تفسير سورة الأحقاف -08- من قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ ...}، الآية: 33 إلى آخر السورة

للاستماع إلى الدرس

الدرس الثامن من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الأحقاف، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1445هـ ، تفسير قوله تعالى:

{ أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35) }

السبت 13 رمضان 1445هـ 

نص الدرس مكتوب:

الحمدلله على إكرامه لنا بالتنزيل والبيان على لسان رسوله خير مُعلم و هادٍ و دليل سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه واتّبعه في النيّة و الفِعل و القِيل، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل القدر العظيم والمقام الجليل، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرمُ الأكرمين وأرحم الراحمين. 

و بعد،،

فاننا في نعمة تأمُّلنا في كلام ربنا -جل جلاله-، ولتعليمه وإرشاده وهدايته وتبيينه -سبحانه وتعالى-، انتهينا إلى أواخر سورة الاحقاف، وذكرنا ما حمله الجانّ الذين استمعوا إلى هذا القرآن مِن لِسان المُنزَل عليه سيّد الأكوان، وكيف وَعَوا واستوعَبُوا عظمة هذا القرآن ودعوته، وما ينطوي فيه، وما يندرِجُ فيه؛ و أنه الحقّ والهُدى الجامِع البَيِّن لمَا يحتاجه الانسان في حياته، وما يتزوّد به منها لما بعد مماته، أدركوا هذه الحقائق، ورجعوا مُنذِرين إلى قومهم حامِلين أمانة التبليغ، فلنُذكِّر أنفسنا و نحن يُتلى علينا هذا الكتاب في الصلاة وخارج الصلاة ونجلس في مَجالس تأمُّل معانيه:

  •  ما فقِهنا من هذا الكتاب؟ 
  • ما أدْرَكنا من هذا الكتاب؟ 
  • ما عرفنا عن هذا الكتاب؟ 
  • وماذا قمنا به من أمانة في تبليغ دعوة الحق -تبارك وتعالى-؟ 

فقد سمعناهم يقولون عن هذا الكتاب: أنه يهدي الى الحق الى المسلك الثابت الصحيح القيّم، الهُدى الذي لا ضلال فيه وإلى طريقٍ مُستقيم إلى مسلكٍ قويم هو خير ما يُوصل إلى الله -تبارك وتعالى- وأقصر وأخيَر أصوَب وأقرب الطرق في السير الى الله إلى طريق مستقيم

ودَعَوهُم: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ ..(31)) -وداعي الله خاتم أنبياه رسوله محمد- (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ) ارتبطوا بهذا الانسان؛ واعرفوا مالَهُ من قدر وشان؛ واتصلوا به لتُدركوا الحق والبيان. (أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)).

 ثم أعرَبُوا عن الحقيقة و(وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ) لا يُلبِّي نداء هذا النبي ويستجيب له ممن وصلته دعوته (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ ..(32))؛ لن يفوت، ولن يهرب، ولن يتخلّص من التبعيّة والمسؤولية ومُخاطبة الخالق الذي أوجده؛ وكلّفه -سبحانه وتعالى- وعرّفهُ وشرّفه بإرسال هذا المُصطفى؛ فأعرض وتولّى فأين يهرب ؟! (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) لا يفوت ولا يخلُص من الخطاب والسؤال والرجوع إلى الرب -جل جلاله-. 

  • (وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ ..(32))؛ أي: لا يمكن أن ينفعه أحد؛ إذا أعرض عن الله وتولّى فلقِيَ الله تعالى على الضلال فلا يمكن أن ينفعه أحد.
  •  (لَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ) لا عشيرة ولا قبيلة ولا دولة ولا هيئة ولا مؤسسة ولا جماعة ولا حزب؛ ما أحد يقدر يقيه عذاب الله ولا يُخلِّصه مما يقع فيه من الافات، 
  • (وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ) أولئك الذين رفضوا الدعوة الحق في ضلال مُبينٍ بَيّن واضح ظاهر؛ يعلمه كل مُنصِف وكل عاقل أنه مسلك ضلال، ومسلك خروج عن سواء السبيل، ومسلك غير لائق  وغير صالح 

(أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (32)) وهو حال جميع من على ظهر الأرض ممّن رفضوا دعوة الله -تبارك وتعالى- أفرادا و جماعات؛ فهم (فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) بَيّن واضح يتّضح لكل ذي عقل، مع أنهم عملوا على نشر الدعايات الكاذبة؛ أنهم أهل النظام وأهل التقدم وأهل التطوّر وأهل التنمية وأهل وأهل وأهل.. دعاوي! انظر إلى حقيقة حالهم، وحقيقة ما يجري لهم، وما يجري فيهم، وما يجري منهم تجد أنواع الغش، وأنواع الخِداع وأنواع الكذب، وأنواع العُدوان، وأنواع الظلم قائمة عليه أمورهم. (أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) -ضلال بيّن واضح لكل أحد- (ضَلَالٍ مُّبِينٍ) يعني: واضح الانحراف والخروج عن سواء السبيل، وذلك أنّ أمامهم الحُجَج والبيّنات، وكائنات المُكوِّن تدعوهم إلى توحيده وتصديق رسله.

 (أَوَلَمْ يَرَوْا) -أي: يعلموا علم اليقين كأنه رؤية عَين أن الله الجليل العظيم القادر القوي- (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ) في تكوينٍ بديع (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) [النبأ:12]، صاحب هذا البناء المُحكم العظيم الذي مرّت عليه الآلاف السنين ما له صِيانة! وما له ترميم! وما له تغيُّر ما هذه العظمة! 

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ..(33)) ولم يُشرِكه في خلقها أحد؛ لا منهم؛ ولا من علمهم؛ ولا من تكنولوجياهم؛ ولا من قدراتهم، ما أحد شاركه في خَلْقها من فوق!! قال: (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ) لم يعجز ولم يضعُف بخلقهن، ما ناله تعب ولا عِيّ بخلقهنّ، عاد إلا يصعب عليه يرُدّك أنت ثاني مرة وقد خلقك أول مرة ويردّك ثاني مرة، وإذا أراد ثالث مرة ورابع مرة ما المشكلة؟! والآيات أمامك.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ ..(33)) يُمشّيهنّ، ويُجريهنّ بقدرته، ويحكمُهنّ، ولا تتغيّر إلا بأمره (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ..) [فاطر:41] من يُمسكهُنّ؟  هل في شركات معنا ستمسك السماوات ستمسك الأرض؟! إذا جاءت لهم قليل هزة أرضية و زلزلة وروّحتهن، المصانع والأجهزة كلها في لحظات تروح فإذا من يمسك السماوات؟ (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورً) [فاطر:41] جل جلاله وتعالى في عُلاه. 

يقول: (أَوَلَمْ يَرَوْا) -أي: يعلموا علم اليقين كأنه رؤية عين- (أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ ..(33)) ما شيء فَلَت عليه ولا شيء خرج من قبضة يده، ولا شيء تخرّب عليه، (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ) لايزال مُتصرّف فيها ويقلّبها كما يشاء (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ) [طه:6]؛ مُتصرّف في الكل وضابط الكل جل جلاله، (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ) -ما تعب- (بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ) ما هذه القدرة العظيمة بتعجز على إِحْياءَك، والحق يضرب لنا الأمثلة أرض ميتة وإحياءك كذلك النشور، ما الذي يعجزنا؟! (لخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر:57]، (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم:27] جل جلاله. 

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ)، وهم إذا تأملوا علموا ذلك؛ ولكن يكابرون ويعاندون، (بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)) فيكفينا ما أبرز لنا من أثار قدرته في تكويننا نحن، وتكوين أبائنا وأمهاتنا، وتكوين أولادنا، كيف كَوَّنَهُم؟ 

يا أيها العقلاء نطف مَذِرَةٌ؛ تتحول إلى سمع وبصر، ولحم ودم وعظم وشعر، وأجهزة هضم وأجهزة البول، وأجهزة التنفس، وأجهزة..! من نطف .. نطف .. نطف .. كيف تتحول إلى هذا؟ آيات بينات، وتقول: كيف يُرْدَّنِي؟ كيف جاء بك؟ حتى تقول كيف يردني؛ من جاء بك أول مرة هو الأغرب -لا إله إلا هو سبحانه- (بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33))؛ بالغ القدرة لا يعجزه شيء، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس:82-83].

 يقول جل جلاله: ينتهي كل هذا الغرور، والزور والمعاندة، والميل إلى الشهوات، ورفض دعوة الأنبياء؛ ويخرج الكل من هذه الحياة، (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون:100]، ويعيدهم كما بدأهم (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ..(34))، فيُشَاهِدُونَ، قال سبحانه: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا..) -أي:أيقنوا- (أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا) [الكهف:53] -لا إله إلا الله- (إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) [الفرقان:12]، زَفِيِرُهَا: صوتها في لهيبها، يُسمع من مسافة مئة عام، من مكان بعيد، (إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) [الفرقان:12]؛ فإذا صوت زفيرها يصل إلى مسافة مئة عام، ما قدرها هذه النار؟ ما حرارتها هذه؟ ما قُوتُهَا هذه؟ الصوت حقها في زفيرها يسمع إلى مسافة مئة عام -لا إله إلا الله- اللهم أجرنا من النار.

 قال: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ..(34))، فيعاينونها معاينة (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنعام:27]، حسرات مقبِلون عليها، وهذه دعوة الله لهم برحمته؛ ختم لهم الأنبياء بسيدنا محمد، ويجعل القرآن موجود وبين أيديهم، وجعل الدُعاة إليه قائمون عندهم، وهم يعرضون! بعد ذلك يقولون: يا ليت..يا ليت..يا ليت نرجع؛ ما ينفع إذا قد فاتت الفرصة، ما عاد شيء ينفع بعد؛ عند الموت ولا بعد الموت -لا إله إلا الله- وكل من لم يجب هذه الدعوة وقد وصلته؛ فهو والله متحسر، وهو والله نادم، ولا ينفعه الحسرة ولا الندم، (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) [مريم:39-40]، (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) [غافر:18].

 (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ..(34)) جعل الله تذكرتها في هذه الدنيا؛ نار الدنيا وهي حقيرة بالنسبة لتلك، مع شدتها كم تفعل بالناس؟ وكم تِهَدِم من مصانع ومن بيوت؟ وتهلك من أُنَاس ودواب؟ نار الدنيا؛ لكنها حقيرة بالنسبة لدار الآخرة، قد فضلت عليها في حرارتها سبعين ضعفًا، لما ذكر هذا نبينا قال: للصحابة إن كانت تذر كافر كافية هذه لوحدها تحرقه، قال: "إنها فُضِّلت عليها سبعين ضعفاً" في شدة حرارتها، حتى لو أن شرارة منها وقعت بمشرق الأرض لو وجد حرها بمغرب الأرض. 

 يا رب أجرنا من النار، (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ) [المرسلات:32-33]، اللهم أجرنا من النار. حتى جاء في بعض الآثار أنهم بعد احتراقهم بتلك النار، لو أُخرجوا إلى نار الدنيا لقالوا ما أبردها، ولتهيأ لهم النوم فيها، من بعد ما قد ألفت أجسادهم الحريق الشديد بالحرارة الكبيرة، اللهم أجرنا من النار.

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ..(34))، كنتم تكابرون وتكذبون، وتقولون سحرٌ ومفترى، وأساطير الأولين، وكذاب أليس هذا بالحق هذا الذي تكلم عنه سيدنا محمد؟  أليس هذا بالحق، كما أخبركم رسول الله، وبلغكم عن إلهه -سبحانه وتعالى-؟ لا يوجد أحد ينكر في القيامة، ومن قبل القيامة من عند الغرغرة، لا يوجد أحد ملحدين، لا يوجد أحد من الكفار ملحدين خلاص كلٌ يؤمن؛ لكن لا ينفع الإيمان؛ فإنهم ينحسب عليهم حكم الشرك والكفر والإلحاد، الذي كانوا عليه في الدنيا ينحسب عليهم، لايوجد معنى للإلحاد والكفر أصلًا، قد كل شيء معاين، (أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ۖ قَالُوا بَلَىٰ)؛ لكن ما ينفع هنا، ما ينفع الإقرار بعد الموت، قالوا ما عاد مجرد اعتراف فقط وإقرار؛ إلا حلف على ذلك: (بَلَىٰ وَرَبِّنَا  ..(34))، هو هذا الحق ولماذا العناد هذاك في الدنيا، لماذا الطغيان؟ 

  • لأجل الذهب والفضة! 
  • لأجل البترول والغاز! 
  • لأجل الحكم والسياسة! لماذا أعرضتم عن ذكر الله؟ لماذا أعرضتم عن الإيمان بالله؟

 (قَالُوا بَلَىٰ  وَرَبِّنَا  ..(34))، هو الحق هذا هو الحق؛ والعبرة فرعون لما أدركه الغرق، قال: أمنت آمنت ما عاد أحد عند الموت ما يؤمن، كلهم يؤمنون، لكن ما عاد ينفع -سبحانه وتعالى- (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ *) [غافر:83]. 

يقول سبحانه وتعالى عن هؤلاء الكفار وأحوالهم في هذه الدنيا:

  • يقول جل جلاله وتعالى في علاه واصفًا حقيقة حالهم -الله لا إله إلا هو- يقول: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ..) [غافر:83]. 
  • وقبله (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) [غافر:82] نحن أول جيل جئنا للأرض، ولا ثاني ولا ثالث، ولا ألف ولا ألفين، قد مرت قبلنا قرون، ودول وناس صغار وكبار، رجال ونساء، عرب وعجم، رحلوا؛ انظروا عواقبهم كيف كانت؟ (كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [غافر:82] ما فادهم شيء. 
  • (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ..) أرسل إليهم رسل؛ (..فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ..)، ما ظنوا أنهم أدركوه، وأنهم وعوه وأنهم اكتشفوه، نحن أهل العلم مكتشفين، ماعندهم علم؛ (..فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ..) فما الذي حصل؟ (..وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ..) [غافر:83]، الذي كانوا يستهزؤن به من إنذار الأنبياء لهم بالعذاب، وهول المرجع والمصير؛ (..وَحَاقَ بِهِم..) نزل بهم، (..وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ..) [غافر:83].
  •  ما الذي حصل؟ رجعوا (..قَالُوا آمَنَّا..) -ما ينفع- (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) القوة [غافر:84]، ورأوا القوة الإلهية، كانت محجوبة عنهم أيام كانوا في الدنيا تناسوها، وإن كان كل شيء يذكرهم بها، لكنهم تناسوها وأعرضوا عنها، فبرزت فلما برزت لهم القوة، (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) قوتنا الشديدة العظيمة الغالبة، (..قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ..)، ولا عاد صغير ولا كبير، ولا حق فيتو ولا صار قانون، ولا ذرة… (..آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ..) الله فقط، (..آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ..) وذاك الذي كنتم معظمين له؛ (..وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ..) [غافر:84]، والتقدم حقكم والتطور والتكنولوجيا؟ (..وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ..) [غافر:84]، خلاص الله! 
  • (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ..) [غافر:85]، الإيمان في هذا الساعة لن ينفع، لو كان في الدنيا قبل ما يأتيك الغررة آمنت؛ نفعك ذلك ونجاك من عذاب الله. لكن بعد ذلك في الآخرة نحن وجميع الناس سواء، فرعون ولا النمرود ولا أبو جهل، وللقوم عاد؛ كلهم في القيامة مؤمنين، كلهم في القيامة خاضعين، كلهم في القيامة موحدين، لكن ما ينفع ينسحب عليهم ما كان في دنياهم من الشرك والكفر والغي والضلال والبعد والعناد ينسحب عليهم.
  •  وأما عند الموت كلهم مؤمنين، من هو لي بمؤمن؟ كلهم مؤمنين، كلهم لكن الإيمان ما عد ينفع (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) [غافر:85]؛ فهذا مستقبلهم خُسْرَان.  

 

ونحن بإنذار الله ننذرهم، انقذوا أنفسكم؛ فإن الله أرسل اليكم رسولًا نذير، بين يدي عذاب شديد، وأخبركم أنكم تموتون كما تنامون، وتبعثون كما تستيقظون، وأن المسألة أكبر من هذه الأرض والكوكب الذي نحن عليه، اكبر بكثير وأعظم، إنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا.  اللهم اجعلنا من اهل جنتك، نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. 

(قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (34)) أيام كنتم في الدنيا، أما اليوم قد آمنتم وأسلمتم ما عاد ينفع لأن كل واحد يسلم، أعتى واحد وأعند واحد كلهم يسلمون عند الموت خلاص ينتهى كل شيء؛ لكن ما عاد ينفع هنا (..يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا..) [الأنعام:185]. 

قال: يا حبيبنا هذه الحقائق الواضحات التي تحملها للناس فتحمّل ما قالوا عنك، وتحمّل ما آذوك، وتحمّل ما عاندوك، فإنهم غابت عليهم الحقيقة وإلا ما رضوا لأنفسهم بهذا، وأنت مختارنا لتكون القدوة الكبرى والمثل الأعظم؛ فاصبر على سبهم على شتمهم على أذاهم؛ على عنادهم؛ على تكذيبهم؛ وهم يوقنون أنك رسول -لا إله إلا الله-، (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ..(35)) مضى قبلك أنبياء أرسلناهم يبلّغون ويأخذون العهد للإيمان بك نادتهم شدائد: 

  • (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ) [الانعام:34]،
  • ( مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ..) [فصلت:43]،
  • (كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ) [البقرة:118]،
  •  يقول سبحانه وتعالى: (فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَٰؤُلَاءِ ۚ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ ۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ) [هود:109]، كما عملنا بالأولين نصلّح لهم مثل هذاك.

 ومضت سنّة الله في الخلق هكذا -لا إله إلا هو-؛  فيويل مغرور بشيء من السنوات يُملأ فيها لظالم، يُملأ فيها لفاجر، يُملأ فيها لكافر؛ ثم تنقلب الأمور عليه ويصبح عبرة؛ فاحذر من الغرور؛ واستعد ليوم البعث والنشور؛ وراقب العزيز الغفور.

 (..قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ) -يا حبيبنا- (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ..(35))؛ 

  • جاء عن ابن عباس: أولي العزم من الرسل النبي محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى؛ وهذا أصح الأقوال عند أهل العلم.
  •  وقد جاء عن بعض الصحابة والتابعين أن من أولي العزم: هود عليه السلام.
  •  وجاء عن بعضهم أنّ من أولي العزم: صالح. 
  • وجاء عن بعضهم أنّ من أولي العزم: داود وسليمان 
  • والقول الراجح الذي عليه جمهور أهل السنة أن المقصود بأولي العزم أي: أولو الصبر الشديد والقوة وتحمّل المشاق والمكابدة للأمور أنهم الخمسة: زين الوجود محمد وخليل الرحمن إبراهيم وكليم الحق موسى وعيسى بن مريم ونوح عليه السلام الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً -صلوات الله وسلم عليهم-.

 قال الله لحبيبه: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ..(35))؛ فإن لهم أياماً يقضونها بعِلمِنا وتقديرنا وحكمتنا ولا ينزل بهم ما أوعدناهم به من عذاب إلا في الوقت الذي رتبناه ولا يجدون من المآل إلا السوء والشر (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) [مريم:84]، (وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ) حتى فيما تجاهدهم به بحسب ما نشير عليك ونشرع لك لا تستعجل؛ لأنه لا يخرج شيء عن قبضتنا -أطمئن-..

  • قال سيدنا موسى وهارون: (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ * قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ * فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ..) [طه:45-47]، 
  • وذهبوا الأثنين لا سلاح معهم ولا قوة و يأتون أمام الملك هذا المدّعي الألوهية، السفّاح السفّاك، كلموه: آمن بربك، (فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ ) [النازعات:18-19]، 

وذهبوا بالرسالة ولا قدر يمس موسى ولا قدر يمس هارون، وأين القوة حقّه؟ وأين المملكة؟ وأين ..؟ وامتلأ قلبه بالرعب من موسى حتى لما جاءوا يشتكون إليه حقّه الوزراء والكبراء لديه يقولوا: (أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ..) هكذا تخلّيهم؟ ما ذكر موسى لديهم و (..قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) [الاعراف:127]؛ ما ذكر موسى أبدا! 

طيب هذا الراس حقّهم -موسى- امسكهم، ما مسكهم ولا قدر يصلّح شيء فيهم، لماذا؟ لأن الملك الأعلى لم يأذن له بل قال له: أنت الذي قاعد تقتّل ألوف النفوس خوفا من الذي يزول ملكك على يده، الذي يزول ملكك على يده من بينهم ربِّه وسط قصرك وأنفق عليه من مالك، وأعطه وأعطي أمه النفقه حتى يكبر، فتربّى عنده وهو يقتّل، يقتّل؛ لأنه عنده أخبار من علماء قومهم أن واحد من بني إسرائيل يقوم؛ فعلى يده يزول ملكك، قال: اقتلوهم،  قتّل عشر ألف وعشرين ألف ثلاثين ألف صبي، يقتّل إذا وُلِد مولود ، هذا الصبي الآن يأتي له عنده وسط قصرك وربه داخل عندك وأكله. 

ما القدرة هذه؟  فألقيه في اليم (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ) [طه:39] لا إله إلا الله. (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [القصص:9]، تأخذه ولد، ثم يحاولون إرضاعه وما رضي يرضع من أحد، كل ما جابوه له مرضعة، والصبي بيموت علينا والآن هم حريصين على حياته، جاءت لهم أخته ثاني يوم، -تقول لبنتها اذهبي وانظري ما الخبر، أمها- أم كلثوم اسمها أخت سيدنا موسى: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) -هاتي لي خبر- (فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ..)؛ صاروا زعلانين بغوا أحد يرضع، (..فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) [القصص:11-12]، هل سيرضعونه؟، قالوا: تفضلي هاتي، فرجعناه إلى أمه، رردناه (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص:7]، تجيئ عنده إلى القصر حق فرعون وترضعوا وتعطونها أجرة، يغذونه وعادهم ينفقون على أمه -لا إله إلا الله- وإلى أن جاء وأزال الله ملكه على يده.

 يقول: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ  ..) القوة والتحمل والمكابدة (..مِنَ الرُّسُلِ (35)) صلوات الله وسلامه عليهم.

  • وقد قيل: أن من بيانها والمرادة الرسل كلهم من قبلك، (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) أي المرسلون الذين قبلك صبروا، أنت صبروا وراهم. 
  • وسمعتم أصح الأقوال عند أهل السنة أن هؤلاء الخمسة أعظم المرسلين فهم أفضل الخلق: نبينا فإبراهيم فموسى فعيسى فنوح، وهكذا عند أهل السنة ترتيبهم في الافضلية : 

مُحمَّدٌ إبراهيمُ موسى كَليمُهُ *** فعيسى فنوحٌ هم أولو العزمِ فاعلمَ

(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ ..(35))، في الوقت الذي سيأتون إليه ونجمعهم أولهم وآخرهم، (..كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ..) عند معاينة أهوال القيامة تتحول الدنيا من أولها إلى آخرها واعمار كلهم، الذين تعمروا سبعين وأربعين، الذين تعمروا خمسين ومائة، الذين  تعمروا مائتين والذين  تعمروا ألف سنة؛ تلك الساعة من أهوال القيامة الدنيا والحال التي مضت بهم كلها مثل ساعة. 

(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) [النازعات:46]، (..كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ..(35))، قال الله لحبيبه: هذه الرسالة وهذا النبأ العظيم (بَلَاغٌ ۚ) تبلّغه عنّا لخلقنا والمكلفين من عبادنا فإنك خاتم أنبيائنا بلّغهم، هذا (بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35))، بعد هذه البيّنات وبعد هذا الوضوح وبعد هذه الدلالة؛ (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. 

قال بعض أهل العلم: أراها أرجى آيه؛ (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35))، و أراد بهم الكفار، قال: ما أحد يهلك الا هم، هم الهالكون وحدهم، (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) وهذا آخر سورة الأحقاف لننتقل بعدها إلى ما قبلها من سورة الجاثية إن شاء الله.

بارك الله لنا ولكم في القرآن، وتأمل القرآن، وتلاوة القرآن، وفهم معاني القرآن، والاطلاع على أسرار القرآن، والعمل بما في القرآن، ومزج القرآن ونوره بلحومنا ودمائنا وأجزائنا و كلياتنا، وجعلنا عندهم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وبارك لنا في هذا البلاغ الذي أحمله سيدنا، وأحسن أداءه وأحسن البيان والدلالة لنا، اللهم اجزه عنّا خير الجزاء، اللهم اجزه عنّا أفضل الجزاء، اللهم اجزه عنّا أحسن الجزاء، اللهم اجزه عنّا أشرف الجزاء، واجمعنا به في الدنيا وفي البرزخ ويوم اللقاء وفي دار الكرام والهنا، بجاهه عليك ومحبتك له ومحبّته لك لا تفرّق بيننا وبينه، اللهم بجاهه عليك ومحبّتك له ومحبّته لك لا تفرّق بيننا وبينه، اللهم بجاهه عليك ومحبّتك له ومحبّته لك لا تفرّق بيننا وبينه، وارزقنا مرافقته وأنت راض عنّا في لطف وعافية.

 

بسرّ الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة 

الصورة
تاريخ النشر الهجري

13 رَمضان 1445

تاريخ النشر الميلادي

22 مارس 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام