أسرار الخلافة عن الله في الأرض وعظمة لا إله إلا الله وسرايتها في أهل سبق السعادة الكبرى

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الجبيب عمر بن محمد نن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، في دار المصطفى، ليلة الجمعة 13 شوال 1446هـ بعنوان: 

أسرار الخلافة عن الله في الأرض وعظمة لا إله إلا الله وسرايتها في أهل سبق السعادة الكبرى

فوائد مكتوبة من المحاضرة

https://omr.to/M131046-f

لتحميل المحاضرة pdf:

https://omr.to/M131046-pdf

نص المحاضرة مكتوب:

الحمد لله الذي منه المبتدأ وإليه المنتهى، رَبُّ السماوات والأراضين، رَبُّ العالمين، خالق كل شيء، بيده ملكوت كل شيء، وإليه يرجع كل شيء.

كان من أعظم ما سبَقت به الإرادة من رحمته الكبيرة؛ إبرازُ أسرار الخلافة عنه على ظهر هذه الأرض، وابتدأها بخلق هذا النوع الذي أراد أن يُبرِزَ النور المحمدي في قالبه؛ الإنسان، وخلَق آدم -عليه السلام-، ومن بداية الخلق علَّم وأسجد له الملائكة؛ في إشارة إلى عظَمة المِنَّة على هذا النوع من المخلوقين الذين جعل الله فيهم سيد المرسلين. وبرز إلى هذا العالم -صلوات ربي وسلامه عليه- مُصَدِّقًا لجميع ما جاء به النبيون والمرسلون قبله، مُنزَلٌ عليه كتاب، مهيمنًا على كل كتاب نزل من السماء (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) [المائدة:48]. صلوات ربي وسلامه على هذا المجتبى المصطفى. واختار الله له أُمَّة فجعلها خير الأمم، واختار له صحبًا فجعلهم خير الأصحاب لجميع الأنبياء، واختار له آلاً جعلهم خير الآل، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وأمته، وجعلنا الله وإياكم من خيار أمته.

استغفار الملائكة لأهل الأرض

ولقد نُبِّئنا عن الإله الحق على لسان سيد أهل الصدق من الخلق، عبده المصطفى محمد؛ أنَّ حمَلَة العرش ومن حوله، فمن دونهم من الملائكة، يَعظُمُ في اعتقادهم شأن ما يجري على هذه الأرض في أسرار هذه الخلافة، من خلال القلوب والأرواح والأسرار المؤمنة المُتصلة بالرحمن، الحاملة لأخبار النبوة وأخبار الرسالة وحقائقها على ظهر هذه الأرض. وأنَّ حملة العرش ومن حوله يُسبِّحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا الذين على ظهر هذه الأرض: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [غافر:7-9]. هذا تَقَرُّب حملة العرش إلى الله بالدعاء لهؤلاء ومن صلَح من آبائهم وأزواجهم وذريتهم -جلَّ جلاله-.

سر عظمة مجالس الذكر

  • ثم جعل الملائكة الذين يَغشَوْنَ هذه المجالس، لو لم تكن لها هذه المنزلة لدى ملك الملوك -جلَّ جلاله- والمكانة؛ لمَا كان معنىً لأن تُخصَّص لها ملائكة سيّارون سيّاحون يلتمسون حِلَق الذكر،

  • ولكنها عظُمت وجلّت عند الله؛ لما فيها من أسرار الصِّلة به والخلافة عنه على ظهر هذه الأرض، وسِرِّ الاتصال بأنبيائه وملائكته ورسله وسيِّدهم محمد ﷺ. وعَظُم شؤون مجالس الذكر من عهد آدم فمن بعده،

  • ثم بَرَزَ الحبيب فازدانت وازدهت به المجالس؛ إذ تولَّى عقدها والدعوة إليها بيده الكريمة وروحانيته العظيمة ﷺ،

  • وأبقاها فينا متسلسلة متتالية متوالية، يرحم الله بها العباد والبلاد، ويكشف بها الضُّر والفساد، ويَرقُبُها -جلَّ جلاله- في عين عنايته؛ فيُرَتِّب على انعقادها من أجله -وكلها من فضله؛ ولكن بفضله؛ ولمكانة خاتم رسله لديه- يُرَتِّب عليها دفع بلايا وكشف رزايا، وظهور أنوار الهدايات في المشارق والمغارب.

انتشار نور الهداية في القلوب

وإذا اغتَرَّ الكافرون بقواهم الحسية أو ما عندهم من المظاهر أو التقلب في البلاد كما ذكر الله -جلَّ جلاله-؛ جعل الله في جوابهم انتشار نور الهداية في القلوب، وغايته ونهايته ينتهي إلى أن يدخل كل بيت على ظهر هذه الأرض، رضي من رضي وأبى من أبى (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) ، (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:9]،[التوبة:33]، -جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه-.

وما جعل مراتب الفوز والسعادة؛ إلا على حسب الارتباط من خلال هذه السلاسل به -جلَّ جلاله-، وبعظمته، وبالخضوع لجلاله وبالامتثال لأمره..

فيَا ربِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويا ربِّ اقبضنا على خير ملّةِ

وعد الله لنبيه بالنصر

ونحن فيما نحن فيه؛ في مجلَى وعدٍ من وعود الله تعالى لنبيه: أن ينصره، وأن يرفع ذكره، وأن يحفظ مِلَّته، وأن يُديم الخير في أمته.

  • و: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من ناوأهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون".

  • و: "يحمل هذا العلم من كُلِّ خَلَفٍ عدولُه".

  • و: "في كل قرن من أمتي سابقون".

  • و: "ليجدنَّ ابن مريم في أمتي مثل حواريِّيه".

أهل الخلافة في الأرض

وهكذا بالفضل الرباني لمُقَلِّب القلوب ومُكَوِّن الأكوان؛ تقوم هذه الشؤون، وتبرز أنوار الأمين المأمون.

  • وأعظمها وأجلُّها: في ذوات مَن أوتوا مِن سر وراثته النصيب، فإذا كانوا من عترته الطاهرة فهم مع القرآن في قَرَنِ، فيهم من يبقى فيهم القرآن، ويبقى بهم نور القرآن وعلم القرآن إلى آخر الزمان.

  • وهم التَّرِكة، التَّرِكة التي خلَّفها ﷺ يقول: "تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله.."، حثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه "..حبل ممدود من السماء إلى الأرض"، ثم قال: "..وعترتي أهل بيتي"، "وعِتْرَتي: أهلُ بَيْتي، وإنَّ اللَّطيفَ الخَبيرَ أَخبَرَني أنَّهما لن يَفتَرِقا حتى يَرِدا عليَّ الحَوضَ".

ومعهم يا رب، معهم يا رب أوردنا..

 قُرنَاء للقرآن لن يتفرقا ** حتى يكونا أوَّل الوُرَّاد

أول من يرد على الحوض المورود: القرآن وخيار العترة الطاهرة. والله يجعلنا معهم، ومع محبيهم، ومع الداخلين فيهم، اللهم آمين.

وندخل يوم وعد الله معهم ** جِنَانًا تُرْبُها مِسكٌ وجَوْهَر

اللهم آمين، اللهم آمين، اللهم آمين..

 

  • برزت الوراثة في هذه الذَّوات للخلفاء لخير البريات ﷺ. ومن هذا النور ومن نور القرآن برَز السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار فمن تبعهم بإحسان، وهكذا..،

  • والأفراد الذين نشَرهم الله في شرق الأرض وغربها، مِمَّن :

إذا رُؤوا يُشهَرُ ذكرُ الله ** فهو لهم سِيما على الجِبَاهِ

يُعرَف معناهم بلا اشتباه ** من حيث ما يُعرَفُ ذو الجلالِ

لهم من التقوى أجلُّ زينة ** عند لقاهم تنزل السكينة ** وتحصل الجمعية المبينة

كم من مضطرب القلب يسكن بمثل الساعة هذه، إنسًا وجنًّا، من أهل المحضر ومن ناسٍ بعيدٍ..

 عند لقاهم تنزل السكينة ** وتحصل الجمعية المبينة ** فتُجذَب الألباب بانفعالِ

وتُجذَب إلى أين؟ إلى ربِّ الأرباب. إلى أين تُجذَب الألباب؟ إلى ربِّ الأرباب! وجَذْبَة إلى رَبِّ الأرباب، ما أطيبها، وما أعجبها، وما أحسنها، وما أحلاها!

ذكرى العلامة الحبيب علي المشهور بن حفيظ

ومن كُلِّ ذلكم هذه الذكرى لحبيبنا مشهور -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ذاتٌ من الذوات التي وَرِثَت وخلَفَت.. خلَفت مَن قبلها، وقامت بحق الخلافة بعناية الله -تبارك وتعالى- ورعايته، وصدَق مع الرحمن حتى وافاه المنون. اللهم أجزل أجوره وضاعف حسناته، وضاعف اللهم عطياتك له، وزِده من البشارات التي تُبَشِّر بها المقربين والمحبوبين، والمتجددة عليهم على ممر السنين، حتى تكون بشائر القيامة أكبر مما بُشِّروا في البرزخ، وبشائر الجنة أكبر مما بُشِّروا في القيامة، وبشائر ساحة النظر إلى وجهك أكبر مما بُشِّروا من قبل ذلك. اللهم زِده زيادة، وأعد عوائد ذلك على أولاده وعلى طلابه وعلى أصحابه وعلى أحبابه وعلى آثاره فينا، يا حي يا قيوم يا أكرم الأكرمين.

التحقق بـ "لا إله إلا الله"

وانظر إلى قلوب أمة نبيك محمد، وادفع عنها الغش، وادفع اللهم عنها القذر والكدر والظلمة، وكل التفات إلى ما سواك، وتعلق بمن عداك.

بسِرِّ "لا إله إلا الله" حقِّق قلوب المسلمين بـ "لا إله إلا الله"، وكثِّر فينا هذه القلوب المتحققة بحقيقة "لا إله إلا الله"، القائمة بالوفاء بعهد "لا إله إلا الله"؛ حتى تنصرنا بـ "لا إله إلا الله"، وتنصر بنا "لا إله إلا الله"، وتجعل آخر كلام كل واحد مِنَّا من هذه الحياة "لا إله إلا الله"، وتدخلنا قبورنا في أنوار "لا إله إلا الله"، وتحشرنا في القيامة مع خواصِّ أهل "لا إله إلا الله"، في قُربٍ قويٍّ من سيِّد أهلها وأفضل مَن قال مِن خلقك "لا إله إلا الله" محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في كل لحظة أبدًا، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

(يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ..) فاجعلنا معه (.. نورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8].

فوز أهل الصدق والإخلاص

فيا فوز أهل الإخلاص والصدق على مدى القرون في الأمة؛

  • مجالسهم معقودة بيد زين الوجود،

  • أقوالهم مُستقاة من أقوال زين الوجود،

  • أفعالهم قوية الاحتكام والوصل بأفعال زين الوجود،

  • صفاتهم من صفات زين الوجود ﷺ.

 

ثمرة مجالس الخير:

ومجلس أنتم فيه عاقدُه -وما تُنُوِّلَ عقده إلا على أيدي أمينة غالية ثمينة، من قطب إلى قطب، ومن مُقَرَّب إلى مُقَرَّب، حتى انعقد المجلس- كيف ما يهتدي به ناس في الشرق والغرب؟ كيف ما يُرحَم به أحياء وأموات؟ كيف ما يُطلِق الله به عُصوبٌ كبيرة!

اللهم أَتِمَّ النعمة علينا، اللهم أَتِمَّ النعمة علينا، اللهم أَتِمَّ النعمة علينا، واجمع أهل هذا الجمع ومن والاهم فيك ومن يسمعهم ومن يتابعهم ومن يشاهدهم في دار الكرامة ومستقر الرحمة، وتحت لواء الحمد، وفي ظل العرش، وعلى الحوض المورود، وفي ساحة النظر إلى وجهك الكريم.

فيَا رَبِّ واجمعنا وأحبابًا لنا ** في دارك الفردوس أطيَبِ مَوْضِعِ

فيَا رَبِّ واجمعنا وأحبابًا لنا ** في دارك الفردوس أطيَبِ مَوْضِعِ

هو الذي جعلكم مسلمين به ومؤمنين، وفي أمة حبيبه جمعكم في هذا المجمع؛ توجّهوا إليه، خير سامع، خير مجيب، خير مستجيب، خير مُكرِم، خير راحم، خير معطي، خير منَّان، خير وهَّاب! الله! الله! الله! الله! نَادوا الله..

فيَا رَبِّ واجمعنا وأحبابًا لنا ** في دارك الفردوس أطيَبِ مَوْضِعِ

 فضلًا وإحسانًا ومنًّا منك ** يا ذا الجود والفضل الأتَمِّ الأَوْسَعِ

طلب متابعة النبي محمد ﷺ

ولا تُخلِّف مِنَّا صغيرًا ولا كبيرًا، ولا أحدًا من أهل ديارنا، وارزقنا قراءة عنوان ذلك: أن لا يتخلف مِنَّا أحد عن متابعة نبيك محمد، وعن الاقتداء به والاهتداء بهديه، في حِسِّنا ومعنانا، وظواهرنا وخفايانا، وأقوالنا وأفعالنا، ومناسبات زواجاتنا وفرحاتنا وكرهاتنا، وأخذنا وعطائنا، وجميع أمورنا. اجعل هوى كُل منا تبعًا لما جاء به، اجعل هوى كُل منا تبعًا لما جاء به، اجعل هوى كُل منا تبعًا لما جاء به، يا مجيب الدعوات، يا قاضي الحاجات، يا فاتح أبواب المِنَن الكبيرات الربانيات الإلهيات القُدّوسيات الرحمانيات، بالوجاهات المحمديات الأحمديات المصطفويات الرسوليات، وجاهة زين الوجود محمد.. يا ربِّ أجب دعاءنا وحقِّق رجاءنا، وزِدنا من فضلك ما أنت أهله، وأصلِح لنا الشأن كله، والحمدلله رب العالمين.

 

تاريخ النشر الهجري

13 شوّال 1446

تاريخ النشر الميلادي

11 أبريل 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية