كشف الغمة -167- كتاب الصلاة (59) باب صفة الصلاة -13- فصل في الاعتدال

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (59) باب صفة الصلاة -13- فصل في الاعتدال

صباح الأحد 3  ذو الحجة 1445هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  معنى الاعتدال في الصلاة
  •  هل كان ﷺ يطيل الاعتدال أم يخففه؟
  •  أذكار تقال في الاعتدال
  •  حكم قول الإمام والمأموم: سمع الله لمن حمده
  •  معنى: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد
  •  التأكيد على المتابعة في الصلاة 
  •  تجليات الله خاصة في كل ركن
  •  رفع اليدين عند الرفع من الركوع للاعتدال

نص الدرس مكتوب:

فصل في الاعتدال

 

"كان رسول الله ﷺ يقول: "لا ينظر الله تعالى إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده"، وفي رواية: "لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود"، وكان رسول الله ﷺ كثيرًا ما يطيل الاعتدال حتى يقول الناس: نسى، وكان حذيفة -رضي الله عنه- يقول: صليت مع رسول الله ﷺ فكان يقوم قيامًا طويلًا بعد قوله: "سمع الله لمن حمده، وتارة يخففه جدًا".

وكان ﷺ يقول في الرفع من الركوع: "سمع الله لمن حمده، فإذا انتصب قال ربنا ولك الحمد"، وتارة يزيد: "اللهم ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، وكان ﷺ يقول: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، يسمع الله لكم فإن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده"، وكان ﷺ لا يقول ذلك في الرفع من السجود.

وكان عبد الله بن مسعود ومطرف بن عامر -رضي الله عنهما- يقولان: لا يقول المأموم خلف إمامه سمع الله لمن حمده ولكن يقول: ربنا لك الحمد، إلا أن يكون المأموم مبلغًا عن الإمام أفعال الصلاة؛ لأن الإمام كالمخبر عن الله -عز وجل- أنه سمع حمد عبده، يعني: استجاب له فيجيبه المأموم، بقوله: ربنا لك الحمد، شكرًا لله تعالى على استجابة دعاء عبده.

 وكان ابن عمر لا يجمع بين هذين الذكرين إذا كان مأمومًا، فكان إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، يقول -رضي الله عنه-: اللهم ربنا ولك الحمد. وكان أبو برزة الأسلمي -رضي الله عنه- يجمع بينهما وهو مأموم، وكان ﷺ إذا قال سمع الله  لمن حمده، لم يحن أحد من الصحابة ظهره حتى يضع النبي ﷺ جبهته على الأرض، والله أعلم".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن. 

 

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان عبده وحبيبه محمد ذي المراتب الرفيعة والوجاهات الوسيعة، اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرّم على من جمعت فيه الحسن جميعا سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه ومن سار في دربه وثوابه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 أما بعد،،

فيذكر الشيخ في هذا الفصل ما يتعلق بالاعتدال، وهو الرفع من الركوع إلى ما كان عليه المصلي قبله.

وإن كان الأصل في معنى الاعتدال: هو الاستواء والاستقامة.

ويُراد به في الصلاة: عَود المصلّي إلى ما كان عليه قبل ركوعه، فإن كان قائمًا عاد إلى القيام، وإن صلّى جالسًا وبعد الانحناء للركوع يعود إلى جلسته، وهكذا يقول في الاعتدال.

 قال الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل: أنه واجب وأنه ركن من أركان الصلاة، 

وكذلك في أقوال عند الحنفية والمالكية والمشهور عندهم: أنه من السنن أو من الواجبات التي تُجبر بسجود السهو. 

يقول في الاعتدال: 

كان رسول الله ﷺ يقول: "لا ينظر الله تعالى إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده"، وفي رواية: "لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود"، وكان رسول الله ﷺ كثيرًا ما يطيل الاعتدال -أي: من الركوع- حتى يقول الناس: نسى،"  والأكثر كان يخفف فيه، "وكان حذيفة -رضي الله عنه- يقول: صليت مع رسول الله ﷺ فكان يقوم قيامًا طويلًا بعد قوله: "سمع الله لمن حمده، وتارة يخففه جدًا".

وقد ورد فيه أذكار ذكر بعضها هنا فمنها: "ربنا ولك الحمد" ومنها: "اللهم ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد.."

وجاء في البخاري عن رفاعة بن رافع -عليه رضوان الله- قال: "كنا نصلي مع النبي ﷺ فلما رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله من حمده، قال أعرابي: ربنا لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انتهى النبي ﷺ سأل من القائل في صلاته كذا كذا؟ قال الأعرابي: أنا يا رسول الله. قال: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيّهم يكتبها أول". 

ومما جاء أيضًا في لفظ الحمد في الاعتدال: "ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء" ومما جاء أيضًا: أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" أي: لا ينفع صاحب الحظ والغنى منك حظه وغناه بل لا ينفعه إلا ما أردت له وكتبت له من الخير.

قال: "وكان ﷺ يقول في الرفع من الركوع: "سمع الله لمن حمده".

  • وهذا هو السنّة عند الشافعية للإمام وللمنفرد وللمأموم أيضًا، كل منهم يقول "سمع الله لمن حمده".
  • وقال الحنفية والمالكية: الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يكتفي بقوله: ربنا لك الحمد. 
  • وقال الحنابلة: أن الإمام يجمع بين قول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، والمأموم يكتفي على قوله ربنا لك الحمد.

أما المنفرد فعند الكلّ يجمع بين الأمرين، بين قوله: (سمع الله لمن حمده) وبين قوله: (ربنا لك الحمد).

  • ويجمع بينهما الإمام عند الحنابلة.
  • ويختص بالإمام (سمع الله لمن حمده) دون (ربنا لك الحمد) عند المالكية والحنفية، ويختص المأموم بقوله (ربنا لك الحمد) من دون أن يقول: (سمع الله لمن حمده)، 
  • وقال الحنفية: إلا أن يكون مبلغًا عن الإمام، يكون نبلغا عن الإمام. 

يقول: وتارة يزيد: "اللهم ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد -يعني: يا أهل الثناء والمجد- لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وجاء فيها أيضًا لفظ: "أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت…". 

وكان ﷺ يقول: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، يسمع الله لكم.." -أي: سمع قبول ورضا، فمعنى (سمع الله لمن حمده): تقبل منه الحمد-، "يسمع الله لكم فإن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده". "وكان ﷺ لا يقول ذلك في الرفع من السجود"، بل في الرفع من الركوع فقط (سمع الله لمن حمده).

 

وكان عبد الله بن مسعود ومطرف بن عامر -رضي الله عنهما- يقولان: لا يقول المأموم خلف إمامه سمع الله لمن حمده ولكن يقول: ربنا لك الحمد، إلا أن يكون المأموم مبلغًا عن الإمام أفعال الصلاة؛ لأن الإمام كالمخبر عن الله -عز وجل- أنه سمع حمد عبده، يعني: استجاب له فيجيبه المأموم، بقوله: ربنا لك الحمد، شكرًا لله تعالى على استجابة دعاء عبده.

 

وكان عبد الله بن مسعود ومطرف بن عامر -رضي الله عنهما- يقولان: لا يقول المأموم خلف إمامه سمع الله لمن حمده" وهو كما سمعت مذهب الحنفية والمالكية والحنفية والحنابلة على المعتمد عندهم، ولهم أقوال غير ذلك، ولكن يقول: ربنا لك الحمد، إلا أن يكون المأموم مبلغًا عن الإمام أفعال الصلاة؛ لأن الإمام كالمخبر عن الله -عز وجل- أنه سمع حمد عبده، يعني: استجاب له فيجيبه المأموم، بقوله: ربنا لك الحمد، شكرًا لله تعالى على استجابة دعاء عبده.

"وكان ابن عمر لا يجمع بين هذين الذكرين إذا كان مأمومًا، فكان إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، يقول -رضي الله عنه-: اللهم ربنا ولك الحمد. وكان أبو برزة الأسلمي -رضي الله عنه- يجمع بينهما وهو مأموم.." وعليه مذهب الشافعية، وكذلك قول عند الحنابلة.

"وكان ﷺ إذا قال سمع الله  لمن حمده، لم يحن أحد من الصحابة ظهره حتى يضع النبي ﷺ جبهته على الأرض.." إشارة إلى المتابعة، وأنهم لا يشرعون في الهُوي إلى السجود حتى تصل جبهة الحبيب ﷺ إلى الأرض في سجوده، ثم يبدأون في الهُوي من السجود، وفي هذا تأكيد على المتابعة وعليه الجمهور.

وقد تقدم معنا قول الحنفية: أنه يشارك الإمام ويوافقه في بعض ذلك، يتأخر عنه قليلا ثم يلحقه في أثناء هويه. وهكذا في بقية الأفعال عندهم، حتى تقدم معنا أنهم يقولون: يمكن أن يقارنه في أن يبدأ بالتكبير قبل انتهاء الإمام من التكبير.

وعلمنا قول غيرهم: أنه يتأخر عنه وأنه قول الشافعية أنه ما يصح مقارنته بالتكبير، وكذلك القول عند الحنابلة، وقول المالكية: أنه إذا سبق الإمام لو بحرف في التكبير صحت تكبيرة المأموم.

وهكذا أركان الصلاة، ولكل ركن منها إمدادات من الرحمن خاصة في ذلك الركن، وتجليات يتجلى بها على من يقوم بالقيام، غير التجليات التي يتجلّى بها على من يكون في الركوع، غير التجليات التي يكون بها أي: يتجلّى بها على من كان في الاعتدال، وكذلك في السجود، وكذلك في الجلوس. 

وجمعت الصلاة أصناف تجليات الرحمن -جلّ جلاله- وتفضّلاته على عباده، وقد قسّمها بين الملائكة في السماوات، فمنهم قائم إلى أن تقوم الساعة، ومنهم راكع إلى أن تقوم الساعة، ومنهم ساجد إلى أن تقوم الساعة، ومنهم جالس إلى أن تقوم الساعة، وجمعها الله لعبده المؤمن في الأرض في ركعتين يركعهما، يكون قائم وراكع وساجد، ويجمع هذه الخيرات والتجليات الربانيات.

 فالله يحققنا بحقائق الصلاة، ويجعلنا من أهل الحضور معه فيها، ويأخذ بأيدينا ويتولّانا في ظاهرنا وخافينا، ولا يكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقه طرفة عين.

 ثم أن هذا الاعتدال، وإذا رفع رأسه من الركوع وهو كذلك عند الأئمة الثلاثة؛ وقال الإمام أبو حنيفة: لا يرفع يديه إلا عند تكبيرة الإحرام. قال الشافعية والحنابلة: يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع من الركوع، ثم يضعهما. 

فالقائلون بإسبالهما في أثناء القيام فهو كذلك، والذين يقولون بضمهما في أثناء القيام فعند الاعتدال يسبلهما ولا يضمه.

وهو محل الحمد للرحمن -جل جلاله وتعالى في علاه-، ونوع من أنواع المناجاة، ثم بهيئة تهيئته لأعظم الأركان من حيث الهيئة وهو السجود، "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، حقّقنا الله بحقائق الصلاة، وجعلنا من خواص المقيمين لها، وجعل ذلك في أهلينا وأولادنا وذرّياتنا وما تناسلوا في خير ولطف وعافية.

 بسرِّ الفاتحة

وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،

 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

03 ذو الحِجّة 1445

تاريخ النشر الميلادي

09 يونيو 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام