كريمات، والمجموعون تاريخاَ ووقتاَ وزمناً، والمجموعون وقائع ومجالس ووجهات وأمة في منهج واحد ـ عليهم رضوان الله . 

ومعهم في وسط تلك الدائرة وذاك العقد الصادقون المخلصون على ممر القرون، وسط الدائرة وسط العقد، ما يمكن التفريق بينهم أصلاَ ، فإن كان على العموم الأمة أمة واحدة بنص الكتاب ، فعلى الخصوص هؤلاء أخص الخواص من المرتبطين المتآلفين المتداخلين المتحابين؛ و( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) [الأنبياء:92]، ( وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) [المؤمنون:52]، ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) -فرقًا- ( لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) [الأنعام:159]، يقول الله لا أنا معهم ولا أنت ياحبيبي، ما أنت منهم ولا هم منك، الله ، هؤلاء خرجوا عن المنهج فرّقوا دينهم وكانوا شيعا ، ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [آل عمران:105]، الله يرزقنا الاستقامة وتلبية ندائه وفهم خطابه والانقياد لأمره والاتباع لحبيبه صلى الله عليه وصحبه وسلم .

أشرنا إلى ما جاء في الكتاب العزيز وجاء به ذِكر السابقين الأولين ثم ذكر لنا في هذه الآية شأن أهل بيعة الرضوان ، أما أهل بيعة العقبة فهم من السابقين الأولين من الأنصار رضي الله عنهم ،  ( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) [الفتح:18]؛  فأهل بيعة الرضوان ، وفيما بينهم أهل بدر وأهل أحد : « وما يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ » ، فقل لأي واحد ينال أحد من أهل بدر ، أخشى أن لا يغفر الله لك ! أما هؤلاء فبالنص قد غفر لهم، فاذهب وابحث لك عن مغفرة، من أين أنت ؟؟ وقال سيدنا جبريل للمصطفى : «ما تَعدُّونَ مَنْ شهِدَ بَدْرًا فِيكمْ؟» ، قال : هم خِيارُنا، قال : «كذاك من حضر بدراَ من أهل السماء هم خير أهل السماء» .فتبين أن الخيرية في الرابطة بخير الخلق، فخير أهل الأرض وخير أهل السماء من ارتبط بسيد أهل الأرض وسيد أهل السماء ، الذي حضر معه ذاك الموقف وذاك الوقعة ،هم خير من في الأرض، هم خير من في السماء ، رضي الله عنهم وحشرنا الله في زمرتهم .

علمنا هذا، فبذلك جاء أهل السنة وقالوا : الترتيب في الصحابة وأهل البيت الطاهر: 

  1. أن السابقين الأولين منهم أفضل ممن بعدهم ، 
  2. وأن أهل بدر مقدمين على من سواهم ، 
  3. وأن أهل أحدٍ يلونهم في الفضل ، 
  4. وأن من لم يكن من هؤلاء السابقين ولم يحضر بدر ولا حضر أحداَ، فمن حضر بيعة الرضوان المنشور لهم راية الرضا في القرآن هم الأفضل بعد ذلك ، 

ودلت الأحاديث على ذلك، قال سبحانه وتعالى في هذا الترتيب: ( لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ) [الحديد:10]، فربط الأمر بأسبقية زمنية في صلة  قلبية خاصة ليس بالعمل ، من ناحية العمل فهؤلاء أنفقوا وقاتلوا ، كلهم ( لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ) ؛ كلهم أنفقوا وقاتلوا ، هذا أنفق لهذا وهذا !!  لا يستون ، العمل واحد إنفاق وقتال في سبيل الله ، لكن هؤلاء لهم أسبقية زمنية ورابطة قلبية لخير البرية ، ما نالها الذين من بعدهم ، ( لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ) [الحديد:10]، الحُسنى أي الجنة، هؤلاء وهؤلاء فيا فوزهم، الله يحشرنا معهم ، ( وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ) أي الجنة، زين ، فإذا وعدهم الله الحسنى فليسوا محتاجين لأحد يجي من بعدهم يوثقهم ولا يرفعهم ولا ينزل بهم ولا يمدحهم ، لكن نتقرب إلى الله بحبهم وبمدحهم ، ( وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ) علمنا ذلك .

وقد روى لنا في شأن هذا الترابط الإمام البخاري وغيره ، يقول سيدنا أبو بكر الصديق : « لقرابة رسول الله أأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِن قَرَابَتِي » ، ويقول : « ارْقُبُوا مُحَمَّدًا  في أهْلِ بَيْتِهِ » ، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى ، ثم ورد في كل من أهل البيت ومن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار أحاديث وفضائل كثيرة ؛ فهم هم العدول الخيار الأمناء .

(( وأن يعتقد فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وترتيبهم وأنهم عدول، خيار ، أمناء لا يجوز سبهم ولا القدح في أحدٍ منهم ))، والذين يقولون متطاولين أنه من يحصل ومن يحصل منه!!  نقول لهم جاءنا القرآن في واحد تعرَّض لمشكلة كبيرة ، كتب كتاب لدولة الكفر يخبرهم بسر من أسرار صاحب النبوة في دولته ، يقول لهم : خارج إليكم في جمع من أصحابه، وما هذا الموقف ؟؟ هذا موقف خطير، خطير جداَ !! إذا بهذه الصورة يُعلِّمنا الله كيف منزلة هؤلاء عنده ورسوله كذلك، فبعد هذه الحادثة كل ما يذكرونه بعد ذلك في كلامهم دون هذا، هذا شيء متعلق بمعركة مصيرية !!  كتب وأعطى تلك المسافرة، وكانت محترفة أيضًا في كيفية الكتم وإيصال الأخبار، الكتاب نفسه لَّما حملته في ذاك الوقت والظرف، دسَّته تحت شعرها، ومشت ، والنبي يدعو سيدنا علي ومعه سيدنا المقداد وغيرهم من أصحابه ، يقول : اذهبا حتى تأتيا "روضة خاخ" ، عيَّن لهم المكان ، تجدون بها ضعينة معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى بعض المشركين بمكة، فأتوني بالكتاب ، مشوا إلى الموقع الذي حدده "روضة خاخ"، وجدوا الضعينة المسافرة، أين الكتاب ؟ ما عندي كتاب، أين الكتاب ؟ قالت: ماعندي، من حاطب بن أبي بلتعة ، قالت : ما أحد أعطاني الكتاب، مامعي الكتاب ، فتشوا متاعها، فلم يجدوا شيئا! مافيه، بعد دقة التفتيش، يقول الصحابي الذي مع سيدنا علي : ما وجدنا معها الكتاب ! قال : كيف ما وجدنا الكتاب! رسول الله يقول موجود الكتاب قالت: ماعندي كتاب ،شهر سيفه ،لتخرجنَّ الكتاب أو لنجردنَّك من الثياب، سنعمل تفتيش دقيق وسط ثيابك الآن ، فلما رأت الجد وقوة الوجهة ، فعلت بيدها  وخرجت الكتاب من شعرها، فحملوه ورجعوا ، رجعوا إلى النبي ، وعُرفت القضية ، واستدعاه ، لأن له خطاب من الله وخطاب من الرسول؛ هذا هو الإنسان. في موقف صعب . 

الموقف الصعب الكبار من السابقين نفسهم قالوا : يارسول الله دعنا نضرب عنقه هذا ماهذا؟ يفشي سرك يصلِّح مصيبة هذه ويبلغ الكفار بخبرك؟ دعني أضرب عنقه فقد نافق، سيدنا عمر يقول هذا الكلام ، قال : ياعمر! مايدريك إنه من أهل بدر ،« وما يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ  عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ، فقال : اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ » غطى رأسه سيدنا عمر فقال : الله ورسوله أعلم. الآن نريد إيمان الله ورسوله هذا أعلم، حتى لا تحكم فينا الأهواء ولا تحكم النفسيات والخساسات، الله ورسوله أعلم نريد هذا الإيمان: «الله ورسوله أعلم». 

أنزل الله آيات اقرأ أول الآيات ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ما هذا الشهادة بالإيمان ؟ ماقال ياأيها الذين نافقوا ! ولا ياأيها الذين خانوا ! أنزل ليخاطب حاطب هذا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ) [الممتحنة:1]، هل هذه الشهادة له و إلا عليه ؟ عتاب ووسطها سامحناك ورضيناك و خلاص ( إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ ) ذكره بالحقائق والثوابت والأصول في المسألة ( وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) [الممتحنة:1]، هذا خروج عن الطريق المستقيم ، هؤلاء ( إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ) [الممتحنة:2]، وأنت كتبت لأنك رأيت الناس عندهم أرحام هناك وأقارب بيحمونهم (لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ) [الممتحنة:3]، اكتفِ بي و بنبيّ وليّ ، و خلاص وأنا أكفيك أنا باحميك، مالك ؟ ليش فكرك بهذه الصورة ؟ فهذبه و أدبه وبشره في نفس الوقت، قال : والله يا رسول الله ، لما عاتبه النبي و كلمه ، قال : « والله يا رسول الله ما فعلت ارْتِدَادًا عن الإسلام و لا تكذيبا بعد الإيمان ، ولكن فكرت أن من معك من الصحابة لهم قرابة ، يحمون هناك أموالهم وأقاربهم وليس عندي أحد ، كنت لصيق في قريش لست منهم فأحببت أن يكون هذا الكتاب سبب أن يكفوا عن ما يخصني في مكة المكرمة » ما يكفي هذا العذر  - قال  : صدق صدق ، فهذا القرآن وهذه السُنة في معاملة أهل بدر . فكيف نعاملهم نحن ؟ كيف نعاملهم نحن ؟ علمنا هذا ، فوجب علينا معرفة الحق لذوي الحق، المؤمنين عامة وخاصتهم خاصة ، ولننظر هذا الأدب مع هؤلاء السابقين الأولين .

كلنا يعلم موقف سيدنا علي حتى ممن قاتلوا وقالوا : أكفار هم ؟ قال : بل من الكفر فروا، بأن في واعتقادهم فروا من الكفر ، أمنافقون هم ؟ قال : لا، إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا،  وهم شوفوهم قراءتهم ، كلام طويل عريض وهو ما تحته شيء ، وسيدنا علي يعلم أن هذا بعيد عن القبول عند الله وأن أصحابه معرضين له، وهو يعلم ذلك ولكن المجال مجال معاملة ومجال تعبير عن واجب العبد مع ربه ؛ مجال هدي و منهاج ، هو يعلم حقائق ما لها دخل فيما يتعامل به الإنسان في ظاهر الأمر مع غيره، أمرك ربك بالرحمة، أمرك ربك بالشفقة، أمرك ربك بالحسنى، فكذلك مارضي أن يقول منافقين : فما نسميهم هذا ؟ قال : إخواننا بغوا علينا، إخواننا بغوا علينا ، وقال : أصابتهم الفتنة فعموا وصموا؛ مفتونين، فماذا أعمل؟ لا تترك باب الفتنة على مصراعيه وقاتل بحدود ، و لا مايرتضي أن يسبي ولا مايرتضي أن يغنم منهم غنائم ، ما ارتضى شيء من هذا، و لا عاملهم معاملة الكفار رضي الله عنه ؛ هذا هو الشأن، شأن التربية والواجبة الذي جاءنا عن الله و عن رسوله في التعامل مع الخلق . 

إذاً يجب أن نعرف ذلك وحسبنا بعد ذلك من السنة في هذا الشأن ثلاثة أحاديث من التي جاءت بأسانيد حسنة و صحيحة : 

  1. حديث يقول فيه نبينا ﷺ  : « أحسِنوا إلى أصحابي» ماهم وحدهم ، وصاهم بمن يجيء بعدهم قال : « ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم » ، يعني احترموا  قرني والقرون التي قريبة منهم، « أحسِنوا إلى أصحابي ثمَّ الَّذينَ يلونَهم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهم»-رواه الإمام أحمد والنسائي وابن حبان وأبو يعلى وال مخلص وابن ناصر وصححه- ، في بعض روايات الحديث يقول عليه الصلاة والسلام : «أَكْرِمُوا أصحابي»، هذا « أحسِنوا إلى أصحابي»، «أَكْرِمُوا أصحابي»، «أوصيكُم بأصحابي»؛ بغيت أيش من الروايات خذها ، هذه وصية نبيك عليه الصلاة والسلام.
  2. و الحديث الثاني : «احفَظوني في أصحابي» .. «احفَظوني في أصحابي ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم» ، اعرفوا قدر تلامذتهم و تلامذة تلامذتهم ، « ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم»  ، هذا الذي يؤيد حديث : « خيرُ القرونِ قرْني, ثمَّ الَّذين يلونَهم, ثمَّ الَّذين يلونَهم »،  يقول : «احفَظوني في أصحابي»؛ احفظوني أنا ، راعوا محمد بن عبد الله، كما يقول سيدنا أبو بكر في آل بيته : « ارْقُبُوا مُحَمَّدًا ﷺ في أهْلِ بَيْتِهِ » ، يقول أيضًا : «في أصحابي» ، «احفَظوني في أصحابي ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يفشو الكذبُ »،  قال بعد القرون هذه ، أصحابي وتلامذتهم وتلامذة تلامذتهم ، يظهر الكذب فيكم ، صدق نبينا، « ثم يفشو الكذبُ حتى يشهدَ الرجلُ وما يُستَشهَدُ »  يبادر أنا شاهد على كذا -لا حول ولا قوة إلا بالله- من دون ما هناك حاجة لشهادته ، ما أحد طلب منه الشهادة ، ولكن هناك « ويحلِف وما يُستحلَفُ » هكذا رواه ابن ماجه بإسناد رجاله ثقات والنسائي والطبراني، «احفَظوني في أصحابي» طيب.
  3.  الحديث الثالث : « احفظوني في أصحابي، فمن حفظني في أصحابي رافقني -وورد- على حوضي، ومن لم يحفظني فيهم لم يرد حوضي ولم يرني إلا من بعيد » -رواه ابن عساكر بسند حسن- .

يكفيك وإلا مايكفيك ؟ هذا نبيك الذي ماتبغى فرقة من فريق المسلمين أن تكلمك،  تبغى مذهب يُكلمك ؟ تبغى حزب يُكلمك ؟ تبغى سياسة تكلمك ؟ تبغى خساسة تكلمك ؟ محمد يكلمك  ، ابن عبد الله، الطيب الطاهر الصافي الصادق حبيب الخالق يكلمك ، فأُصمَّ أذنك عن كلام من سواه ! هذا ربنا يكلمنا و هذا رسوله ، فنسأل الله أن يحفظ على قلوبنا محبتهم و مودتهم آلًا وأهل بيتٍ ، و صحابة كرام ، ثم الذين يلونهم و الذين يلونهم خصوصا ، وأخيار الأمة و صلحاءها ممن اصطفى الله ثم جميع أهل لا إله إلا الله عموما ، رزقنا الله حفظ حقهم و موالاتهم من أجله سبحانه وتعالى ، ولا لطَّخ قلوبنا ببغض أحد ولا بالتحامل على أحد قريب من قريب ، ولا من بعيد اجعل قلوبنا سليمة مسلولة سخيمة يا رب .

(( وأنهم عدو لخيار أمناء لا يجوز سبهم ))، ولا يجوز سب عموم المؤمنين فكيف بخاصتهم من الصحابة ولا القدح في أحدٍ منهم: 

  1. (( و أن الخليفة الحق بعد رسول الله ﷺ أبو بكر الصديق ))،  فقام في الخلافة وارتضاه النبي إمامًا بدلًا عنه في الصلاة أعظم أركان الدين للأمة ، فارتضوه لدنياهم من رضيه رسول الله لدينهم ، 
  2. (( ثم عمر الفاروق )) ، خليفة حق بعد أبو بكر الصديق رضي الله تعلى عنهم  
  3. (( ثم عثمان الشهيد ))،  خليفة حق بعد سيدنا عمر الذي جعل ستة من كبار الصحابة وعظماءهم وممن توفي رسول الله ﷺ  وهو عنهم راض، و جعل الشورى بينهم و كلَّف ابن عمر ولده أن يحضر وليس له في الأمر شيء ، وقال : «يكفي أن يسأل عن هذا الأمر من آل عمر واحد» ، هذا ثقافتهم حول الخلافة و حول القيام بالحكم الظاهري رضي الله عنه ، 
  4. ثم بعده  (( علي المرتضى ))،  عليه رضوان الله تعلى خليفة حقٍ بعد سيدنا عثمان عفان رضي الله عنه .

ومن المناسبة أن نذكر أيضا أنه في الخلافة الحق هذا قام الحسن ابن علي بعد علي و تمت به الثلاثون العام «الخلافةُ بعدي ثلاثونَ عاماً ، ثمَّ يكونُ مُلكًا عضوضا ثم جَبْرِيَّةً»، مرت المراحل علينا وشفناها ، النبي تحدث ، ولكن بشرنا بعد الحال الذي نحن فيه هذا قال :  « ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ »،  ترجع مرة أخرى بفضل الله تعالى ، وفي ضمن هذا ، أيام المُلك العضوض  وأيام الجبرية : « لا تزالُ طائفةٌ مِنْ أُمِّتي ظاهرينَ على الحقِّ  لكلِّ قرنٍ من أُمَّتِي سابِقُونَ»، الله .

وأخيار وصلحاء وأهل مراتب عُلا ومحبوبين موجودين ، والمُلك العضوض يمشي في محله ، والجبرية تمشي أيضا في مكانها ، وهؤلاء تبع دولة محمد وراياته ترفرف عليهم لا يضرهم من ناوأهم ولا من خذلهم، سواء قام هذا وإلا ذاك؟ طلع ذا وإلا ذاك طلع فاسق ولا خير ، حكم صالح ولا طالح، مسلكهم مسلك ورابطتهم رابطة وممشاهم ممشى ووجهتهم وجهة مربوطة متصلة يلقون الله على خير حال، مجموعين مع رؤوسهم هناك، وأنت أيش تبغى بعد ؟ كلما جاءك وقت بفتنة من يمين ولا يسار؛ ذهبتْ بك وراحت بك هنا وهناك !؟ اسلك وامضي ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) [الحشر:10]. 

يَا رَبِّ وَاجْمَعْنا وَأَحْباباً لَنا *** فِي دَارِكَ الفِرْدَوْسِ أطيَبِ مَوضِعِ.

ثم نعلم بعد ذلك: أنه في ضمن المُلك العضوض والخلافة الجبرية يأتي إما على مستوى صغير ضمن الولاية في شي من الإمارات ، أو أمير كبير ، يقوم بخير أو يقوم بهُدى بينه وبين الله كمثل سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، وغيره ممن ذكر بخير، وبعد ذلك هم على درجات وهم على مراتب ، نفس أهل الملك العضوض ، ونفس أهل الجبرية؛ ليسوا بسواء، ولأجل حفظ حرمة دماء الأمة وأموالهم ومصلحتهم العامة جاءتنا الأوامر النبوية ، « اسمَعوا وأطيعوا وإنِ -تأمر-  استُعمِلَ عليْكم عبدٌ حبشيٌّ كأنَّ رأسَهُ زبيبةٌ » ، اسمعوا وأطيعوا .

وهكذا نهانا عن الاختلاف وعن التشدد وما إلى ذلك ، وروى ابن سعد رضي الله عنه عن سيدنا عبد الله بن عمر أنه قيل له في وقت ، الناس مجموعين عليك أقم أنت الأمر ؟  قم بأمر الله فيهم ؟ فإن الناس يجتمعون ويقوم الحق على يدك ؟ قال لهم سيدنا عبد الله بن عمر : فإن خالف رجل في المشرق؟ قالوا : رجل ُيقتل مقابل صلاح الأمة ؟! ما يكون رجل في الأمة ! قال: ما أحب أن تمسك الأمة برمح وأنا أمسك بطرفه ثم يكون لي الأمر في الأمة كلها ويسفك دم رجل واحد ، ما أحب ، أحسنُ لي عند ربي أن ألقاه وما سفك على يدي دم رجل، ولا أن أملك الأمة كلها، ما أريد ؛ هذا ثقافة نبوية، هذه ثقافة المدرسة المحمدية، وهكذا حتى قال  : « إنكم ستَحرصون على الإمارةِ »، ما تتصلون بتربيتنا ولا بالأنوار التي ألقينا ، وتغلبكم نفوسكم ، « إنكم ستَحرصون على الإمارةِ ، و إنها ستكونُ ندامةً يوم القيامة » ، وإنها ستكونُ ندامةً يوم القيامة.

(( رضي الله عنهم وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين)) -وخصوصًا الَّذينَ يلونَهُم ، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم-، ((وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين )) :

طريقة رشد قد تلقى الذي لها *** من السر امجاد خلايف امجاد

وأربابها يسعون فيها بوجهة ***  فهم بين عباد بعلم وزهــــاد

اب يتلقى عن ابيه وهكذا *** فيا لك من آبا كرام وأجدادي

مسلسلة عنهم أسانيد أخذهـم *** إلى خير محمود وأشرف حماد

 

فيا رب ثبتنا على الحق والهدى *** ويا رب اقبضنا على غير ملـةِ

وعم أصولاً والفروع برحمة *** وأهلاً وأصحاباً وكل قرابـةِ

وسائرأهل الدين من كل مســلم *** أقام لك التوحيد من غير ريبةِ

وصل وسلم دائم الدهر سرمــداً *** على خير مبعوث إلى خير أمةِ

محمد المبعوث منك بفضلك ال *** عظيم وإنزال الكتاب وحكمــةِ

                                                      

برحمتك يا أرحم الراحمين 

 

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى  آله وأصحابه 

الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

14 شوّال 1436

تاريخ النشر الميلادي

30 يوليو 2015

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام