مكانة المصطفى لدى الرحمن ومنزلة دعوته وواجب أمته

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 30 صفر الخير 1445هـ، بعنوان: 

مكانة المصطفى لدى الرحمن ومنزلة دعوته وواجب أمته 

نص المحاضرة:

الحمدُ للهِ مُرسِل عبدِه المصطفى رحمةً للعالمين، وهُدىً لِلْمُنيبينَ والخاشعينَ والْـمُتذَكِّرين، بابًا إلى جَنَّةِ الله ونَيْلِ رَضاهُ، وسَببًا مُوصِلاً إلى سَعادةِ الأبَد، وعَطايا مِنَ الخَالِق لا تُعَدُّ ولا تُحْصى ولا تُحَد، خَتَم بهِ النبيِّين، وجعلَهُ سيِّدَ المرسلين، شرَّفَنا بهِ وكرَّمَنا فَكُنَّا خيْرَ أُمَّة. 

بُشرى لنا مَعْشَرَ الإسلامِ إنَّ لنا * مِنَ العنايةِ رُكْنًا غيرَ مُنْهَدِمِ

لما دَعَا اللهُ دَاعِينا لِطَاعتِه * بأكْرَمِ الرُّسْلِ كُنَّا أكْرَمَ الأُمَمِ

فثَبِّتْنا على دَرْبِه، وأدْخِلْنا في حزْبِه، وارْزُقْنا حُسْنَ الاقتداءِ بهِ.. يا الله، واجْعَل قُلوبَنا مُلبِّيَةً لندائهِ، وأرْواحَنا مُلبِّيَةً لِدَعْوَتِه، وأسْرارنا ثابتَةً على مَنْهَجِهِ وطريقَتِه؛ حتى نَشْهَدك بِمِرْآتِه، وَنَصِل إلى حَضْرَتِك مِنْ حَضْرَةِ ذاتِه، ونُسْعَد بِمُرافقتِه في دارِ الكرامةِ وأنتَ راضٍ عنَّا.. يا الله.

الاستجابة لدعوة الله والمنادي رسول الله ﷺ

تَدْعُونَ الرَّحمنَ هذهِ الدَّعواتِ العظيماتِ لَمَّا اسْتَجَبْتُم لِنَداءِ خاتِم الرِّسالاتِ وخيرِ البريَّات صلى اللُه عليهِ وآلِه وسلَّم، وكَم في العالَمِ مِنَ المكلَّفين أُناسُ مثلَكم وجَانٌّ، ما يَعْرِفونَ هذه الدَّعواتِ، ولا يَلْتَفِتُونَ إليها، ولا يَدْعُونَ اللهَ بها، ولهم قلوبٌ وأفكارٌ عُلِّقَت بالتَّافِهاتِ والزَّائِلات والْفانِيَاتِ والحقيراتِ والْمُنْتَهِيَات، وما هو (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ).

وكُلَّهُم لا بُدَّ سَيَجِدونَ اللهَ، مَن مِنهم لا يَرْجِع إلى الله؟.. مَن منهم؟!، وإنْ كَفَرَ، وإنْ أنْكَرَ، وإنْ كذَّبَ، وإنْ اسْتَكْبَر، وإنْ اغْتَر؛ يَرْجِع إلى الله، كُلُّ يَرْجِع (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) ، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ). 

وَشُغِلُوا بِتِلْكُمُ التُّرَّهاتِ والْبَطالاتِ، ومع ذلك فالحقُّ تعالى برحمتِه وإرْسالِه الرُّسُل، وبِخَتْمِهِم بِحَبيبهِ الأكْمَل صلى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم، دعا أتْباعَ الرُّسُل إلى أنْ يَرْحَموا أولئك الْمُغْتَرِّين، وأولئك الْمُفْتَرين، وأولئك الْمُجْرِمينَ، وأولئك الْمَنْكوبينَ، وأولئك الْمَحْرومينَ، وأولئك الْمَحْجوبينَ، وأولئك الْمَغْرورينَ بِزُخْرُفِ ما عِنْدَهُم، ويَدْعُونَهُم إلى اللهِ، ويَدُلُّونَهُم على اللِه جلَّ جلالُهُ؛ لِيَخْرُجُوا مِن هذهِ الْوَرَطاتِ الْخَبيثَةِ، التي إذا ماتُ أحَدُهُم عليها وقد بلَغَتْهُ الدَّعوةِ فَلَمْ يسْتَجِب خُلِّدَ في نارِ اللهِ الموقَدَةِ (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ)، (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)، يقولوا: (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).

أَجِرْنا مِنَ النَّارِ يا خَيْرَ مُجِير، ولا تُعَرِّضْنا لِحَرِّ نَارِ السَّعيِر، ولا أحَدًا مِن أهْلينا، ولا مِن أهلِ بيُوتنِا، ولا مِن قراباتِنا، ولا مِن جيرانِنا، ولا مِن أصحابِنا، ولا مِن طُلَّابِنَا، يا حَيُّ يا قيُّومُ أجِرْنا مِنَ النار.

(رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ)، وهلْ غَيْرْ محمَّد؟!؛ هُوَ الْمَنادي للإيمان، وهُوَ الدَّالُ على الإيمان، نابَ عنْهُ نَبِيُّونَ قَبْلَهُ، ونَابَ عنهُ صِدِّيقُونَ بعدَهُ، وهوَ رأسُ الدَّعوَةِ إلى اللهِ، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا). 

هَوَ النُّورُ الْمُبينُ بهِ اهْتَدَيْنا * هُوَ الدَّاعِي إلى أَقْوَى سَبِيلِ

أتَانَا دَاعِيًا بِالْحَقِّ يَدْعُو إلى الإسلامِ بِالْقَوْلِ الثَّقيلِ

أتى بكتابِ اللهِ يَتْلُوهُ دَاعِيًا إلى اللهِ بِالْحُسْنَى وَخَيْرِ الْبَشائِر

فَلَبَّا رِجَالٌ دَعْوَةَ الحقِّ فاهْتَدَوْا * ونالُوا الْمُنى في عاجِلٍ وَأَوَاخِرِ

شرف معرفة الله ورسوله في الدنيا

 كُلُّ مِنَ السَّابقينَ الأوَّلينَ مِن المهاجرينَ والأنصارِ نالَ مُنَاهُ في العاجِل قَبْلَ الآخِرَة؛ أمَّا في الآخِرَةِ فأكْبَر، وَأجْمَل، وأفْضَل، وأكْمَل، وَأَلَذُّ وَأَطْيَب، وَأحْسَنُ وَأرْحَب، وأرْفَع وأجْمَع، كُلُّهُم نَالُوا الْمُنى في عاجِلٍ وَأَواخِرِ.

عاشوا في الدُّنيا في تَبَعِيَّةِ صاحِب الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا، خاتَمُ الأنبياءِ، فنالوا وهم في الدُّنيا لذَّةَ المُناجاةِ للهِ، وشَرَفَ الْقُرْبِ مِنَ الرَّحمنِ تعالى في عُلاه، وسِرَّ المعرفةِ بِه فَعرَفوهُ، ولا يوجَدُ في الدُّنيا أشْرَفَ مِنَ المعرفةِ برَبِّ الدُّنيا والآخِرَةِ، حَصَّلوها عليهم الرِّضوانِ، وذاقوا مِن لَذَّةِ الْوِصالِ والاتصالِ باللهِ ورسولِه ما لا عَيْنُ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَرَ على قلبِ بَشَـرٍ.

ثمار محبة النبي ﷺ وخصوصية سيدنا بلال

هذا وهم في الدُّنيا؛ أمَّا مِن عندِ الموتِ فما بَعْد فَيُخَبِرُّكُم بلال: (وا طَرَبَاه.. وا طَرَباه)، مَوْتُهُم طَرَبْ!؛ (وا طَرَبَاهُ غَدًا ألْقَى الْأحِبَّة محمَّدًا وَحِزْبَه) اللُّقِيّ الْخَاص؛ كانَ قد لَقِيَهُ أيَّامَ كانَ في الدُّنيا رضوانُ اللهِ عليه، وأحَبَّهُ وامْتَلأ بِحُبِّهِ، وَحُظِيَ بِقُرْبِه، وعاشَ معه، ما يُثْنيهِ ولا يَحْرِفُهُ ولا يصْـرِفُهُ وَضْعُ الْحِجَارَةِ فَوْقَ صَدْرِهِ، ولا تَحْمِيَة ظَهْرِهِ حتى يَظْهَر شَحْمُ وِدَكَهِ!، ولا تَعْذيبِهِ في بَطْحاءِ مكَّةَ، ويُنادِي: (أَحَدٌ.. أَحَد)!.

ولِذَا لَمَّا جاءَ النِّداءُ قيلَ لبلالٍ: نَادِ أنتَ؛ فكان سيِّدَ الْمُؤَذِّنينَ وإمامَهُم، مُؤَذن سيِّدِ المرسلين؛ (ألْقِهِ على بلالٍ؛ فإنَّهُ أنَدَأُ صَوْتًا مِنْكَ)، وخَصَّهُ بِالْخُصوصِيَّةِ، حتى لَهُ نِداءاتٌ في الْجَنَّةِ الْعَلِيَّة؛ فإذا دُعِيَ أهلُ الجَنَّةِ لِضِيافَةٍ مِنَ الله لِنَبِيٍّ مِنَ الأنبياءِ، يُضَيِّفُ سُبْحانَهُ وتعالى لِنَبِيٍّ مِنَ الأنبياءِ في عُرْسِه أهل الجنَّةِ، يأْمُرُ بلال فَيُنادي، وصاحِبُ: (أَحَدٌ.. أَحَد) هذا!.

ما معنى (أَحَدٌ.. أَحَد)؟؛ محبَّةٌ للهِ ولمحمَّد، مَحبَّةٌ لله؛ هذا معنى (أَحَدٌ.. أَحَد)، معنى (أَحَدٌ.. أَحَد): لا يُقَدَّمُ أَحَدٌ على اللهِ وحبيبِه (أَحَدٌ.. أَحَد)، معنى (أَحَدٌ.. أَحَد): ما تَخْدَعُنِي شُؤونُ الدُّنيا بما فيها مِن غَطْرَسَةٍ وَكِبْرِياءٍ وتعذيبٍ وإتْعابٍ، أو إغْراءٍ وتَرْغيبٍ، ما يَغُرُّنِي شيءِ؛ هذا معنى (أَحَدٌ.. أَحَد).

ومعنى (أَحَدٌ.. أَحَد): عَقَلْتُ سِرَّ الحياةِ، وأدْرَكْتُ عُلُوَّ المولى تعالى في عُلاه، وَوَثِقْتُ بمحمَّدٍ ابن عبدالله؛ فلا أُقْدِّمُ عليهِ مَنْ سِواهُ؛ هذا معنى (أَحَدٌ.. أَحَد)، ذاقَ هذهِ الكُؤوس كُلَّها سيِّدنا بلال عليهِ الرِّضوان، فعاشَ في كَنَفِ الحبيبِ صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ، وَقُرِّبَ، وأُدْنِيَ، وَنالَ دُنُوًّا عظيمًا.

وَأْتَمَنَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على شُؤونِ أمْوالِه ومادِّيَتِه وما يكونُ فيه، ويأْمُرُهُ أنْ يأْخُذَها، وأنْ يَصْرِفَ هذا هنا وهذا هنا، ويُقَدِّم هذا على ذَا، وهذا على ذا، ويُعْطي هذا وَيُعْطي هذا.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأن يُرِيحَهُ مِن أيِّ مالٍ يَبْقَى عِنْدَهُ؛ فإذا كانَ عندَهُ شيءٌ مِن الدَّراهِمِ أو الدَّنانيرِ لم يدْخُل شيْئًا مِن بِيُوتِهِ، وانْتَهَبَ إلى ناحيةٍ نحو المسجدِ وبَاتَ فيها، ولا يدخُل بُيوتهُ حتى يُخْرِجُه؛ يقول له: (أرِحْني مِنْ هذا)، صلواتُ الله وسلامه عليه، ومضى وبلال هو الناظر على شؤون أموال سيِّد الأوائل والأوَاخِر صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله. 

ثم لم تطب له الْـمُقَام  بالمدينةِ؛ كُلَّما مشى في طريق تَذَكَّرَهُ، كُلَّما دخلَ بيت تَذَكَّرَهُ ، كُلَّما جلَسَ مكان تَذَكَّرَ أنه قد جلسَ في هذا المكان معه، كُلَّما جاءت صَحْفَةٌ تَذَكَّرَ مثلها ونظيرها كان أكلَ معه فيها، استاذن أبا بكر الصديق، قال: معاد أقدِرْ أجلس؛ ائْذَنْ لي أذهبُ إلى الشَّام؛ كُلَّما مَشيتُ طريق مِن طُرُق المدينة دمَعت عيناي؛ تَذَكَّرْتُ أنِّي قد مشيتُ معه في هذا المكان، وأني جلستُ معه في هذا المكان، وما عاد قدَرْت أعيش فيها، يا أبا بكر ائذن لي يا خَلِيفَةَ رسول الله.

 رَحَلَ إلى الشَّام عليهِ الرِّضوان، وسَنَة ورأى الحبيب الأعظم يقول: (ما هذهِ الْجَفْوَةُ يا بلال؛ أمَا آن لكَ أنْ تَزُورَنا؟!)، وَتَحرَّك وجاءَ، وأبْكى أهلَ المدينةِ لما نادى، ولم يُؤذِّن بعدَهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم إلَّا في تِلْكَ الرَّجْعَة.

ثُمَّ بعد ذلِكَ كُلِّهِ عادَ إلى الشَّامِ، ولم يَزَلْ مُتَنَقِّلاً بينَ الشَّامِ والمدينةِ المنورةِ، والقيام بالجهادِ في سبيلِ الله حتى وافَتْهُ الْمَنِيَّةُ بالشَّامِ، قالتِ الزَّوجَةُ وقد أحَسَّت بموتِه: (وا كَرْباهُ.. وا كَرْباهُ)، فَتَحَ عَيْنَيْهِ وقالَ: (لا؛ بَلْ وا طَرَبَاهُ.. وا طَرَبَاهُ؛ غدًا ألْقَى الأحِبَّة، مُحمَّدًا وحِزْبَه).

نيل المنى في العاجل

.............. *  ونالُوا الْمُنى في عاجِلٍ وَأَوَاخِرِ

 ومِن نَيْلِهِ الْمُنى في الْعاجِل أنَّ الشَّهادةَ التي كانَ مِن أجْلِها يُؤْذى وَيُكْوَى ويُعَرَّض لِبَطْحاء مكةَ؛ تُخْرَج ثِيابَهُ ويُوضَع جِلْدُه على الْبَطْحاء الحارَّة في شِدَّةِ الْحَرِّ عليهِ الرِّضْوان، قامَ بها ونادى بها مِن سَطْحِ الكَعبَةِ في أعلى الكعبة وهو يُؤذِّن: (الله أكبر الله أكبر)، والشَّقِي الذي كان يُؤذيهِ ويُعَذِّبُهُ سِيقَ له إلى بَدْرٍ، وقيلَ: اقْتُلْهُ هذا هو أمامَك، أُمَيَّةُ بن خَلَف، ( لا نَجَوْتُ إنْ نَجَا)، أُمَيَّةُ بن خَلَف، وجاءَ بلالٌ إلى مكةَ الْمَكَرَّمَة لابِسٌ حُلَّةَ الشَّرَف، وارْتَفَع فَوْقَ الكعبةِ يُنادي بالذي كان مِن أجْلِه يُؤْذى ويُرْمى ويُقْذَف عليه رضوان الله تعالى، ونادى بها: (الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر، أشهد أنْ لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله)، وأيْنَ أُمَيَّةُ؟!، وأيْنَ أصحابُ أُمَيَّةُ، وأيْنَ أبو جَهْلٍ؟!، وأيْنَ أصحابُ أبو جَهْلٍ؟!.

............... *  ونالُوا الْمُنى في عاجِلٍ وَأَوَاخِرِ

وما الأواخِر؟؛ هذا اللقاء الذي عبَّر عنه بقولِه: (ألْقَى الأحِبَّة، مُحمَّدًا وحِزْبَه)؛ باللهِ عليكم مِن حين قُبِضَت روحُهُ كم ذاقَ مِن لَذَّةِ هذا اللقاء؟!، وماذا نازَلَهُ في معاني هذا اللقاء على طولِ هذهِ السِّنين؟!، (ألْقَى الأحِبَّة، مُحمَّدًا وحِزْبَه)، عليه صلواتُ اللهِ، وعلى جميعِ حِزْبِه وصحبِه وآلِ بَيْتهِ وذُرِّيتِه وأحبابِه، وأهلِ قُرْبِه وأهل وِراثَتِه، وأهل مَوَدَّتِه أجمعين، صلَواتُ الله وسلامُهُ عليهِ وعليهِم، وعلينا معهم وفيهم، إنَّهُ أكْرَمُ الأكرمين، وأرْحَمُ الرَّاحمين.

 (أَحَدٌ.. أَحَد) معناها: لا أفْرَحُ بغيرِ اللهِ ورسُولِه، (أَحَدٌ.. أَحَد) معناها: لا ألْتَفِتُ إلى السِّوَى، (أَحَدٌ.. أَحَد) يُرَدِّدُها عليهِ رضوانُ الله وهو تحتَ التَّعذيبِ!، ولمَّا سُئِلَ: كُنْتَ قاعِد تُغَنِّي: (أَحَدٌ.. أَحَد) ما كُنْتَ تُحِس بِأَلَمِ التَّعذيبِ؟!،  قال: (خَلَطْتُ ألَمَ التَّعذيبِ بِحَلاوَةِ الإيمان، فزادَتْ حلاوَةُ الإيمانِ على ألَمِ التَّعذيبِ) عليهِ رِضوانُ اللهِ تبارك وتعالى، وهكذا. 

............... *  ونالُوا الْمُنى في عاجِلٍ وَأَوَاخِرِ

وأنْكَرَ أقْوامُ وصَدُّوا وأعْرَضُوا * فَقَوَّمَهُم بِالْمُرْهَفَاتِ الْبَوَاتِرِ

وسَارَ إلَيْهِم بالْجُيُوشِ وبَعْضُهُم * ملائكةٌ أعْظِمْ بهِم مِنْ مُؤازِرِ

فَرَاياتُهُ مَعْقُودَةٌ وجُنُودُهُ * مُؤَيَّدَةٌ بالنَّصْرِ مِنْ خَيْرِ ناصِرِ

من أوصافه العظيمة ﷺ

هُوَ الْقَائِمُ السَّجَّادُ في غَسَقِ الدُّجَى * فَسَلْ وَرَمَ الأقْدامِ عنْ خَيْرِ صابِرِ

هُوَ الزَّاهِدُ الْمُلْقي لِدُنْياهُ خَلْفَهُ * هُوَ الْمُجْتَزِي منها بِزَادِ الْمُسافِرِ

وباذِلُها جُودًا بِها وسَماحَةً * بِكَفٍّ نَداها كالسَّحابِ الْمَواطِرِ

صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِه وسلَّم. 

وتَحْتَ لِوَاهُ الرُّسْلُ يَمْشُونَ في غَدٍ * ونَاهِيكَ مِن جاهٍ عريضٍ وباهِرِ

هُوَ السَّاسُ وَهْوَ الرَّأْسُ لِلْأمْرِ كُلِّهِ * بِأوَّلِهم يُدعى لِذاكَ وآخِرِ

وفيهِ عليهِ اللهُ صلَّى وَدائِعٌ مِن * السِّرِّ لا تُرْوَى خِلالَ الدَّفاتِرِ

ولَكِنَّها مَكْتُومَةٌ ومُصَانَةٌ * لَدى الْأوْلِياءِ الْعارِفينَ الْأكابِرِ

وَمَوْرُوثَةٌ مَخْصُوصَةٌ بِضَنائِنٍ * لِرَبِّكَ مِنْ أهْلِ التُّقى والسَّرائِرِ

في شهر مولده ﷺ ما منزلتنا لديه

فإذا مَدَّ اللهُ في عُمرِكَ حتى جاءَ ذِكْرى شَهْرِ ميلادِهِ، يَنْبَغي أنْ تُراجِع حِسابَك في عَلاقَتِكَ بِه وصِلَتِكَ بِه، ورابِطَتِك بِه ومَحَبَّتِك لَهُ وَمَنْزِلَتَكَ عندَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنْ تَحْتَلْ مَنْزِلَةً تَقْرُبْ بِها مِنْ: (وا طَرَبَاه)؛ لأنَّ السَّاعَةَ لا بُدَّ تأْتيكَ، وأنتَ ما بينَ إما: (وا كَرْباهُ) وإما: (وا طَرَبَاه) واحدة من الإثنتين؛ إنْ خَسِرْتَ صِلَتَكَ بهذا الْجَنابِ أنتَ مِنْ أهْلِ: (وا كَرْباهُ)، وَكَرْبُ الْكَرْبِ والعياذُ بالله، وإنْ ثَبَتَت صِلَتُكَ بالْجَنابِ الشَّريفِ فأنتَ مِن أهلِ التَّشْريفِ بـ: (وا طَرَبَاه.. وا طَرَبَاه) وأنْعِم بِهِ مِن تَشْريف، تَنالُ الْمُنى في عَاجِلٍ وَأواخِر.

 يا ربِّ بارِك لنا في قدومِ هذا الشَّهْرِ، شَهْر ذِكْرى مِيلادِ حَبيبِكَ الْبَدْر، أكْرَمِ الْخَلْقِ عليكَ، وَأحَبِّ الأكوانِ إليكَ؛ عَبْدِكَ الصَّافي الْخَالِصِ الْمَحْضِ، خَيْر مَنْ قامَ بالسُّنَّةِ والْفَرْضِ، صلَوَاتُكَ عليهِ وتَسْلِيماتُكَ، وعلى آلِه وصَحْبِه، وأهْلِ مُتابَعَتِه وَحُبِّه، واجْعَلْنا منهم يا رَب.. واجْعَلْنا منهم يا رَب.

نداء لكل مؤمن للصلة برسول الله ﷺ

يا مَن آمَنَ بهذا المصطفى في شرْقِ الأرضِ وغربِها: لا يجوز .. لا يجوز أنْ تَقْطَعكم العَوائِق مِن أنْفُسِكم أو شياطينِ الإنْسِ والْجِنِّ عن كسْبِ نَصيبِكُم في العَلاقةِ بِحَبيبِ الْخَلَّاقِ، ونَيْلِ حَظِّكُم مِن سِرِّ الصِّلَةِ بهذا المصطفى عظيمِ الأخْلاقِ، لا يجوز. 

يَلْعبونَ عليكم ويُغْرُونَكُم بِالتُّرَّهاتِ والْبَطالاتِ، وتَفُوتُكم سِرُّ الصِّلاتِ بهذا الجَنَاب، ورِفْعَةِ الْمَقامِ في الصِّلَةِ بِسَيِّدِ الأحْبابِ، وتَنْمِيَةِ شَوْقِكُم إلَيْهِ، وتَقْوِيَة إيمانِكُم ويَقينِكُم بهِ، وخِدْمَتِكُم لِشَرِيعَتهِ وسُنَّتِه وما جاءَ بهِ عَنِ الرَّبِّ

إنَّ كُّلَّ مَن يَدْعُو مِمَّن خرَجَ عن دائِرَتِه يَدْعُونَكُم مِن عِنْدِ أنْفُسِهِم، ومِنْ عِنْدِ أهوائهم، ومِنْ عِنْدِ أفْكارِهِم، ومِنْ عِنْدِ تَصَوُّراتهِم، ومِنْ عِنْدِ خَيالاتهِم، ومِنْ عِنْدِ إبْليس ومَن في دائِرَتِه؛ لكن هُو يَدْعُوكم مِن عندِ اللهِ، يَدْعوكم إلى اللهِ بالله، (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليْهِ وعلى آلِه. 

يا ربِّ نَوِّرْنا بِنُورِ هذا السَّراجِ، وَقَوِّم كُلَّ اعْوِجاج، حًرِّك قلوبَ أُمَّتِه لِتُدْرِكَ هذا النَّصيبِ، ولا تُغْوَى ولا تُحْجَب، ولا تُحْبَس، ولا تُخْدَع بالاشْتِغالِ بِالتُّرَّهاتِ والْبطالاتِ حتَّى في الشَّهْرِ الكريمِ!، وفي أيَّامِ هذا الخَيْرِ الْعَظيمِ.

 بِجِهَازٍ كما ذا جاءوا بِهِ، واغْتَرَّ بِهِ مِسْكين، وانْقَطَعَت صِلَتُهُ بالله، وانْقَطَعَت صِلَتُهُ برسولِ الله، وانْقَطَعَت صِلَتُهُ بالصَّلاة، وانْقَطَعَت صِلَتُهُ بِالْقِيَامِ معَ الله، وانْقَطَعَت صِلَتُهُ بِالْقُرآن؛ يُفَكِّر ليل ونهار وراءَ مناظِر غير لائِقَة، ومناظِر صُوَر غير صَالِحَة، تُكْسِبُه ظُلْمَة فَوْقَ ظُلْمَة، وحِجَاب فَوْقَ حِجَاب، وبُعْد فَوْقَ بُعْد!. ومَن الذي شَغَلَكَ بِهذا؟!، وَرَضِيتَ بهذهِ البِضَاعَةِ بَدَل نِداء جاءكَ مِن فَوْق؟!.

نِداء جاءكَ مِن فَوْق، أُرْسِلَ بِه سَيِّد أهل الْمَحَبَّةِ والذَّوْقِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ما لَكَ لَهُ مَحَبَّةً ولا شَوْق؟!، لَبِّ نِدَاءَ الْحَقِّ: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا) .

تزيين البيوت بشرع الله

آمِنُوا بِرَبِّكُم، وتَحَقَّقُوا بِـ(لا إلَهَ إلَّا الله)، وَلَبُّوا نِداءَ الْمُنادِي صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عليهِ، زَيِّنُوا دِيارَكُم بِسُنَّتِه، بِتَطْبيقِ شَرِيعَتِه؛ طَبِّقْ شَرْعَ الله في نَفْسِك وزَوْجَتِك وَبِنْتِك وأهْلِكْ وأوْلادِك. 

يا وَيْل الْمَارِقينَ عن شَرْعِ الله، ويا وَيْل المخْدوعينَ الذين تَتَهَيَّأ لَهُم السُّبُل لِلارْتِقاءِ فَيَنْحَطُّون؛ رُبَّما اغْتَرَّ بِحُضورِ شَيْءٍ مِنَ الْمَجالِس أو رأى نَفْسَهُ خَيِّر، وَيُصِرُّ على مُخالَفَةِ شَرِيعَة النَّبي مُحمَّد في بيتِه، وفي غُرْفتِه هذه وغُرْفَتِه هذهِ؛ مُخالَفَةً صَرِيحة، ومَعْصِيَةً قَبِيحَة. 

ليش تُخَرِّب بَيْتك هكذا؟!، ليش تُخَرِّب حَياتَك هكذا؟!، ليش تَقْطَع نَفْسَك بهذهِ الْقَطِيعَة؟!، مَن دعاكَ لهذا؟!، لَبِّ النِّداء؛ نِداء الْهُدَى، نِدَاءُ الرَّحمنِ على لِسَانِ سيِّدِ الْأكْوَانِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:  (سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ).

من أحق بالاحتفال من النبي محمد ﷺ؟

إنْ كانَ على ظَهْرِ الأرضِ أحَدٌ يُقِيمُ احْتِفالٍ أو مَدْحٍ أو تَمْجِيدٍ لِأَيِّ أحَدٍ بأيِّ دَافِع، فَواللهِ خَالقِ السَّمواتِ والأرْضِ لا أحَقَّ في السَّماءِ ولا في الأرضِ مِن جميعِ الخَلْقِ أنْ يُحتَفى بهِ، ولا يُحتَفل بهِ، ولا تُذْكَر صِفاتُه، ولا يُمْدَح مِن محمَّد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف، مَن أحَق؟!، أيُّ مَخْلُوقٍ أحَق؟!؛ لا إنْس ولا جِن ولا ملائكة فَضْلاً عَمَّن سِوَاهُم. 

فإيش ذَا الْعالَم الْمَمْلُوء بِالاحْتِفالات: بالرئيس الفُلاني والوَزير الفُلاني، وصاحِبُ النَّادي الفُلاني، وصاحَبُ المؤسَّسَة الفُلانيَّة، وصاحِبُ الحِزْب الفُلاني، واحْتِفالات وهَجَّات ورَجَّات، إيش هذا؟!.. إيش هذا؟!، وإيش مَرْجِع هذا؟!، وإيش مَصْدَر هذا؟!.

إنْ كانَ أحَد يَحِقُّ أنْ نَحتفِلَ بهِ ونَمْدحُهُ فأحَبُّ محبوبٍ إلى الرَّب، أقْرَبُ مُقَرَّبٍ عند الإلَهِ، صاحِب المقامِ المحمود، صاحب الْحوْضُ الموْرُود، الرَّحمةُ للعالمين هُوَ أحَقُّ أنْ يَحْتِفلَ بِه جميعُ العالمين صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبه وسلَّم.

احتفال الأنبياء برسول الله ﷺ

وبذلك رأينا الرَّحْمن يُعَلِّمْ الاحْتِفَاءَ والاحْتِفَال بِه جميع الأنبياء، وَيُعَلِّمُ الأنبياءُ أُمَمَهُم، وما مِن نَبِيٍّ ولا أُمَّة إلا وَذُكِر فيهم مَدْحُ هذا النَّبي، والثَّناءُ على هذا النَّبي؛ احْتِفَاءً بهذا النِّبي، وتَعْظيمًا لهذا النَّبي: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ) الرُّؤوس الكِبار، خِيَارُ النَّاسِ، قال: أنتم اعْرِفُوا قَدْرَ حبيبي، احْتَفُوا بِحَبيبي، عَظِّمُوا حبيبي، (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ)  لَبَّيْكَ يا رَبِّ؛ الأنبياءُ يقولون: لَبَّيْك، قال: (قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)، هَذِهِ مَنْزِلَةُ محمَّدٍ عِنْدَ ربِّهِم. 

كُلُّ نَبِيٍّ احْتَفى بِمُحَمَّد، ولما جاءت لَيْلَةُ الإسراءِ والْمِعْراجِ قيلَ: يا كُلَّ نَبِيٍّ وَيَا كُلَّ رَسولٍ تعالوا؛ الإمام حَضَـر صَلُّوا خَلْفَهُ، احْتَفُوا بِه، وعَظِّمُوهُ وقَدِّموهُ، وتَقَدَّم. 

وشَاهَدَ جَنَّاتٍ وَنَارًا وَبَرْزَخًا * وَأَحْوَالَ أمْلاكٍ وأهْلَ النُّبُوَّةِ

وَصَلَّى وَصَلُّوا خَلْفَهُ فَإذَنْ * هُوَ الْمُقَدَّمُ وَهْوَ الرَّأْسُ لأهْلِ الرِّئاسَةِ

نِعم السيد محمد ﷺ

يا بَخْتَنا بهذا النَّبِي؛ كيف ما نَحْتَفِل بِه؟!، كيف ما نَذْكُرهُ، كيف ما نَمْدَحهُ؟!، ومَنْ ذا الذي يُغْوِينا عنهُ؟!؛ إبليس وجُنْدِه؟!؛ بِئْسَ مَن يُحْتَفَل بهِ مِن شَقِي، (لا تَقُولُوا لِلْمُنافِقِ: يا سَيِّدي؛ فإنَّهُ إنْ يَكُ سَيِّدَكُم فقَدْ أسْخَطْتُم رَبَّكُم)؛ إنما سَيِّدُنا: مُحمَّد، وسَيِّدُنا كُلُّ صِدِّيقٍ وَمُقَرَّب ومَحْبوبٍ لِلْإلَهِ الْحَقِّ، هُمْ هؤلاءِ أسْيَادُنا، ما هو أسْيَادُنا كُلُّ مَنافِق وفاسِق وكافِر وشِرِّير!؛ سيِّدي.. سيِّدي؛ قال: (لا تَقُولُوا لِلْمُنافِقِ: يا سَيِّدي؛ فإنَّهُ إنْ يَكُ سَيِّدَكُم فقَدْ أسْخَطْتُم رَبَّكُم)؛ لكن إنْ يَكُ مُحمَّد سَيِّدَكم فقد أرْضَيْتُم ربَّكم. 

(أنا سَيِّدُ وَلَد آدَم يوْمَ الْقِيَامَةِ ولا فَخْر) صَلَواتُ رَبِّي وَسَلامُه عليك، صَدَقْتَ وَنِعْمَ السَّيِّدُ أنْتَ، خَيْرُ عَبْدٍ لِلْإلَهِ الْحَقِّ، وأكْرَمُ مَن تَحَقَّقَ بِالْعبُودِيَّة لِلْخالِق؛ فعليكَ صلَّى اللهُ كما هو أهلُه، وكما أنتَ أهلُه، بما رفعَكَ مِن مَنْزِلَةٍ واخْتَصَّكَ بهِ مِن مقامٍ، وعلى آلِكَ وصَحْبِكَ، وإخْوانِكَ مِنَ الأنبياءِ الكرام، والهِم وصحبِهم وتابِعِيهِم، وعلى ملائكةِ اللهِ، والصَّالحينَ مِن عِبادِ اللهِ، وعلَيْنا معهم وفيهم، في كُلِّ لَمْحَةٍ وَنَفَسٍ، عدَدَ خَلْقِ الله، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ ومِدَادَ كَلِماتِهِ.

اللهم اجعله عام فرج للمسلمين

 يا رَبَّ الشُّهُورِ، وَالأيَّامِ والدُّهورِ: نَسْألُكَ بِنُورِ النُّورِ؛ عَبْدِكَ المصطفى محمَّد بَدْرِ الْبُدورِ، أنْ تجْعلَ شَهْرَ ذِكْرى ميلادِهِ مِن هذا الْعامِ الْخامِس والأرْبعينَ بَعْدَ الأرْبَعمِئَة والألْفِ مِنْ هِجْرَتِهِ، عامَ فَرَجٍ لِأُمَّتِه أجمعين ، وعَامَ غِيَاثٍ لِأُمَّتِه أجمعين، وعامَ صَلاحٍ لِأُمَّتِه أجمعين، وعامَ إنْقاذٍ لِأُمَّتِهِ أجمعين، وعَامَ تَوْفيقٍ لِأُمَّتِه أجمعين، وعام تَنْوِيرٍ لِأُمَّتِه أجمعين ، وَعامَ جَمْعِ شَمْلٍ لِأُمَّتِه أجمعين.

وعامًا تَكُفُّ فيهِ عنَّا شَرَّ إبليسَ وجُنْدِهِ مِنَ الْمُخَذِّلِينَ والْمُباعِدينَ والْمْفَرِّقينَ والْمُؤْذِينَ، والْمُقيمينَ لِلْحروبِ، والْمُسَبِّبينَ لِلْكُروبِ، رُدَّ كَيْدَهُم عنَّا وعن أُمَّتِه، يا أقْدَرَ الْقادِرينَ.

يا أوَّلَ الْأَوَّلِينَ، يا آخِرَ الْآخِرين، يا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتين، يا رَاحِمَ الْمسَاكين، يا أرْحَمَ الرَّاحمين: أنْعِش كُلَّ قَلْبٍ حاضِر مَعَنا وَقُلوبَ مَن يَسْمُعَنا يا الله، بأنْوارِ الْيَقينِ والمحبَّةِ والدُّخولِ في الأَحِبَّة، واغْتِنامِ الشَّهْرِ ولَيالِيهِ، واجْعَل كُلُّ ليلةٍ لنا خَيْرُ مِنَ الليلةِ التي قَبْلَها، وكُلَّ يومٍ مِن أيَّامِه خَيْر لنا مِنَ اليومِ الذي قَبْلَهُ، زِدْنَا مَحبَّة، زِدْنَا قُرْبَة، زِدْنَا عَطايَا، زِدْنَا هِبَات، زِدْنَا مَزايَا، أكْرِمْنا بِالْمَغْفِرَة، أكْرِمْنا بالرِّضْوَان، شَرِّف قُلوبَنا وعُيُونَنا بالنَّظَرِ إلى أنوارِ طلعتِه وغُرَّتِه الْبَهِيَّة، في الدُّنيا قَبْلَ الآخِرَةِ يا الله، وعِنْدَ الْوَفاةِ وفي الْبَرْزَخِ ويومَ الْمُوافاةِ يا الله، تَدَارَكْنا وأُمَّتِه أجمعين، وأغِثْنا وأُمَّتِه أجمعين.

والْطُف بأهْلِ الزَّلازِل في (الْمَغْرِب)، والْطُف بأهْلِ الْإعْصَارات والْفَيَضانات في (ليبيا)، والْطُف بِأحْبابِنا في (السُّودان)، والْطُف بأُمَّتِه في الْمَشارِقِ والْمَغارِب يا الله.. يا الله.. يا الله. 

والذين تُوفُّوا في هذهِ الزَّلازِل والْأعاصير اجْعَلْهُم ماتوا الإيمان، واجعلهم مِن أهلِ الشَّهادةِ يا رحمن.. يا الله. 

ونَعوذُ بِكَ ونَشْكو زَلْزَلةً للقلوبِ زَلْزَلَتْ كثيراً مِن الْعِباَد، فَنقَصَ عِنْدَهُم قَدْرُك وقَدْرُ حبيبِك، وقَدَّروا خَبَثَ الْخَلْق عندك، وهَذِهِ الزَّلْزَلَةِ مَن ماتَ عليها فإلى النَّارِ المُوقدَةِ والعياذُ بالله، فادْفَع هذهِ الزَّلازِل كُلَّها يا دَافِع، وارْفَع هذهِ الْبَلايا كُلَّها يا رَافِع، والْطُفْ بِنا وبالأمَّة فيما يجري به المقادير.. 

هؤلاء يفوقُ الثلاثة الألْف في (المغرب) الذين قد تُوفُّوا، وهؤلاء يزيدون على السِّتَة آلاف في (ليبيا)، وبَقِيَ مَن بَقِيَ مِنَ الذين تحتَ الأنْقاض، ومِنَ الْجَرْحى هنا وهناك.. لُطْفَك بِأمَّةِ سيِّدنا محمَّد، لُطْفَك بِأمَّةِ سيِّدنا محمَّد ، لُطْفَك بِأمَّةِ سيِّدنا محمَّد ، وعَفْوك عنَّا وعن أمَّة سيِّدنا محمَّد، يا الله غِيَاثك لنا ولِأُمَّة سيِّدنا محمَّد.

يا ربِّ اجْعَل هذا الشَّهْرِ الْمُقْبِل علينا مِنْ أَبْرَكِ الشُّهورِ على الْأُمَّةِ أجمعين، وَوَفِّر حَظَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ الْحاضرينَ والسَّامعينَ والْمُشاهِدين والْمُتَّصلينَ مِنْكَ ومِنْ رَسُولِكَ الْأمين، ومِنْ مَحَبَّتِكَ ومَحَبَّتِه؛ حتى لا يَنْقَضِي الشَّهْرُ إلَّا وَكُلُّ قَلْبٍ مِنْ هذهِ القلوبِ أنتَ ورَسولِك أَحَبّ إليهِ مما سِوَاكُما، ظاهراً وباطِنًا يا الله. 

ارْزُقْنا كَثْرَةَ الصَّلاةِ والسَّلامِ عليهِ؛ امْتِثالاً لِأَمْرِك، وأدَباً معكَ، وإِرْضَاءً لَكَ، وتَعْظِيماً لَهُ، وَمَحَبَّةً إِلَيْهِ، وَشَوْقاً إليهِ، وإجْلالاً لِقَدْرِه ومَقامِهِ عِنْدَكَ يا الله.

 يا الله وَفِّر حَظَّنا مِن هذا الشَّهْرِ الْمُقْبِل، يا رَبِّ اجْعَلْهُ مِنْ الشُّهورِ التي تَظْهَر فيهِ علاماتُ النَّصْرِ لهذا الحبيب، وعلاماتُ خَذْلِ كُلِّ مَنْ يُعادِيهِ مِنْ قريبٍ وبَعيد.

يا مُبْدِي يا مُعيد، يا فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد: أَيَادِي أُمَّتِهِ، وَأَيَادِي مِنْ أيَادي أتْباعِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَسْألُونَكَ بِه أنْ تَنْظُر إليهِم وإلى أُمَّتِه في شَهْرِنا هذا فانْظُر يا خَيْرَ ناظِر، وأصْلِح الْبَاطِنَ والظَّاهِر، واكْشِفِ الشَّدَائِدَ والْبَلايَا، وَأَصْلِحِ الظَّوَاهِر والْخَفَايَا يا الله.

يا الله تَدَارَك مَن خَدَعوهُ، تَدَارَك مَن خُذِل، تَدَارَك مَن بَدَّلَ دِينَهُ، تَدَارَك مَن اسْتَبْدَلَ الذي هُوَ أدْنَى بالَّذي هُوَ خَيْر، تَدَارَك رِجَالنا، تَدَارَك نِسَاءنا، تَدَارَك شَبابَنا، تَدَارَك رَعايَانا، تَدَارَك مَسْؤولِينا، تَدَارَك كبيرَنا، تَدَارَك صَغيرنا يا الله.

 يا الله ما لِأُمَّةِ حبيبِك إلَّا أنتَ يا الله، أَغِثْ يا مُغِيث بالْغِيَاثِ الْحَثِيث

يا سَرِيعَ الْغَوْثِ غَوْثًا * مِنْكَ يُدْرِكْنا سَرِيعًا

يَهْزِمُ الْعُسَرَ وَيَأْتي * بِالَّذي نَرْجُو جميعًا 

يا قريبًا يا مُجيبًا * يا عليمًا يا سميعًا 

قَد تَحَقَّقْنا بِعَجْزٍ * وخُضوعٍ وانْكِسَارِ 

قد كفاني عِلْمُ ربَّي * مِن سُؤالي واخْتِيَاري

 حَاجَةً في النَّفْسِ يا رَبْ * فاقْضِهَا يا خَيْرَ قاضي

حَاجَةً في النَّفْسِ يا رَبْ * فاقْضِهَا يا خَيْرَ قاضي

حَاجَةً في النَّفْسِ يا رَبْ * فاقْضِهَا يا خَيْرَ قاضي

 وَأَرِحْ سِرِّي وَقَلْبِي  * مِنْ لَظَاهَا وَالشُّوَاظِ

فِي سُرُورٍ وحُبُورٍ  * وَإِذَا مَا كُنْتَ رَاضِي

فَالهَنَا وَالبَسْطُ حَالِي  * وَشِعَارِي وَدِثَارِي

قد كفاني عِلْمُ ربَّي * مِن سُؤالي واخْتِيَاري

رَبِّ فَاجْعَلْ مُجْتَمَعْنا * غَايَتُه حُسْنً الْخِتامِ

واعْطِنا ما قَدْ سَأَلْنا * مِنِ عَطَايَاكَ الْجِسَامِ

واكْرِمِ الْأَرْوَاح * مِنَّا بِلَقا خَيْرِ الْأنَامِ

واكْرِمِ الْأَرْوَاح * مِنَّا بِلَقا خَيْرِ الْأنَامِ

واكْرِمِ الْأَرْوَاح * مِنَّا بِلَقا خَيْرِ الْأنَامِ

في الْحَيَاةِ، وَعِنْدَ الْوَفاةِ، وفي الْبَرْزَخِ، وعلى الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ، وتَحْتَ لِوَاءِ الْحَمْدِ، وفي ظِلِّ الْعَرْشِ، وفي دارِ الْكَرَامَةِ، وفي ساحَةِ النَّظَر إلى وَجْهِكَ الكريم. 

واكْرِمِ الْأَرْوَاح * مِنَّا بِلَقا خَيْرِ الْأنَامِ

وابْلِغِ الْمُخْتارَ عَنَّا * مِن صلاةٍ وسلامَ

بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ والْحَمْدُ لله رَبِّ العالمين.

العربية