درس السيرة النبوية - رُسُل رسول الله ﷺ: مرثد بن ظبيان - حريث بن زيد

للاستماع إلى الدرس

من دروس السيرة النبوية التي يلقيها العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية والثلاثين بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، رُسُل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مَرثَد بن ظَبيان - حُرَيث بن زيد الخير

عصر يوم الخميس: 15 محرم 1447هـ

الصحابي مرثد بن ظبيان السدوسي

  • - من بني بكر بن وائل، هاجر إلى النبي ﷺ مع خمسة من قومه، وقت فتح مكة.
  • - لازم النبي ﷺ، وشارك في غزوة حنين.

 أُرسل برسالة من النبي ﷺ إلى قومه (بكر بن وائل):

"أسلموا تسلموا"، فكان سببًا في إسلامهم.

  • - كافأه النبي ﷺ بكسوة (بُردين).
  • - أقام بعد وفاة النبي ﷺ في البصرة.

الصحابي حريث بن زيد الخير

  • - ابن الصحابي الجليل زيد الخير (الذي كان يُلقّب بـ "زيد الخيل").
  • وفد مع أبيه إلى النبي ﷺ سنة 9 هـ، مع وفد طي (15 رجلًا).
  • - شهد منزلة والده عند النبي ﷺ، الذي غيّر اسمه إلى "زيد الخير" وقال عنه: "ما وصف لي أحد إلا وجدته دونه، إلا زيدًا؛ وجدته فوق ما قيل فيه".

 

نص الدرس مكتوب:

ثم إننا كنا نذكر من الذين أحيا الله قلوبهم بواسطة نبيه محمد ﷺ، فيهم الذين نزلت فيهم الآية: سيدنا عمر بن الخطاب، سيدنا حمزة بن عبد المطلب، نزل قوله تعالى: (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ) كان ميتًا، يعني ميت القلب والفكر والعقل بالكُفر والشرك، (فَأَحْيَيْنَاهُ) بالتصديق بمحمد، بمتابعة محمد، بالإيمان واليقين، (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

هؤلاء الأحياء الذين حَيوا بإحياء رسوله صلى الله عليه وسلم لهم، أحياهم الله بإحياء رسوله عليه الصلاة والسلام لعقولهم ولقلوبهم. كان رُسُل يرسلهم صلى الله عليه وسلم إلى الخلق في شرق الأرض وغربها، وهكذا، هذا هدى الله ونوره ودينه، وكل من أُكرم به يجب عليه أن يحمل أمانة الإيصال والتبليغ والنشر لهذا الخير.

"فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، "أَلَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ" ، "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً". 

(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ).

مرثد بن ظبيان رضي الله عنه

فمن رُسُل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم في بعض المهمات وبعض كتبه: مرثد بن ظبيان، مرثد بن ظبيان بن سلمة بن لوذان بن عوف بن سدوس الشيباني، البكري السدوسي، هذا مرثد بن ظبيان هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع نفر من قومه، فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وخمسة من بكر بن وائل، هذا أحدهم. شهاب بن زهير لما هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه خمسة من بكر بن وائل، أحدهم هذا مرثد بن ظبيان. 

فشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حُنينًا، وكَتب معه كتاب إلى بكر بن وائل، ولازم صلى الله عليه وسلم بعدما هاجر إليه، وشهد معه يوم حُنين، وكان قدومهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة وقت فتحه صلى الله عليه وسلم لمكة.

قصة مرثد مع الأشج

جاء في أخبار هذا مرثد، قال: كنتُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أشج من عبد القيس يمشي حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبَّلها، فقال له رسول الله: "فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: التوئدة وَالْأَنَة" .

قال مرثد: ووفدت على رسول الله ﷺ فبادرته فقبَّلتُ يده.

كتاب النبي إلى بكر بن وائل

لا إله إلا الله، وحمله النبي ﷺ كتابًا كتبه إلى بكر بن وائل يقول: "أما بعد، من رسول الله إلى بكر بن وائل: أسلِموا تسلموا".

يقول قتادة: حدَّث أحد بني سدوس أنه جاء كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بكر بن وائل، قال: فما وجدنا أحدًا يقرؤه علينا حتى قرأه علينا رجل من بني ضُبيعة بن ربيعة. لأن القُرَّاء فيهم قليل، كانوا أكثر الناس أُمِّيَّة، وإنهم الآن ليُسمَّون بني الكاتب. والذي أتاهم بكتاب الرسول ﷺ هو ظبيان بن مرثد السدوسي، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.

لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم كساه بُردين. وهكذا ذكر ابن حجر وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساه بُردين حين قدم عليه.

إسلام بكر بن وائل

لا إله إلا الله، ثم إنه لما حصل القتال بين المسلمين وجماعته بكر بن وائل، أسروا منهم أسرى ومنهم سبي، مرثد بن ظبيان هذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوهب له سبي بكر بن وائل، قال أعطوه إياه.. ردُّوه لهم، وردُّوهم إلى أهلهم، فأسلمت بكر بن وائل على يديه، وكتب النبي ﷺ معه كتابًا إليهم.

ثم سكن البصرة بعد وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

حُريث بن زيد الخير رضي الله عنه

وكان ممن استعملهم ﷺ وأرسلهم: حُريث بن زيد الخير. حُريث ولد زيد الخير الذي سمَّاه النبي "زيد الخير"، كان يُسمى زيد الخيل، وحُريث هذا ابن عم حاتم الطائي.

إسلام زيد الخير ووفد طيء

أسلم هو َأبوه سيدنا زيد الخير وأخوه مُكنِف، وزيد الخير له ابنان: مُكنِف هذا وحُريث، أسلما وصحبا النبي ﷺ وشهدا قتال أهل الردة مع سيدنا خالد بن الوليد. كان حُريث هذا فارسًا شجاعًا، وكان شاعرًا،  ويقول:

أنا حُريث وابن زيد الخير * ولست بالنكس ولا الزَّمّيل

قدم مع والده على الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم مع وفد طيء، وفدت قبيلة طيء في السنة التاسعة للهجرة، وكانوا خمسة عشر رجلاً، فيهم زيد الخير هذا بن مُهلهل بن زيد بن منهب بن عبد طيء، والذي سبقهم إلى النبي ﷺ وتقدم هو ووصلوا بعده إليه بعد ثلاثة أيام، هو سبقهم.

كان زيد الخير هذا خطيبًا وشاعرًا كريمًا، عقلوا رواحلهم بفناء المسجد، ودخلوا والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فجلسوا قريبًا منه حيث يسمعون صوته. فلما نظر عليه الصلاة والسلام إليهم قال: "إني خير لكم من العُزَّى، ومما حازت مناع". يعني جبل طيء، "من كل فِجٍّ غير يَفاع، ومن الجمل الأسود الذي تعبدونه من دون الله عز وجل". كان ﷺ يعني صنمهم الفَلَس يسمونه.

قصة إسلام زيد الخير

فقام زيد الخير، وكان من أعظمهم خُلقًا وأحسنهم وجهًا وشعرًا، وكان يركب الفرس العظيم الطويل، تخبط رجلاه في الأرض من طوله. قال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله".

قال النبي صلى الله عليه وسلم - وكان لا يعرفه قبل -: "الحمد لله الذي أتى بك من حَزنك وسَهْلك، ورقَّق قلبك بالإيمان". وقبض على يديه، قال: "من أنت؟"

قال: "زيد الخيل بن مُهلهل".

قال: "إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبد الله ورسوله".

قال: "بل أنت زيد الخير، ما أُخبِرتُ عن رجل قط شيئًا إلا رأيته دون ما أُخبِرت عنه غيرك"، في لفظ يقول صلى الله عليه وسلم: "ما وُصِف لي رجل قط فرأيته إلا كان دون ما وُصِف به إلا زيد الخير"، قال: "فإنه فوق ما قيل فيه".

هنيئاً له، وبايع النبي ﷺ وأسلم وحسُن إسلامه، وأسلم من كان معه من كبار طيء وحسُن إسلامهم، وكتب النبي ﷺ لكل واحد منهم كتابًا على قومه.

قصة وزر بن سدوس النبهاني

إلا وزر بن سدوس النبهاني جاءته نفسه وشط، وقال: "إني أرى رجل يملك رقاب العرب، والله لا يملك رقبتي عربي أبدًا"، فلحق بالشام والعياذ بالله وتنصَّر هناك، نعوذ بالله من غضب الله.

دعوات زيد الخير

فأما والده هذا زيد الخير، في وفادته على النبي ﷺ، دخل إليه طرح له مُتّكأً، فأعظم أن يتّكئ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ردَّ المتكأ، فأعاده عليه ثلاثًا، وعلَّمه دعوات كان يدعو بها فيُعرف الإجابة، ويستسقي فيُسقى.

حديث زيد الخير عن علامات من يريد الله

روى ابن عساكر والطبراني في الكبير عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل راكب فأناخ، فقال: "يا رسول الله، إني أتيتك من مسيرة تسع، أنضيت راحلتي، وأسهرتُ ليلي، وأظمأتُ نهاري، لأسألك عن خصلتين أسهرتاني".

قال رسول الله ﷺ: "ما اسمك؟"

قال: "أنا زيد الخيل".

قال: "بل أنت زيد الخير، فسل".

فَرُبّ معضلة قد سُئِل عنها، فقال: "أسألك عن علامة الله فيمن يُريد، وعن علامة الله فيمن لا يريد".

فقال رسول الله ﷺ: "كيف أصبحت؟"

قال: "أصبحت أحب الخير وأهله، ومن يعمل به، وإن عملت به أيقنتُ بثوابه، وإن فاتني منه شيء حننت إليه".

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذه علامة الله فيمن يُريد، ولو أرادك للأخرى هيَّأك لها، ثم لا يبالي من أي واد هلكت". لا إله إلا الله، وفي لفظ: "في أي واد سلكت".

تقسيم الذهبية

 إن سيدنا علي لما كان في اليمن، بعث بذهيبة في تُربتها، قال: فقسم رسول الله ﷺ بين أربعة: زيد الخير، وعلقمة بن عُلاثة، والأقرع بن حابس، وعتبة بن بدر. فكان يتفقَّده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

زيد الخير عند عمر بن الخطاب

يقول: ودخل زيد على رسول الله ﷺ وعنده عمر رضي الله عنه، فقال عمر لزيد: "أخبرنا يا أبا مُكنِف عن طيء وملوكها ونجدتها وأصحاب مرابعها".

فقال زيد: "في كُلٍّ يا عمر نجدة وبأس وسيادة، ولكل رجل من حيٍّ مرباع، أما بنو حيّ فملوكنا وملوك غيرنا، وهم القواديس القادة، والحُماة الذَّادة، والأنجاد السادة، أعظمنا خميسًا، وأكرمنا رئيسًا، وأجملنا مجالس، وأنجدنا فوارس".

فقال له عمر رضي الله عنه: "ما تركت لمن بقي من طيء شيئًا".

فقال: "بلى والله".. كل المدح لهؤلاء جماعتك من بني حيّة، وبقي آل طيء ما بقي شيء لهم؟

وصف قبائل طيء

قال: "بلى والله، أما بنو ثَعل وبنو نبهان وجُرْم، ففوارس العَدوة، وطُلَّاع كل نجوة، ولا لهم تُحَلُّ حبوة، ولا تُراع لهم ندوة، ولا تُدرَك لهم نبوة، عمود البلاد، وحية كل وادٍ، وأهل الأسل الحِداد، والخيل الجياد، والطارف التِّلاد.

وأما بنو جديلة، فأسهلنا قرارًا، وأعظمنا أخطارًا، وأطلبنا للأوتار، وأحمانا للذِّمار، وأطعمنا للجار".

فقال له عمر: "سمِّ لنا هؤلاء الملوك".

قال: "نعم، منهم: عُفير المُجير على الملوك، وعمرو المفاخر، ويزيد شارب الدماء، والغَمْر ذو الجود، ومُجير الجراد، وسِراج كل ظلام ولامة، وملحم بن حَنْظَلة، هؤلاء كلهم من بني حيّ.

وأما حاتم بن عبد الله الثعلبي الجواد فلا يُجارى، والسَّمْح فلا يُبارى - حاتم طي مشهور - والسَّمْح فلا يُبارى، والليث الضِّرْغامة، قرَّاع كل هامة، جوده في الناس علامة، لا يُقِرُّ على ظُلامة".

مدح حاتم الطائي

فاعتلظ رجل من بني ثعل لما مدح زيد حاتم، قال: ومنا زيد بن مُهلهل النبهاني، رئيس قومه، وسيد الشيب والشيبان، والسم الفرسان، وآفة الأقران، والمُهَيَّب بكل مكان، أسرع إلى الإيمان، وآمن بالفرقان، رئيس قومه في الجاهلية، وقائدهم إلى أعدائهم على شحت المزار وطموس الآثار، وفي الإسلام رائدنا إلى رسول الله ﷺ، ومجيبه من غير تلعثم ولا تلبُّث.

ومنا زيد بن سُدوس النبهاني، عِصمة الجيران، والغيث بكل أوان، ومُوقِد النيران، ومُطعم النُّدمان، وفخر كل يمان.

ومِن الأسد الرَّهيص، سيد بني جديلة، ومُدوِّخ كل قبيلة، قاتل عنترة فارس بني عبس، ومُكَشِّف كل لَبْس".

قال عمر لزيد الخير: "لله دَرُّك يا أبا مُكنِف، فلو لم يكن لطيء غيرك وغير عدي بن حاتم لقهرت بكما العرب". 

لا إله إلا الله، وهكذا تأتينا أخبارهم، والله يُشرق لنا أنوارهم، ويرزقنا اقتفاء آثارهم، ويجمعنا بهم في دار الكرامة وهو راضٍ عنا. آمين اللهم آمين.

 

تاريخ النشر الهجري

29 مُحرَّم 1447

تاريخ النشر الميلادي

24 يوليو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام