تفسير سورة النحل، من قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ..}، الآية: 97

تفسير سورة النحل
للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة النحل، من قوله تعالى:

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) }

ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية بدار المصطفى بتريم

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله مكرمنا بالوحي والتنزيل، وبيانه على لسانِ خيرِ هادٍ ومعلم ودليل، من ختم به النبوة والرسالة، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وأحبه واتًّبع منهجه وصفاته وأقواله وأفعاله، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، من أحسنوا البيان لأممهم والدلالة وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكة الله المقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،، 

فإننا في نعمة تأمُّلنا لكلام ربنا جلّ جلاله وتعالى في علاه انتهينا في سورة النحل إلى قول الله جلّ جلاله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100))، يُبين الحق تبارك وتعالى لنا هذا الحكم والحقيقة الواقعة في شأن المكلفين. يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ)؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) ونصَّ على النوعين لأن: التكليف والخطاب من الربِّ لهذا النوع من الإنسان بجنسيه الذكور والإناث. 

ولقد خلق الله أبانا آدم وخلق من ضلعه منه أمنا حواء عليها السلام، وابتدأ بهما قيام أداء المهمة على ظهر الأرض والخلافة عن الله تبارك وتعالى؛ بذلك علمنا أن الإله الذي خلق الإنسان من نفْسٍ واحدة (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاء) [النساء:1]، جعل الخطاب والتعليم والمنهج للنوعين؛ سواءً الرجال والنساء من هؤلاء الذين آتاهم؛ آتاهم المؤهلات من العقول والأسماع والأبصار والمدارك والأحاسيس والأذواق يَتَهَيَّؤُون بها؛ لتذكُّر ما كان في عهدهم الأول في عالم الأرواح، ويعلمون بها صدق من يرسل إليهم من المرسلين صلوات الله وسلام عليهم، ويهتدون بها إلى وجود خالقهم وموجدهم ومنشئهم، وأنه يجب أن تكون صفاته صفات الإله الذي لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئًا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11].  

فخاطبهم وجعل لهم المناهج وهكذا،وجعل التوجيه والتوجه بالخطاب كثيرًا ما يأتي بمثل: من، أو (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)؛ وإن كان يُعنى بها النوعان -الجنسان- ولكن في آيات مخصوصة نص على ذلك مثل هذه الآية: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا)، يشمل الذكر والأنثى؛ (مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ)، كما قال: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ)؛ يشمل الذكر والأنثى وقال: (وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ)، قال: (وَالمُؤْمِنَاتِ) [الأحزاب:35]؛ للتأكيد أن إلٰههم الواحد، وجَّهَ لهم الدِّين؛ وجَّهَ لهم الأمانة؛ وجَّهَ لهم المنهج؛ وجَّهَ لهم الخطاب -جل جلاله-. (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ)، فأي ذكر ظنَّ أنًّ غير الله أرحم به أو أعلم بمصلحته، أو أيُّ أنثى ظنَّتْ أنّ غير الله أعلم بمصلحتها وأرحم بها، فأخذوا يطلبون منهجًا غير منهج الله؛ فقد ضلّوا وتجرؤوا وأخطأوا وجانبوا الصواب وعاندوا الإله الذي خلق. 

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ .. (97))، فإن الأعمال الصالحات إذا برزت من معروفٍ أو كرمٍ أو سخاءٍ أو إنقاذ إنسان أو إسداء يدٍ طيبة في مساعدة في مرام أو تخليص من شدة إلى غير ذلك. إذا صدرت من الذي لم يهتدي إلى ربه، ولم يعلم خالقه؛ فإنه إنّما يعملها بحكم الفطرة، أو بدافع أن يُذكر أو دافع الاستجابة للرغبة الجامحة من آثار الفطرة التي عنده؛ فالغالب أن يمتزج بذلك: أن يُذكر وأن يُشهر وأن يصل أيضًا إلى مصالح من مصالح الدنيا؛ فلذلك لا يترتب على عملهم ذلك وحسناتهم ثواب في الآخرة فإنهم كفروا برب الآخرة؛ لم يؤمنوا به وكذبوه، كذَّبوا به سبحانه وتعالى وكذبوا بما جاء عنه؛ ولهذا قال: (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فالقيمة لأي معروف وخلق حسن؛ إن كانت مع الإيمان فالقيمة شريفة وغالية، وإن كان الإنسان بطبيعة نفسه يحب من يحسن إليه أو يساعده في قضاء غرض من أغراضه؛ ولا يبالي أن يكون مؤمن أو كافر. لكن لا يجوز أن يعتقد أو يستقر في الضمير؛ أن قدْر كافر يكون كمثل مؤمن، فضلًا على أن يكون أفضل منه! ولو عملوا ما عملوا من الصالحات وهم كافرون بهذا الإله؛ لم يكن لعملهم ذلك قدْر ولا مقام عند الإله؛ لأنهم لم يعملوا له ولا قصدوه؛ بل وقعوا في التكذيب به -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. 

فالعجب من العقليَّات القاصرة التي تريد أن تفرض عليه أن يُثيب أي أحد، ولو كفر به، ثم إذا جاءت إلى من يكذِّبْ بها؛ أفراد هؤلاء و بمناهجها ويخالفه ولا يرضى أن يعطي أجر ولا يكافئه على حسنة؛ ويقول هذا يحتاج إلى عقاب بحكم القانون وبحكم هذا! هذا مفروض أن يعاقب ومفروض يُحارَب! عجيب! أنت إذا لم يُراعَ حقك فلا حسنةً لأحد! والرحمن يُكفر به وعليه بفرضك أنت كأنك الإله! كيف !! كلام، لا أصل له، لا حقيقة له، لا معنى له، لا أساس له. الخلَّاق يفعل ما يشاء، (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23]؛ هذا وصف الألوهية، فأرادوا أن لا يُسألوا هم عن ما يفعلون وأن يَسألوا الخالق  لِمَ فعل؟!  فلا يتأتَّى هذا العكس في القضية والتناقض مع الحقيقة! . 

يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ .. (97))، نعم، فاعل المعروف ولو كان كافرًا يُكافَئُ في الدنيا بشيءٍ، وهذا من فضل الله؛ خلْقُه من الله و قيامه بفعل ذلك المعروف أوالخير من الله، واتِّصافه بذلك الوصف إذا اتَّصف به من الله، وفوق ذلك يراعيه في الدنيا يعطيه مقابل ولا عليه مقابل، ولكن يدفع عنه أوصاب وآفات كثيرة في الدنيا. وأيضًا لا يكون العذاب في الآخرة بالنسبة لكافر مؤذٍ ضارٍ لا يصنع المعروف كعذاب كافر آخر غير ضار وغير مؤذ أو مقدم لمعروف مثلا، ذاك عذابه أخف من غير شك، غير عذاب الكفر، عذابهم على الأعمال يختلف. هذا في حكم الذي خلقهم ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه -سبحانه وتعالى- يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ويرحم من يشاء. اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة. 

يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، فاحمد ربك على الإيمان أيها المؤمن، ويعظم عملك ويعظم وصفك الصالح وعملك الصالح ومعروفك الذي تعمله؛ بسبب الإيمان ويكون عُرضة أن يُقبل عند الرحمن "وإن الله ليربي لأحدكم صدقته كما يربي أحدكم فلوَّهُ" -يعني ابن الفرس-؛ "حتى تكون التمرة كجبل أحد"؛ من مضاعفة الله تبارك وتعالى لها فضلًا من الله، فاشكر الله أيها المؤمن، اللهم لك الحمد شكرا ولك المن فضلا. وقال عن الكافرين وما عندهم: (...أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمد:1]، (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) [الفرقان:23]. اللهم لك الحمد على نعمة الإيمان فزدنا إيمانًا.

ولذا نقرأ في حديث نبينا ﷺ عن صوم رمضان، عن قيام رمضان؛ ربطه بالإيمان، "مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ"، "من قام رمضان إيمانًا وإحتسابًا غَفر الله لهم ما تقدم من ذنبه"، "ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ"، "فرض الله عليكم صيامه وسننتُ لَكمْ قيامَهُ، فمَنْ صامَهُ وقامَهُ إيمانًا واحتسابًا خرج مِنَ ذُّنُوبه كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"؛ نعمة من الله. لكن صام إيمان، قام إيمان، مُصدق موقن محتسب، لا يصوم ولا يقوم عادة ولا  لموافقة أصحاب ولا من شأن أن ينظر إليه أب، ولا من شأن عادة المجتمع الذي هو فيه؛ يقوم إيمان؛ ثم مع هذا الإيمان، ما يكون له غرض من الأغراض النفسية والأغراض الدنيوية، إحتسابًا؛ فيُحصّل هذا الثواب العظيم فنسأل الله أن  يبلِّغنا رمضان ويجعلنا نقومه إيمانًا وإحتسابًا ونصومه إيمانًا وإحتسابًا؛ ويوفقنا لقيام لليلة القدر إيمانًا وإحتسابًا.

يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً .. (97)) نِعمَ المُحييِ -سبحانه وتعالى- يمدك بحياة غير هذه الحياة التي يستوي فيها البر والفاجر والمؤمن والكافر والإنسان والحيوان؛ اترك هذه! حياة أخرى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال:24]؛ (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) بالتأكيد يسمونه: لام التوكيد علماء اللغة، والنون: نون التوكيد فلنحينه؛ ونون العظمة قال الله جاب نون العظمة؛ لم يقل لأحيينَّه بل قال: (لَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)؛ وأنعِم بحياة سمَّاها ربُّكَ (طَيِّبَةً)، اللهم أحينا حياة طيبة، (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) ما هي الحياة الطيبة؟ يُرزق من الحلال إن كان موسَّعًا له فيه، فموفَّقٌ لإنفاقه في الخير والتصدق به ولتفريج كرب المكروب ولمساعدة الملهوف والإعطاء في النوائب. وإن كان مضيَّق عليه فيه فرضاء وتسليم؛ والكل عنده قناعة وعنده رضاء وعنده طمأنينة، مع هذه الحياة الطيبة طمأنينة في القلب يجدها المؤمن ما يمكن توجد عند غير مؤمن ولو ملك الأرض من طرفها إلى طرف، يجد طمأنينة -الله أكبر- (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ) [الرعد:28]. 

و وراء ذلك في الحياة الطيبة؛ معارف ولطائف من اللطيف يواصل بها عباده، لذلك كان يقول سيدنا  جعفر الصادق(فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)؛ قال: هي المعرفة بالله، هي المعرفة بالله. فيعيش في سرور وأنس وصفاء عجيب (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس:58]. الله أكبر! (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، يقول  سيدنا الإمام الحداد:

تحقَّقْتُ مَطْلُوبي فأَسْرَعْتُ نَحْوَهُ ***  فَدَامَ سُرُورِي وَاْضمَحَلَّ عَنَائِي

وَدَامَ شُهُودِي وَاْسْتَمَرَّتْ مَوَاسِمِي *** وَطَابَ زَمَانِي وَاسْتَدامْ صَفَائِي

-الله أكبر- بي يعيش هذه العيشة حتى عبر عن مجلى من مجاليها، قال:

بِرَبّي قِيَامِي لاَ بِنَفْسِي وَلاَ السِّوَى … فَشُكْري لَهُ سُبْحَانَهُ وَ ثَنَائِي

الله أكبر، (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)  وفيها قال صلحاء الأمة: لو يعلم الملوك ما نحن فيه بالليل، أي من اللذة والراحة والحلاوة؛  لجالدونا عليه بالسيوف -لا إله إلا الله-. 

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، يا ما أطيب الحياة التي هي عندك يا رب الأرض والسموات، طيبة، والنهاية بعد ذلك (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97))؛ حياة طيبة في الدنيا وفي الآخرة. (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الله أكبر؛ فيُكافَئُ المُكافَىء منهم؛ ومنهم من يُجازى، ويقال: انظروا أعظم حسنة من حسناته، كم بلغت مضاعفتها؟ فقال، أكبر واحدة ضاعفتُها أكثر؛ هي الحسنة الفلانية يا رب، تضاعفت إلى كذا كذا من الأضعاف، يقول: اجعلوا جميع حسناته مثلها، كيف ؟!! (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم) ليس بحُسن ما كانوا يعملون؛ بل (بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أحسن واحدة؛ يعطي أجر على الكل مثل الأحسن - لا إله إلا الله- ما أكرم جوده! ما أكرم فضله! ما أعظم فضله! ما أجمل إحسانه لعبده المؤمن! اللهم حققنا بحقائق الإيمان.

يقول: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)) فيا بشرى لمن عمل الصالحات من الذكور والإناث، وفِقنا للعمل الصالح. 

قال تعالى: وطريق الاستقامة على العمل الصالح والثبات فيه والرقي في مراقيه؛ قراءة القرآن وتدبره (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ..(98)) هذا وعدنا لمن آمن وعمل صالحا (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) يقول: امضوا في الأعمال الصالحة ومن أعظمها قراءة القرآن في رمضان خصوصًا؛ في سائر الأشهر عمومًا، (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) [الفرقان:30]، (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص:29]، (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد:24]. يقول: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)؟ [القمر:22]، (فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)؟. 

قال: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ .. (98))؛ أي إذا أردت قراءة القرآن. (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ .. (98)) تحفَّظ وتحصَّن وتوقى واحترز،  (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) جلّ جلاله (مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)) الشيطان المبعود عن رحمة الله، الرجيم الذي رُجم باللعنة؛ قال له الجبار (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ) [ص:78]، نعوذ بالله من غضب الله. 

(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)) أن القرآن محل تجلّي أوحاه الله إلى قلب النبي محمد وبلغه لسانه العبد فإنما يسرناه بلسانه، ثم جعل لنا حفظا له وكتابة له وقراءة وتلاوة له وكلما تلوناه؛ تهيّأنا للفهم عن الله والوعي لما أوحاه جل جلاله، وتجلي المعاني وانكشاف الإشارات والأسرار في الكتاب العزيز؛ ولذا قال: (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)؛ لأن الذي يحول بينك وبين حسن الفهم والتدبر عدو الله، عدوك بايقاع الوسوسة عليك والغفلة. (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، واجتمع على القرآن وتأمُّل معانيه وتدبره فإنه يُكشف لك من سرِّ ما فيه وعظمة ما فيه؛ نصيبك بقدر استعدادك، بقدر طهر باطنك، وصفاء ذهنك، وقوة اقبالك وجمعيتك على القرآن. فالله يجعلنا وإياكم من أهل القرآن. 

(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)) وأفضل صيغة فيها: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، ويروى: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، والأولى هي الأكثر فيما ورد عنه ﷺ، وروي عنه: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ؛ قبل القراءة وهي السنة عند جماهير علماء الأمة. وقال عطاء: بوجوبها وقال: واجب من سيقرأ القرآن: يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لقول الله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) فحمله جماهير أهل العلم على الندب. وقال عطاء: إنه واجب؛ فيجب الاستعاذة بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. 

وهكذا علّمنا أن نتحصن ونتحفظ به -جلّ جلاله- كلما حاول الشيطان أن يغوينا (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف:200]. وهكذا يقول جلّ جلاله: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) كما سُنت لنا الاستعاذة كلما ننزل منزل خصوصًا في الأسفار ونقول عند نزول منزل: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّات مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ؛ فلا يضرنا شيء حتى نرتحل من ذلك المنزل. كذلك عند دخول الخلاء نتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومِنَ الخُبْثِ وَالخبائِثِ‏. ففي مواطن استحب لنا فيها التعوذ: (وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ) [المؤمنون:97-98]؛ فينبغي أن نستعيذ ونتحصن بالله تبارك وتعالى. استعاذتنا وتحصننا بالله من الشيطان خضوعنا لجلال الله، اقبالنا على الله، عملنا بطاعته جل جلاله. 

فإذا كان واحد يستعيذ بلسانه ويميل بقلبه إلى الشرور والمحذور واتباع  العدو، فمثاله؛ مثال من يعرف أن فيه تحصن من السبع إذا جاء يفترسه، حصن مبني بناء موجود؛ يُقفل، ماعاد يقدر عليه السبع. فأقبل السبع بجانبه حصن، قال: أنا أعوذ بك  بهذا الحصن، سمعت يا سبع، أنا أعوذ بهذا الحصن منك، هذا الحصن موجود، أنا مُستعيذ به من دون ما يدخل الحصن، ها! فيلقمه؛ يأكله ويذهب ، إذهب و ادخل وسط الحصن وأقفلهُ وخلاص، انتهت المسألة؛ وهكذا معنى (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)؛ تعوذ بالله، أي تخضع له، تعظِّمه، تمتثل الأمر، الآن أنت في الحصن؛ العدو ما بيقدر عليك. وأما فقط (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وانت تتّبِعه وقلبك مائل إليه!!! ولكن ادخل في الحصن: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). 

(فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) إنه عدو الله إبليس. وهؤلاء وأتباعه كلهم، وكل الذي ينشرونه من الشر في وسائل التواصل الاجتماعي و في الإنترنت في الأجهزة هذه، كل الذي ينشرونه؛ (سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ .. (100))،  (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا .. (99))، إيمان الحق، إيمان الصدق؛ الإيمان الذي ُينهض حال صاحبه للاعتصام بالله -تبارك وتعالى- والعمل بطاعته؛ هذا الإيمان الصالح القوي. (لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)) ما يعتمدون لا على إيمانهم ولا على أعمالهم الصالحة، ولكن على الله يعتمدون (وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99))؛ فعلى قدر الإيمان والتوكل على الرحمن تصان من الشيطان.وصيانتك وحفظك منه على قدر الإيمان والاستعاذة بالرحمن جلّ جلاله والتوكل عليه جلّ جلاله. فتوكل على الله بالصدق وقوِّ إيمانك بالله وسيحرسك منه ومن كيده و وسوسته وتلبيسه وإضلاله ونفثه ولمزه وهمزه وغمزه وكل ما عنده، الله أكبر. 

وإذا سمعتم: لما أراد السفر بعض التلامذة عند بعض العلماء الصالحين، و أراد منه الوصية. قال له: بلدك التي  ستسافر إليها يا ولدي فيها شيطان؟ قال يا شيخ تعلم أن الشياطين كثير ربي بثهم في كل محل ويمشون. قال: فكيف تعمل إذا وسوس لك الشيطان فيما علمناك وفيما أخذت من معرفة الشريعة والدين؟ قال: سأجاهده! قال سيرجع يوسوس عليك، قال: سأجاهده! قال: يا ولدي إذا دعاك كريم إلى ضيافة عنده في البيت، وجئت تريد أن تدخل محل الضيافة، وإذا كلب في الطريق اعترضك ينبح عليك، ماذا تعمل؟ قال: أحمل حجرة وأرميه. قال: حملت الحجرة ورميت به ورجع ينبح عليك. قال : بأحمل وحدة ثانية وأرميه. قال: حملت الثانية ورميته ورجع ينبح عليك يمنعك من الهرب. قال: بأحمل ثالثة. وقال: ثالثة ورابعة وخامسة، سيكملوا الغداء وسيخرجون والمائدة كملت وانت والكلب، تعرف كيف الطريقة الصحيحة؟ قال كيف؟ قال نادِ صاحب البيت؛ إذا اعترضك نادِ صاحب البيت، قل: إيه يا صاحب البيت أنت دعوتنا للخير هذا والكرم وهذا الخبيث قاعد في الطريق. كلبك، أبعده، قال: بإشارة واحدة من صاحب البيت يروح. قال: وانت تدخل بسرعة، قال: ما شاء الله تصل قبل الناس ومع الناس ولا عاد يفوتك شي، هل فهمت يا ولدي؟ قال: ابليس، كلب قاعد على باب الجنة ما يخليك تدخل الجنة؛ يصدك عن الله، نادِ على صاحب البيت! فاستعذ بالله، قل لصاحب البيت: انظر الى الكلب هذا في الطريق  ليبعد عني. 

(إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ .. (100)) يسمعون كلامه وينقادون له ويصدقونه وهم وإياه ليل ونهار، كلما أتى لهم بفكرة، قالوا: لبيك ومعك؛ متسلط عليهم، يلعب عليهم كما يلعب الصبيان بالكرة. قال: (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100))؛ أي بسببه مشركون بالله تبارك وتعالى؛ فيعتقدون إلها غير الله، لا إله إلا الله الواحد القهار. (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100))، قال الله سبحانه وتعالى: وأنت في بلاغك لهذه الرسالة مامونٌ من قِبلنا، عجب ممن يكذِّبك وأنت الصادق وأنت بالحق ناطق والبراهين والدلالات واضحة ولكن التلبيس والتدليس وراك. 

(وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ .. (101)) ونسخت آية إما تلاوةً وإما حكمًا، وجاء حكم غيرها، (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ .. (101)) قال: أنا أدري ما الذي أُنزله؛ (قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ .. (101))، يكذبونك؛ يقولون: يوم تقول كذا يوم تقول كذا؛ وهذه حكمة من حكم الله تعالى في الشرائع السابقة. جعل شريعة فيما يتعلق بالفرعيات وتفصيل الأعمال في الحلال والحرام؛ تختلف من شريعة إلى شريعة؛ فيكون الحكم لكل طائفة، ولكل قوم، لكل زمن، ما هو الأنسب لهم؛ يحكم الله تعالى عليهم وجاء النبي الخاتم فجعل الله صورة جميع الشرائع المتقدمة، في شريعته الكاملة؛ لأنها كلها شريعته من أيام آدم عليه السلام، إلى أن جاء، فهي شريعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام. ولكن بعد أن برز وختم النبوة جعل الله تعالى من حكمته أن في الشرع الذي أنزل عليه، في فرعيات الأمور لا ياتي نسخ في الأخبار ولا في الأساسيات ولا في الإيمانيات هذه موجودة في الأصول. ولكن في الفرعيات في التحليل والحريم. وتُحرم الأشياء في أوقات وتُأخر. تأخر تحريم الخمر طول 13 سنة في مكة وطول السنة الأولى في المدينة المنورة، ثم نزل تحريم الخمر وصار حرام. 

وياتي نسخ بعض الأحكام يكون في وقت من الأوقات هذا أنسب. ثم يرتب الحق بعلمه المحيط بكل شيء ما هو أنسب بعد ذلك لجميع الأمة بمختلف أزمانها وأماكنها وقرونها وثقافاتها إلى أن تقوم الساعة؛ هو الخاتم الذي يختم به شريعة النبي محمدﷺ؛ فلهذا جعل الآخر من أقواله ومن أفعاله ومن أحكامه هو الثابت الراسخ إلى أن تقوم الساعة. لا يمكن لعقول البشر أن يهتدوا إلى خير منه ولا إلى أحسن منه -جلّ العليم، جلّ العليم القادر، الخالق الفاطر-. فجاء هذا النسخ فلما جاء هذا النسخ بلبل بعض المنافقين، كيف رأيت؟ نسخت هذه الآية وهذه؟ من عنده يأتي بالكلام ؟!!! (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101))، لا يعلمون سر النسخ والتبديل الرباني. وقال تعالى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا) -وفي قراءة (ننسئها)- (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:106]. فما يعلمون أسرار نسخ هذا ويقومون يتهمون النبي، وهكذا حال المشككين والمتشككين الذين يصدقون الأوهام أوالخيالات من النفوس أو من من حولهم من الشياطين، يقولون: لماذا يقول كذا؟ لماذا يعمل كذا؟ إن كان ولي وإن كان عالم، لماذا يعمل هذا؟ أه؟ عنده كذا أه؟ إعمل كذا وكذا أه؟ 

(وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ .. (102)) هذا وحي من الرحمن ياتي به جبريل، روح القدس. روح القدس، الطهارة والنقا والنزاهة؛ لا يكذبون ولا يغشون ولا عندهم نقص من النقائص خلقهم الله على كمال، وخلقهم الله على عصمة؛ (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) -اللهم اجعلنا منهم- (وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (102))، اللهم حققنا بحقائق الإسلام والإيمان. 

ومع ذلك يرون كلام معجز، ما يقدرون يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ، معجز في اللفظ، معجز في المعاني؛ ولا يجدون مثلها، ومع ذلك يقولون: هذا يعلِّمه إياه، فلان بن فلان ذاك -يذكرون واحد أعجمي يتكلم بالرومية وما يعرف العربية-. يقولون: هذا يعلِّم محمد، هو كان قرأ كتب سابقة، وقال: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ) -يعني يميلون إليه ويشيرون إليه- (أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103))، و ماهذه العقول؟ عربية أعجزت العرب أن يأتوا بمثله!! ويأتوا بواحد غير عربي، هذا كلام لا يدخل في العقل! من هذا! (لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103))؟ نتحداهم!! لا يقدرون أن يأتوا بمثل ألفاظه ولا معانيه، الله أكبر، كيف يأتي به من أعجمي؟ لا إله إلا الله؛ (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ .. (102)) جل جلاله وتعالى في علاه. وهكذا رد الله عليهم فيما يتقولون: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان:5-6]، الله أكبر. 

الحمد لله على هذا التنزيل، والحمد لله على هذا الهادي والمعلم والدليل، اللهم صلِّ على سيدنا محمد أفضل الصلاة والتسليم وسلِّم عليه أفضل التسليم والتبجيل وعلى آله وصحبه من سار في دربه، وأصلح شؤوننا بما أصلحت به شؤون الصالحين ورقنا إلى أعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، واختم لنا بالحسنى وأنت راضٍ عنا يا أكرم الأكرمين. 

تاريخ النشر الهجري

21 شَعبان 1444

تاريخ النشر الميلادي

13 مارس 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام