تميُّز المؤمنين بإدراك حقيقة الفوز الأبدي

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة للحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 24 محرم 1437هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: تميُّز المؤمنين بإدراك حقيقة الفوز الأبدي.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ الخليقة, باعثِ عبده المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى والنور والحقيقة، وقد جعله العروةَ الوثيقة، فصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدك المصطفى الهادي إلى أقومِ طريقة، وصلِّ معه على آله وصحبه، وعُمّ بالصلاة  فريقَه، وأثبِتنا في ديوانه، وصلِّ معه على آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

ألا كلُّ شيء ما خلا اللهَ باطلُ

 وهي أصدقُ كلمة قالها الشاعر، وهي أصدقُ كلمةٍ تروجُ بين الخلق..

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

 فإنما الحق هو الله، ثم لا حقَّ في الخلق إلا ما اتصل بالإله الحق فارتضاه، وأحبَّه وأدناه، هو الحق والملائكة حق، والنبيون حق، والجنة حق والنار حق , ومحمد صّلى الله عليه وسلم حق.

فيا ربنا يا حق .. حققنا بحقائق الحق، واهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم , قال سبحانه :( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) فما الذي حصل؟

( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )

هدى الله الذين آمنوا فمن للذين لم يؤمنوا!؟

إن ادَّعوا الهدى بإيحاءاتِ الشياطين فقد كذبوا، إن ادَّعوا الهدى بتفكيرهم وعقولهم فقد كذبوا، ( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ  )

( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) ومن لم يؤمن بالله من لقلبه!؟ أيدّعي أنّ تفكيره أو قصورَه، أو سيّاراتِه، أو طائراتِه، أو صناعته تهديه!؟

 لا تهدي القلوب طائرات، لا تهدي القلوب عمارات، لا تهدي القلوب سيّارات، لا تهدي القلوب صناعات،  ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَه  )

اللهم اهدنا فيمن هديت, ( اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين ) , آمين.

 أيّها المغرور بما في أيدي المغضوب عليهم والضّالين مِن مُتعٍ ترى أن لك بها حاجة أو أنّك قد تحتاج إلى التعامل معهم بوِفق الشريعة، بما أباح الله لك، لا تتجاوز هذا الحد إلى الإغترار، فما بأيديهم حقائق مِن الهناء ولا الصّفاء ولا الطّمأنينة ولا النّعيم المعجَّل في الدّنيا.. يرتكبون المنكرات، ويفعلون المحرمات، ولا هناء لهم، ولا صفاء لهم، ولا استقرار لقلوبهم.

كم تسمعون فيما يُظهر الله في عالم الحسّ، أنَّ أكثر البلدان في مستوى المرتّبات أكثرها نسبةً في الإنتحارات، الذين ينتحرون فيها أكثر..

 أيّها المغرورون بالظّواهر، أيّها المأخوذون بالمظاهر، إنّ من ورائها لحقائق تُرى بالبصائر ( وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ) , اللهم نوِّر بصائرنا..

 ربّي إنّ الهدى هداك ... وآياتك نورٌ تهدي بها مَن تشاء

فاهدنا اللهم فيمن هديت، برحمتك يا أرحم الراحمين.

جميع مُتعِ الدّنيا إذا خرجت عن حقيقة الإيمان وعن شريعةِ الرّحمن، فهي كحلويات دُسَّت فيها السّموم، ومَن يرضى بها فأيّ عقلٍ عنده، إن كانت تعجبك الحلوى وتعلم أنّ السُّمَّ وسطها ثمّ لا تزال ترغب فيها فما أقلّ عقلك!!

إن جميع المُتع على ظهر الارض حلوى، كلُّ ما خرج فيها عن شريعة الله كائناً ما كان، وكلّ ما خرج عن دائرة الإيمان فالسمّ فيه..  فإيّاك أن تغرَّك صورة الحلوى، وسمومها فيها، فإنّ كثيراً مِن بني جِلدتنا غرَّهم ذلك، فنازلَهم السُّمُّ إلى قلوبهم، فمنهم مَن تُدورك، ومنهم مَن مات على غير المِلّة، ومن مات على غير الملّة ربّما برز حتى في الظاهر لو حُفر قبرُه لرؤي إلى غير القبلة، فكيف يكون حاله يوم الشّدائد!؟ يوم تجلِّي الجبّار بغضبٍ لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، أتنقذه شركات؟ أم تغيثه طائرات؟ أم تتداركه حكومات؟ ودول صغيرات أو كبيرات!؟

وفي عقيدتنا لا نرى دول الظّاهر كلّها إلّا صغيرات، وأيّ دولة ٍلا تنتمي إلى شرف الإنضمام تحت لواء الحمد يوم القيامة فهي عندنا صغيرة وحقيرة ومهينة، نعم وهي كذلك والله. وإن ظنّت الأوهام غير ذلك، وإن تصورت العقولُ غيرَ ذلك، فما في الحقيقة إلّا ذلك، هم الواردون على المهالك..

 وإن كان مِن دولة يحقُّ أن تسمّى دولة ذات شرفٍ وسيادة ومكانة على الأبد فدولة مــحمــد، دولة محمد وركبِه، والنّبيّون والمرسلون في ركبِه، والصدّيقون والشّهداء والصّالحون في ركبِه، وكلٌّ تحت رايته، ولواء الحمد يجمعهم، وهمّنا أن يجمعنا الله معهم، وأن يجعلنا الله في سعفِهم، في تلك الدّائرة تحت لواء الحمد، اللهم آميـن..

ومِن تناوُلِ الحلوى المسمومة رأيتم تقاتلَ المسلمين على السّلطات ولأجل الدّنيا، وانتهاك بعضهم لحرمات بعض..

يا أيّها العـــاقلّ! لا تتشبّه بالغافل! ولا تتبع الجاهل! فإن ربّك أصدق قائل، وإنّ محمّداً جمع محاسن الشّمائل، واحتوى على الفضائل،  فلا تخرُج عن ركبِه، ولا تبعُد عن دربِه , فتعضّ على يديك (  وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّ‌سُولِ سَبِيلً * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً )

إنه بيانٌ إلهي عن كلّ العلاقات التي تقوم على الفساد في الأرض، كلُّ العلاقات التي تقوم على مخالفة شريعة الله، والمضادَّة لدينِ الله، والمحاربة لمنهج الله، والمخالفة لسنّة محمّد بن عبدالله، بين الأفراد والمؤسسات والدول والصغار والكبار..  كلّ تلك العلائق بيّن الحق الخالق بقوله الصادق عنها الحقائقَ بقوله: ( يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا )

وسيقول كلٌّ من أصحابها في ذاك اليوم ( يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ) فلان الذي غرَّني، فلان الذي خدَعني، فلان الذي ضيّع علاقةَ قلبِي بربي، وعلاقة قلبي بحبيبه، وبالصلحاء في زماني الأطياب الأحباب أهل حضرة الإقتراب، وسيَّرَني وراء السراب طمعاً في ذلك الساقط، سيَّرني في معصية الله ومخالفة شرع الله وفي تأييد أعداء الله تبارك وتعالى وولائهم في جانب من جوانب الحياة ( لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ) إنها كلمةٌ سيقولها كل أصحاب علاقةٍ خالفوا بها شرع الله، دولاً أو شعوباً أو أفراداً أو جماعات أو مؤسسات، كل علاقة يُخالف فيها شرع الله، ويُعصى بها الجبار فأصحابها منطقهم في القيامة ( لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا )

( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )، فما حال المتقين يا رب؟ قال أنا أخاطبهم ( يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ) نِعمَ المصير، نِعمَ المآل، نِعمَ المستقبل، نِعمَ العاقبة .. هنيئاً لهم.. اللهم اجعلنا منهم وألحِقنا بهم.

والعلائق العلوية التي تجمع أربابَها تحت ظل العرش هي التي تُنشر حبالُها في مثل هذه المواطن، والمجالس وما يتنزل فيها من جود الله تعالى لتقوم الصلة لله، بالله، في الله، مِن أجل الله، خالصةً لوجه الله، تريد الله، تهاب الله، ترجو الله، توقن بالله، تخضع لله، تخشع لله، تتهيأ للقاء الله، وأصحابها يقول الله لهم: اليوم أُظلُّكُم في عرشي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي، المتحابون في الله على منابر من نور يغبطهم الانبياء والشهداء، ليبعثن الله أقواماً على وجوههم النور، على منابر اللؤلؤ يغبطهم الأنبياء والشهداء، وليسوا بأبيناء ولا شهداء، جثا الأعرابي على ركبتيه، ما هذا النبأ؟ ما هذا الخبر؟ ما هذه الحقيقة؟ قال: حلِّهِم لنا، جلِّهِم لنا نعرفهم، من هؤلاء؟

قال: هم المتحابون في الله، من بلاد شتى وقبائل شتى يجتمعون على ذكر الله فيذكرونه. ما أعظم ذكر الله  

ويجي الثاني ويقول: ملأتمونا ذكر، ذكر.. فماذا عمل الذكر!!

يا مستهيناً بالذكر أنت مستهين بالمذكور، وسترى هذه الاستهانة ماذا نتيجتها يوم البعث والنشور، لا شيء مثل ذكر الله، حمل الرسالةَ مرسى بن عمران عليه سلام الله والصلوات كل آن مع نبينا المصطفى من عدنان، فأراد الاستعداد لأداء هذه الأدوار الكبرى بين بني الإنسان في عالم الدنيا فقال ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي )

علاقة في الله، مودة في الله، محبة في الله 

( اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا )

هذا مسلك الأنبياء، وهذا يجي يقول ذكر، ذكر، مليتوا الدنيا ذكر، إيش الفايدة من الذكر، الإستهانة بالذكر استهانة بالمذكور، يا غافل يا جاهل، يا ضعيف الإيمان 

( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ ) لا يضحكون، ولا يستهزؤون ولايستخفون.. بدل ما يوجَل قلبك ويرق تقول ما الفائدة!؟ سترى نتيجة هذه الكلمة، تستهين بمن، وهل خلقنا لغير ذكره !؟ وهل في الدنيا أشرف من ذكره!؟

( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) حتى تفكُّرهُم ذكر (  رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ )

الخزي الأكبر، لا لمَن جاع، لا لمن قُتِل ظلماً، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب: لئن أُقتَلَ في غير حد، - أما في حد فهو مصيبة- أُقتَل في غير حد أحب إلي من أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكر. القتل أحسن لكن في غير حد. ليس الخزي لمن قُتِل ولا لمن حُبـس، ولا لمن عَري، ولا لمن سُبَّ؛ الخزي لمن دخل النار، فمن قال أنا أحميك من خزي فقرٍ أو خزي سبٍّ أو خزي مركز في المجتمع وأُدخلك النار، قل أنت الذي تُخزيني، ما تحميني مِن الخزي، وهل ترضى بعرضِه!؟

رضي بعرضِهم بعضُ الناس، وأخزوهم والعياذ بالله ( رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ )

( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) هذه عقائدنا، هذه نظرياتنا، هذه معتقداتنا، هذه حقائقنا العلمية، هذه حقائقنا اليقينية، هذه ثقافتنا النورانية، عليها نحيا وعليها نموت، والحق فيها، وما سواها فباطل، ( إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَه ) (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) 

أما مَن أُدخِل النار ما فاز، ولو كان مليونير أو ملياردير في الدنيا، من دخل النار فهو غير فائز، مخزي، وإن كانت له شهرة في الدنيا وإن بلغت شرق أو غرب، ودخل النار فهو مخزي ... غير فائز غير رابح، هذه عقيدتنا، هذا ديننا، هذا عِلمنا وهذه الحقيقة، لكن مَن زُحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز .. ومن هنا نادى مناديهم: لا خير في خيرٍ بعده النار كما لا شر في شر بعده الجنة، اللهم اجعلنا من أهل جنتك .. فيها قال قائلهم :

ولست أبالي حين أُقتَلُ مسلمًا *** على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك  في ذات الإله وإن يـشأ *** يـُبـارك عـلى أوصال شـلـوٍ ممزَّعِ

عليهم رضوان تبارك وتعالى، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، على هذه الحقائق نحيا، والفوز في النجاة من النار ودخول الجنة وهو مستقبلنا ومستقبل بني آدم من جميع المكلفين الأكبر الأعظم الأهم الأخطر، مَن آمن ومن كفر هذا مستقبلنا الأخطر أجمعين، نحن وإياهم مستقبلنا الأخطر هذا، ويوم يُحشرون فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير.. (  يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) اللهم اجعلنا من السعداء، وأسعِدنا يا مُسعد السعداء.

يا عالم ما خفي، يا عالم ما بدا، نوِّر هذه القلوبَ بأنوار الهدى، واجعلنا وأربابها ومن يسمعنا ممن بهديك اهتدى، وبه اقتدى، فيما خفي وفيما بدا، فأسعِدنا مع السعداء هنا وغدا.. يا الله ،، يا الله ،، لا تدع قلباً في مجمعِنا ولا مَن يسمعنا إلا أسعدته بإشراقِ نور الهدى، يا مُسعد السعداء، يا عالم ما خفي وما بدا، يا الله.

وبتوفيقك طلبناك وناديناك ودعوناك ورجوناك فأتمِم ما به بدأت من النعمة يا مُنعم، وأتمم لنا الكرامةَ يا مُكرم، وتولَّنا بما أنت أهله يا حي يا قيوم يا الله.. جميع ما يحوكُ عدوُّك الشيطان ويوحيه إلى أوليائه من الجن والإنس أعداء نبيك محمد لا يقرُب منه شيء حول قلوبنا ولا تتأثر منه بذرة، إئذن بطهارة قلوبنا مِن جميع ذلك وقلوب أهلينا وقلوب أولادنا، وقلوب أبنائنا وبناتنا وجيراننا وأصحابنا يا الله، نستودعكَ تلك القلوب فاحفَظها، احفظها مِن غشِّ ما يحيك عدوك وما يحيك أولياؤه من شياطين الإنس والجن..

وكم قلوب تلوَّثت بذلك الوحي الخبيث، وما تلوثت إلا لما ضعُفت صلتُها بالوحي الطيب، الوحي الأعلى، قال سبحانه وتعالى ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ) (  وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ )

أوحينا إليك روحاً مِن أمرنا، نعمَ الوحي، ما أطيبه، حق، وبهجة، ونور.. اللهم اربطنا به، ضعُفت روابطُ كثير منا، وتأثروا بالوحي الثاني، وما هو الوحي الثاني؟

(  وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ) تمسَّك بالوحي الطيب، لا بضرك الوحي الخبيث، أو تضعف علاقتك بالوحي الأعلى فيأخذك الوحي الأسفل، الأخبث، الأنكد الأكذب والعياذ بالله تبارك وتعالى..

وحيُ الله خير، وحيُ الله حق، ووحيُ الشياطين باطل، وحيُ الشياطين ضلال، وقد أوحوا حتى استجابت لهم قلوبٌ فعظَّموا مظاهر الدنيا أعظم مِن تعظيمهم للدين، ونعوذ بالله من ذلك، هو ردّةٌ باطنية، ردةٌ باطنية والعياذ بالله عن حقائق الدين وعن حقائق لا إله إلا الله، وعن حقائق الصلة بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم..

ولا عظيم إلا ما عظّم الله، وما يجمعنا الله تعالى إلا لاستدامةِ فائضِ فضلِه مِن فتحِ خزائنِ جودِه التي يرحم الأمة فتبقى قلوبٌ به، معلقة وواثقة وصادقة معه في الأزمنة المختلفة، حتى إذا نزل عيسى بن مريم وجد هذه القلوب، ووجد في الأمة مثل حواريِّيه، وهكذا إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، فاغتنِموا تنوير قلوبكم بنورِ وحيِ الله، فهو الحق والهدى، ( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )

ومن ابتغى الهدى في غير القرآن أضلَّه الله ؟ ومَن يهدي مَن أضل الله ؟

(  وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )

(   وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) من؟ محمد، ( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) الهداية كلها هنا، فهو المبعوث بالهدى

(مُحَمَّدَ) المْبعُوثَ بِالهَدايهْ ... وَالحقِّ والتَّحقيقِ وَالوِلاَيهْ

إِنْسان عَيَنِ الكشْفِ وَالعِنَايَهْ ... ورُوح مَعْنىَ جُملةِ المَظاهِرْ

 الله أكُبرْ هَذهِ الحَقِيقهْ ... قَد أَشَرقَت مِنْ مَشَرقِ الطَريقةْ

فَامْسكْ أَخَي بِالعَرَوةِ الوَثِيقة ... وَهْيَ اتِّبَاعُك سَيَّدَ العَشَائِرْ

مُحَمَّدَ) المْبعُوث بِالهَدايهْ ... وَالحقِّ والتَّحقيقِ وَالوِلاَيهْ

إِنْسان عَيَنِ الكشْفِ وَالعِنَايَهْ ... ورُوح مَعْنىَ جُملةِ المَظاهِرْ

( وكان فضل الله عليك عظيما ) ( إن فضله كان عليك كبيرا) ( وإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم )

(  وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ ) فيا مغترين بغيره أنتم وغيره صائرين إليه، فلا ينفعكم غيره، والحكم له جل جلاله

( أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ )

(  كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )

(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ *  ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ )

وإن كنا استقبلنا عاماً جديداً رجونا من الله فيه الخيرَ والمزيدَ والفرجَ لمسلمين، فإنا الآن نودّع أول شهر من شهوره، لنوقن أن الأعمار منطوية منقضية ذاهبة من بيننا، مرتحلة..

وهذا أول شهر من شهوره الان نصل الأسبوع الأخير، ما تجي الخميس والجمعة الآتية إلا ونحن في الشهر الثاني انطوت صحيفة الشهر الاول محرم الحرام، وانقطعت قطع من أعمارنا، قرُبنا إلى اللقاء، وما كسبنا فيها وما كان فيها كله معروض على الحي القيوم، ونتائجه مستقبِلة لنا فيما بعد ذلك، فاغنموا الأعمار واغنموا الأوقات، ولو علم مَن في البلد والوادي من جود الله في مثل هذه المواطن ما تركوا لكم بقعة، ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء

 والله يعم بخيرات ما ينزل إلى البقاع والجهات وينظر إلى المؤمنين والمؤمنات

 نظرة تزيلُ العناء ** عنا وتُدني المُنى

 منا وكلَّ الهناء ** نُعطاه في كلِّ حين

يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين

 يا أرحم الراحمين ** فرِّج على المسلمين

 واجعلنا في خواص الهداة المهتدين.. يا الله

اسقنا سلسالَ المُداناة والمُهاناة والقربِ مِن حضرتِك، وذوقِ حلاوةِ رحمتِك، ولذةِ مناجاتِك، برحمتِك يا أرحم الراحمين، يا الله

فإن لله أقواماً يذوقون تلك الحلاوة في مختلف الأوقات، زمان فتن، ما هو زمان فتن، في أي وقت يذوقون، ويشربون هذه الكؤوس، فهم الفائزون.. الله يلحقنا بهم، الله يجعلنا منهم، في كل زمن، حتى في زمان الدجال أخبث الأيام،  ناس مع الدجال وناس يشربون هذه الكؤوس، في فوز، في سعادة، وينزل سيدنا عيسى بن مريم ويقول: فلان منازلك في الجنة في المكان الفلاني، يخبرهم بمنازلهم في الجنة، الناس وراء الدجال وهم يشربون كؤوس الوصال في الإتصال بذي الجلال لكن صدقوا، تركوه ودنياه وما غرهم، جاعوا، فهؤلاء أرسل الله لهم ظباء يشربون من البانها وأرفع منهم رتبة قال ذوقوا تغذية الأجسام في التسبيح لي، فسبَّحوا ونشطوا وقويت أجسامُهم، فكان غذاؤهم أيام الدجال تسبيح الرحمن..

وخرجوا ونزل عيسى بن مريم، قال يا فلان منزلك في الجنة في المكان الفلاني، يا فلان منزلك في المكان الفلاني، والذين طلبوا الخبز ذهبوا خلفه، فأين هم؟ وأين منازلهم!؟ اغترُّوا وانخدعوا، ذهبوا وراء الخبيث، وتخلَّدوا في النار، والعياذ بالله تبارك وتعالى من أجل كِسرة خبز، من أجل مظهر مال، ذهبوا.. بينما هذا صبر وثبت على الجوع فطلع للجنة.. فمن السعيد منهم ؟ من الفائز منهم؟ من الرابح منهم؟ وهكذا الأمثلة على مدى الأزمان..     

( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) اللهم ألحِقنا بالفائزين

( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) في ميزان الحي القيوم سبحانه وتعالى، الحمد لله على ذلك، الله لا يصرفنا إلا وقد كتب لنا الفوز الأبدي والعز السرمدي بطاعته وتقواه، وحيازة رضاه، اللهم ارضَ عنا، يا إلهنا، رضوانك الأكبر، اختم محرم لنا بخير، واجعل باقي العام في أحسن سير، تصلح ديارُنا ويصلح أولادنا وتصلح عقولنا وتسدد أقوالنا وتصلح أفعالنا وتصفو قلوبنا.. يا الله

كل يوم اجعله خيراً لنا من اليوم الذي قبله حتى تكون خيرُ أيامنا وأسعدها يومَ لقاك، وانت راضٍ عنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا يا الله..

يا حي يا قيوم، يا الله، واسعد بقولك يا الله، واستشعر مَن تنادي مَن تناجي، باسم مَن تهتف، ما هذا العز، ما هذا الشرف ما هذا الفخر، مسلمين، مسلمين هتفوا باسم ذا واسم ذا، أحزاب وهيئات واتجاهات وشعارات وحكومات.. وأنت تهتف باسم من ؟ يا الله

ما هذا الشرف ما هذه الكرامة؟ من جابك إلى هنا؟ من أحضرك هنا؟ من وهبك هذه الساعة؟ من أين خرّجتها؟ خزانة من ؟ فضل من؟ قل يا الله، اهتف باسمه، نادِه في علوِّه، ارجع إليه، ما تريد من خير الدنيا والآخرة في يده، والأمر كله بيده، قل يا الله، تسعد بالله، يرحمك، ينظر إليك، يتفضل عليك، يعفو يصفح يسامح، يتجاوز، يبدل السيئة حسنة، يخرجك غير ما دخلت، يصرفك غير ما أتيت، في قلبك وقالبك، الصحف تبدلت، القلب تنوَّر، الحال تبدل إلى حال أحسن، هو  الفعال لذلك إذا اراد فقل يا الله، يا الله، قل يا الله

يا من شرَّفتنا بنداك، يا من أكرمتَنا برجاك، يا مَن أقدرت ألسنتَنا أن تنطقَ باسمك وتلهج به.. يا الله، مِنَّةٌ سيقت منك إلينا فلا تعذبنا اللهم بعدها ولا تُخزِنا يوم يقوم العباد، ولا تخزنا يوم القيامة ولا تُخزنا يوم الطامَّة، يا الله، نجِّنا من كُرب يوم القيامة، وشدائد أهوال يوم الطامة، وبيض وجوهنا إذا اسودت وجوه العصاة في موقف الحسرة والندامة، نجِّنا من كرب يوم القيامة، وشدائد أهوال يوم الطامة، وبيض وجوهنا إذا اسودت وجوه العصاة في موقف المسرة والندامة، وارحم بالقرآن العظيم في موقف العرض عليك ذلَّ مقامنا، وثبِّت به عند اضطراب جسورِ جهنم يوم المجازِ عليها زلَّة أقدامنا، ونجِّنا به من كُرب يوم القيامة، وشدائد أهوال يوم الطامة، وبيض به وجوهنا وبيض به وجوهنا وبيض به وجوهنا إذا اسودت وجوه العصاة في موقف الحسرة والندامة يا الله، عسى يرحمك بها وقت الرجوع إليه بذلَّة وانكسار.. قل يا الله،

( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )

( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن يرتضي الله وهم من خشيته مشفقون )

يا الله لا تخزنا يوم القيامة، ولا تعرِّضنا للحسرة والندامة، واخلع علينا خلعَ الكرامة في مجمعنا قبل أن ننصرف، يا معطي يا وهاب يا مانح يا فتاح يا رب الأرباب يا مسبِّب الأسباب يا مَن هو أقرب إلينا من حبل الوريد، يا رب ومن سواه عبيد، يا الله يا حميد يا مجيد يا مبديء يا معيد، يا فعال لما يريد يا غفور يا ودود، يا ذا العرش المجيد، نسألك الأمنَ يومَ الوعيد، والجنة يومَ الخلود، مع المقربين الشهود، والركع السجود، الموفين لك بالعهود.. باقي أعمارهم احفظهم من موجبات الندامة، وسِر بهم في سبيل الاستقامة، وأتحِفنا وإياهم بالفوز والكرامة، في الدنيا ويوم القيامة .. يا الله

برحمتك يا أرحم الراحمين، وجودك يا أجود الأجودين، واجعل هذا الشهر شاهداً لنا لا شاهداً علينا، وحجة لنا لا حجة علينا، ولا تجعله آخر العهدِ بمثلِ هذا الشهر الكريم، وبارِك في باقي الليالي والأيام، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، مَن للإسلام وأهل الإسلام، يا مَن أرسلتَ إلينا خيرَ الأنام، تدارَك الأمة، واكشف الغمة، واجلِ الظلمة، وادفعِ النقمة، وعامِل بمحضِ الجود والرحمة.. يا الله.

يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين، وصلِّ وسلِّم على حبيبك المحبوب للأجسام والأرواح والقلوب وآله وصحبه ومن إليه منسوب وآخر.. دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

 للاستماع إلى المحاضرة

 لمشاهدة المحاضرة

 

العربية