كشف الغمة 235- كتاب الصلاة (125) فصل في آداب يوم الجمعة (قراءة القرآن، الصلاة على النبي)

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 235- كتاب الصلاة (125) فصل في آداب يوم الجمعة 

صباح الأحد 29 جمادى الأولى 1446 هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  تعظيم يوم الجمعة وإعطائه حقه
  •  لماذا يكره إفراد صيام يوم الجمعة أو إحياء ليلتها؟
  •  شرح حديث: لا تخصوا ليلة الجمعة بصلاة
  •  هل الأفضل الصلاة على النبي أم قراءة القرآن يوم الجمعة؟
  •  إجابة الدعاء في ليلة الجمعة
  •  مواطن يستحب فيها الصلاة على النبي
  •  تصفية البواطن بالإكثار من الصلاة عليه
  •  بدء الله الأمر بالصلاة على النبي 
  •  حديث: أكثروا علي من الصلاة في الليلة الغراء واليوم الأزهر
  •  عرض الصلاة على النبي عليه على وجه الخصوص
  •  سماع النبي الصلاة عليه من قبره الشريف
  •  أقوال عدد أقل الإكثار من الصلاة على النبي
  •  امرأة تبكي لأنها لم ترى رسول الله 3 أيام
  •  هل ننفع النبي بصلاتنا عليه؟ 
  •  غفر الذنوب لمن صلى على النبي 80 مرة عصر يوم الجمعة 
  •  امتداد النور بقراءة سورة الكهف يوم الجمعة
  •  بيت في الجنة بقراءة سورة الدخان
  •  سور تقرأ في يوم الجمعة وليلتها

نص الدرس مكتوب:

فصل في آداب اليوم والحضور

 

"قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ يقول: "لا تخصوا ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي"، وفي رواية: "بقيام" بدل صلاة، قال شيخنا -رضي الله عنه-: معناه في الليالي والله أعلم، قوموا كلها بدليل ما ورد في قيام الليل، وقد سئلت عائشة -رضي الله عنها- هل كان رسول الله ﷺ يخص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا كان عمله ديمة وأيكم يستطيع ما كان رسول الله ﷺ يستطيع، فعلم أن قوله: "لا تخصوا ليلة الجمعة بصلاة"، إنما هو حث على القيام في جميع ليالي الأسبوع، والله أعلم.

 قال أبو هريرة -رضي الله عنه- وكان رسول الله ﷺ يحث كثيرًا على الصلاة والتسليم عليه يوم الجمعة وليلتها ويقول: "أكثروا علي من الصلاة في الليلة الغراء واليوم الأزهر فإنه مشهود ما من عبد يصلي علي فيه إلا عرضت صلاته علي حين يفرغ منها، قالوا: يا رسول الله ﷺ وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت يعني بليت؟ فقال: إن الله -عز وجل- حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"، وسيأتي في الباب الجامع للأذكار أن أقل الإكثار سبعمائة مرة في الليلة، وسبعمائة مرة في النهار. 

وكان ﷺ  يقول: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور مابين الجمعتين"، وفي رواية: "ما بينه وبين البيت العتيق"، وفي رواية: "سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين، ومن قرأ الدخان ليلة الجمعة أو يومها غفر له ذنوبه، وأصبح يستغفر له سبعون ألف ملك، وبنى الله له بيتًا في الجنة"، وكان ﷺ يقول: "من قرأ سورة يس في ليلة الجمعة غفر له"، وكان ﷺ يقول: "من قرأ السورة التي يذكرها فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس". 

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مخصص الليالي والأيام بما شاء من الفضل والإكرام، وصلّى الله وسلّم أفضل صلاة وسلام على عبده المجتبى خير الأنام، سيدنا محمّد خاتم الأنبياء والرسل الكرام، صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن وآله وأحبّه في الله وعلى منهجه استقام إلى يوم القيام، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل المراتب والدرجات العظام، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم بكل لمحة ونفس على الدوام.

 

أما بعد،

فيذكر لنا الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الفصل آداب يوم الجمعة والحضور فيها، أي: شيء من ذلك وهو اليوم الذي عرفنا تخصيصه وتمييزه عن بقية الأيام، وأنه أفضل الأيام وأشرفها في أيام الأسبوع، وأن فيه مزايا ومنن من الحق -تبارك وتعالى- كثيرة، فوجب على المؤمنين تعظيم هذا اليوم وإكرامه وإعطائه حقه، وممّا خدع به كثير من المسلمين أمران: 

  • إما أن يكون يوم عطلة عندهم عن بعض الأعمال الدنيوية، فيصرفونه إلى أعمال لهو وغفلة في سهر ليلته على غير طاعة، وعلى غير ذكر، وعلى غير سور، وعلى غير صلاة على النبي ﷺ، أو يومه يذهبون به إما إلى سواحل البحار، وإما إلى الأسواق، وإلا إلى أماكن الغفلة، فبدل تعظيم اليوم وإكرامه أهانوه، ودنسوا حالهم فيه والعياذ بالله تعالى.
  • وإما ما بليت به أيضًا بعض المسلمين من جعل اليوم يوم عمل للدنيا، ولا توقيف فيه للأعمال ولا اعتبار له، وإنما من أجل اعتلالات بشيء من أعمالهم التجارية وغيرها، تبعوا اليهود أو النصارى في جعل الإجازة في يوم السبت أو في يوم الأحد، وبأي من الغرورين يتضرّر من اغتر بأحدهما -والعياذ بالله-.

فيجب أن يتميّز يوم الجمعة في عقائد المؤمنين وفي قلوبهم وفي أعمالهم ووجهاتهم وأخلاقهم، وما يعمرون به ليلة الجمعة، وما يعمرون به يوم الجمعة من ذلك ما جاء من قراءة سور مخصوصة، وما جاء من كثرة الصلاة والسلام على النبي ﷺ، ثم ما جاء من شؤون التبكير إلى الجمعة، ومن شؤون استماع الخطبة، ومن شأن الأذكار بعد الجمعة إلى غير ذلك مما يليق بيوم الجمعة.

 

يقول: وأما مسألة التخصيص للقيام في ليلة الجمعة، فاختلفوا فيما المراد به، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ يقول: "لا تخصوا ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي" ففهم بعضهم أن معناه: لا تتركوا سائر الليالي رغبة عنها، وتجعلوا قيامكم مخصوصا بيوم الجمعة فقط، بل قوموا جميع ليالي الأسبوع، فإن في كل ليلة لله نفحات، فمعناه: أنه كما تعتنون بالانتباه من ليلة الجمعة ويومها فكذلك لا تهملوا بقية الليالي من نصيب من قيامكم ومن صلواتكم، ثم خصّص الشافعية -عليهم رحمة الله تعالى- معنى تخصيص ليلة الجمعة: أنه بصلاة، أي: بصلاة زائدة على ما يصلي في بقية الليالي، أما إحياؤها بغير الصلاة بزيادة من الأذكار، أو القراءة أو الصلاة على النبي ﷺ، فذلك مطلوب فيها لما وردت فيه الأحاديث وجاءت به السنة المشرفة، وثم قاس ذلك بعضهم على كراهة الصيام في يوم الجمعة، واختلفوا في علّته وحكمته، لماذا يُكره إفراد صيام يوم الجمعة؟ إلا إذا صام يومًا قبله أو صام يومًا بعده.

وكذلك قالوا في الإحياء لليلة الجمعة: أنه إذا ضم إليها ليلة قبلها أو ليلة بعدها انتهت كراهة تخصيص ليلة الجمعة كما جاء في الخبر في الصيام مما يتعلّق بصيام يوم الجمعة، قال: وفي رواية: "بقيام  بدل صلاة" صلاة من الليالي وخصّصه بالصلاة قلنا الشافعية، "قال شيخنا -رضي الله عنه-: معناه في الليالي والله أعلم"، قوموا كل الليالي بدليل ما ورد في قيام الليل.

"وقد سئلت عائشة -رضي الله عنها- هل كان رسول الله ﷺ يخص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا كان عمله ديمة  -يداوم على ما عمل من الصالحات- وأيكم يستطيع ما كان رسول الله ﷺ يستطيع، فعلم أن قوله: "لا تخصوا ليلة الجمعة بصلاة"، إنما هو حث على القيام في جميع ليالي الأسبوع، والله أعلم".

وعلى كل الأحوال فإن تخصيصها بكثرة الصلاة على  النبي، وقراءة سور معينة، أو بعموم كثرة الخير فيها، فقد وردت به السنّة فلا إشكال فيه، والذي ورد في هذا الحديث جاءت فيه هذه المفاهيم، إما أن يكون المعنى لا تهملوا بقية الليالي، وإما أن يكون المعنى بخصوص الصلاة كما فهمه الشافعي، لا تزيدوا فيها صلاة مخصوصة وأحيوها ببقية ما أرشدكم إليه صاحب الشرع صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وهكذا يقول كما قال الشافعية يقول الحنفية: أنه يندُب إحياؤها بغير الصلاة، لما جاء أن "خمس ليالي لا يردّ فيهن الدعاء: ليلة الجمعة، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتا العيد" -وفي لفظ- "خمس ليالي لا تردّ فيهن الدعوة: أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الجمعة، وليلة الفطر، وليلة النحر" فبذلك عُلِم أنها ليلة من ليالي الإجابة، وينبغي إكثار الدعاء في ليلتها وفي يومها.

ويقول: "قال أبو هريرة -رضي الله عنه- وكان رسول الله ﷺ يحث كثيرًا على الصلاة والتسليم عليه يوم الجمعة وليلتها" حث على الإكثار من الصلاة والسلام عليه في كل وقت، وخصّص يوم الجمعة بمزيد من الحث والترغيب ﷺ في ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- من أعظم القربات المقرّبات إلى الحق، ورد في ثوابها ما لم يرد في أنواع الأعمال والطاعات الأخرى، وذلك أن الله يصلّي على من صلى عليه مرة واحدة عشرة صلوات، وكذلك جاء في الروايات أنه سبحانه يسلّم على من سلّم عليه، فإذا سلّمت على حبيب الرحمن حظيت بالردّ من حبيب الرحمن ومن الإله الرحمن -جل جلاله-، فيقرئك السلام بواسطة سلامك على حبيبه، "أما يرضيك أنه لا يسلّم عليك أحد من أمتك إلا سلّمت عليه، ولا يصلّي عليك أحد من أمتك صلاة إلا صلّيت عليه عشرا"، ولما تلقّى هذه البشارة في ليلته أصبح يرى البِشر على وجهه، وسأله بعض الصحابة، وقال: أصبحت يُرى في وجهك البشر؟ قال: آتاني آتٍ من عند ربي فبشّرني أنه لا يصلّي عليّ أحد من أمتي مرة إلا صلّى الله عليه عشرا، ولا يسلّم علي أحد من أمتي إلا سلّم الله عليه، قال: ففرحت بذلك، أصبح فرحًا للأمة بهذا، وهو مع الإشارة إلى منزلته عند الله فيه فضل لأمته كبير، وإفاضة جود على أمته بصلاة الله عليهم وتسليم الله عليهم، فبذلك فرح لنا صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله.

 

وكانت من أعظم القربات والطاعات، وما جاء في سنن الترمذي عنه ﷺ يقول: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة"، وجاءت على العموم وفي أوقات مخصوصة: 

  • منها ما سنسمع عنه ليلة الجمعة ويوم الجمعة.
  • ومنها بعد كل آذان.
  • ومنها قبل كل دعاء وآخر كل دعاء، فينبغي الصلاة على النبي ﷺ. 
  • ومنها الصلاة؛ في الصلاة، فإنه علّم أمته، قالوا: عرفنا السلام فكيف نصلي عليك؟ فعلّمهم الصلاة، فيجمعون بين السلام والصلاة عليه في التشهد، فالسلام بقولهم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، والصلاة عليه بما علّمهم من الصلاة الإبراهيمية، التي هي أفضل الصلوات لكونها من تعليمه ﷺ.
  • وبعد التلبية للحاج والمعتمر مما يستحب الصلاة عليه ﷺ.
  • عند دخول المسجد وعند الخروج من المسجد مما يستحب الصلاة والسلام عليه ﷺ

 فهذه من المواطن التي ورد الحثّ فيه على الصلاة على وجه الخصوص، وعلى وجه العموم سمعت "من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه بها عشرا"، وبذلك صارت من أرقى الأذكار التي تجمع على الله وعلى رسوله، ولها شأن قوي كبير في تصفية الباطن، وتنقيته عن الشوائب، حتى قال كثير من أخيار الأمة وأتقيائها وأهل التربية فيها: أنها تقوم مقام الشيخ لمن يُكثر منها بالمحبة والشوق والتعظيم، يصلّي عليه محبة وشوقًا وتعظيمًا، فإنه تختلف صلاة المصلّي من واحد إلى آخر في وجود آثارها، فمن كان أكثر تعظيمًا وأشدّ شوقًا وأقوى محبةً كان أثر الصلاة على النبيﷺ  منه عليه أقوى من صلاة الآخر، الذي هو أقلّ منه محبةً وأقلّ منه شوق وأقل منه تعظيم لهذا الجناب الأشرف، فينبغي أن نستحضر أمر الله بذلك، وحسبنا أنه لم يأتي أمرٌ لنا في القرآن بدأ الله فيه بنفسه إلا الصلاة على نبيه، فجميع الأوامر أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله والرسول وإلى غير ذلك من الأوامر من أول القرآن إلى آخره، ولم يبدأ بنفسه إلا الصلاة على حبيبه، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ﷺ [الأحزاب:56].

 

وبذلك كان كثير من المشايخ المسلّكين المربّين في اليمن، يسلّكون طلابهم بالصلاة على النبي ﷺ بالمحبة والتعظيم، والإكثار منها حتى تنجلي عن بواطنهم جميع الصفات الذميمة، وجميع الحجب والكدورات، ويتهيئون للفتح والقرب من الله -تبارك وتعالى-، بكثرة الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ.

قال أبو هريرة -رضي الله عنه- وكان رسول الله ﷺ يحث كثيرًا على الصلاة والتسليم عليه يوم الجمعة وليلتها" 

 

ومما جاء في يوم الجمعة وليلة الجمعة يقول: وكان رسول الله ﷺ يحث كثيرًا على الصلاة والتسليم عليه يوم الجمعة وليلتها" ويقول: "أكثروا علي من الصلاة في الليلة الغراء واليوم الأزهر" -أي: ليلة الجمعة ويومها، ليلة الجمعة ويوم الجمعة لخصوصيتها،  وصفها بالغرّاء: لكثرة الملائكة النازلين ليلة الجمعة ويوم الجمعة، اليوم بالأزهر: لأنه أفضل أيام الأسبوع، ولأنه أيضا يضيء لأهله أن يمشو في ضوءه في يوم القيامة، فيما جاء من خبر عند الحاكم عن سيدنا أبي موسى عن النبي ﷺ: "إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، وتبعث الجمعة زهراء منيرة لأهلها، يحفون بها كالعروس تُهدى إلى كريمها، تضيء لهم يمشون في ضوءها، ألوانهم كالثلج بياضا، وريحهم يسطع كالمسك، يخضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان، لا يطرفون تعجبًا حتى يدخلوا الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون"، يقول الحاكم صحيح السند، وأقرّهُ عليه الذهبي.

 

وفيه أيضًا عرض الصلاة عليه ﷺ على وجه الخصوص، مع أنه عرض الأعمال كلها على الله ورسوله ثابت، ولكن الصلاة عليه مباشرة عرضها مخصوص فتعرض عليه، ويقال: صلّى عليك فلان، وقال كذا؛ فعجب لسعة روحه الكريمة! كيف يستقبل أخبار الصلوات عليه من أهل المشرق والمغرب في الوقت الواحد؟ وهم يصلّون عليه بالألوف ومئات الألوف، وكذلك السلام عليه وهو يردّ على من سلم عليه "ما من مسلّم يسلّم عليّ إلّا ردّ الله عليّ روحي حتّى أردّ عليه السلام" ﷺ.

الصلاة والسلام عليك يا سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وشفيع المذنبين، اللهم انفعنا بالصلاة عليه، واجعلنا من أكثر أمته صلاةً عليه.

 

وكيف الإكثار منها؟

يذكر عندنا الشيخ: "أن أقل الإكثار سبعمائة"، فإكثار في الليل سبعمائة، وإكثار في النهار سبعمائة، وهذا أقلّه، وقيل: ألف، وقيل: سبعة آلاف، وقيل: ثلاثمائة، فأقل الإكثار أن من أتى بهذا العدد يكون أكثر، ما أقل من هذا ما أكثر فهو قليل، لا إله إلا الله.

فينبغي نمتثل لأمره لنفوز وللخير نحوز، فنكثر الصلاة عليه، الصلاة والسلام خصوصا ليلة الجمعة ويوم الجمعة، قال: "أكثروا علي من الصلاة في الليلة الغراء واليوم الأزهر فإنه مشهود ما من عبد يصلي علي فيه إلا عرضت صلاته علي حين يفرغ منها"، هذا العرض المباشر يكون في يوم الجمعة، وأما من كان حوالي قبره الشريف في روضه المنيف فيسمعهم مباشرة حينما يصلون عليه، ومن كان في غيرها من الأماكن يبلغون، يبلغ سلامهم ويبلغ صلواتهم ﷺ.

 

قالوا: يا رسول الله ﷺ وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت يعني بليت؟ فقال: إن الله -عز وجل- حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"، أي: فهم أحياء في قبورهم، كما قال في الخبر الآخر الصحيح: "الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون"، وقال أيضا في صحيح مسلم: "مررت على موسى ليلة أُسري بي، وهو قائم يصلي في قبره". صلوات الله وسلامه عليه وعلى النبي موسى وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم.

 قال: "وسيأتي في الباب الجامع للأذكار أن أقل الإكثار سبعمائة مرة في الليلة، وسبعمائة مرة في النهار". لا إله إلا الله.

ولقوله: "فأكثروا" فقيل: ثلاثمائة، وقيل: سبعمائة، وقيل: ألف أقل الإكثار.

وبعد حوادث كانت شديدة قديمة في الشام، فرّج الله على أهل الشام وكشف كروبهم، وفرّج الله على أهل حلب وعلى جميع المسلمين في الأقطار كلها، وحوادث قديمة كانت أيضا فيها قتل كثير، وخصوصا في حماة ما حواليها، قال واحد: لقينا من علماء الشام في الحج في منى قبل 40 سنة، فقال: جاءتني امرأة تبكي تبكي تبكي فظننت أنهم قتلوا أباها أو أخاها أو ابنها أو عملوا شيء، هدأت حتى سكتت، ما لك!؟ ما الذي حصل؟ فقال: قالت: لي ثلاثة أيام ما عاد رأيت النبي ﷺ، ثلاثة ليالي ما رأيت النبي ﷺ، وهي تبكي لذلك، قال: قلت لها: أنتِ ترينه كل ليلة؟ قالت: كل ليلة أراه، ولكن هذه ثلاثة ليالي انقطع عني، فما أدري ايش من مصيبة وقعت عليّ، قال: سألتها كم وردك من الصلاة عليه؟ قالت: كل يوم ثلاثة عشر ألف؛ ثلاثة عشر ألف كل يوم تصلي عليه ﷺ، فلهذا صارت تراه كل ليلة ﷺ.

فالله يرزقنا كثرة الصلاة والسلام عليهم مع المحبة والشوق والتعظيم، امتثالا لأمر الله تعالى ولأمر رسوله، وإيمانا بأنه سبب كل خير وصل إلينا، وسبب كل منّة منَّ الله بها على عباده، صلوات ربي وسلامه عليه.

 قالوا: ومما يَنقص به خير الصلاة عليه وثواب الصلاة عليه، أن يظنّ المصلّي عليه أنّه ينفع رسول الله بذلك، وأنه يفيد رسول الله بذلك. ومن أنت!؟ ومن صلاتك!؟ وماذا تعمل!؟

الله صلّى عليه وملائكته، باقي أنت! ماذا تصلح بالصلاة؟ هو محتاج إلى صلاتك؟!

أنت الذي ترتقي بالصلاة عليه، وأنت الذي تنتفع بالصلاة عليه ﷺ، ويأتيك صلاة الله وصلاة رسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، فهذا ما يتعلّق بالصلاة على النبي ﷺ، وخصوصا يوم الجمعة، كما جاء أيضًا بسند حسن: "من صلى علي بعد عصر الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين سنة"، -في رواية- قالوا: كيف نصلي؟ قال: تقول: اللهم صلّ على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وتعقد واحدة، -في رواية- وسلّم تسليمًا، -وفي رواية- غفر الله له ذنوب ثمانين سنة، وكتب له عبادة ثمانين سنة.

ومما ينبغي الاعتناء به كذلك في عصر يوم الجمعة، بعد عصر يوم الجمعة (اللهم صلي على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمّي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما) ثمانين مرة في عصر يوم الجمعة.

وثم ذكر لنا سورًا ليلة الجمعة ويوم الجمعة، من أعظمها سورة الكهف وفيها من الأحاديث ما ذكر لنا، "أضاء له من النور مابين الجمعتين"، من الجمعة إلى الجمعة يستضيء بنور قراءة سورة الكهف إذا قرأها ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، -وفي رواية: "سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتينوفي رواية: "ما بينه وبين البيت العتيق"، أضاء له ما بينه وبين البيت العتيق، فيكون نور بينه وبين الكعبة، ونور بينه وبين السماء، ويأتيه يوم القيامة، لا إله إلا الله.

فيكون صلته بالسماء وصلته بالكعبة قوية، في هذا الأسبوع الذي قرأ فيه سورة الكهف ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، لأنه يمتد له نور من رأسه إلى عنان السماء، فتكون صلته بالسماء قوية، ويمتد له نور ما بينه وبين البيت العتيق، فتكون صلته بالكعبة قوية إلى الجمعة الآتية، ما بين الجمعتين لا إله إلا الله.

"ويضيء له هذا النور يوم القيامة"، وغفر له ما بين الجمعتين.

كذلك في قراءة سورة الدخان جاءت الأحاديث، وجاء في بعض الأخبار ليلة الجمعة، في بعض الأخبار يوم الجمعة بالنسبة لسورة الكهف.

فسورة الدخان "ومن قرأ الدخان ليلة الجمعة أو يومها غفر له ذنوبه، وأصبح يستغفر له سبعون ألف ملك، وبنى الله له بيتًا في الجنة"، شفت الخير الكثير، فقراءة سورة الدخان كلها ورقتين، وتحصل لك هذا الخير الكبير! ما هذا الربح؟ ما هذه الطاقة التي أعطاها الله المؤمنين؟ يقول: "غفر له ذنوبه، وأصبح يستغفر له سبعون ألف ملك، وبنى الله له بيتًا في الجنة"

يقولون: لو إن له شيء، بيت من بيوت الدنيا ممتاز، وهذا أحسن شركة في العالم تبني لك في يوم واحد، هذا عمل تبني بيت في يوم واحد!! ليس يوم واحد في خمس دقائق! فما هي القوة التي عندك؟ ليست عند شركات العالم، لكنك تضيعها، شركات العالم لا يملكون هذه القوة، المؤمن يملك هذه القوة، وبعد ذلك ليس بيت فقط، بل بيت لبنة من فضة، لبنة من ذهب، ملاطها المسك الأصفر، وهكذا فقط! ليس هكذا فقط!

هل يحتاج له شيء طاقة شمسية ولا كهرباء، ولكن هذا نور مضيء في الأبد، لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا. لا يوجد بيوت في الدنيا مثل هذا، وبعد ذلك هكذا فقط! 

هذا البيت ليس فيه مرض، ما في بيت في الدنيا مثل هذا، ما فيه هم، وما فيه غم، وما فيه وسخ، لا يحتاج لشيء كناسة كهربائية، ولا هوائية، ولا شيء، لا يوجد وسخ أصلاً، لا يوجد وسخ، ولا مساحة تنظف شيء، لا يوجد وسخ.

ما هذا البيوت؟ تُبني في كم دقائق! إذا صدقت مع الله نعم، تُبنى، وعندك طاقة ليست عند شركات العالم غير موجودة، بالإيمان والصدق مع الرحمن.فما أعظم ما أعطانا الله، وما أكثر ما نغفل ونهمل ونقصر.

قال: هذا في قراءة سورة الدخان، وقال ﷺ: "ومن قرأ سورة يس في ليلة الجمعة غفر له"، وقال ﷺ: "من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلّى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس" طول اليوم إلى أن تغيب الشمس بقراءة سورة آل عمران.

كما يذكر أيضًا في بعض الروايات قراءة سورة الأنعام وقراءة سورة طه وغيرها من السور.

كان يقول الحبيب محمد بن علوي بن شهاب: أني أرى الوالد - والده الحبيب علوي بن شهاب- يقرأ في كل يوم جمعة عدد من السور المخصوصة بيوم الجمعة، نحو سُبُعَين من القرآن، كلها يقرأها في ليلة الجمعة ويوم الجمعة، ويقرأها في الجامع يطلع ويقول: أني أرى بركة القرآن في جامع تريم يتبارك لي أكثر من غيره.

كما جاء في حديث أيضًا مرسل بسند صحيح، يقول كعب عن النبي ﷺ: "اقرؤوا سورة هود يوم الجمعة" فهي من السور المستحب قراءتها يوم الجمعة.

"من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلّى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس". لا إله إلا الله.

 فالله يوفقنا ويأخذ بأيدينا، -وفي رواية عند التيمي- يقول: "من قرأ سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة كان له من الأجر كما بين البيداء -أي: الأرض السابعة- وعروبة -أي: السماء السابعة-"، له من الأجر ما بين الأرض السابعة إلى السماء السابعة.

لا إله إلا الله.

وجاء أيضًا في عند أبي داود في سنن أبي داود: يقول: "من قرأ سورة يس والصافات ليلة الجمعة أعطاه الله سؤله" الصافات واحدة من السور، هذه السور التي حثنا ﷺ على قراءة ليلة الجمعة.

 قال الفقهاء عندنا: وما جاء من هذه السور ليلة الجمعة ويوم الجمعة فهي أفضل الأذكار، وما لم يرد بخصوص ليلة الجمعة ويومها، فالصلاة على النبي أفضل فيه من بقية الأذكار كلها، حتى من القرآن إلا السور الواردة في ذلك، لأنه في أمر مخصوص بالإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فهي أفضل الأذكار إلا ما ورد من الأذكار ليلة الجمعة ويوم الجمعة من السور، فهذا أفضل من الصلاة عليه، والباقي الصلاة عليه أفضل من بقية الأذكار كلها، غير ما ورد في السنة بخصوص ليلة الجمعة ويوم الجمعة.

 لا إله إلا الله

يوفقنا الله ويبارك لنا في جمعنا وأيامنا وليالينا بركة تامة، ويصلح شؤوننا الخاصة والعامة، ويرزقنا السعادة بذلك في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، حتى يجمعنا بحبيبه في دار الكرامة وهو راضٍ عنا من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب.

 

 بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

01 جمادى الآخر 1446

تاريخ النشر الميلادي

02 ديسمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام