(209)
(536)
(568)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ التي ألقاها عبر اتصال مرئي ضمن سلسلة إرشادات السلوك بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، ليلة الجمعة 19 صفر 1446هـ بعنوان:
إشراق النور في القلب وأسرار المعية ورفيع قدرها
نص المحاضرة مكتوب:
الحمد لله على ما جمعكم، والحمد لله على ما أسمعكم، والحمد لله على ما حباكم، والحمد لله على ما يُوليكم وأولاكم، هو الله العلي الكبير المتعال، هو الله واسع الإفضال، هو الله جزيل النوال، هو الله الذي لا شريك له، وحده الحي القيوم، الذي لا يزول ملكه، وهو على كل شيء قدير.
هو الله الذي أرسل إلينا عبده المصطفى محمدًا خاتمًا للإنباء والإرسال (بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) اللهم لك الحمد على ما جعلتنا في خير أمة، وجعلت نبينا خير الأنبياء نبي الرحمة، فنسألك اللهم به أن توفر حظنا من رحماتك، وعظيم هباتك، وجزيل عطيّاتك في ظاهر الأمر وباطنه في الدنيا والبرزخ والآخرة، يا رب الدنيا والبرزخ والآخرة.
مددتَ حبال الإفضال وجزيل النوال بخاتم الإنباء والإرسال، فلم تزل في ضمن الأيام والليال على مُضيّها والتوالي، تبدو وتظهر فيها عجائب فضلك في الأمة، فما حرمت زمنًا من الأزمنة طِيب الاتصال بالجناب الشريف، وعلى عجائب التعرّف والتعريف، وذلك من فضلك على هذه الأمة التي وعدتَ نبيها أن لا تزال في أمته طائفة ظاهرين على الحقّ، وعدتَ نبيّها أن لا يزال الخير في أمته، حتى يجد ابن مريم فيهم مثل حوارييه وخيرًا من حوارييه، ذلك فضل الله - سبحانه وتعالى -.
أنتم في مثل هذه المجامع يجب أن تجتمع قلوبكم على الوهاب، يجب أن تجتمع قلوبكم على المُعطي لهذا العطاء بغير حساب، يجب أن تجتمع قلوبكم على ربّ الأرباب، يجب أن تجتمع قلوبكم على تلبية نداء الكتاب، وتلبية نداء من أُنزل عليه الكتاب المخصوص بأشرف خطاب، خاطبه ربكم بما لم يخاطب به أحدًا قبله ولا بعده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، وجعله أكرم الخلق أجمعين عليه، وجعلكم خير أمة وأكرم أمة بوجاهته عنده وبما قضى - سبحانه وتعالى - من اصطفائه واجتبائه واختباره؛ فيجب على الواحد منكم أن لا تمرّ عليه هذه الساعات ولا هذه المجالس والنفحات إلا وهو حاوٍ لسرٍّ من أسرارها، إلا وهو مشرق على قلبه نور من أنوارها.
فإنّ هذه الأنوار إذا أشرقت لم تزل تزداد حتى تأتي يوم المعاد في زمرة خير العباد، (يوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ ..)، معه، معه، (..وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ونحن نقول قولهم، ونسأل الله أن يدخلنا فيهم ويجعلنا منهم، ونقول جميعًا :
(رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
(رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
(رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
وإذا أشرق سَنا من هذا النور في قلبك ودُعي الرب المنوّر نور السماوات والأرض أن يُتمِّم لك هذا النور، فلابد أن يزداد فيما بقي لك على ظهر الأرض من أيام وليالي لتكون لك زادًا حسنًا إلى الرُّقي إلى المقام الأسنى إلى قوة الاتصال بهذا الجناب، لتشرب الكاس الأهنى، في وصال ربّك وقربه ووصال حبيبه ﷺ والقرب منه، وتلكم المواهب والعطايا التي تتشوَّف إليها قلوب من صَدَق في الإيمان بهذا الإله - جل جلاله - قلوب الصادقين من المؤمنين، حُرِمَها الكفار وحُرِمَها المكذّبون بالله وبرسوله محمد ﷺ والمكذّبون بالدار الآخرة.
ولكن أسفنا الأكبر وإن كنا نتأسف عليهم، (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)، ولكن حسرتنا أكبر على قوم دخلوا دائرة الإسلام ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتأسر الواحد منهم شهوة أو إرادة خبيثة ساقطة تقطعه عن هذا النور كله، وتمنعه عن هذا الخير كله، ويمر عمره وهو عن الحق تعالى مقطوع، مُدبر معرض وإذا أعرض الله عنه فمن له؟ إذا أعرض رب العرش عنه فمن له؟ ومن يأخذ بيده ومن يسعده ومن يقيه السوء؟ ومن يجلب إليه خير إذا أعرض عنه رب السماوات والأرض - جل جلاله -؟.
فيا فوز المقبلين على الله، والله لا يجعل في بيوتنا معرضًا ولا مدبرًا ولا مقطوعًا عن هذا الخير ولا مقطوعًا عن هذا النور، يُنوّرهم بهذا النور حتى نجتمع وإياهم جميعا في دائرة الحبيب ﷺ (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
وهذه المعية الشريفة التي علِم الصحابة قدرها رضوان الله عليهم، وذاقوا حلاوتها فقالوا "إن دخلنا الجنة ولم نَرَك لم تطب لنا الجنة ولا ما فيها" ؛ لأنهم صحِبوه وذاقوا سر المعيّة معه، فقالوا: إن ستكون لنا في الآخرة جنة ونحن ما نرى وجهك هذا، ولا نسمع كلامك هذا، ولا نصافح كفّك هذا، فماذا تغني عنا الجنة؟ وكيف تطيبُ لنا الجنة؟ وواحد بعد الثاني، وظهر فيها سيدنا ثوبان وغيره فكروا نفس التفكير، ونزل وحي العلي الكبير، مُبشرًا لهم غاية التبشير (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ..)
وانظر إلى ثناء الله على هذه المعيّة وهذا المصير (..وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا).
فلا يجوز أن يضيع علينا هذا الرفيق بشيء من قواطع الطريق التي يقطعوننا بها، من كِبر أو عُجب أو غرور أو نظر إلى الفانيات، ونسيان للأمور الشريفات الرفيعات، أو إهمال للأولاد وللبنين وللبنات، أو رضى بشيء مما يطرحه أهل الكفر مخالفًا لمنهج الخلاق، مخالفًا لما جاء به عظيم الأخلاق ﷺ، فلا مجال لقبول شيء يخالف ما جاء به الله والرسول ﷺ.
ولسان حال المؤمنين ما عبّر سعد بن معاذ: "إنما أمرنا تبعٌ لأمرك، نحن حربٌ لمن حربت وسِلم لمن سالَمت، حارب من شئت، وسالم من شئت واقطع حبال من شئت، وواصل من شئت، ولو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ولو سِرت بنا حتى تبلغ برك الغماد من أرض الحبشة لسرنا معك ما تخلّف منا رجل واحد"، يقول سيدنا معاذ وهذا العطاء والفضل الرباني الذي يُخرج للناس على ظهر الأرض من الأوهام والخيالات التي يعيش فيها أكثر الناس، تحت راية إبليس عدوهم ليكونوا من أصحاب السعير، قال هذا عندي وعند الناس غيري قد حازوه، ويقول: "وقد تخلّف عنك أقوام ما نحن بأشد حبًّا لك منهم، ولو علموا أنك تلقى حربًا ما تخلف منهم رجل" -عليهم رضوان الله- هذا رعيلنا الأول الذي قامت بهم سراية هذه الأنوار، وسراية هذه الأسرار، وبواسطتهم وصلت إلينا شريف ما عقدَ ﷺ من ألوية المجامع المباركة، حتى وصلت إلى مجامعنا فضلًا من الله بهذه السُّلالة وبهذا السَّند وبهذا التلقّي وبهذا الاتّصال، فرضي الله عن أولئك الأكرمين، من أثنى عليهم رب العالمين وأمَرَنا باتباعهم وجعلهم لنا قدوة إلى يوم الدين.
قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، اللهم اجعلنا ممن اتّبعهم وألحِقَنا بهم، وما نشرتَ لهم من راية الرضوان اجعل لنا نصيبًا فيها، قال: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وأنعِم بهذا الفوز العظيم الذي هو حقيقة الفوز.
فكل حاضرٍ منكم يجب أن يمتلئ قلبه من سرِّ هذا النور وهذا الاتصال ليكون على وِجهة، الشهر الثاني من أشهر العام السادس والأربعين بعد الأربعمئة والألف من هجرة نبيّنا، تتوالى أيامه علينا، وقد مرّت علينا أكثر أيامه وأنتم في ثالث جمعة من جُمَع هذا الشهر الكريم صفر، وسيرحل عنا، ولكن النتائج تختلف والمحصولات من واحد إلى آخر تختلف.
فكيف نصيبي وكيف نصيبك يا حاضر هذه المحاضر؟ ما عقدها الله لي ولك إلا لنرتقي عن هذا الحضيض الذي يقع فيه أكثر الناس، بعد أن يصيبهم شَرَك عدوهم إبليس والعياذ بالله تعالى، بشيء من هذه المخازي أو بشيء من هذه المعاصي، أو بشيء من هذه الانقطاعات عن الله وعن رسوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) والعياذ بالله.
والعواقب والنهايات يقول سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)، هذا المستقبل، واحد من المُستَقبَلَين، إن ستعدّ عُدّتك ويقولون لك: تضمن المستقبل، ليس هو مستقبل ما أدري كم سنين، تجمع بها مال من هنا ومن هنا وبعد ذلك تسقط سقطة إلى الأبد، هذا المستقبل!
(الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) واحد من المستقبلَين، (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ..) يظلمون فيه، يقتّلون النفوس البريئة فيه، يأخذون حقوق الغير فيه، يكذبون فيه، وتمرّ عليهم فإذا بالنتائج لكل ذلك : سوء وخزي والعياذ بالله تعالى.
(..مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ..)، ضيافة: قال ربي أنا سأضُيّفهم وأعطيهم الجزاء من عندي (..نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ). للهم اجعلنا منهم وألحِقنا بهم.
مِنّة الله عليكم، قيام هذه الرايات والألوية وبقاء هذه الخيرات، وشعاع الأنوار الذي يطلب كل قلب مقبل، كل قلب متوجّه، ويحِلّ فيه ويدخل إليه، "وإنّ النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفسح" قالوا: هل لذلك من علامة يا رسول الله؟ قال "نعم؛ التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله".
فانهضوا بِهِمَمِكم وصِدقُ وجهتكم إلى ربكم - جل جلاله -، وتعاونوا على البرّ والتقوى، طهّروا دياركم من تبعية الكفار والفجار والأشرار، طهّروا عاداتكم ومناسباتكم من تبعيّة الساقطين من عين الملك الجبار، وأحيوا سنة المختار وسنن الأصفياء الأخيار (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) يقول جل جلاله وتعالى في علاه -.
الله يغمركم بفائضات الجود، ويعيد علينا وعليكم عوائد السعود والاتصال بصاحب المقام المحمود، وحسن الوفاء بالعهود التي عاهدنا عليها عالم الغيب والشهود - جل جلاله وتعالى في علاه -
فيا ربِّ ثبتنا على الحق والهدى ** ويا ربّ اقبضنا على خير ملةِ
وبارك في أحبابنا وهؤلاء الحاضرين معكم من أهل الظاهر من كبار السن ومن الأعيان، أطال الله أعمارهم في عافية وأمتع بهم في خير ولطف وعافية، وزيادة من الارتقاء والارتفاع والانتفاع وحسن الاتباع وعطايا من الله وساع.
ومن يحضر من الملائكة ومن الرُّوحانيين، مِنَن من مِنَن الله - تبارك وتعالى - يمنّ بها على كل متوجه وعلى كل مقبل، وعلى كل مُتنبّه يعرف سر الخطاب ويتأدّب بأحسن الآداب، ويستقيم على منهج الصواب، ويخضع لرب الأرباب، ويقتدي بسيد الأحباب ﷺ.
كُلٌّ على قدر الصفاء والاقتداء ** نال الهدى في أحسن استقبالِ
الله ينوِّر هذه القلوب كلها، وقلوب من في ديارهم، وقلوب من في أصلابهم، وقلوب أحبابهم وجيرانهم، وقلوب قراباتهم كلها نوِّرها يا منور، وطهِّرها يا مطهِّر، وصفِّها يا مُصفّي، ونقّها يا مُنقّي، ورقّها يا مُرقّي، وتولّها في كل شان وقِها كل سوء يا خير من يقي.
يا مقلب القلوب الأبصار ثبّت قلوبنا على دينك، لا تجعل أحد في مجمع مصلى أهل الكساء ولا عندنا في هذا المكان، ولا من أهاليهم وقرباتهم إلا نظرتَ إليه نظرةً من عندك وأشرقتَ على قلبه من نورك الذي بعثتَ به حبيبك، ويدخل في دائرة من تلقّى عنك: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
اهدنا سُبل السلام وأخرِجنا من الظلمات إلى النور، (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
والطُف بنا وبالأمة فيما تجري به المقادير، وكم أريتَنا وأشهدتَ أعيننا عجائب من فضلك وإحسانك، كم أبعدتَ من كُربة وكشفت وكم حميت من شدة ومن بلية، وكم دفعتَ من رزية وكم وهبت من عطية، لك الحمدُ شُكرا، ولك المنّ فضلا، فأتمِم يا ربنا نعمتك علينا، فأتمِم يا ربّنا نعمتك علينا، فأتمِم يا ربّنا نعمتك علينا، وعلى أهلينا وعلى أولادنا وعلى قراباتنا وعلى جيراننا وعلى طُلابنا وعلى أصحابنا وعلى أحبابنا، وعلى من والانا فيك، وعلى المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
يا ربنا، يا ربّنا، مرّت الأشهر ونحن نسمع ما نسمع من شدائد وآفات ونسألك أن تُسمعنا وترينا ما تقرّ به عن نبيك، وما يسر قلب حبيبك، وما يفرح به عبادك الصالحون، فإن الأمر بيدك، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، يا مُحوّل الأحوال حوِّل حالنا والمسلمين إلى أحسن حال.
وهذا الغبش والغش الذي نازل قلوب كثير من الأمة طهِّر قلوبهم منه يا رب، أخرِجهم يتوهّمون أن الأمر لغيرك، وأن غيرك في الأرض يُقدم أو يؤخر ولا في الأرض ولا في السماء مقدّم ولا مؤخر إلا أنت، ولا مانع ولا معطي إلا أنت، ولا ضار ولا نافع إلا أنت، ولا محيي ولا مميت إلا أنت، بكل المعاني مهما كانت ظواهر ما تُسلِّط من أسباب وتُقيم من أدوات ووسائل، فالأمر عائد لك وإليك ومنك، لا إله إلا أنت يا فعّال لما يريد أرِنا قوتك فيمن يصرف ما ابتليته به من قوة ظاهرة في الظلم والأذى والاعتداء على المسلمين.
اللهم أرِنا قوتك فيهم، اللهم أرِنا قوتك فيهم، اللهم أرِنا قوتك فيهم، اخذل المعتدين والغاصبين والظالمين ولا تُبلّغهم مراد فينا ولا في أحد من المسلمين، يا حيّ يا قيوم، يا مُنزل الكتاب يا سريع الحساب يا منشئ السحاب، يا هازم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، ورُدّ عن المسلمين جميع كيدهم وشرورهم، واجعل هذه القلوب كلها صادقة معك مُقبلة عليك، حتى يكون كل فرد منا مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر وسببًا للرحمة ونشرها.
توجّهنا إليك، متذللين بين يديك، مددنا أيدينا إليك، مستشعرين منك الإكرام، لو أهنتنا لمددتَ أيدينا إلى ما سواك لكنك أكرمتنا بمدها إليك.
وقد مددتُ يدي بالذل مفتقرًا ** إليك يا خير من مُدّت إليه يدُ
فلا تردّنها يا ربّ خائبة
فلا تردّنها يا ربّ خائبة
فلا تردّنها يا ربّ خائبة ** فبحر جودك يروي كل من يردُ
يا الله
يا أملي في كل نائبةٍ ** ومن عليه لكشف الضرّ أعتمد
أشكو إليك أمورًا أن تعلمها ** ما لي على حملها صبر ولا جلد
يا الله، يا الله، يا خير مدعو، يا أكرم مرجو، ناديتَنا وقُلتَ لنبيك مخاطبًا له لِيُبلّغنا عنك: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ )، جلّ قربك عن أن يحتويه عقل، وأنت أقرب إلى كلٍّ منها من حبل الوريد، فبسرّ قربك يا قريب كُن لنا مستجيبا، وللدعوات مجيبا، وهَب لنا من نوالك عطاءً رحيبًا يا الله.
اجعل كل قلب منا مقبلًا عليك إليك منيبا، يا الله صفِّ هذه القلوب ونقِّها عن كل شوب، يا رب افتح أبواب رحمتك الكبيرة وأدخلنا إلى خير حظيرة، الله وثبّتنا وأدخلنا مع خير قطيرة، وأعذنا من الشرور، وادفع عنا كل محذور واشرح لنا الصدور ويسّر لنا الأمور، وتدارك هذه الأمة فإنها أمة حبيبك يا رب، إنها أمة صفِيّك يا رب، إنها أمة نبيك يا رب، إنها أمة مختارك يا رب، إنها أمة محمد أبو الزهراء البتول.
اللهم تدارك الأمة، اللهم تدارك الأمة، اللهم تدارك الأمة، اللهم أغِث الأمة، اللهم اكشف الغمة، اللهم أجلِ الظلمة، اللهم ادفع النقمة، اللهم ابسط بساط الرحمة، جُد يا جواد، يا من جلّت نعمه عن التعداد وجلّت آياته عن الحصر والنفاد، لا إلا أنت جُد يا جواد، وأصلح الجسم والفؤاد، والخافي والباد والدنيا والبرزخ والمعاد، واجمعنا في زمرة خير العباد.
فيَا رب واجمعنا وأحبابًا لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
فضلاً وإحسانًا ومنًّا منك ** يا ذا الجود والفضل الأتم الأوسعِ
حتى نجتمع وجميع من والانا فيك ممن قد فقدناهم من أحبابنا وإخواننا وشيوخنا، ومن يأتي من بعدنا من أهل هذه المسالك والوجهة إليك، ومن تقدم قبلنا من أولئك المقربين والحزب المفلحين، اجمعنا وإياهم أجمعين.
في مقعد الصدق الذي قد أشرقت ** أنوارهُ بالعندِ يا لك من سنا
والمتقون رجاله وحضوره ** يا رب ألحِقنا بهم يا ربنا
يا رب ألحِقنا بهم يا ربنا، برحمتك يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين.
03 ربيع الأول 1446