(209)
(536)
(568)
الدرس الرابع للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في كتاب: تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب للشيخ محمد أمين الكردي الإربيلي ، في جامع ترمذ، مدينة ترمذ - الأربعاء 22 شوال 1445هـ .
"5 - وأما قيامه بنفسه فمعناه،، أنه لا يفتقر إلى محل أي ذات يقوم بها، ولا مرجِّح يرجِّح وجوده على عدمه مثلاً، وضده احتياجه إلى ذات أو مرجِّح .
والدليل عليهما عقلاً أنه لو احتاج إلى محل لكان صفة، والصفة لا تتصف بالصفات، وقد ثبت أنه يوصف بالقدرة والإرادة وغيرهما، ولو كان محتاجاً إلى مرجح لكان حادثاً، وهو باطل بدليل قِدمه تعالى، ونقلاً قوله تعالى :(إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[العنكبوت :6] وقوله تعالى: (يأَيُّها النَّاسُ أنْتُمُ الْفُقَرَاء إلى الله واللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر: 15] ،وكما أنه تعالى غني عن المحل والمرجح، كذلك هو غني عن جميع وجوه الانتفاع، وجميع الأغراض في أفعاله وأحكامه، نعم تنبني عليها حكم ومصالح ترجع إلى منفعة الخلق تفضلاً وإحساناً منه لا إليه تعالى، فلا تنفعه طاعتنا ولا تضره معصيتنا، وإنما أمرنا ونهانا لما يعود علينا على أنه هو الغني عن أن يصل إليه النفع منه، فكيف لا يكون غنياً عنا وشواهد ذلك من الكتاب والسنة كثيرة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنفْسِهِ ومَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) [فصلت:46] وقال تعالى : (إن أحْسَنتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفِسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) [الإسراء:7] وقال تعالى : (ومَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لنفسهِ) [العنكبوت :6] إلى غير ذلك، ومن الأدلة العقلية في ذلك أنه لو انتفع بطاعة عبيده لما خلق فيهم سواها، وإلا لكان عاجزاً عن دفع ما يضره وهو محال، والحاصل أنه غني عن جميع وجوه الانتفاع عن جميع ما سواه، وهو يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم"
الحمد لله مُكرمنا بنور الإيمان، ومخصِّصُنا ببعثة سيِّد الأكوان، من أنزل عليه القرآن، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف -صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سارعلى دربهِ إلى يوم الدين- وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقرَّبين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر لنا الشيخ المؤلف محمد أمين الكردي الإربيلي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه ورحمه ورحمنا به ورفع درجاته- في ذكر الصفات الواجبة في حق الله تبارك وتعالى، وقد ذكَّرَنا بمعاني الوجود والقِدم والبقاء ومخالفته للحوادث -سبحانه وتعالى- وأنه ليس كمثله شيء.
يُحدِّثنا عن الصفة الخامسة، والصفة الخامسة: قيامه بنفسه، وهو يتحدث عن صفة غِناه -جلّ جلاله- عن كل شيء، وافتقار كل شيء إليه، فهو الذي يقوم بنفسه؛ لا يحتاج إلى شيء، ولا يفتقر إلى شيء، وكلُّ ما عداه مفتقر إليه، فهو الغني عمّن سواه، وهو الفقير إليه كل من عداه -سبحانه وتعالى- وهذا الغِنى المطْلق خصوصية من صفات الإله -جلَّ جلاله- لا يمكن أن تحصل لأحد قطُّ سواه سبحانه وتعالى، بل كل ما سواه شديد الفقر إليه، لا يكون خلْقه وإيجاده إلا به سبحانه وتعالى، ثم لا يكون تقديره ولا تقدير مكانه ولا تيسير مكانه ولا تطويره واختلاف الأحوال عليه إلا بالله سبحانه وتعالى، فجميع أجناس الوجود مفتقرة إلى مولاها في كل لمحة ونفس.
يقول الشيخ عليه رحمة الله: "وأما قيامه بنفسه فمعناه، هو أنه لا يفتقر إلى محل، أي ذات يقوم بها، ولا مرجِّح يرجِّح وجوده، وضدّه احتياجه إلى ذاتٍ أو مرجِّح"، بل الغِنى المطْلق وَصْفُ الله تعالى عن كل شيء، ولكن ما سواه لا يمكن أن يوجد إلا بإيجاده، ولا يمكن أن يحيا إلا بإحيائه، ولا يمكن أن يسمع إلا بإسماعه، ولا يمكن أن يُبصر إلا بإبصاره -سبحانه وتعالى- له، تبصيره سبحانه وتعالى له هكذا، بل العرش مفتقرٌ إلى الله في كل لمحة ونَفَس هو وحَمَلَته، فكل جزء من أجزاء العرش لا يقوم إلا بالله، ولو أراد الله أن يفْنيه لأفناه، وكل واحد من حَمَلَة العرش لا يتنفس إلا بأمر الله تبارك وتعالى وبإذنه، ولا يقوم له شيء من جسده النوراني إلا بإقامة الله له في ذلك، ولا طاقة له على حمل العرش إلا بإطاقة الله له وإقداره على ذلك، فهم في كل لمحة ونفس مفتقرون إلى الربِّ بجميع المعاني، بجميع الوجوه؛ العرش وحَمَلَته محمولون بقدرته -سبحانه وتعالى- وكذلك الكرسي، وكذلك السماوات العلى، وكل ذرة منها مُفتقرة إلى الله، فهو الذي يمسكها، وهو الذي يُبقيها إلى الوقت الذي يأذن فيه أن تتشقق فتتشقق، وتصير السماء كالمُهل، وتنتهي شؤونها (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) [الإنشقاق:1-2] فهي محتاجة إليه -جلّ جلاله- ومَن فيها من الملائكة كذلك وجميع بني آدم.
نحن الآن في هذا المجلس، كلُّ عضو من أعضائنا محتاجٌ إلى الله، لو أراد أن يزيل أو يُذْهب قوَّته أو يعطله عن وظيفته في أي لحظة لكان ذلك، فنحن وأنظارنا محتاجون إليه، مفتقرون إليه، وبأسماعنا وبأُنوفنا وبتَنَشُّقنا لهذا الهواء وبكلامنا وبأسماعنا التي نستمع بها إلى هذا الكلام، كلنا مفتقرون إليه، محتاجون إليه ،افتقارًا كُليًّا، بل مضطرون إليه اضطرارًا عظيماً، إلا أن هذا الاضطرار يغفل عنه أكثر الخلق، ولمَّا يرون إمداده لهم بأنواع النعم يظنون كأنها لهم أو ملكهم أو حقهم أو في متناول قدرتهم، وليس فيها ذرة في متناول قدرتهم المستقلة، وإنما هي بإنعامه وبإفضاله عليهم -جلّ جلاله وتعالى في علاه- كم خلايا في عيني؟ وكل خلية مفتقرة، مضطرة إلى الله سبحانه وتعالى، وكل عصب من أعصابي، وكل عِرْق من عروقي مضطرة إلى الربّ -جلَّ جلاله- وإلى تسييره فيما هو فيه وإقامته، وأن لا يضرِب منها الساكن فيتضرّر بُنْية الجسد والصحة، ولا يسكن الضارب فتتضرّر بُنْية الجسد وصحته كلها، الإفتقار إليه ثابت في كل ذرة من ذرات الوجود العلوي والسفلي والأنس والجن والملائكه والنباتات والحيوانات والجمادات والجبال والأرض والبحر، كلها مفتقرة إليه -جلَّ جلاله- والأسماك التي في البحر، فما من ذرة من ذرات الوجود إلا وهي مضطرة إلى بارئها ومُوجِدِها، ولا تقوم إلا به، فالغِنى المطلق له، وأغنى الخلق به أشدهم افتقاراً إليه، أشدهم افتقارًا إليه هو أغناهم به، إي بإنعامه وأفضاله الدائم، بمنِّه وأحسانه الأبدي، بعظيم جوده عليه، أعظم افتقارًا إليه.
أعظم افتقارًا إليه: هو الحريُّ بألطافه، وهو الأحقُّ بإسعافه وإتحافه، وهو الأحقُّ بإيصاله ووصاله، وهو الأولى بموالاة إفضاله عليه، بشدة افتقاره إليه، وليس في السماوات والأرض قلْب مفتقر إلى رب السماء والأرض كقلب سيدنا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ولذا هو أقرب الخلق إلى الله، وهو أغنى الخلق بالله، ولم يعطِ الله أحدًا ما أعطاه، ولم يجعل في قلب أحد صدق افتقار إليه كما جعله في قلب المصطفى محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فما أعظم شرف المؤمن بافتقاره إلى الله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- يقول إمام الحداد:
أَنا عَبدٌ صارَ فَخري *** ضِمنَ فَقري وَاِضطِراري
فله الفخر بذلك؛ تحقُّقه بالافتقار والاضطرار إلى الله تعالى، والحق يقول عن كل من ظفِر بهذه المنحة: وهي منحة معرفة اضطراره إلى الله، أما الواقع فإن كل شيء مضطر إليه غاية الاضطرار؛ لكن بالنسبة للمكلفين؛ وعْيهم لهذا، وذوقهم له، وتحققهم به مراتب شرفهم وعزتهم؛ ويقول تعالى عن المضطرين: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ) [النمل:62] إشارة إلى: أنَّ كشف السوء ونيل الرتبة في الخلافة الشريفة في الأرض مُرَتَّب على الاضطرار، (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ) [النمل:62]. فإذا اضطررنا إليه اضطرارًا بالذوق والتحقق، لا بمجرد العلم، فضلًا عن مجرد الخاطر -أن يخطر على بالك أنك مضطر اليه- ليس هذا المراد؛ ولا مجرد العلم - تعلم وتوقن أنك مضطر إليه- ليس هذا؛ أن تذوق أنك مضطر إليه، وأنت تتحقق بالاضطرار إليه -جلَّ جلاله- في كل لمحة وفي كل نفس.
ولذا كان جزاء الافتقار الى الله: القرب من الله سبحانه وتعالى، ولمَّا كان أعلى مظاهر الافتقار أثر السجود، قال: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب) [العلق:19]، قال نبينا: "أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّهِ وهو ساجدٌ" إذًا فاضطرار العبد إلى الله سبب غناه، وسبب هناه، وسبب نيله لرجاه، وسبب لِعلوِّه ونيله لعلاه؛ اضطراره وافتقاره إلى الله، والله يحققنا بذلك؛ فإن قوْل ذلك سهل، وتصوُّره سهل، والعلم به بعد ذلك أيضًا ممكن ويتيسر؛ لكن ذوق ذلك والتحقق به، ثم دوام الذوق والتحقق أصعب وأعظم وأشد وأكبر، والخلق في ذلك على درجات، أمَّا ملائكة منهم ألوف وألوف الألوف، أحدهم منذ خلقه الله وهو قائم بين يديه في صلاة إلى أن تقوم الساعة، وبعضهم في ركوعه إلى أن تقوم الساعة، وبعضهم منذ خلقه وهو ساجد إلى أن تقوم الساعة، فإذا نفخ في الصور، وجاءت النفخة الثانية، قاموا في القيامة وقالوا: سبحانك يا رب ما عبدناك حق عبادتك، ولا عرفناك حق معرفتك -لا اله الا الله جلَّ جلاله- فالله يرزقنا صدق الاضطرار إليه والتذلل له والانكسار بين يديه؛ قال بعض الأنبياء لربنا تعالى، ويُروى أنه سيدنا موسى قال: "يا رب أين أجدك؟ قال: تجدني عند المنكسرة قلوبهم من أجلي"؛ أي تجد رأفتي ورحمتي وتَفَضُّلي عند هؤلاء المنكسرة قلوبهم من أجلي؛ و في الحديث القدسي: " أنا عندَ المُنكسرةِ قلوبُهمْ مِنْ أجلِي"
قال: "والدليل عليهما -أي: غناؤه عن ذاتٍ يقوم بها، ومُرجَّح يرجِّح عدمه أوضده- عقلاً- أنه لو احتاج إلى محل لكان صفة، والصفة لا تتصف بالصفات، وقد ثبت أنه يوصف بالقدرة والإرادة وغيرهما ولو كان محتاجاً إلى مرجِّح لكان حادثاً، وهو باطل بدليل قِدمه تعالى ونقلاً قوله تعالى :(إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) وقوله تعالى: (يأَيُّها النَّاسُ أنْتُمُ الْفُقَرَاء إلى الله واللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ،وكما أنه تعالى غني عن المحل والمرجِّح ، كذلك هو غني عن جميع وجوه الانتفاع، وجميع الأغراض في أفعاله وأحكامه، نعم، تنبني عليها حِكم ومصالح ترجع إلى منفعة الخلق تفضُّلاً وإحساناً منه لا إليه تعالى"
"ولا تضرُّه معصيتنا، وإنما أمَرَنا ونهانا لما يعود علينا" قال تعالى في حديثه القدسي: "يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ -كلهم قمة في التقوى والطاعة- ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا" ما يزيد شيء في مُلك الله -مَلك الملوك- ولا يزيد شىء في غناه -سبحانه وتعالى- ولا يزيد شيء في عظمته، هُوَ هُو في غاية العظمة؛ من عبدوه ولو لم يعبدوه كذلك "يَا عِبَادِي؛ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ؛ كَانُواْ عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِد -ملحد، شيطان، بعيد، كلكم وقعتم كذلك- مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئَا"، ما ينقص شيء من عظمة الله، ما ينقص شيء من غنى الله ،ما ينقص شيء من جلال الله -سبحانه وتعالى- فلا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصيه العاصين، إنما يضرُّ العاصون أنفسهم، وينفع الطائعون أنفسهم، ينتفعون بما وفَّقهم لهم من الطاعات.
اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم يا من وفَّق أهل الخير للخير وأعانهم عليه، وفِّقنا للخير وأعنا عليه برحمتك يا أرحم الراحمين وجودك يا أجود الأجودين.
يقول: "وكما أنه تعالى غني عن المحل والمرجح ، كذلك هو غني عن جميع وجوه الانتفاع، وجميع الأغراض في أفعاله وأحكامه، نعم تنبني عليها حِكم ومصالح ترجع إلى منفعة الخلق تفضُّلاً وإحساناً منه لا إليه تعالى، فلا تنفعه طاعتنا ولا تضره معصيتنا، وإنما أمرنا ونهانا لما يعود علينا على أنه هو الغني عن أن يصل إليه النفع منه، فكيف لا يكون غنياً عنا وشواهد ذلك من الكتاب والسنة كثيرة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنفْسِهِ ومَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) [فصلت:46] وقال تعالى : (إن أحْسَنتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفِسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) [الإسراء:7] وقال تعالى : (ومَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لنفسهِ) [العنكبوت :6] إلى غير ذلك، ومن الأدلة العقلية في ذلك أنه لو انتفع بطاعة عبيده لما خلق فيهم سواها، وإلا لكان عاجزاً عن دفع ما يضره وهو محال، والحاصل أنه غني عن جميع وجوه الانتفاع عن جميع ما سواه" وفوق ذلك مفتقر إليه كل ما عداه، وذلك اسمه العزيز -جلّ جلاله وتعالى في علاه- فهو الغني العزيز، يفتقر إليه كل شيء وهو غنيٌ عن كل شيء -لا إله إلا الله تعالى في علاه- فنسأل الله بِغِناه المطلق أن يرحمنا في فقرنا المطلق إليه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15].
قال: "والحاصل أنه غني عن جميع وجوه الانتفاع عن جميع ما سواه وهو يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" فهذه صفة قيامه بنفسه، ولا يمكن ذلك لغيره، فأي شيء غيره لا يقوم بنفسه أصلاً؛ إنما يقوم بالله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-:
إذاً فلا شيء من صنعته إلا وهو دلالة عليه وعلامة على عظمته -جلَّ جلاله- فكيف نسينا الصانع وغرقنا في الوهم في الصنائع وظننا أن لها استقلالاً؟! وليس لشيء قط استقلال من صغير ولا كبير، ولا أول ولا أخير، ولا في الأرض ولا في السماء (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا *لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم:93-95] لا إله إلا هو.
يا رب ارزقنا كمال الإيمان، يا رب ارزقنا كمال صدق الافتقار إليك والاضطرار إليك، بحق الشيخ محمد بن عيسى بن سَورة الترمذي ومشائخه، ارزقنا صدق الافتقار اليك، والتذلل بين يديك، وانكسار القلب من أجلك برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال: "وأما الوحدانية فمعناها: عدم التعدد، قال تعالى: (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) [البقرة:163] (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [الأنبياء: 22]
قال: "والوحدانِية في الذات -فذاته واحدة- بمعنى أن ذاته تعالى ليست مركَّبة من جزأين ولا أكثر، وليس له نظير في ذاته تعالى" فهو واحد في ذاته -جلَّ جلاله- وهذه الذات هي التي لا يمكن لأحد أن يحيط بها سواه تعالى، قط.. قط .. قط .. قط، حتى أقرب الخلق إليه وأعظمهم منزلة لديه من النبيين، لا يحيطون بذات الله، والمؤمنون في الجنة -حتى يُمَكَّنوا من النظر لوجههِ الكريم- لا يحيطون بذات الله، وينكشف لهم من عظمة هذه الذات وجلالها وكبريائها في كل وقت ما لم يكن لهم قبل ذلك، وفي كل ما يتجدد لهم النظر الى وجه الله؛ فكلٌّ على قدر مرتبته ومستواه يزداد تجلِّي نور الذات وجلالها وعظمتها له، ويستمرُّ إلى الأبد ولا يحيطون بها، هو إلى الأبد لا يحيط به محيط وهو يحيط بكل شيء (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14] -جلََ جلاله-
يجب أن نعرف ربنا، هذه أوائل المعرفة بالله التي تُكتَسب من علم التوحيد؛ ولكن خصوصية المعرفة وراءها؛ إذا ثبتَّ على هذه المعرفة واستحضارها واستشعارها، انفتحَ لك باب المعرفة الخاصة، وهناك ما لا يُعَبَّر عنه، ولا يمكن الإفصاح عنه ولا البيان ولا الترجمة عنه، بأي لغة كانت لا يمكن، وهناك أذواق وهناك انكشافات وتجليات تجلَّى بها الرحمن على من شاء من عباده، ما يمكن التعبير عنها؛ يخص بها من يشاء فاسأل ربك أن يرزقك نصيب منها؛ ولا بد من تصحيح الاعتقاد وتمكين عقيدة الحق من القلب، وتُصدِق مع الحق في القيام بأمره، حتى يفتح لك باب من هذا الأمر العظيم
وذَكَر الإمام عبدالرحمن بلفقيه: أنّ دائرة الإسلام والإيمان تَتَقوَّى بدائرة العلم والبيان، وتُفضي بِسُلَّم الإسلام والإيمان إلى الدائرة الثالثة وهي دائرة الإحسان، وأنَّ دائرة الإحسان تفضي بصاحبها وتَزُجُّ به إلى دائرة العرفان: المعرفة الخاصة؛ قال: وهذه الدائرة خاتمة لما قبلها ولكنها أُولى لما بعدها؛ دائرة المعرفة، قال: هذه خاتمة لِمَا قبلها لكنها أُولى لِمَا بعدها؛ لاإله الا الله! لهذا صاح سيدنا أبو بكر الصديق قال: "لا يعرف الله إلا الله" هو مِن أعرف الأمة بالرب، وتعرّف الرب إليه على يدي أعرف خلقه، الذي هو حبيبه محمد ﷺ، لهذا أيقن وأدرك وقال: "لا يعرف ﷲَ إلا ﷲ فاتّئدوا" والدين دينان: إيمان و إشراكُ، وللعقول حدودٌ لا تُجاوِزُها والعجزُ عن دَرَكِ الإدراك إدراكُ"
فغاية ما نصل إليه بعقولنا أن تمكننا عقولنا من معرفة عجزها عن الإحاطة حتى بوصف من أوصاف الله أو اسم من أسمائه، فضلًا عن ذاته العليا -جلَّ جلاله- فكل اسم للاسماء؛ مثلاً اسم الرحمن، كم يعرف من أسراره الملائكة؟ وأعرَف منهم بأسرار الرحمن النبيُّون وهم على درجات، وكم يعرف العلماء والعارفون والمقرَّبون من اسم الرحمن؟ كلٌّ يعرف منه معاني، وهوأعلاهم معرفة ولا تزال معرفته تزداد خير العباد محمدﷺ؛ ومع ذلك فاسم الرحمن لم يحط به هو ﷺ ولا من دونه من الخلائق، ولا تزال معانيه واسعة إلى الأبد؛ فإذا ما تأتَّى الإحاطة باسم واحد ولا الرحيم ولا الملك ولا القدوس ولا العزيز ولا الجبار ولا القهار -أي اسم من أسمائه- ما يحيط بمعناه أحد من الخلق، وكلٌّ يتجلَّى له فيه أبحر وعوالم ولكن الإحاطة غير ممكنة، الإحاطة غير ممكنة -لا إله إلا الله- فإذا كان لا يمكن الإحاطة باسم من أسمائه، ولابصفة من صفاته، فكيف بذاته؟! يصحُّ لسيدنا أبو بكر يصيح "لا يعرف الله إلا الله" ومن أنت ومن عقلك وما عقول الملائكة أمام الخالق لهذه العقول؟! -جلّ جلاله وتعالى في علاه- ولكن نسعى لنعلم أننا لا نعلم.
ونقول: فإذا انتهينا إلى ذلك فقد أمسكنا بما يمكننا حمْله من حقيقة العلم، يقول:
العلم للرحمن جل جلاله****والعبد في جهالاته يتغمغمُ.
-ما للتراب وللعلوم، نحن من أين خلقنا الله؟-
ما للتراب وللعلوم**** وإنما نسعى لنعلم أننا لا نعلم
ولذا قالﷺ:"فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل" "إذا ظن أنه قد علم فقد جهل"
يقول: في الوحدانية، وحدانِية الذات: ذاته واحدة -سبحانه وتعالى- ليست مركبة من جزأين ولا أكثر، ولا متعددة، ولا له نظير، ولا مثيل، ولا شريك سبحانه.
"ووحدانية في الصفات" يعني: كل صفة من صفاته واحدة، ما يقال له قدرة كبيرة، قدرة صغيرة، قدرة وسط، ماشي هذا الكلام؛ صفة القدرة على الإطلاق له صفة واحدة، صفة الإرادة صفة واحدة، (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج:16] إرادة مطلقة؛ لكن الخلق يهبهم من عنده هو، ما يسمى قدرة ما يسمى ذلك، لكنه محصور وحادث ومحدود؛ يكبر ويصغر ويقل ويكثر، هذا من شأنه، هذه قدرات الخلق، هذه إرادات الخلق، أمَّا إن حدثتني عن قدرة الله فلا، إن حدثتني عن أرادة الله فشيء واحد عظيم لا حدَّ له ولا غاية؛ أمَّا قدرات الخلق، هذا قدرة كبيرة وهذا أكبر من هذا وهذا أصغر من هذا، وهذا قدرته؛ ساعة تقوى، وساعة تزيد وأحيانا يقدر وأحيانا ما يقدر، هذه قدرة الخلق لأن كلها مستعارة هو يعطيهم إياها؛ هذه قدرته هو (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الطلاق:16] قدرة واحدة، لا فيها صغرى ولا كبرى ولا أحيان ولا ما أحيان، هذا وصف الخلائق، هذا وصف المصنوعين الذين أوجدهم؛ أمَّا هو فقدرته واحدة، وذاته وإرادته واحدة، وسمعه واحد وبصره واحد؛ خَلَق هؤلاء، رَكَّب لهم -سبحانه وتعالى- من عنده أبصار؛ أحد قوي، وأحد ضعيف، وأحد صلَّح له عملية، وأحد ركَّب له نظاره، وأحد صمَّم له عدسات، وواحد أحياناً يرى وأحياناً لايرى، وأحد إذا غمَّض ما عاد يرى، وإذا فتح عينيه لا يرى البعيد، هذا بصر الخلق؛
لكن للحق بصر واحد، محيط بكل شيء، ولو أنَّ هناك ذرّة صغيرة سوداء، جرت وسط حجرة صمّاء ورُمِيَت في أعماق البحر، وجاءت ظلمة الليل، فالحق يرى هذه الذرة، ويرى عروقها، والمخ في عروقها، ويسمع دبيبها؛ لأن له بصر واحد محيط بكل شيء، سمع واحد محيط بكل شيء؛ ليس كمثل سمْع الخلق، ليس كمثل بصر الخلق هذا، والمصيبة الخلق هؤلاء لما يتحدثون عن ربهم يريدون يقيسونه بأنفسهم؛ لا لا! (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11] فسمْعه هو السمع، هذا إلا مجازات السمع (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78] وشكركم اعترافكم بالعجز، وتعظيمكم لهذا الرب، وقيامكم بالحق(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أعطاكم مؤهلات لأجل تقدرون على حيازة هذا الثواب، وأما السمع إلا له، والبصر إلا له، وأما يبقى ما عندكم من سمع وأبصار لا يقاربه ولا يساويه ولا يشابهه، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11] فهو واحد في صفاته، كما هو واحد في ذاته، واحد في صفاته.
قال: "ليس له صفتان فأكثر من جنس واحد كقدرتين وإرادَتين وعلمين، وليس لغيره صفات كصِفاته تعالى" فليس كعلمه علم، ليس كبصره بصر، ليس كسمعه سمع، ليس كقدرة قدرة أبدًا، وإنما يقال علم ويقال سمع، ويقال في القدرة للأشياء الحادثة التي هو يخلقها لهم والمحدودة المحصورة، هذه بعيدة عن قدرته بعيدة عن سمعه بعيدة عن بصره هو أجلُّ من ذلك و أكبر؛ الله أكبر! -سبحانه وتعالى- فهو أكبر من أن يُحاط بأي وصف من الأوصاف، أو إي صفة من صفات، وهو أكبر من أن يحيط عقل مَلَك أو آدمي أو جني بصفات من صفاته؛ الله أكبر! جلَّ جلاله.
قال: "ووحدانية في الأفعال: بمعنى أنه هو الخالق بالاختيار لكل ممكن يبرز إلى الوجود ذاتاً كان أو صفة أو فعلاً، قال تعالى : (والله خلقكم وما تعملون) [الصافات :96]"، على لسان § الخليل إبراهيم قال لعبَدة الأصنام من قومه: (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:95-96] أنتم وأعمالكم مخلوقون له سبحانه وتعالى -لا إله إلا الله-، وللإمام البخاري رسالة في خلق أفعال العباد، رسالة خاصة ورد فيها ما جاء عن الله ورسوله من أنه يخلق كلامي، يخلق نظري، يخلق قيامي، يخلق قعودي، يخلق نومي، يخلق قدري؛ كلها هو خلقها، فأفعالي كلها مخلوقة له -جلَّ جلاله-: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:96] سبحانه وتعالى.
وهكذا كان جماعة من الذين هم على منهج الاعتزال، يقولون أنَّ الإنسان يخلق أفعاله الاختيارية؛ هذا نوع من الغرور أصابهم هؤلاء الناس، لما رأوا أنفسهم أمدَّهم الله بشيء من القدرة ظنوا أنهم يَخلقون، وهم لا يَخلقون، ولكن يكتسبون، نعم، يسلِّطون القدرة ليكتسبوا؛ لكن يخلقون؟ ما يخلقون، هذا مذهب أهل السُّنة، فجاء جماعة من هؤلاء عند الشيخ أحمد بن موسى بن عجيل -عليه رحمة الله تعالى- كان أحد فقهاء الشافعية في اليمن -في تهامة اليمن- في حوالي زبِيد، قالوا له -يناقشونه-: إنَّ الإنسان يخلق أفعاله الاختيارية؛ قال لهم: مثل ماذا الأفعال الاختيارية؟ قالوا: مثل القيام والقعود؛ قال: أنتم تخلقون القيام والقعود؟ قالوا: نعم، قال: هيَّا قوموا؛ قاموا، لمَّا قاموا سأل الله أن لا يمكِّنهم من القعود؛ قال: اقعدوا، اجلسوا؛ كل واحد منهم ما قدر، ينظر الى الثاني، قال: اجلسوا! كل واحد ينظرالى الثاني وما يقدر يجلس. قال: أنتم الآن تقولون إن الإنسان يخلق أفعال نفسه الاختيارية، مثل القيام والقعود، اخلقوا قعود؛ وجدوا أرجلهم مسمَّرة، كل واحد ينظر الى الآخر، يقول اقعدوا؛ قال: ما أقدر، قال: خلاص شفتم؟ الآن إمَّا تبقوا محلَّكم أو ترجعوا عن هذه العقيدة؛ قال: فرجعنا؛ قال: اللهم مكِّنهم من القعود؛ قعدوا. شفتم؟ أنتم تكتسبون ولا تخلقون، الخلَّاق هو (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر:62]، (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:96] انتهت المناظرة، أصبح ما في مناظرة، لا توجد حُجَّة ثانية ولا دليل، روَّحوا وهم متعجبون، وعَلِموا أن مدى عقولهم الذي أوصلهم إلى أن يظنوا أنفسهم خالقين، تخلق ماذا؟ أنت مخلوق بحد ذاتك؛ كلك وصنعتك ويدك وحركتك، كلها مخلوقة لله -جلّ جلاله وتعالى في علاه- لا اله الا هو؛ قل: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّه…) (قل هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ…) [فاطر:3] فهو واحد في أفعاله، كما هو واحد في صفاته، كما هو واحد في ذاته (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ …) [البقره:163]، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). ومجْلى الأحد أعظم من مجْلى الواحد، فمجلى الواحد يتجلَّى في الذات والصفات والأفعال، لكن مجلى الأحد يشرق نور الذات حتى لا عاد يبقى مجال للنظر إلى صفات ولا إلى الأفعال؛ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ ) [الإخلاص:1-2] -لا إله الا الله- نعم.
يقول: "(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:96].لا يشاركه في ذلك شيء ما -أي أي شيء كان- فالشمس والقمر والكواكب والماء والتراب والهواء والنار لا تأثير لها في شيء مما قارنها، ولا تأثير للطعام في الشِبع" بحد ذاته إلا بحسب ما يخلق الله من الشبع؛ رتَّب أن يخلق الشِبع للإنسان، للحيوان في مقدار من الطعام، وإذا تناوله شَبِع، لكن إذا لم يخلق الشِبع، مهما أكلت ما تشبع، ويخلق الشبع ويخلق الري عند تناول الماء بقدرته -سبحانه وتعالى-
وكان واحد من الذين خذلهم الله وقاتلوا سيدنا الحسين بن علي، وتحوَّطوا على الماء ونادى قال: يا حسين، الماء عندنا وليس عندك ماء حتى تموت عطشًا، سيدنا الحسين قال: اللهم أمِتْهُ عطشًا؛ فعطش الرجل، فصار يشرب ويزداد عطشا؛ الماء يخرج منه من كثرته، وهو يزداد، هاتوا ماء؛ والماء ملأ بطنه، ويخرج ولا يشعر بالري، ومات والماء عنده ولا رواه -لا إله إلا الله- فالماء ما يروي بنفسه ولا بذاته إلا بأمر الله، فإذا خلق الله الرِّي روى -لا إله الا هو-
مثل النار ما تحرق بنفسها، لو كانت النار تحرق بنفسها، كيف ما تحرق إبراهيم لمَّا دخل وسطها؟ جلس إبراهيم إسبوع في النار، في رواية أربعين يوام، وسط النار ما حرقته، لو كان تحرق بنفسها كيف ما تحرقه؟ لا تحرق بنفسها، بأمر خالقها: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ) [الواقعة:71-72]، لمَّا قال: (كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) [الأنبياء: 69] كانت برداً وسلامََا على إبراهيم، حتى النار الأشد -نار الآخرة- بالنسبة للمؤمنين وخواصهم برد وسلام ما تضرهم، الملائكة يدخلون فيها، بعض الشفعاء يدخلون فيها، يقول: ادخل فأخرج فيها فلان هذا الذي تشفع فيه صاحبه؛ يدخل هذا النار، النار ما تقدر تضره؛ لأنه مرضي عند الله تبارك وتعالى، فيدخلوا ويخَرِّجه من النار.
وفي بعض الآثار جاء "إذا أراد المؤمن أن يجوز على الصراط قالت النار: جُز يا مؤمن فقد أحرقني نورك"؛ لأن نور المؤمن من رضوان الله، والنار؛ من سخط الله، قال تعالى -جل جلاله- : "رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي" رحمتي علتْ غضبي؛ هذا الرحمة، النور هذه من الرحمة، وهذا غضب والرحمة تعلو الغضب، فإذا جاء النور، النار ما تقدر عليه؛ أحرقني نورك تقول للمؤمن، امشِ امشِ فقد أحرقني نورك؛ لأن هذا مظهر الرحمة وهذا مظهر الغضب، "ورحمتي" يقول الله في الحديث القدسي: "رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي" ورحمتي علت غضبي" -لا إله إلا الله- اللهم أجرنا من النار.
اللهم أجرنا من النار، نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.
قال:"ولا تأثير للطعام في الشبع ولا للسَكين في القطع ونحو ذلك من هذا القبيل، الأفعال الاختيارية فإنها مخلوقة لله تعالى لا للعبد، أوجدها سبحانه وتعالى بقدرته عند مقارنة قدرة العبد لها لا بقدرة العبد، فليس للعبد فيها تأثير، وإنما له الكسب"، قال تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة:286] ما قال لها ما خلقت. قال لها ما كسبت وعليها مااكتسبت، فنحن نكتسب ولا نخلق، نعم.
قال "وإنما له الكسب، وهو مقارنة القدرة الحادثة ومصاحبتها للمقدورعند القصد إليه، فيَخلق الله تعالى الفعل عند ذلك كما جرت العادة بإيجَاده تعالى المسبب وجود السبب، فيترائا بحسب الظاهر أنه الفاعل كما يترائا بحسب الظاهر أن النار هي المحرقة، وحينئذ فالثواب بمحض فضله تعالى، والعقاب بمحض عدله -يُثيب من أطاعه بفضله ومن يشاء عاقبة بعدله- لا يُسأل ربنا عما يفعل"؛ لأنه ليس أحد فوقه، وهم يُسألون؛ إنما يسأل مَن فوق الذين مَن تحت، وهو فوق كل شيء ليس فوقه أحد، كيف يُسأل؟ (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23].
"ونحن المسؤولون، لأنه إنما يتصرف في ملكه إذا علمت هذا علمت أن الأفعال الاختيارية إنما هي أمارات شرعية على الثواب والعقاب يخلقها الله تعالى في عباده للدلالة على ما أراده لهم في الآخرة، فكل عبد میسر بفعله تعالى لما خلق له" " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له"؛
وكان واحد من أهل اعتقاد الاعتزال، عند بعض الأمراء جالس وعنده بعض من علماء السنَّة؛ فقال المعتزلي: الحمد لله الذي تنزه عن الفحشاء؛ فقال السُّني: والحمد لله الذي لا يجري في ملكه إلا ما يشاء؛ فقال المعتزلي: أوَ يريد رَبُّنَا أَن يُعْصَى؟ قال السنِّي: أَوَ يُعْصَى رَبُّنَا قَهْرًا؟ -أحد يغصب الحق على..؟- قال: أرأيت إن منعني الهُدى ولقَّاني الردى، أأحسن إلي أم أساء؟ قال له السنِّي: إن منعك ما هو لك فقد أساء إليك، وإن منعك ما هو له، فله أن يفعل في ملكه ما يشاء -لا أحد له حق، لا أحد له حق معه- سكت ما عرف يتكلم؛ لأنه يفعل ما يشاء في خلقه، الله خالق كل شيء، (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23]؛ لأنهم خلق، لأنهم عبيد يُسألون، هذه سُنة الألوهيه من يعترف!، في أحد فوقه حتى يسأله؟ لا إله إلا هو؛ قال:
"إذا كان هو الخالق لأفعال العباد لزم أنه هو القائم والقاعد و الآكل والشَارب إلى غير ذلك من المفاسد، قلنا هذا من الجهل والغباوة لأن المتصف بالشيء هو من قام به الشيء لا من أوجده، أَلا تَری أنه خالق للبياض والسواد وغيرهما قطعاً -ومع ذلك لا يتصف بشىء من الألوان هذي التي للخلق- وضد الوحدانية هو التعدد في شيء مما ذُكر، وأما دليل عدم التركيب في الذات فإنه يؤخذ من وجوب مخالفته للحوادث، إذ لو كانت ذاته مركبة لكان مماثلاً للحوادث، فَيحتاج إلى من يركبه فيكون حادثاً وهذا محال، وأما دليل وحدانية صفاته بمعنى أنه ليس له صفتان فأكثر من جنس واحد، فلأنه لو تعددت لكانت حادثة، وقد سبق وجوب ِقدمها، وأما دليل الوحدانية في الذات وفي الصفات بمعنى أنه ليس له نظير في ذاته وليس في غيره صفات كصِفاته، وفي الأفعال بمعنى أنه ليس لغيره خلق فِعل من الأفعال، فلأنه يلزم على التعدد الشركة، وهي عيب ونقص لاستلزَامها العجز، والفردانية والتوحيد صفة كمال -فله الكمال المطلق سبحانه وتعالى- ولا شك أنه كلما كان الملك أعظم كانت النفرة من الشركة أشد، فما بالك بملك الله وملكوته الذي اقتضت ألوهيته الغلبة المطلقة، فلو فُرض أن هناك إلهين وأراد أحدهما استخلاص الملك لنفسه، فإن قدر عليه كان المغلوب عاجزاً فقيراً فلا يكون إلهاً، وإن لم يقدر عليه كان عاجزاً كارهاً فلا يكون إلهاً، ويكون الثاني هو الإله -فلا يمكن أن يكون إله إلا إله واحد- ومن الأدلة السمعية على وحدانيته تعالى قوله تعالى: (وَالهَكُمْ إِلهُ وَاحِدٌ) [البقرة:163]، وقوله تعالى : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [الأنبياء:22]، وقوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ الهِ إِذا لَذَهَبَ كُلُّ إِلهِ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [المؤمنون:91]، وقد أجمعت الرسل والكتب الإلهية جميعاً على وجوب وحدانيته تعالى، قال الله تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) [الزخرف:45]، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إلهَ إلا أَنَا فَاعْبُدُون) [الأنبياء :25]، فجُملة ما تقدم من الصفات ست: الأولى : نفسية وهي الوجود، والخمسة بعدها سلبية لأنها دلت على سلب أمور لا تليق بالباري سبحانه، فالقِدم معناه سلب الحدوث، والبقاء معناه سلب الفناء، والمخالفة للحوادث معناها سلب المماثلة لها، والقيام بالنفس سلب الافتقار إلى المحل والفاعل، والوحدانية سلب التعدد في الذات وفي الصفات وفي الأفعال".
ثم يتكلم عن الصفة السابعة: وهي القدرة، سبحان الذي هو على كل شيء قدير.
نسأل الله أن يرزقنا الإيمان الكامل، والافتقار الكامل، والاضطرار الكامل إليه، ذوقًا وشهودًا وتحققًا عبوديةً؛ اللهم أكرمنا، اللهم أكرمنا، اللهم أكرمنا، بأنوار العبودية، اسلكنا مسالك أهل الخصوصية، وأشهِدنا جمال وجلال وكمال الربوبية يا أرحم الراحمين؛ حتى تتلشَّى عبوديتنا في الربوبية، و حتى تتلاشى عبديتنا في العندية، ونكون عندك مع من عندك في جميع أحوالنا نائلين محبتك وودك؛ اللهم لا تحرمنا خير ما عندك لشرِّ ما عندنا، ثبِّتنا على الحق فيما نقول، وثبتنا على الحق فيما نفعل، وثبتنا على الحق فيما نعتقد.
خذ بيد رئيس هذه البلاد الى كل خير وسداد، وأبعده من الضر والبلاء والفساد وأهل الفساد، وارفع عن أهل هذا البلد وعن بلداننا وبلاد المسلمين أهل الإفساد والإضلال وأهل السوء وأهل الشر وأهل الضر فيما بطن و فيما ظهر؛ واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، وأذن لنا بحفظنا وكلاءتنا من كل سوء أحاط بعلمك في الدارين يا رب الدارين، بوجاهة سيد الكونين.
بِسرِّ الفاتحة الى حضرة الكريم، ومن الأرواح جميع أهل دائرته، وأهل قربه وأهل محبته من أنبياء له ورسله، وأهل النبي وصحابته وذريته وورثته وأمته، وهب للشيخ محمد بن عيسى سورة الترمذي وأصوله وفروعهم ومشايخهم، والمنتمين إليهم الشيخ محمد أمين الكردي وأصولهم وفروعهم، ومشايخنا في دين الله الشيخ محمد صادق محمد يوسف وأصولهم وفروعهم، وجميع مشايخنا في دين الله وأحبابنا في الله، وجميع أهل دائرة المعرفة بالله والقرب من الله، وجميع أهل لا إله إلا الله، ووالدينا خاصة، وموتاهم وأحيائهم إلى يوم الدين عامة.
بسرِّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد ﷺ
الفاتحة
25 شوّال 1445