تفسير سورة الأحقاف -04- من قوله تعالى: { ووَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا .. ، الآية: 15 إلى 19

للاستماع إلى الدرس

الدرس الرابع من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الأحقاف، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1445هـ ، تفسير قوله تعالى:

ووَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) 

الثلاثاء 9 رمضان 1445هـ 

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله مُكرمنا بِنِعَم التلقّي لآياته، والتفكّر في تعليماته وإرشاداته، والنظر في دلالاته وبيِّناته، على ما بيّن لنا على لسان خير بريّاته، وخاتم أهل نبوّته ورسالاته، سيّدنا محمّدٍ المجتبى المختار، نور الأنوار وسِر الأسرار، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، ومن والاهم وعلى منهجهم سار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معادن الصدق والأنوار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين الإله الغفار.

 أما بعدُ،،،

فإننا في نعمة التَّأمل لكلام ربنا -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- أخذنا من آيات سورة الأحقاف إلى أن وصلنا إلى آخر الآية السادسة عشر؛ فيما ذَكَر الله لنا من وصيته -جل جلاله- هذا الإنسان بالوالدين، وفيما ذكر لنا من حال المُتَوَجِّه المُتَنَبِّه الذي لا يزيده مرور الأيام إلا نباهةً ويَقَظة، حتى يُدرك شؤون هذه الحياة ومقاصدها، وخطر ما وراءها وما بعدها، وأنها العُدَّة للتَّزَوُّد ولترتيب المستقبل الكبير، فلا يبلغُ الأَشُد؛ وهو كما ذكرنا ما بعد الثلاثين، من الثالثة والثلاثين أو الخامسة والثلاثين إلى الأربعين؛ إلا وقد تَرجَم عمَّا استقر في باله وضميره، وما تمخَّضَتْ به مقاصده، وأنحى تفكيره ونظره، (قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ..(15))، وفيه أن هذا أيضًا مثالٌ لصاحبِ وَالِدَين مسلمَين وكان بَرًّا بهما.

 قال: (أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ..(15))، أي: ألهمني أن أشكر نعمتك :

  • التي أنعمتَ عليَّ وعلى والدَيّ.
  •  ونعمتك عليّّ بالخلق والإيجاد.
  •  ثم الهداية إلى الإسلام.
  • ولنا معشر الأمة فوق الإسلام أننا في خير أمة.
  • ثم جعل بيننا وبين نبيِّنا سندًا وسلاسل في المعارف والمدارك، فتَمَّتْ النعمة علينا، اللهم أَتِمَّ علينا نعمتك. 
  • وإضافةً إلى ما عَظُم إنعامه علينا في العقول والأبصار والأسماع والأبدان والرزق وما إلى ذلك من أنواع المنن.

 فيستشعرُ نعمة المنعم ويطلبوا القيام في محراب الشكر، وهذا دأبُ من صفا لهم القلب والفكر، وأدركوا حقيقة الأمر، فيطلبون القيام في محراب الشكر لله، (أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ)، قال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13]؛ مُشيرًا إلى أن التمكّن من هذه المدارك والرسوخ فيها لا يحصل إلا للأقل من هؤلاء العباد، وأكثرهم تَعُوقَهم أهواؤهم وشهواتهم والتفاتاتهم إلى ما يُعرَض لهم من زينة الحياة الدنيا؛ فلا يصلون إلى مراتب الشكر للمنعم كما ينبغي.

(..أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ..(15))، في تقييده بـ (ترضاه)؛ إشارة إلى إقامة الميزان الصحيح، فإن العقول قد تظن أن هذا صالح ولا يكون في ميزان الحق صالح فليس بصالح؛ ولذا قال: (..أَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ..) أي: هو عندك في ميزانك صالح؛ ليس في مجرد ظني ولا وهمي ولا خيالي ولا خيال أحد من أبناء جنسي، فإن الخير ما هو عندك خير، والصالح ما هو في ميزانك، أنت صالح، لا ما يقرّره المؤسسات، ولا ما يقرّره الوزارات ولا الحكومات، الصالح ما قال الجبار الأعلى أنه صالح، وما كان في ميزانه صالح، والسيء ما كان في ميزانه سيء، والفاسد ما كان في ميزانه فاسد، ولذا قال: (..وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ..) صالحًا مُرضيًا لك، هو صالح في نظري واعتقادي وهو في ميزانك صالح.

 (..وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي..(15))، الاهتمام بالأسرة وبالأولاد وتربيتهم، ومهمة أن يكونوا على المنهج القويم، وأن لا يُخدَعوا بالعوارض التي تعرض للناس في هذه الحياة، من زخرف القول الغرور من إبليس وجنده من شاطين الإنس والجن تساعدهم النفوس والأهواء، فيَزِلُّ أكثر الناس ويضلون، و(يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) [النور:35]. 

قال: (..وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي..(15))، وإقامة السبب من العبد في استجابة هذه الدعوات ونيل هذه المطالب: 

  • أن يكون تائبًا خاضعًا مستسلمًا، (..إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
  • (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15))؛ لا أُصِرُّ على شيء من الذنوب صغيرًا ولا كبيرا. 
  • (..إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ..) ولا أستثقِل من حكمك شيء، ولا أُفَضِّل عليه نظامًا آخر. 

(..وإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، (..وإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فإذا قام هذا عند الإنسان؛ البُعد عن الذنوب والعصيان، وتقديم وتعظيم أمر الرحمن على كل قاصٍ ودان، فإنه جدير بأن ينال هذه الأماني، وأعلى منها في الدارين، وأن تُحَقَّق له هذه المقاصد التي يرتقي بها في جوار الرحمن، ومرافقة سيّد الكونين، (..إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)).

 قال: (أُولَٰئِكَ.. (16)) أهل هذه الأوصاف، أهل هذه الاهتمامات، أهل هذه الأفكار، أهل هذه الأسس؛ الذين يُتَقَبَّل عنهم أحسن ما عملوا، (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا.. (16))، فيتعرّضون لقَبول حسناتهم، وأيُّ حسنة قَِبلَها الله فهي نعيمٌ مؤبد. 

  • كل حسنةٍ قَبِلَها الله نعيمٌ مؤبد.
  • كل حسنةٍ قَبِلَها الله هي خيرٌ مستمر دائم لصاحبه.
  • كل حسنةٍ قَبِلَها الله هي لذَّة يلتَذُّ بها على الدوام في دار الآخرة.

 قال: (..نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ.. (16))، اللهم اجعلنا من أهل الجنة. (..فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ..) الحق الذي لا مرية فيه، وَعَدَ الله تعالى المؤمنين العاملين الصالحات بالجنات، فلا يحيا ويموت أحد على الإيمان والعمل الصالح إلا تحقّق له الوعد وأُنجِز، وناله من غير ريبٍ ولا شك،  (..وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)) مِن قِبَل الذي لا يخلف الميعاد، المقتدر القوي ربّ العباد جلَّ جلاله. 

(..وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16))؛ وهذه المشاريع الكبرى المطروحة على المؤمنين فيما يَعِدُهم رب العالمين -جلَّ جلاله- على ما يقومون به من تحقيق الإيمان واستقامة الجَنَان والأعضاء والأركان، في منهج المرسلين والنبيين -صلوات الله عليهم- فيّعرِض لهم الحق سبحانه وتعالى عروض عظيمة، هم بيقينهم بها يُقبِلُون بالكلية عليها، ثم لا تجدُ عروضات إبليس وجنده إليهم سبيل، وقد أخذوا العرض الجليل من الجليل، وأخذوا العرض الوثيق الحقيق من الإله الحق. 

ولكن من لم يتغلغل إلى قلبه صدق هذا الوعد ويرغب فيه، فهو المُعَرَّض إذا عرضت له أي عروضة، وعرضٍ من قِبَل الفجار والكفار بشيء من الزيغ والكذب في الفكر أو في الأماني، أن يغتر بذلك، وأن يتأثر بذلك، وأن ينساق وراء ذلك، حتى ينقطع عن خير المسالك، ويَرِد موارد المهالك، والعياذ بالله -تعالى-! 

ولما نزلت الآية الكريمة: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم..) -عرض ومشروع كبير- (..بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:111]، سَمِعَها وقرأها الصحابة فقالوا: "ربح البيع فلا نقيلُ ولا نستقيل" عليهم رضوان الله، وصَدَقوا ما عاهدوا الله عليه، وعليهم أثنى ربُّ العباد في الآيات المَتْلُوَّة وقال: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب:23] عليهم الرضوان.

قال: (..وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16))، وهكذا ما وَعَدَنا نبينا الصادق، أصدق الخلائق عن الإله الخالق، في فضل وضوء؛ أو ثواب ركعات؛ أو قراءات؛ فهو وعد صدق، فيجب أن نأخذ هذا الوعد من الصادق، أخذ مُوقِنٍ واثق، يستَبشَرَ بوعد الله وبفضل الله، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا…) [يونس:58]، ما وَعَدَنا على الصيام؛ ما وَعَدَنا على رمضان؛ ما وَعَدَنا على القيام؛ وَعْدُ أصدق الخلق عن الإله الحق، فالحمد لله على هذه المِنن والنعم، أتمَّها علينا يا منعم. 

(..وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16))، ثم ذكر الله الصنف الآخر؛ يكون له والدان مؤمنان مسلمان يدعوانه إلى الحق والخير، فيقول هذا كلامكم كلام عفى عليه الزمان، هذا حق المتقدمين المتخلفين! واليوم نحن في انفساحٍ وانفتاحٍ آخر، (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا ..(17)) يتأفف، يتضجّر من دعوتهم، ومن مسلكهم، وممّا يُمليان عليه (..أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ..) يعني: تصلحون لي وعد أنني أخرج من القبر بعدما أموت؟ وكل ما أمامه من عجائب القدرة يدلّه على أن هذا يسيرٌ على القادر، لكن طغيان هذا الإنسان، وتشبّثه بالشهوات، هو الذي يجعل الأمر الواضح البيّن كأنه غريب بعيد، وليس بغريبٍ ولا بعيد، الغريب البعيد إنكارك لقدرة الذي عينك دلالة على قدرته، وأذنك دلالة على قدرته، ولسانك دلالة على قدرته، وخلقك من العَدَم دلالة، والسماء من فوقك دلالة على قدرته، والأرض دلالة على قدرته، هذا الأمر الغريب؛ تنكر هذا! ما هو الغريب أن تثبت الشيء الواضح! ولكن هكذا يقول؛ (..أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي..(17)) مَضَت الأجيال والأمم ما رأيت أحد منهم رجع! وهل قالوا لك أنهم سيرجعون إليك؟ هم يخبرونك أنهم سيرجعون إلى الله وأنت من بعدهم، كلكم سترجعون الى الله؛ فما الخربطة -اللخبطة- الفكرية هذه؟! ما التناقض في المنطق هذا؟! بل عدم رجوعهم دليلٌ على صدق الأنبياء؛ أنهم يتجمّعون الى ذلك اليوم. 

  • قال سبحانه وتعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُون * وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) [يس:31-32] أي: نجمعهم من أولهم، محبوس أولهم حتى يأتي آخرهم بعد النفخ في الصور، وما ربك بمستعجل لأنه لا يفوته شيء. 
  • ثم ما بين النفخة والنفخة أربعين، ثم يحييهم ويجتمع الأولين (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ) [الواقعة: 50-51].

 قال: (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ.. (17)) يسألان ربهم: أنقذ الولد هذا، وخرّجه من الأفكار الضالة والاغترار وما يسمونه انفتاح وما يسمونه كذا وكذا… شيء من الكلام هذا!! (..وَيْلَكَ آمِنْ..)  يقولان للولد (..وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17))؛ أصلًا أنتم متخلفين باقية عندكم الأفكار الماضية البالية!!

 واللهِ: 

  • ما كان حقًّا وصدقًا في أيام آدم هو الحق والصدق في يومنا هذا وعلى مدى القرون. 
  • وما كان باطلًا وكذبًا وشرًّا في أيام آدم هو في وقتنا هذا باطل وشر وكذب إلى أن تقوم الساعة.

 الحقّ حقّ والباطل الباطل، ما يؤثر عليه أنك جئت في القرن الـحادي والعشرين الميلادي! ما الذي؛  يؤثر على القيم التي وضعها الجبار -جل جلاله- ثابتة: إيمان وكفر، طاعة ومعصية، خير وشر، سعادة وشقاوة، ربح وخسران، نور وظلام.. ما يتغير الظلام ظلام من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة؛ والنور نور من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة؛ والخير خير من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة، والشر شر، والإيمان هو الإيمان، والكفر هو الكفر؛ ما يتغير شيء من هذا.

 كما أن أحسن التقويم في أيام آدم هو أحسن التقويم في أيامنا هذا (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4]. أو لأنهم تطوّروا وجاءوا في القرن الحادي والعشرين في زمن التطور؛ جاءوا بتقويم ثاني لهيكلة بدن الإنسان وكيفية مشيه غير هذا؟! يمشي على رجلين من أيام آدم، هذا قديم هذا، موديل قديم ذا حق العصور التخلف والظلام! والآن تمشون على كم أنتم؟ على وحدة تمشي ولا بتجيب لك ثلاث أو أربع كما الحيوان؟! هذا هو أحسن تقويم من أيام آدم إلى اليوم إلى أن تقوم الساعة، ويبصر بعينين في الوجه، من أيام آدم هذا ولا هم لمّا تقدّموا الآن في شيء ثاني؟ أو يردّونها وراء؟ أو يحطون وحدة كذا ووحدة كذا؟ هذا هو أحسن تقويم! (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وهكذا بقية تكوينه الجسداني، هذا أحسن تقويم من أيام آدم إلى اليوم إلى أن تقوم الساعة، ما يمكن يتغيّر بتغير الزمان.

قال: (..فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17))، سطّرها الأولون كلام في كتبهم هكذا وقالوا لكم بها وأنتم تتناقلونها! وأنت ماذا تتناقل؟ تتناقل الإلحاد الذي من أيام إبليس؛ وأول الملحدين في بني آدم من قبل ألوف السنين هذا ما تتناقله؟ ومصدره؟ مصدره خياله وهمه وظنّه وتلبيس من إبليس ما له أصل!! (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [الجاثية:24]. على ماذا بنيت هذا؟ والدليل على هذا (..وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)، لكن هذا الذي تقول عنه أساطير الأولين مصدره الخالق الذي خلق، ووحيه إلى المرسلين؛ هو هذا.. هو هذا الحق المبين، ولكن هكذا يتفوّهون كما تسمعونهم. 

(.. إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)) مثل ما يقولون حتى في السلوك وفي الأخلاق، يجيئون إلى الحشمة والحياء واللباس المحتشم، يقول هذا حق المتقدمين! وأنت تريد حق ماذا؟ تبرّج! والتبرج حق متقدمين كذلك! التبرج حق متقدّمين من قبل هذا، بالنسبة لنا معشر الأمة التبرّج من قبل الحشمة وقبل الحياء كان تبرّج، وأنت تريد ترجعنا إليه! وهذا الذي أنت تدعو إليه الآن سمّاه الله: (..وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ..) [الأحزاب:33]، ما له أصل.. ما له أصل؛ يُثير الشبهات، ويخرّب المجتمعات، ويفرّق الأسر، ليس له أصل أن هذا هو حَسَن! من أين مصدرك؟ هات لي عقلك من أين أن تحكم بأن هذا حَسَن أو طيب؟ وهذا جُرِّب في الجاهلية الأولى، ومُجرّب عندك في جاهلية زمانك؛ فما أكسب الناس خيرًا، ولا جلب لهم نفعًا ولا فائدة؛ فكّك الأسر، ومزّق المجتمعات، وبَعَث الشهوات فخرجت عن حدودها؛ فاختلطت الأنساب، وتكدّرت الحياة، وكان ما كان من هذه الشرور، فعلى ماذا تبني كلامك يا فاقد الوعي يا فاقد العقل؟!! (..وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ..)  [الأحزاب:33].

ليس قِدَم الشيء بعيبٍ له، وما من خيرٍ ولا شر إلا وله قِدم، جميع الخير وجميع الشر له قِدَم، أخرج الله إلى الأرض أول ما أراد أن يعيش الآدميون عليها ثلاثة: آدم وحواء وإبليس؛ خير وشر موجودين، إسلام وكفر، تواضع وكِبر،  تقوى وفِسق؛ وكلّه موجود من ذاك الزمان! فما هذا الزمان الذي يُحكم فيه أنه إن كان متقدّم أقل، وإن كان متأخر هو أحسن!! لا والله.. الميزان ميزان خالق الزمان والمكان ومكوّن الأكوان؛ ما قال خير هو الخير، وما قال شر هو الشر، فلتتحرّر العقول من هذا الضلال والإضلال، والمقالات الغريبة التي من وقت إلى آخر يُبدُونها للناس بزخرف من القول ويصدّونهم عن سواء السبيل؛ لا والله ما الميزان الصحيح إلا ميزان الخالق؛ ما كان في ميزانه حقٌّ وهدى فهو الحق والهدى، وما كان في ميزانه باطل وضلال فهو الباطل والضلال وانتهت المسألة، والمرجع إليه والحكم له يوم القيامة. 

  • (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [النحل:124]. 
  • (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ۚ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ..) [الجاثية:25-28].
  • عندما يُدعون في ذاك اليوم، لا قانون أمم متحدة، ولا فرعون، ولا قانون نمرود، ولا قوانين دولة عظمى ولا دولة صغرى، ما يوجد إلا ميزان الجبّار وحده فقط، ميزان الخلّاق وحده، هو يحكم الكل؛ (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)  [النحل:124] -جلّ جلاله-. 
  • (...قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:73].  

ويقول: (..مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17))، قال الله أهل هذه الأفكار، أهل هذه الأنظار، أهل هذه المسالك، أهل هذه المزالق، (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ..(18)) حقّ عليهم القول؛ سابقة القضاء والقدر بالضلال والفساد والكفر والعذاب والنار (...حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ…) ساروا في هذا المسار، وفكروا هذه الأفكار، وارتضوا هذا الانطلاق في مخالفة ميزان الخلّاق (..فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18))؛ لهم الخسران، (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:1-3]، اللهمّ اجعلنا منهم ومن خواصّهم. 

كان يقول سيدنا الشافعي: أين الناس من هذه السورة؟ لو تأمّلوها لكفَتهم! (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:1-3]، غيرهم خاسر:

  •  وإن كان صاحب ثروة؟ نعم والله؛ وإن كان صاحب ثروة! 
  • وإن كان صاحب دولة؟ نعم والله؛ وإن كان صاحب دولة! 
  • وإن كان صاحب شهرة؟ نعم والله؛ وإن كان صاحب شهرة.. خاسر خاسر!

 (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

يقول: (..إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ..(19))، يقول الله: أنا رب الجميع، ومرجعهم إليّ، وبأعمالهم سأجازيهم، (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47]. 

يقول: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ..(19)):

  • فلأهل الحسنات مراتب وارتفاع. 
  • ولأهل السيئات دركات واتضاع وسقوط؛ على حسب أعمالهم.

(…فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا…) [الأنبياء:47]، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ..) [النساء:40]، (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل:90].

(وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ..(19))، إن كان تقوى وإخلاص وصدق وحقّ ومنفعة وهدى، وإن كان مخادعة وكذب وغش ظلم، (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا…) كلٌّ سيلاقي عمله وسيجازى بعمله؛ (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا…) [الزلزله:6-7]. (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ…)، يقولون: نحن أبناء الله، نحن أحباء الله، نحن أصحاب الجنة، نحن ما نُعذّب إلا أربعين يوم، نحن نحن… (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء:123-124]. أين الحق؟ (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) [النساء:125].  

قُرئت الآيات، وواحد أعرابي آمن، مسلم يسمع، لما سمع (..وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) قال: قرّت عين إبراهيم! (..وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) قال: قرّت عين إبراهيم!  يا فوزه هذا الإنسان بأن اتخذه الرحمن خليل، الله أكبر! وهكذا من يتذوّق القرآن.

قال: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ..(19))؛ أي: يجازيهم عليها جزاءً:

  • (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ) [النجم:39-41]. 
  • (..وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ..) يردّ إليهم أعمالهم ويُطلعهم عليها. 
  • قال سبحانه وتعالى: (… لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ..) يعني: ليطّلعوا عليها، (يومئذ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا ليروا أعمالهم) [الزلزلة:6]، انطر! 
  • ويُحصّل ما في الصدور؛ ما كان في صدورهم في حياتهم.. يُحصّل؛ يُبرز ويُبيّن ويُجمع؛ هذا الذي هذا الذي نويت، هذا الذي اعتقدت، هاذا الذي قلت، (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ *وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) [العاديات:9-10]، ما في الصدور أٌبرز وبُيّن وجُمِع؛ هذا الذي في صدرك، وهذه أعمالك، انظر! (…لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ)  [الزلزلة:6]؛ 

(...وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)) حاشا الحقّ أن يظلم أحد، بل يعفو ويصفح عن كثير، ويضاعف الحسنات من فضله -جلّ جلاله- هذا وصفه، ولكن أنفسهم يظلمون! ويذكر في الآية التي بعدها شأنًا عظيمًا في يوم العرض عليه، وحالات الكفّار وأوصافهم، يأتي معنا ان شاء الله.

جعلنا الله وإيّاكم من أهل القرآن، ومن المطّلعين على أسرار القرآن، ومن المغترفين من بحار علم القرآن، ومن المتنوّرين بنور القرآن، واجعله أمامنا يقودنا إلى الجنان، وحَمَانا من الخروج عن درب القرآن، وعن سير القرآن، وعن مسلك القرآن، اللهمّ اجعلنا عندك من أهل القرآن، وخصّنا في رمضاننا هذا بنورٍ من نور القرآن، وسِرٍّ من سِرّ القرآن، يمتزج به وبسِرَه أرواحنا وقلوبنا ودماؤنا ولحومنا وعظامنا وأجزاؤنا وكلّيّاتنا، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، ثبّتنا على الحق فيما نقول ونفعل ونعتقد، وفرِّج كروب أُمّة الحبيب الأعظم في المشارق والمغارب، وأنِلنا غايات المطالب.

 

وبسرّ الفاتحة

إلى حضرة النبي

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة 

اللهم صلِّ وسلم

 

تاريخ النشر الهجري

09 رَمضان 1445

تاريخ النشر الميلادي

18 مارس 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام