تفسير سورة الأحقاف -01- من قوله تعالى: { حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ، الآية: 1و2 إلى 5

للاستماع إلى الدرس

الدرس الأول من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الأحقاف، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1445هـ ، تفسير قوله تعالى:

حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) 

السبت 6 رمضان 1445هـ 

نص الدرس مكتوب:

الحمدلله على نعمة تنزُّلِه وتفضُّلِه بتعلمينا وإرشادنا وخطابنا والبيان لنا بالوحي الذي أوحاهُ إلى قلبِ عبده وحبيبه ومصطفاه، خاتم أنبيائه وأصفى أصفيائه سيدنا محمد بن عبدالله رحمة الله ونعمته المسداة، اللهم صل وسلم وبارك وكرم على البشير النذير السراج المُنير، الذي هديتنا به سواءَ السبيل، وعلى آله وصحبه خيرِ جيل، وعلى من والاهم فيك واتّبعهم في النيّة والقصد والفعل والقِيل، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين؛ أهل التشريف والتكريم والتفضيل والتبجيل، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المُقرَّبين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد؛

 فإننا قد انتهينا في تأمل وتدبُّر كلام رَبِنَا وخطابه، إلى معاني مما جاء في سورة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم؛ ونبتدئ سورة الأحقاف التي سُمِّيت باسم الوادي الذي يُشير أكثر أهل التفسير إلى أنه وادي حضرموت، ما بين شِحْر ومَهْرَة، وفيه بَعث الله النبي هود، وقال وسط هذه السورة: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ (21))، وكانت السورة مكية وكان فيها أحرف من التنزيل "أقرأ النبي ﷺ ابن مسعود قراءة، وأقرأ غيره من الصحابة قراءة أخرى فلما سمعه يقرأ قراءتهم قال: من أقرأك؟ قال: أقرأنيها رسول الله، قال: فجيت أنا و إياه إلى رسوله فقلت ألست أقرأتني كذا؟ فقال: بلى، فقرأ الآخر فقال: ألست أقرأتني كذا؟ قال: بلى، وقال ﷺ: ليقرأ كل منكم ما سمعه، أي ما تلقّى من الحرف الصحيح الذي نزل عليها، ولا تختلفوا فإنما هلَك من كان قبلكم باختلافهم."، أي: ما صحّ نسبته إليّ وبلّغتكم إياه فكله حق وهدى لا مجال للاختلاف فيه ولا للتنازع عليه.

 يقول تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (حم ..(1))، وقد علمنا أن من أهل التفسير: 

  • من قال أن هذه الحروف المُقطّعة من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله.
  • وخاض بعضهم في الإشارات والمعاني فيها (حم) 
  • ومنهم من أشار إلى أنها الحرفان من اسم محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (حم) وأي: يا(حم). 

(تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2))، يقول الله -تبارك وتعالى-: (تَنزِيلُ الْكِتَابِ) إما بمعنى: هذا تنزيل الكتاب، أو تنزيل الكتاب مبتدأ خبرهُ (مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ). يقول الحق -تبارك وتعالى-: أنزلنا إليك هذا الكتاب من عندنا بعزّتنا وحِكمتنا. 

  • والعزيزُ لا يحتاج إلى شيء ويحتاج إليه ما عداه، والعزيز ذو قدرة. 
  • والحكيم لا يخفى عليه شيء، وأحاط عِلمًا بالأشياء. 

ومَن كان هذا وصفُه فتنزيله عظيم يَعِزُّ من أخذه وعمِل به، وينال الحكمة بالقدر الذي يُعطيه الله الخلقَ نِسبته من القدر الذي يهب الله عباده من العِزة والحكمة؛ لمن أخذ هذا الكتاب وقام بحقه فيعز به وينال عزاً وشرفاً وينال حكمة وهدى من الله تبارك وتعالى؛ (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء:9].

بسم الله الرحمن الرحيم: (تَنزِيلُ الْكِتَابِ..(2)) بالوحي على قلبك بواسطة جبريل كائنٌ من الله (مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)؛ أي:

  •  فأنت على أوثق العلوم. 
  • وأنت على أحقّ العلوم، 
  • وأنت على أوضح البراهين.

 (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [النمل:6]، الله الذي نزّل عليك هذا الكتاب أنزله بعلمه (لَّٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ) [النساء:166]؛ إذًا فأنت مصدر العلم الصحيح القويّ الواضح؛ لأنك تتلقّى من لدُن خالق كل شيء فهو العالم بكل شيء، (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14]. لذا كل مَن تكبّر وأنكر وجود الحق -تبارك وتعالى- أو أشرك به أو كذّب بملائكته ورُسُله لا يمكن أن يقِف على أساسٍ من العلم أصلاً؛ الوهم والظن والخيال هو الذي ينْتابُه ويأخذ عقله وفِكره ويذهب معه، أمّا الحقيقة فإنّ لنا وللكائنات مُكوِّناً بديع عليّاً حكيماً عظيماً قديراً. 

ومن أخذ العلم من هذا الإله فقد عَلِم (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216]، (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) [النحل:78]: 

  • وهذا العلم الذي نتحدث عنه والعلم الأساس الأعظم الذي من أجله خُلِقنا والذي يبيّن لنا مهمة خَلْقنا ويُعرِّفنا على خالقنا. 
  • أمّا مُجرد المعلومات ما عدا ذلك فشأنٌ وصِناعة يستوي فيها البَرُّ والفاجر والقريب والبعيد. 

ولكن أن تعرف أن لك خالقاً عظيماً مُتِّصفاً بكل كمال، هذا أساس العلم الذي به نجاة الأبد وبه فوزُ الأبد، هذا العلم الأعلى والذي لا يمكن أن يُتلقّى من دون هذا الخالق في تبيينه: لماذا خَلَقنا؟ وما مُهمتنا؟ وما شرَعَ لنا؟ ما أمرنا؟ وما نهانا؟ وما يصنعُ بنا عند مصيرنا إليه ورجوعِنا إليه؟ فهذه الحقائق مصدرُها الخالق؛ مُهمّة العقل فيها أن يَستنير بها، كمهمّة العين أمام نور الشمس أن تَستنير بها؛ لا أن تحكُمَ على نور الشمس؛ ولا أن تتحكّم في نور الشمس ولكن تستضيء بنور الشمس، وهي من دون نور ما تفيد شيء، العين من دون نور لا تفيد شيء، ما يرى بها صاحبها شيء؛ كذلك لا يهتدي إلى الحقيقة كل أهل العقول الذين لم يستنيروا بنور وحي الله -جل جلاله-، فهُم كأصحاب عيونٍ قوية النظر لكن لا ضوء قط، لا ضوء كهرباء، ولا سراج ولا شمس ولا قمر ولا نجم، فماذا تنفع العين؟ افتحها لمّا تشبع، فأين تصل بك؟ لا يوجد نور فكذلك هم يتخبطون، (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) [النمل:4]، فهم يعمهون، هم في العمه، فالحمد لله على نعمة الإسلام فالحمد لله على نعمة الإسلام، وهذا العلم المُتلقّى من حضرة الرب -جل جلاله- يقول شاعرهم: 

العلم للرحمن جل جلاله *** وسواه في جَهَلاته يتغمغمُ

ما للتراب وللعلوم.. 

 أنت من حفنة من تراب جئت وتكونت وبعد جات منها النطفة وبعدها المضغة وتدعي العلم: 

ما للتراب وللعلوم وإنما *** يسعى ليعلم أنه لا يعلمُ!

أي: نصل إلى الحقيقة وأن العلم لله ونأخذ العلم من مصدره. 

بسم الله الرحمن الرحيم: (حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2))، أعزِّنا اللهم بكتابك ووَحيك وهب لنا الحكمة؛ (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة:269]. (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)) انظر إلى الخطاب الالهي لِكلِّ ذي عقل على ظهر الأرض: (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى..(3))، يقول الحق -جل جلاله-: إن كان يُبهركم أيّ صناعة وأي حدث يحدُث على أيدي خَلْقِنا بخَلقِنا إياهم وخلقنا ما يعملون، فانظروا إلى الأصل فيما يضُم هؤلاء الخلق وهو السماوات والأرض وما بينهما، من كوّنها؟ يجب أن تعظِّموا هذا المُكوِّن وتعلموا جلال هذا المُكوِّن وعزَّهُ تعالى؛ وتعلموا أنّ بهذا التكوين البديع قلْ لي: الشمس والقمر من حِين خُلِقا صيانتهما عِند مَن؟ ترتيب أمرهما عند مَن؟ وهذا الاستمرار كله والفوائد المُترتِّبة عليها في عالم الأرض لهؤلاء العقلاء المُكلَّفين على ظهر الأرض، وتقديرها بتقدير (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) [يس:38-40] ما هذا الترتيب؟ هذا الترتيب والتركيب البديع والصُنع المُحكم المُتقن يأتي عبث! يأتي لَعِب! يأتي هُزُو! يأتي من دون قوة عظيمة حكيمة قادرة فعّالة! هذا تناقض مع ما آتانا الله من العقل مع ما آتانا الله من المدارك والأذهان، لا يستعمل أحدٌ عقله استعمالاً صحيحاً إلا هداهُ إلى عظمة الله، إلا هداه إلى صدق محمد بن عبد الله ﷺ.

 (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ..(3))، بالحق؛ بالعدل؛ بالقسط؛ بالترتيب؛ بالحِكمة؛ بحُسْنِ التكوين الذي يُؤدي إلى مرادٍ عظيمٍ في جَمْعكم جميعاً للمحكمة، هذا الخَلْقُ والتصوير؛ (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا) -من جميع الكواكب والنجوم والأهواء وجميع الكائنات- (إِلَّا بِالْحَقِّ)؛ ولذا يقول الله -تبارك وتعالى- عن أولي الألباب الذين عقلوا ووَعَوا يتفكرون في خلق: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا) [آل عمران:191] -لا لعب ولا لهو ولا هزو- (سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:191]، يعني: خلقته لحكمة عظيمة بديعة؛ نهايتها وغايتها جمعُنا للحكم إما جنة أو نار،(مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، لا تجعل مآلنا إلى سوء المصير.

 قال تعالى في الفريق المقابل لهم؛ الجهال مهما سَمْوا أنفسهم علماء، يقول سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [ص:27]، هم ظنوا أنّا خلقنا هذا لعب؟ يعملون ما شاءوا يرتبون أنفسهم لسلب غيرهم، لنهب غيرهم والاستيلاء على غيرهم، ولأخذ حق الفيتو كما يُسَمْون؛ ولأجل بسط الأيدي بالقهر والقوة على ما شاءوا، ثم يموتون وانتهت المسألة، ما العبث هذا؟ ما اللعب هذا؟  قال هذا يتناقض مع حكمتنا في الخلق والإيجاد؛ (..ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ* أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص:27-28]، هل يُعْقَل هذا؟ هل يليق هذا؟ فعلى كلامهم وفكرهم الباطل يقولون: نعم؛ القوي يأخذ الذي يريد ويذهب وخلاص، يلهف له ما يقدر عليه ويرسل له، هذا لعبة مسخرة، أين عدل الذي أتقن صُنْع؟ أين؟ أستوى المحسن والمسيء،" والمؤمن والكافر والصالح والطالح؟ أبدًا والله ما يستوى أين الحق والأجل المسمى؟ ينتهي إلى الحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8]؛ هذا هو الحق الذي ينتهي إليه أمر هذا الوجود.

 مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى.. (3)): 

  • (أَجَلٍ مُّسَمًّى)، نهايته وغايته جَمْع الأولين والآخرين؛ للحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، وفيما قبل ذلك ما من كوكب ما من نجم ولا الشمس، ولا القمر ولا السماء، الأولى ولا الثانية ولا الثالثة، ولا ما فيها ولا ما بينها، ولا ما في الأرض ولا على ظهر الأرض، إلا وله أَجَلٌ مسمى من عندنا في وقته وزمنه وتكوينه وحياته وتقديره، وتصويره وتلوينه وينتهي؛ (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) [الرحمن:26]. 
  • (أَجَلٍ مُّسَمًّى) وللسماوات والأرض أجل مسمى إذا جاء (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ*وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) [الإنشقاق:1-5]، (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [ابراهيم:48]؛ هذا الأجل الكبير. 

ثم لكل شئٍ أجل، (السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا) وما عليهما سواءً كان حيوان أو نبات أو جماد له أجل، لكل شئٍ أجل. قال الحق: فا أَجيلوا فِكْرَكم في عَظَمَةِ قدرتنا، وحكمة تدبيرنا، وتقديرنا الأجال وقولوا:  

  • من منكم من أهل الأرض مهما أدعى من معرفة أو إطلاع أو قوة، خلق نفسه؟ لم يخلق نفسه. 
  • لكن اختار زمنه؟ واحد بروفيسور كبير هو الذي رتب الزمن الذي يأتي فيه؟ هل ممكن؟! رئيس دولة عظمى، هو رتب نفسه في الزمن هذا؟ ولا لأحد منهم أختيار، نعم خلاص ما تحكم في الزمن، ولا خلق نفسه.
  • اختار أباه وأمه؟ من هو؟! لا خلق نفسه ولا تحكم في الزمن، ولا اختار أباه وأمه. 
  • اختار المكان الذي يولد فيه؟ من منهم؟! من منهم؟! من منهم؟! الذين طلعوا إلى القمر ولا منهم هؤلاء، من منهم  هؤلاء الذين اختاروا؟ ولا أحد؛ لا خلقوا نفسهم ولا اختاروا زمنهم ولا مَكانهم، ولا أبائهم ولا أمهاتهم، 
  • طيب أختاروا ألوانهم، من منهم اختار لونه؟ 

عجز في عجز في عجز، وقهر تحت قهر، واستكبار وعناد، هذا عَقِل هذا؟ هذا عقل؟ هذا علم؟ هذا تطور؟ هذا تقدم هذا صلاح؟ هذا خير للناس؟ هذا عناد! هذا تمرد! هذا بَلاَدَة! هذا بها غباوة، هذا سفاها هذا جراءة، هذا قِلَة حياء، يعاند ويُكْبِر وهو مخلوق مسكين، ولا عاد يختار حتى موته، ولا وقت موته، ولا مكان موته -لا إله إلا الله- فلماذا لك تُنْكِر الألوهية، والربوبية وتتعرضوا؟ تريد عباد الله يتركون منهج الله ورسله، يجون لعندك يخذون نظام من عندكم، (وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ)  [آل عمران:64] جل جلاله.

قال: (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ..(3)) الثابت الواضح القيم والحكمة البالغة، (وَأَجَلٍ مُّسَمًّى)؛ لكل شيء أجل، ومنتهى الكل إلى الأجل الأكبر، تعيين وقت القيامة، وحشر الأولين والأخرين وأجل مسمى. 

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ (3))؛ يقول الله: أتيناهم عقول ومدارك، وجعلنا لهم أدلة وأرسلنا إليهم رُسُل، وهم معرضون! ما يريدوا أن يستعملوا، ما يُرِيْدوا أن يشغلوا عقولهم، ما يريدوا أن يحسنوا استعمالها؛ فيعرضون عما أنذروا من المآل والمصير والمرجع، والجنة والنار، والعذاب في القبور، وفي يوم القيامة معرضون كأن ما احد كلمهم عن شيء، متناسين مهملين غير مبالين، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ)؛ وكان الواجب عليهم أن يشغلوا عقولهم، أن يحسنوا استعمال ما أتيناهم من قدرات، في الوعي والفهم؛ ما يعرضون هكذا فقط في غير مبالاة إلى أين يذهبون؟

يقول: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)) خاطبهم يا نبينا يا رسولنا الذي أرسلناك رحمة؛ وضح لهم بين لهم إلى غاية الغايات، قل لهم، قل: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ..(4))، هؤلاء الذين تعبدونهم وتخضعون لهم، ومن أجلهم تخالفون أمر الله الذي أنزله على أنبيائه، (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ..(4))، الأرض التي تعيشون فيها وفيها مستقركم؛ قلوا لنا: أي بقعة من بقاع الأرض خلقها هؤلاء؟ قل! أي قارة من قارات العالم خلقوها هم؟! خلقوها هم؟! خلقوها هم؟! اترك القارة، مدينة؟ ما في، قرية؟ أي بقعة في الأرض قل لهم الذين استقلوا بخلقها، حتى يكون لهم حق الطاعة في مقابلة مخالفة خالق آخر، لو كانوا خلقوا شيء ما خلقوا شيء اصلًا، إذًا ما خلقوا شيء كيف يتحولون إلى آله؟ كيف يتحولون إلى مُطَاعِين في مُضَادَة أمر الذي خلق وكوَّن؟ الأرض التي نعيش عليها أرَوُنا المكان الذي هم خلقوه؛ بر أو بحر قولوا هم خلقوا هذا، والله ما خلقوا شيء.

(قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ..(4))، سواءً كانوا أصنام، سواءً كانوا ناس، سواءً كانوا كواكب، أي شيء كان ماذا خلقوا؟ (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ)، ولا أي بقعة؛ عجيب والله! تعالوا نتعرف على خالق الأرض هذا، وعلى ظهرها نُطِيعُه، وعلى ظهرها نعمل بمنهجه، أليس هذا هو العقل؟ أليس هذا هو المنطق الصحيح؟ أليس هذا هو المسلك القويم؟ دعك من الذي الذي خلق وتعال عندنا، عندك على ماذا آتي؟ طيب أنت اكتشفت في حكمة الخالق الذي خلق: أن ذا يؤثر كذا، وذا يؤثر كذا، وذا يترتب عليه كذا، وهذا يقتل وهذا يدمر، وماذا بعد ذلك؟ لكن قل لي: من الذي خلق؟ ولماذا خلقنا؟ هذا لا يوجد جواب؛ (عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ (3))، لا تتكلم في هذا؛ استعمل عقلك قليلاً، فكر. 

ويضربون المثل إنسان عاقل نام في سريره في بيته، ما درى إلا وهو وسط سفينة تمشي في البحر، وأمامه ناس، ما الذي أول ما يفكر فيه؟ ما الذي أتى بنا من هناك؟ ما رأيك بهذا؟ خلك من هذا  كله سوءا، ما الذي أتى بنا من هناك؟ ما الذي يقولونه؟ أضحك معهم، بل قل لي كيف وصلت إلى البقعة هذه؟ كيف وصلت إلى السفينة وسط البحر هذا؟ وهل تدري بتمشي فيك إلى أين؟ وتدري هؤلاء ماذا يصنعون بك؟ ولا شيء قام يضحك معهم، لو فيك عقل فكر أول، قل أنا نمت في البيت، الآن كيف.

وكلنا جئنا إلى وسط سفينة الحياة الدنيا من أين؟ من عالم، من عالم الروح جئنا إلى هذه السفينة، من أين جابنا؟ ندخل في السفينة نلعب ونلهوا من دون فكر أول كيف وصلت؟ والسفينة تمشي إلى أين؟ وتوصلنا إلى أي مكان؟ وهذا الذي بعث الله به الأنبياء؛ ينبهون هذه العقول ليعرفوا إلههم وخالقهم، وليتهيئوا للقاءه، وليسعدوا سعادة الأبد، وقاموا يزاحموننا يقولون: ما دامنا نحن أخترعنا الكمبيوتر هذا، دعكم من ربكم، أنتبهوا الكمبيوتر خلق من خلق ربنا، ذا يطلع الصورة، وذا يوصل الصوت لذلك طيب تمامًا، قل لي: من خلقها؟ ولماذا خلقت؟ ويودينا هذه إلى أين؟ هل بدخل به معي قبري أو نَشِيلَهُ معي وأُقابل به خالقي؟ ما الفكرة الذي عندك؟ (وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم: 6-7]، سمعتم قَرَأَنَا في الصلاة في سورة الزخرف: (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) [الزخرف:21]، هل أنزلنا إليهم على يد أحد من الأنبياء من قبل كلام يمضون عليه؟ هذا مصدر العلم بالحقيقة، أما مجرد أفكار من عندهم! هذا أمر غريب.

 يقول تعالى: (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ..(4))، تركنا الأرض لم يخلقوا شيء في الأرض؛ أم لهم شرك في السماء؟ في الأولى أو الثانية أو الثالثة؟ ماذا خلقوا منها؟ لم يخلقوا شيء من الأرض إلا السماء ما لهم دخل، خالقها غيرهم؛ حرام عليهم  مايعرفون هذا الخالق، لا يتأدبون مع هذا الخالق، ما هذه العقول التي فيهم؟ هم الذين يقولون في القيامة واحد كان يسمونه عبقري، واحد يعيش في الدنيا، يقولون في القيامة: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك:10-11]. 

أبعد تنزيل رب العالمين وما *** أقام من حجـج كالشمس والقمر

يبقى لذي مرض أو مرية شبهٌ *** أو مشكل لا ورب البيت والحجر

لكن شقاوة أقوام وحظهــــم الـ *** منحوس أوقعهم في الشر والشرر

إلا و الحق واضح والأمر ظاهر لا إله إلا الله رب كل شيء وخالقه وإليه مرجع كل شيء لك الحمد على الإيمان.  اللهم كما أنعمت علينا بالإسلام فزِدْنا منه، وكما أنعمت علينا بالإيمان فزدنا منه، وكما أنعمت علينا  بالعافية فزِدنا منها، وكما أنعمت علينا بالعمر فبارك لنا فيه برحمتك يا أرحم الرَّاحمين… يا أرحم الرَّاحمين…يا أرحم الرَّاحمين. 

هكذا تجِد الآيات واضحة وجليّة لِمَن تذكّر ولمن أبصر: (وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ) [يوسف:105-106]. لا إله إلا الله -تعالى في عُلاه- آمنا به وبما جاء عنه وما أنزله على حبيبه ومُصطفاه -صلوات ربي وسلامه عليه وعلى جميع أنبيائه ورُسله، مرحبا كيف؟ أول قصيدة (ياهل لجيراننا) ، لا إله إلا الله! يقول الإمام الحداد -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- :

فارجع إلى اللَه في سرٍّ وفي علنٍ *** واترك هواك وهيء الزاد للسفر

فقد دنـا سفرٌ لا بد منه إلى قبرٍ *** و بعثٍ وحشرِ الرُّوح والصور

وموقفٍ فيه كم هولٍ وكم كــــــربٍ *** وفيه وزنٌ ومدودٌ على سقر(أي: الصراط) 

وفيه حوضٌ طهور الماء عطـره *** للمصطفى سيد السادات من مضر

محمدٍ خاتمِ الرسل الكرام ومن *** أتى من اللَه بالآيـــات والســــور

وخصه اللَه بالفضل العظيم وبالذكر *** الرفيـــــــــع وبالأخــــلاقِ والســــير

وبالمعاجز مما لا بقا معه *** لعــــذر معتذر يعتل بالعذر

أي عذرٍ لهم؟!! وهذا نداء الله يناديهم على لسان رسوله، حملهُ الصحابة وآل البيت الأطهار والتابعون وتابعوا التابعين إلى أخيار زماننا وهم ينادون أهل الشرق والغرب: آمنوا بالله الذي خلقكم وانظروا حجج محمد الذي ختم النبيين. 

أبعد تنزيل رب العالمين وما *** أقام من حجج كالشمس والقمر

يبقى لذي مرض أو مرية شبــه *** أو مشكل لا ورب البيت والحجر

لكن شقاوة أقوام وحظهـــــــم الـ *** منحوس أوقعهم في الشر والشرر

 

فالحمد للَه نارَ الحقُّ واتضحت *** معالم الرشد بين البدوِّ والحضرِ

وأظهر اللَه دين الحق وانطمست *** في نــــورهِ سائر الأديـــان فادَّكِر

بوجه أبيضَ ميمون النقيبة محـ *** مود الشمائــــل والأفعال والأثر

مهذبٍ هاشميٍّ لا نظير لــــه *** في العالَمِينَ بلا شكٍ ولا نكرِ

مؤيدٍ بجنــــودِ اللَه من ملكٍ *** ومؤمنٍ وبنصر اللَه والظفر

وبالصبا وبرعبٍ في قلوبهـــــــمُ *** مسيرَ شهرٍ كما قد صح في الخبر

مجاهدٍ في سبيــــل اللَه مجتهدٍ *** في طاعة اللَه  بالآصال والبُكَرِ

مشمرٍ في مراضي اللَه محتسبٍ *** باللَه مقتـــــدرٍ باللَه منتصـــــــــرِ

ذلَّــــت لوطأتهِ غُلبُ الرِّقابِ من الـ *** أعراب والعُجمِ من خوفٍ ومن حذرِ

لما دعاهم إلى الإسلام فامتنعوا *** كفرًا وبغيًا دعاهم بالقنــــا السُّمِرِ

وبالسيوف المواضي البيض يحملها *** مهاجــــرون وأنصــــــارٌ من الغـرر

أئمةُ الدِّين أصحابُ السوابقِ في الـ *** إسلام والقَـــــدَمِ المشكورِ والأثـــــرِ

مثل العتيق أنيس الغـار صاحــــبه *** فيه علا الصدق صدّيقُ العُلا الشَّهِرِ

والثاني التالي البر التقيِّ أخي الـ *** إحســان والعــــدل يا للَه من عمرِ

وابن عفانَ ذي النورين من جمع الـ *** قرآن والمنفــــق البذَّالِ في العســــر

وزوج خير نســـــاء العالمين أبي الـ *** سبطين صنو النبي المصطفى الطُّهر

وحمزةِ الباس عم المصطفى وكذا الـ *** عباس أبي الفضل والطيار خير سري

آل النبي وأصحاب النبي همُ الـ *** قوم الذين هُـــدوا فاقتد بهم وسِـرِ

والتابعين على الآثــــار بعدهـــمُ *** من كل من قد قضى نحبًا ومنتظرِ

على مسالك خير الأنبيا سلكـــوا *** بالجد والصدق في عسرٍ وفي يسرِ

نبينا المجتبى هادي الأنام إلى *** دار الســـلام ودار الخلد والنظر

اللَه عظمــــهُ اللَه أكرمـــهُ *** اللَه قدَّمهُ في الوردِ والصَّدرِ

اللَه فضَّله اللَه جمَّلـــهُ *** اللَه أرسله للجن والبشر

اللَه شرَّفهُ اللَه أزلفه بالحب *** والقــــرب والأسرار والأثر     

جاءنا بالحق عن الحق فصلى الله عليه صلاةَ يملأ بها قلوبنا محبةً وإيمانًا ويقينًا.

(قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا..(4))؛ هذه قرون مرت من عهد آدم، وعلى ممر القرون فيهم أنبياء ورسل كثير، قولوا أي كتاب فيه دعواكم هذا؟! ولا واحد، وهمُ القرون هذي كلها، وهذا مصدر العلم؛ الرَّب الذي خلق وأرسل رسول بعد رسول بعد رسول، ما أحد قال شريك لله أصلًا! ما أحد قال مع الله غيره أصلًا! ما أحد قال تُقدّم هواك ولا هوى غيرك ولا نظامك ولا نظام غيرك على نظام الذي خلقكم من قال لكم كذا؟!! (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ..(4))؛ أي مُسكة من علم أي مأثور من العلم هاتوا!! والله ما هم قائمين على علم، سمّوا نفسهم أهل العلم، وسموا نفسهم علمانيين، وسموا نفسهم…، جهلوا خالقهم، جهلوا خَلْقهم، جهلوا مصيرهم ومعادهم، جهلوا لماذا خُلقوا؟ هل هؤلاء علماء هؤلاء؟! وبعد ذلك سيضحكوا علينا؛ ذا يطلّع ذا، وذا يطلّع ذا، عندنا خبرة في كثير من عوامِّنا،  في الأرض بعدهم ما وصلوا إليها بمكتشفاتهم وماذا بعد ذلك؟! ليس هذا العلم الأصل الذي خُلقنا من أجله، هذا أمرٌ مطروح يتقنه بر وفاجر ومؤمن وكافر، ولا يقضي لك وطر فيمن خلقك ولا لماذا خلقت ولا يُهيء لك المستقر بعد ذلك، قولوا له: إن العلم الذي نرقى به (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19]. 

(ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا ..(4)) وقرون كلها مرّت قبلكم أي.. أي أدنى ركيزة على علم هاتوا لي خبر تفضلوا! قل لهم: هاتوا لي خبر، من أين يأتوا بالخبر؟ (أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ) أي أثر من أثر، أي موروث لكن قائم على علم، هاتوا؟ ما عندهم إلا إنكار وجحود غير مُبرّر (..إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (4))، أنه في آلهة غير الله أو في نظام أحسن لنا من نظام الله الذي نمشي عليه في الحياة! هاتوا لنا أثر: أنه في مَن شارك في خلق الأرض هذه التي نحن عليها؛ حتى ندين له بأن نتِّبعه فيما نظَّم أو خلق السماوات من فوقنا، هاتوا أثر من علم فقط، أدنى أدنى أدنى دلالة علمية هاتوا ما عندهم شيء! 

(..إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.. (5))؛ أمثال عبدة الأصنام يدعون من دون الله من لا يدرِ بهم ولا يعرف عنهم، من لا يستجيب له إلى يوم القيامة، إلى الغاية، إلى وقت الحكم والقضاء (..وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5))، ووقت الحشر بعد ذلك؛ (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً…(6))، قالوا: ( تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ۖ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ) [القصص:63]، وبعد ذلك يعتمدون على ماذا؟ يستندون إلى ماذا؟ ومن لهم؟

(وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6))، ثم يذكر الحق قوة عنادهم حتى قال: (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ..(7)) ويقولون: هذا سحر، هذا سحر، هذا سحر؛ يعني: محمد سحر به ناس، طيب كيف إنت ما قدر يسحرك؟! وهل المسحور له خيَار مع الساحر؟! هل هذا يصير؟! هو يعرف يسحر المستضعفين الذين آمنوا به وانتوا ما يقدر عليكم؟! وكيف؟! أنتم ضد السحر يعني! لو كان ساحر لسحركم أنتم قبل، بيسحر الزعماء قبل، ماذا بغى بالمسألة هذه؟! لو كان ساحر -مسألة سحر- سيسحرك إنت أول ويخلّيك مسحور تؤمن وتصدق به ، صلى الله عليه، صلى الله عليه وسلم (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) [الحاقة:41-42]  صلوات ربي وسلامه عليه، ما هو إلا الحق المبين الذي جاء به. 

الله ينظر إلينا وإلى أمته ويحيي فينا كمال الإيمان واليقين بما جاء به ويثبتنا على دربه ويجعلنا من أنصاره بأرواحنا وأموالنا وعقولنا وأعمالنا وكل ما أوتينا؛ حتى يتوفانا على ملته ويحشرنا في زمرته ويسعدنا بمرافقته اللهم آمين برحمتك يا أرحم الراحمين. 

 

وبسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي 

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه. 

الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

06 رَمضان 1445

تاريخ النشر الميلادي

15 مارس 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام