كشف الغمة -129- كتاب الصلاة (21) أحكام المساجد وآدابها (3)

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (21) أحكام المساجد وآدابها (3)

 صباح الأربعاء 12 رجب 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  فضل إضاءة المسجد
  •  الاعتناء بفرش المسجد بالحصير وغيره
  •  يستحب تجمير المسجد بالبخور وتجنب الروائح الكريهة
  •  بماذا تُطيّب المساجد؟
  •  حكم الوضوء في المسجد
  •  خطر البصاق والنخامة في المسجد
  •  متى يجوز إدخال الطفل للمسجد؟
  •  الحِرف والصناعة في المسجد
  •  أحكام البيع والشراء فيه
  •  الصلاة بالنعل وهل يعفى طين الشارع

نص الدرس مكتوب:

"وكان علي -رضي الله عنه- إذا مر على المساجد في رمضان وفيها القناديل مسرجة يقول نوّر الله على عمر في قبره كما نوّر علينا مساجدنا، وكان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يقول: "من علق قنديلًا مسرجًا في مسجد صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يطفأ ذلك القنديل، ومن بسط فيه حصيرًا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يتقطع ذلك الحصير"، ويقول: سمعت ذلك من رسول الله ﷺ.

 وكان رسول الله ﷺ يأمر بكنس المساجد ويقول: "إنه مهر الحور العين"، وكان ﷺ يأمر بتطييب المساجد وتنظيفها وصيانتها من الروائح الكريهة ويقول: "عُرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد"، وكان ﷺ يأمر بتجمير المساجد في الجمع، وأن تصلح صنعتها وتطهر ويتخذ على أبوابها المطاهر، وكثيرًا ما كان ﷺ يتوضأ في المسجد، وكان وضوءه خفيفًا، وكان ﷺ إذا رأى بصاقًا في المسجد حكه بيده وتغيظ ثم دعا بزعفران فلطخه به" قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وذلك أصل لجعل الناس الخلوق في المسجد.

وكان عمر -رضي الله عنه- يأمر بفرش الحصاة في المسجد للصلاة عليه، وكان ﷺ كثيرًا ما يقول: "البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها"، وفي رواية "مواراتها"، وقال السائب بن خالد -رضي الله عنه-: "دخل رجل المسجد فأم الناس فبصق في القبلة و رسول الله ﷺ ينظره، فقال رسول الله ﷺ لقومه حين فرغ لا يصلي بكم، فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله ﷺ، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ فقال: "نعم إنك آذيت الله ورسوله، وإن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي البضعة أو الجلدة في النار". 

وكان ﷺ يقول: "لا يبصق أحدكم عن يساره إلا أن يكون الموضع فارغًا"، وقال أبو سعيد -رضي الله عنه- رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق على البوري يعني على القصب ثم مسحه بردائه فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله ﷺ يفعله. 

وكان ﷺ يقول: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم، وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ سيوفكم"، وكان ﷺ يقول: "من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه"، وكان ﷺ يقول: "خصال لا ينبغين في المسجد لا يتخذ طريقًا، ولا يمر فيه بلحم نيئ، ولا يتخذ سوقًا، وسيأتي قوم في آخر الزمان يتخذونه طريقًا، ويجلسون فيه لحديث الدنيا ليس لله فيهم حاجة".

وكان عثمان -رضي الله عنه- يخرج من يخيط في المسجد ويقول: جنبوا مساجدكم صنّاعكم، وقال علي -رضي الله عنه-: دخلت مرة المسجد مع عثمان -رضي الله تعالى عنه- فرأى فيه خياطًا فأمر بإخراجه، فقلت: يا أمير المؤمنين إنه يقم المسجد أحيانًا ويرشه ويغلق أبوابه، فقال: يا أبا الحسن المسجد منزه عن ذلك. وكان ﷺ يقول: "لا تمشوا في المساجد والأسواق وعليكم القمص إلا وتحتها الأزر"، وكان ﷺ يقول: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثًا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن

 

الحمد لله مكرمنا بأنوار شريعته ومبينها على لسان خاتم رسالاته، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وعترته، وعلى أهل ولائه ومحبته وعلى أنبيائه، وعلى أبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين صفوة الله -تبارك وتعالى- في خليقته، وعلى آله وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

يبين الشيخ -عليه رحمة الله- ما دعانا إليه من تعظيم المساجد وتطييبها وتبخيرها وإجلالها وهي من شعائر الله تعالى وعلائم دينه (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [32:الحج].

ويذكر لنا حديث معاذ بن جبل فيمن علق قنديلًا مسرجًا في مسجد "صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يطفأ ذلك القنديل"

فما يحتاج أهل المسجد من الإنارة خصوصا في المغرب والعشاء والفجر؛ فيكون سببا لصلاة الملائكة على الذي أوجد الإنارة والضوء في المسجد، فسمعنا قول سيدنا علي في ما مضى لسيدنا عمر بعد وفاته يقول: "نور الله قبرك يا عمر :كما نورت مساجدنا"، وفي لفظ: "نور الله على عمر في قبره كما نوّر علينا مساجدنا" لمَّا مر في ليالي رمضان وهم في المساجد، معلَّقة القناديل يحييون الليل بصلاة الترويح، فترحم على سيدنا عمر.

وكذلك من بسط فيه حصيرًا وهي: الفُرش للسابقين من الحصير المتخذ من خوص النخل، كنا نسمعهم يفرحون في المسجد عندنا، قالوا اليوم فرشوا فرش جديد، وهو حصير من خوص النخل، جاءوا به فتحوه فحطوه في صفوف المسجد، وقالوا اليوم المسجد ما شاء الله فيه فرش جديد، وكان ذلك أقرب إلى التواضع وإلى الطبيعة وإلى الصحة.

قال: "صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يتقطع ذلك الحصير"، "ويقول: سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم" هذا في الاعتناء، وأما مسجده الشريف فقد مر عليه طول حياته لم يُفرش وما كان فيه إلا التراب، يُصلِّي عليه  ويسجد عليه صلوات ربي وسلامه عليه.

 

"وكان رسول الله ﷺ يأمر بكنس المساجد ويقول: "إنه مهر الحور العين"، اخراج القذاة من المسجد يُزوج الله به من الحور العين مخرج ذلك القذاة من المسجد، "وكان ﷺ يأمر بتطييب المساجد وتنظيفها وصيانتها من الروائح الكريهة"  ولذا نهى من أكل ثوم أو بصل أن يقرب المسجد حتى لا يؤذي أحد بالرائحة، وأشد منها وأخبث هذه السيجارة، ويدخل بريح السيجارة يعكش على الذي بجنبه يمينه وشماله، ويخليهم ما يجون على الصلاة بسببه، ويطرد الملائكة ويبتعدون عنه،  فجميع الروائح الكريهة ولو كانت مباحة مثل الثوم والبصل يجب تجنيبها المسجد، وتحضر الأرواح الطاهرة عند الروائح الطيبة وتأنس بها، وتهرب من الروائح الخبيثة فلا يكون عندها إلا الأرواح الخبيثة.

فقال: "وكان ﷺ يأمر بتطييب المساجد وتنظيفها وصيانتها من الروائح الكريهة ويقول: "عُرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد"، وكان ﷺ يأمر بتجمير المساجد في الجمع" أي: أن يأتوا بالجمرة ويضعوا عليها العود والبخور فيُطيِّب رائحة المسجد، "وأن تصلح صنعتها وتطهر ويتخذ على أبوابها المطاهر"، فتطييب المساجد مشروع، فيستحب تجمير المسجد بالبخور، كان سيدنا عبد الله بن المجمر يُجمِّر المسجد إذا قعد عمر على المنبر.

 قالوا ويروى عن مالك: أنه أنكر تجمير المساجد وكذلك تطييبها بالخلوق -نوع من الطيب-، وكذلك بالزعفران وما إلى ذلك.

ولما بنى ابن الزبير الكعبة المشرفة طلى حيطانها بالمسك. وجاء في رواية الطبراني عنه : "أُبْنُوا الْمَسَاجِدَ وَأَخْرِجُوا الْقُمَامَةَ مِنْهَا فَمَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، فقال رجل يارسول الله وهذه المساجد التي تُبنى في الطريق؟ قال: نعم وإخراج القمامة منها مهور الحور العين".

وجاء أيضًا في الحديث: "جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُم مَجْانِينَكُم وَصِبيَانكُمْ وَرَفْعَ أصُوَاتِكُمْ وَسَلِّ سْيوفِكُمْ وُبَيْعَكُمْ وَشرَاءَكُمْ وَإِقَامَة حُدُودِكُمْ وَخَصُومَاتكُمْ وَجَمِّرُوها يَوْمَ جُمْعِكُمْ- أويوم جَمعِكم - وَجْعَلُوا مَطَاهِرَكُمْ عَلَى أَبْوَابِهَا ".

جاء أبضًا في رواية البيهقي: "توضأ رسول الله ﷺ في المسجد وضوءا خفيفا"، "وكان وضوءه خفيفا" ﷺ. وجاء في صحيح مسلم: أنه  دخل مسجدا، يقول سيدنا جابر بن عبد الله: "أتانا رسول الله  في مسجدنا هذا وفي يده عرجون بن طاب -وهو نوع من النخل- فرأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بالعرجون، قالَ: فَخَشَعْنَا، ثُمَّ قالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللَّهُ عنْه؟ قالَ قُلْنَا: لا أَيُّنَا يا رَسولَ اللهِ-مايقدر أحدنا  أن يحب أن يعرض الله عنه- ، قالَ: فإنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ يُصَلِّي، فإنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقبلَ بوجْهِهِ عليه، فلا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلَا عن يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ عن يَسَارِهِ تَحْتَ رِجْلِهِ اليُسْرَى، فإنْ عَجِلَتْ به بَادِرَةٌ فَلْيَقُلْ بثَوْبِهِ هَكَذَا، ثُمَّ طَوَى ثَوْبَهُ بَعْضَهُ علَى بَعْضٍ، فَقالَ: أَرُونِي عَبِيرًا، فَقَامَ فَتًى مِنَ الحَيِّ يَشْتَدُّ إلى أَهْلِهِ، فَجَاءَ بخَلُوقٍ في رَاحَتِهِ، فأخَذَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَجَعَلَهُ علَى رَأْسِ العُرْجُونِ، ثُمَّ لَطَخَ به علَى أَثَرِ النُّخَامَةِ، فَقالَ جَابِرٌ: فَمِنْ هُنَاكَ جَعَلْتُمُ الخَلُوقَ في مَسَاجِدِكُمْ" أي استعديتم بالطيب في المساجد.

ثم إنّ الوضوء في المسجد:

  • إذا لم يؤذي أحد ولم يؤذي المسجد ولم يغير فهو مباح كما يقول الشافعية والحنابلة.
  • قال الحنفية وكذلك في رواية عن أحمد وعند مالك: يُكره التوضأ في المسجد إلا في إناء أو في موضع معد لذلك.

فيكون الوضوء في أماكن قريبة من المسجد كما أشار "المطاهر على أبواب المساجد".

والبصاق في المسجد حرام على حيطانه، ولو من الخارج مكروه، فإذا بصق وجب عليه دفنه إن كان المسجد تراب، وإلاّ إزالته بأي كيفية وتطييب مكانه.

ولمَّا كان المسجد من تراب قال كفارتها: "أن البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها"، وما روي عن شيخ ابن عربي ، ذُكِر رجل شهر نفسه بالولاية فقال نزوره، فلما أقبل عليه، وجده خارج من البيت فحضرته نخامة فبصق في جدار المسجد فرجع وقال: لا يؤمن  على أسرار الشريعة من لم يحافظ على آدابها، (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[32:الحج].

وكان عمر -رضي الله عنه- يأمر بفرش الحصاة في المسجد للصلاة عليه، وكان ﷺ كثيرًا ما يقول: "البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها"، وفي رواية "مواراتها"، معلوم أنه الآن  ليس هناك مساجد من التراب فلا يتأتى الدفن ولكن إزالتها ورفعها بمنديل ونحوه وتطييب مكانها.

 

وقال السائب بن خالد -رضي الله عنه-: "دخل رجل المسجد فأمَّ الناس فبصق في القبلة ورسول الله ﷺ ينظره، فقال رسول الله ﷺ لقومه حين فرغ لا يصلي بكم، فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله ﷺ، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ فقال: "نعم إنك آذيت الله ورسوله، وإن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي البضعة أو الجلدة في النار"، كناية على كراهة ذلك، فلما رآه لا يحافظ على الآداب، يبصق في المسجد قال: "لا يصلي بكم" مثل هذا، فما مكنوه أن يصلي بهم بعد ذلك.

 

وكان ﷺ يقول: "لا يبصق أحدكم عن يساره إلا أن يكون الموضع فارغًا"، أما عن اليمين أو الأمام فمنهيٌّ عنه، أما اليسار تحت الرجل اذا كان فارغ.

 

"وقال أبو سعيد -رضي الله عنه- رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق على البوري يعني على القصب ثم مسحه بردائه فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله ﷺ يفعله". 

وكان ﷺ يقول: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم، وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ سيوفكم"، وكان ﷺ يقول: "من تفل تجاه القبلة جاء القيامة وتفله بين عينيه"، فلا يبصق ولا يتفل إلى جهة القبلة تعظيما لشعائر الله تعالى، والذي لا يبالي ويبصق إلى القبلة يرجع بصاقه بين عينيه على وجهه في القيامة، حتى يأتي مغطوسا بالنخامات التي تنخم بها نحو القبلة. 

وكان ﷺ يقول: "خصال لا ينبغين في المسجد لا يُتَّخذ طريقًا،.." يدخل من الباب ذا ويخرج يمر للناحية الثانية؛ مُرْ خارج المسجد لا تدخل وسط المسجد تريد تصلي وتعتكف أدخل أما تمُرْ مرور تعدُّه طريق فهذا مكروه، فمن احتاج لمثل ذلك فعليه أن يدخل المسجد ثم يصلي ركعتين ثم ينصرف، ويقوم يعتكف ويذكر الله، " لا يُتَّخذ -المسجد- طريقًا، ولا يتخذ سوقًا،" لا يجوز أن يباع فيه ولا أن يشترى، بل يسن إذا رأينا من يبع شيئا أن نقول لا أربح الله تجارتك، "وسيأتي قوم في آخر الزمان يتخذونه طريقًا، ويجلسون فيه لحديث الدنيا ليس لله فيهم حاجة"، يعني: ما ينظر الله إليهم ولا يرضى الله تعالى عنهم ولا يحبهم -والعياذ بالله تبارك وتعالى- فهو معرض عنهم.

 

فإن أمِنّ من الصبي تنجيسه للمسجد يجوز إدخاله المسجد، وقد حمل  أمامه بنت العاص بن الربيع بنت ابنته زينب وهي طفلة في الصلاة، وكثيرا ما خرج معه أيام طفولتهم سيدنا الحسن والحسين.

يقول المالكية: إذا كان صبي لا يكف عن العبث إذا نُهِيَ عنه، يحرم دخوله المسجد، وإلا فيكره.

كذلك المجانين مسلوبوا الإختيار لا يتحفظون على أنفسهم، كذلك البيع والشراء في المسجد يُحرم، وعند بعضهم يُكره، وينبغي أن يُزجر فاعله.

 

"وكان عثمان -رضي الله عنه- يُخرج من يخيط في المسجد ويقول: جنبوا مساجدكم صنّاعكم"، ما هو محل صناعة هنا،

إذا معه حرفه يكون خارج المسجد، ولو كان كتابة، ولو كان لكتب العلم، معه حرفة يكتب للناس كُتب، ولو كانت كتب العلم، ما ينبغي أن يكتبها في المسجد، أو كذلك إذا كان كتب يقول: "جنبوا مساجدكم صناعكم" .

وقال علي -رضي الله عنه-: "دخلت مرة المسجد مع عثمان -رضي الله تعالى عنه- فرأى فيه خياطًا فأمر بإخراجه، فقلت: يا أمير المؤمنين إنه يقُم المسجد أحيانًا ويرشه ويغلق أبوابه، فقال: يا أبا الحسن المسجد منزه عن ذلك"، يعني: اتخذه محل للحرفة، ولو كان يكتب كتب العلم ولو كان يكتب حتى قرآن بأجره ما يكتبه في المسجد، فيُمنع البيع والشراء في المسجد، وجاء فيه الحديث نهى النبي  عن البيع والشراء في المسجد.

ويقول: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة وسط المسجد، فقولوا: لا ردَّ الله عليك".

لما رأى سيدنا عمر رجل يسمى القصير يبيع في المسجد قال له: يا هذا إن هذا سوق الآخرة، فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا.

  • فقال الحنابلة: إن ذلك حرام. 
  • قال الأئمة الثلاثة: مكروه البيع في المسجد.
  • ولكن للمعتكف قالوا: أنه يجوز له ما يحتاج إليه لنفسه وعياله.
  • وقيَّد الحنفية جواز ما يحتاج إليه من البيع والشراء أثناء الاعتكاف بعدم إحضار السلعة إلى المسجد وإلا فهو مكروه.
  • ولا فرق عند المالكية والحنابلة ما بين معتكف وغير معتكف الحكم واحد.
  • كما قال الحنابلة: لا يجوز التكسب في المسجد بخياطة ونحوه، أو أي شيء آخر.

 

وكان ﷺ يقول: "لا تمشوا في المساجد والأسواق وعليكم القمص إلا وتحتها الأزر"، فاستعمال الإزار سنة تحت القميص، فاستعمال القميص من فوقه سنة أخرى.

 

وكان ﷺ يقول: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثًا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما"، يعني: يجوز ذلك.

يقول صاحب بشرى الكريم: يُعفى عن طين الشارع؛ أي: محل المرور، وإن لم يكن شارع كدهليز وحمام وما حول الفساقي، يعفى عن طين الشارع المتيقن نجاسته ولو بمغلظ وإن مشى حافياً، وإن كانت برجليه رطوبة، قال: وكطينه: ماؤه -ماء الشارع- ؛ لعسر تجنبها، قال: خرج (بالطين): عين النجس وإن عم الطريق عند ابن حجر لندرة ذلك، قال: وبكونه من الشارع ما لو تلطخ نحو كلب به، ونفضه على إنسان مثلا فهذا ما هو من الشارع، هذا بواسطة أخرى.

طين الشارع إنما يعفى عن ذلك في ثوب وبدن، ولا يضر انتشاره بنحو العرق.

ثم ما أَشار إليه الحديث من الدلك فهذا إذا أزال النجاسة فهو مطهر عند أبي حنيفة.

ولكن غيره يقول: ما في طهارة إلا بالغسل،  إذا أصابت النجاسة خفه أوغيره من النعال فلا يمكن طهارتها إلا بالغسل.

 

رزقنا الله الإستقامة وأتحفنا بالكرامة، ووقانا الأسوأ وألهمنا الرشد في السر والنجوى، ولا وكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقه طرفة عين ولا أقل من ذلك، وجعلنا من ترعاهم عن عنايته في جميع الشؤون، وتولانا بما هو أهله في الظهور والبطون، وأثبتنا في ديوان ممن قضى بالحق وبه يعدلون، بوجاهة الأمين المأمون.

 

 

بسرّ الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه

الفاتحة

 

تاريخ النشر الهجري

17 رَجب 1445

تاريخ النشر الميلادي

27 يناير 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام