درس السيرة النبوية - رُسُل رسول الله ﷺ: الصحابي السائب بن العوام - 2 -

للاستماع إلى الدرس

من دروس السيرة النبوية التي يلقيها العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية والثلاثين بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، رُسُل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: السائب بن العوام الأسدي

عصر يوم الخميس: 8 محرم 1447هـ

عن الصحابي السائب بن العوام الأسدي:

  • - أخو الزبير بن العوام، أحد العشرة المبشرين بالجنة
  • - ابن الصحابية الجليلة صفية بنت عبد المطلب، عمة رسول الله ﷺ
  • - أسلم صغيراً وشهد أُحداً والخندق وما بعدها من المشاهد.

حمل رسالتين من النبي ﷺ:

  • - إلى مسيلمة الكذاب لدعوته للإسلام وردّ كذبه وافترائه، لكنه رفض الهداية.
  • - إلى فروة بن عمرو الجذامي، عامل قيصر في معان بالشام؛ أسلم وأهدى النبي ﷺ هدية قَبِلها وأجازه عليها.

شارك السائب في غزوات كثيرة، واستُشهِد في معركة اليمامة، حيث حثَّ المسلمين على الثبات قائلاً: "يا أيها الناس قد بلغتم الرحال فليس لأحد مفر بعد رحاله".

 

نص الدرس مكتوب:

كنا نقرأ أخبار رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بسيرته، ومن أرسلهم في حياته حاملين عنه هذه الأمانة والدعوة لأحد من أهل شرق الأرض وغربها، فكان له رسل كثيرون، وتقدم معنا ذكر اثني عشر من الرسل الذين أرسلهم صلى الله عليه وسلم برسائله إلى طوائف وإلى قبائل وإلى رؤساء وإلى ملوك.

كان من جملة الرسل الذين أرسلهم صلى الله عليه وسلم في هذه المهمة، وهذا يُعلّمنا أننا يجب أن نتعاون ونتكامل في حمل هذه الرسالة وأداء حق هذا الدين، وأن يحمل بعضنا أمانة البلاغ لبعض، ونتعاون على إيصال هذا الخير إلى من في ديارنا وأسرنا وقُرانا ومدننا وبلداننا بما نستطيع، فإننا إذا صدقنا في ذلك مع الله تبارك وتعالى، بارك الله في ذلك ونشر هدايته، ويكتب لنا الثواب، وهو الهادي وهو الموفّق لنا، وهو الهادي ولا أحد غيره يهدي، ولكن يكتب: "فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".

ليس أنت الذي تهدي.. الله يهديه، فقط ينسبه لك! أنت تتسبب فقط بأسلوب، بكلام طيب، بكتاب، بهديّة، بزيارة، تُقرِّبه إلى الله تبارك وتعالى، تنقله من حالة معصية إلى حالة طاعة، من غفلة إلى ذكر، من إدبار إلى إقبال.. هكذا يجب أن نتعاون ويجب أن نكون.

السائب بن العوام رضي الله عنه

هؤلاء الرسل يرسلهم صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة بينهم البين وبين حواليه قويّ التعاون وتذكير بعضهم لبعض، ونصيحة بعضهم لبعض. ونبيهم يقول: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"، ثم يختار رُسُل إلى القبيلة الفلانية، إلى البلاد الفلانية، إلى الرئيس الفلاني، فيرسلهم ﷺ ليبلغهم.

فمنهم سيدنا السائب بن العوام، أخو سيدنا الزبير بن العوام، أولاد سيدتنا صفية بنت عبد المطلب، عمة النبي صلى الله عليه وسلم. أخوه الزبير من أحد العشرة المبشرين بالجنة.

السائب بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ بن حكيم بن مُرَّة بن كعب بن لؤي، إلى آخر النسب المشهور. فيجتمع في قُصَيّ بن كلاب، اسمه حكيم ويُدعى ويُلقّب كلاب لكونه كان يصطاد ومعه كلاب مُعلمة يصطاد بها.

نسب السائب وأمه صفية

السائب بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ بن كلاب بن مُرَّة بن كعب، هذا، كانت أمه صفية أولاً في الجاهلية تحت الحارث بن حرب ثم أخيه أبي سفيان، ثم ولدت له صفي، ثم فارقها وتوفي عنها، فخلف عليها العوام بن خويلد، فأولد منها الزبير والسائب، الزبير بن العوام والسائب بن العوام صحابيين مشهورين.

وعاشت زمانًا طويلاً، وبلغت إلى ثلاث وسبعين سنة، فتوفيت في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب، ودُفنت بالبقيع، معروف قبرها. صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول البقيع، عندما تأتي من جهة الحرم، إذا دخلت من الباب فعلى اليسار قبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاتكة وأروى، ثلاث عماته بنات عبد المطلب.

وأمام وجهك بعد خطوات إلى اليمين مقام سيدنا العباس بن عبد المطلب، وسيدتنا فاطمة الزهراء، والحَسَن بن علي، وعلي زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق. وقبلهم في أول ما تكون على اليمين زينب ورقية وأم كلثوم بنات المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويكون على يسارك مكان أمهات المؤمنين، تسع من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبورات في ذاك المكان.

حين بُعث النبي صلى الله عليه وسلم كان السائب صغيرًا يرضع، وأسلم الزبير بن العوام، والسائب هذا ليس له عقب.

رسالات السائب بن العوام

حمل رسالتين للنبي صلى الله عليه وسلم: رسالة إلى مسيلمة الكذاب، ورسالة إلى فروة الجذامي.

الرسالة إلى مسيلمة الكذاب

وإلى مسيلمة الكذاب قد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم قبله عمرو بن أمية الضمري إلى مسيلمة الكذاب، يدعوه إلى الإيمان بالله تبارك وتعالى ورسوله، والخروج عن كذبه وافترائه. وقام فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب يجترئ ويفتري فيه، ويقول أنه نبي مثله، وأنه يقاسمه الأرض، وأن بني هاشم يعتدون.. وشيء من هذا الكلام.. لا إله إلا الله.

وعمرو الضمري إلى مسيلمة ** فلم يَؤب عن كذبه ولزمه

أرسل له كتابه مع سائب ** ثانية فلم يكن بالتائبِ

يقول ابن سعد في الطبقات: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب يدعوه إلى الإسلام، وبعث به عمرو بن أمية الضمري، فكتب إليه مسيلمة جواب كتابه يقول: أما بعد فإنك نبي وأنا نبي، وإن الأرض بيننا وبين بني هاشم، نصف لنا ونصف لكم.. لا حول ولا قوة إلا بالله! النبي جاء بأرض أو أراد أرض؟ جاء برسالة من الله، "لكن بني هاشم قوم يعتدون"، لا حول ولا قوة إلا بالله! "وإن قريش قوم لا يعدلون"، قال: "إن نصف الأرض لقريش ونصفها لنا".

فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال - العنوه لعنه الله - كتب إليه: "بلغني كتابك الكذب والافتراء على الله، وإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، والسلام على من اتبع الهدى".

وقد كان سابقًا لقي النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: لو تجعل لي الأمر من بعدك، ووجد عودًا عند رجله وحمله.. قال: لو سألتني مثل هذا ما أعطيتك، أنت تؤمن بالله تعالى وتنقذ نفسك من النار إلى الجنة، وذهب، فكتب إليه أولاً مع عمرو بن أمية الضمري، ثم كتب إليه مع السائب بن العوام، لا إله إلا الله، وأصرَّ على كذبه حتى أهلكه الله تبارك وتعالى.

الرسالة إلى فروة بن عمرو الجذامي

وأرسل صلى الله عليه وسلم سيدنا السائب بن العوام أيضًا إلى فروة بن عمرو الجذامي، كان عاملاً لقيصر بأرض معان من الشام في الأردن. فحمل الكتاب وجاء إلى فروة بن عمرو الجذامي هذا في أرض معان، فأسلم فروة وكتب إلى النبي، وبعث إليه هدية مع مسعود بن سعد: بغلة شهباء يقال لها فِضة، وفرسًا يقال لها الظرب، وقٌباءً من سندس مُخوَّص بالذهب. فقبل هديته وأجاز مسعودًا اثني عشر أوقية.

جهاد السائب ومواقفه

السائب هذا بن العوام شهد أُحدًا مع النبي ﷺ وما بعدها من المشاهد والخندق، ويذكر ابن حجر أنه شهد بدرًا، وكان له في الخندق بلاء حسن، كانت أمه صفية قد قتلت يهوديًّا في الخندق، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبًا من الغنيمة، بني قريظة الذين تساعدوا مع المشركين.

وكان له مواقف مشهودة في قتال مسيلمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، جال المسلمون حتى بلغوا الرحال، فقال السائب بن العوام: يا أيها الناس، قد بلغتم الرحال، فليس لأحد مفرّاً بعد رحله، فارجعوا، فرجعوا، فهزم الله المشركين وقُتل مسيلمة في اليمامة.

استشهاد السائب بن العوام

استشهد هذا السائب بن العوام في اليمامة في المعركة، قال الواقدي: تقدم السائب بن العوام أخو الزبير وهو يرتجز  ويقول:

يا قوم جدوا في قتال القوم * واهتجروا النوم فما من نوم

قد ذهب اللوم فما من لوم ** إن لم تُغاثوا بالدعاء والصوم

قال: ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قُتل شهيدًا، رحمه الله تبارك وتعالى.

وهكذا كان الأصفياء، وهكذا كان الأتقياء، وهكذا كان الذين وعوا وحي الله وخطابه. وهو نفسه الخطاب المُوجَّه إلي وإليكم، هو نفسه، هو نفسه! الخطاب الذي توجَّه إلي هو الذي توجَّه إليهم ووعوه، وقاموا بنصرة الله ورسوله، فماذا نصنع؟ الله يرزقنا الصدق والإخلاص، ووعي الخطاب، والتحلّي بأشرف الآداب، والوفاء بالعهد، ونصرة الحق ورسوله على خير الوجوه، اللهم آمين.

 

تاريخ النشر الهجري

28 مُحرَّم 1447

تاريخ النشر الميلادي

23 يوليو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام