شرح الموطأ -270- كتاب الفرائض: باب ما جاء في العمَّة، وباب ميراث وِلاية العَصَبَة

شرح الموطأ -270- كتاب الفرائض: باب ما جاء في العمة، من حديث عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الفرائض، باب ما جاء في العَمَّة، باب ميراث ولاية العَصَبَةِ.

فجر الأحد 4 ربيع الأول 1443هـ.

باب مَا جَاءَ فِي الْعَمَّةِ

1473- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ مَوْلًى لِقُرَيْشٍ كَانَ قَدِيماً يُقَالُ لَهُ ابْنُ مِرْسَى، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ قَالَ: يَا يَرْفَأ هَلُمَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ -لِكِتَابٍ كَتَبَهُ فِي شَأْنِ الْعَمَّةِ- فَنَسْأَلَ عَنْهَا وَنَسْتَخْبِرَ فِيهَا، فَأَتَاهُ بِهِ يَرْفَأ، فَدَعَا بِتَوْرٍ أَوْ قَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَمَحَا ذَلِكَ الْكِتَابَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ أَقَرَّكِ، لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ أَقَرَّكِ.

1474- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ كَثِيراً يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: عَجَباً لِلْعَمَّةِ تُورَثُ وَلاَ تَرِثُ.

باب مِيرَاثِ وِلاَيَةِ الْعَصَبَةِ.

1475- قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، فِي وِلاَيَةِ الْعَصَبَةِ: أَنَّ الأَخَ لِلأَبِ وَالأُمِّ، أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الأَخِ لِلأَبِ، وَالأَخُ لِلأَبِ، أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَنِى الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَبَنُو الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، أَوْلَى مِنْ بَنِى الأَخِ لِلأَبِ، وَبَنُو الأَخِ لِلأَبِ، أَوْلَى مِنْ بَنِى ابْنِ الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَبَنُو ابْنِ الأَخِ لِلأَبِ، أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الأَبِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَالْعَمُّ أَخُو الأَبِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الأَبِ لِلأَبِ، وَالْعَمُّ أَخُو الأَبِ لِلأَبِ، أَوْلَى مِنْ بَنِي الْعَمِّ، أَخِي الأَبِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَابْنُ الْعَمِّ لِلأَبِ، أَوْلَى مِنْ عَمِّ الأَبِ، أَخِي أبِي الأَبِ لِلأَبِ وَالأُمِّ.

1476- قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ سُئِلْتَ عَنْهُ مِنْ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ، فَإِنَّهُ عَلَى نَحْوِ هَذَا: انْسُبِ الْمُتَوَفَّى وَمَنْ يُنَازِعُ فِي وِلاَيَتِهِ مِنْ عَصَبَتِهِ، فَإِنْ وَجَدْتَ أَحَداً مِنْهُمْ يَلْقَى الْمُتَوَفَّى إِلَى أَبٍ، لاَ يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى أَبٍ دُونَهُ، فَاجْعَلْ مِيرَاثَهُ لِلَّذِي يَلْقَاهُ إِلَى الأَبِ الأَدْنَى، دُونَ مَنْ يَلْقَاهُ إِلَى فَوْقِ ذَلِكَ، فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ كُلَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ إِلَى أَبٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ جَمِيعاً، فَانْظُرْ أَقْعَدَهُمْ فِي النَّسَبِ، فَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ فَقَطْ، فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ لَهُ دُونَ الأَطْرَفِ، وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ وَأُمٍّ، فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ مُسْتَوِينَ، يَنْتَسِبُونَ مِنْ عَدَدِ الآبَاءِ إِلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ، حَتَّى يَلْقَوْا نَسَبَ الْمُتَوَفَّى جَمِيعاً، وَكَانُوا كُلُّهُمْ جَمِيعاً بَنِي أَبٍ، أَوْ بَنِي أَبٍ وَأُمٍّ، فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ سَوَاءً، وَإِنْ كَانَ وَالِدُ بَعْضِهِمْ أَخَا وَالِدِ الْمُتَوَفَّى لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَكَانَ مَنْ سِوَاهُ مِنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ أَخُو أبِي الْمُتَوَفَّى لأَبِيهِ فَقَطْ، فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِبَنِي أَخِي الْمُتَوَفَّى لأَبِيهِ وَأُمِّهِ، دُونَ بَنِي الأَخِ لِلأَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ) [الأنفال:75].

1477- قَالَ مَالِكٌ: وَالْجَدُّ أَبُو الأَبِ، أَوْلَى مِنْ بَنِي الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَأَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الأَبِ لِلأَبِ وَالأُمِّ بِالْمِيرَاثِ، وَابْنُ الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ بِوَلاَءِ الْمَوَالِي.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته ودينه، وبيانها على لسان عبده وحبيبه وأمينه، سيِّدنا مُحمَّد صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه ومَن سار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أعلى أهل الدُّنو من حضرة الله وأهل قربه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

يواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- ذِكر الكلام المتعلِّق بالفرائض والمواريث، ويتكلم في هذا الباب عن العمَّة، قال: "باب مَا جَاءَ فِي الْعَمَّةِ". وذكر حديث: "ابْنُ مِرْسَى، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله تعالى عنه-، فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ قَالَ" لمولاه وحاجبه "يَا يَرْفَأ" -اسمه يرفأ- "هَلُمَّ"؛ بمعنى: احضر وهو اسم فعل أمر. هلُم؛ احضر؛ تعال. قال: "هَلُمَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ"؛ يعني: أحضر ذلك الكتاب، وأشار "-لِكِتَابٍ كَتَبَهُ" كان قد كتبه "فِي شَأْنِ الْعَمَّةِ-" حكم ميراثها "فَنَسْأَلَ عَنْهَا وَنَسْتَخْبِرَ فِيهَا، فَأَتَاهُ بِهِ يَرْفَأ"، أحضر الكتاب لسيِّدنا عُمَر، فتغيَّر رأي سيِّدنا عُمَر من سؤال النَّاس، وصمّم على محو ما في الكتاب "فَدَعَا بِتَوْرٍ"؛ يعني: إناء من صفرة أو من حجارة يشبه الطست "أَوْ قَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ"، ومن المعلوم أن الماء يمحو المداد من الأوراق وحيث ما كُتِب، "فَمَحَا -عُمَر- ذَلِكَ الْكِتَابَ فِيهِ" الذي كان كتبه قبل ذلك، محاه في القدح وأنهى ما فِيهِ. 

وهكذا جاء في رواية الدارقطني: أن زياد بن أبي سُفيان قال لجليسه: هل تدري كيف قضى عُمَر -رضي الله عنه- في العمة والخالة؟ قال: لا. قال: فإني لأعلم خلق الله كيف كان قضاء عُمَر -رضي الله عنه- فيهما. جعل الخالة بمنزلة الأُم والعمة بمنزلة الأب، ولكن من المعلوم رجوعه عن ذلك كما يأتي عندنا في الرِّواية، وقوله: أن العمَّة تورث؛ يعني: يرثها ابن أخيها، ولا ترث هي منه؛ من ابن أخيها شيئًا. وجاء في رواية البيهقي: عن زياد قال: إني لأعلم النَّاس بقضاء عُمَر فيه، ما جعل العمَّة بمنزلة الأخ، والخالة بمنزلة الأخت، فأعطى العمَّة الثُّلثين والخالة الثُّلث. 

ثم قال سيِّدنا عُمَر: يعني بعد ما محا ما في الكتاب "لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ"؛ أي: رضي بكونك قائمة واضحة ومشهورة بين النَّاس "أَقَرَّكِ"؛ يعني: جعل لك فيها فريضة، "لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ أَقَرَّكِ"، كرّره تأكيدًا. إذًا؛ هذا ترتيب سيِّدنا عُمَر -رضي الله عنه- فكأنه كان كتب وأراد أن يسأل فقهاء الصحابة في وقت الظُّهر عند مجيئهم للصلاة، وقال: "لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ أَقَرَّكِ"، يحتمل معنى إسقاط العمَّة من المواريث، ولو رضيَ الله لها الوراثة لأقرّها، ولكن لم يثبت ذلك في قلب ولا نفس سيِّدنا عُمَر ولم يقل به أحد من الصحابة، فذلك المشهور عن سيِّدنا عُمَر.

كما جاء في الرِّواية بعد ذلك. 

  • وعليه سيِّدنا زيد بن ثابت -عليه رضوان الله تعالى- وجماعة من الصحابة وهو مذهب الإمام مالك ومذهب الإمام الشَّافعي: أن العمَّة والخالة ليسا من الورثة، وهما من ذوي الأرحام. 

  • ويقول بإرث العمَّة والخالة الإمام أبو حنيفة، كما يروى عن ابن مسعود -رضي الله عنه-، وقال به الإمام أبو حنيفة. 

قال: "كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: عَجَباً لِلْعَمَّةِ تُورَثُ وَلاَ تَرِثُ."؛ تورث؛ يعني يرثها أبناء أخيها التي هي عمتهم وهي لا ترث منهم شيء، فابن الأخ من جملة العصبة، وهي لا ترث من ابن أخيها شيء. وحمله الحنفية على أنه ابن الأخ له سهم، وليس لها سهم.

 

باب مِيرَاثِ وِلاَيَةِ الْعَصَبَة

 

وينتقل إلى "مِيرَاثِ وِلاَيَةِ الْعَصَبَةِ". العصبة؛ وهم الورثة الذين لم يعيِّن لهم الشَّارع نصيبًا معلومًا من التركة. 

  • فإذا انفرد منهم من انفرد؛ حاز التركة كلها. 

  • وإن كان وجد معهم ذوو فروض؛ فإنه يعطى أهل الفروض فروضهم، والباقي يرجع إلى العصبة. 

  • فإن استغرقت الفروض التركة ولم يبقى شيء؛ فلا شيء للعصبة. 

فهذا حكم العصبة. وإذا كانوا واحدًا انفرد إما بالباقي بعد أصحاب الفروض، إن كان أصحاب الفروض. وإن لم يكن أحد من أصحاب الفروض؛ فكل التركة لذلك العاصب. وإما أن يكن معه غيره، فإذا وجد معه غيره؛ فيقتسمون؛ للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أنه على الترتيب الأقرب فالأقرب، ويحجب الأقرب منهم من بعده كما أشار إلى ذلك قول الإمام مالك: "الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، فِي وِلاَيَةِ الْعَصَبَةِ"؛ يعني باعتبار درجات العصبات وتقديمهم في الميراث بعضهم على بعض. فمن العصبة الأبناء وأبناء الأبناء.

  •  فالأبناء مقدَّمون على أبناء الأبناء. 

  • فإذا وجد ابن؛ فلا يرث ابن الابن شيء. وإذا لم يوجد؛ فأبناء الأبناء عصبة، فإن كانوا اثنين فأكثر فكذلك لأنه للذكر مثل حظ الأنثيين. 

  • وإذا كان ابن ابن موجود وابن ابن آخر غير هذا الابن، فما دام في طبقته فهو يرث معه. 

  • أما إذا وجد ابن ابن ووجد ابن ابن ابن نازل بطبقة؛ فإنه لا يرث مع وجود ابن الابن شيء لأن ذاك أقرب، فالأقرب يحجب من بعده. 

فالابن يحجب من بعده من أبناء الأبناء، وابن الابن يحجب ابن ابن الابن، وهكذا كل مَن كان أقرب إلى الميت فهو الذي يرث تركته. 

هكذا الأبناء، مثلهم الإخوان والأخوات. الإخوان. أما الإخوان من الأم، فإنهم من ذوي الفروض كما تقدَّم معنا، فرضهم إما الثلث وإما السدس، بشرط أن لا يحجبوا الثلث إذا تعددوا. وإن كان واحد، فله السدس ويحجبهم أصل ذكر أو فرع وارث كما تقدّم. إذا كان للميت أب أو جد أو كان للميت فرع وارث ابن أو بنت، فالإخوة من الأم يستحقون السدس، هذا بالنسبة للإخوة من الأم؛ لأنهم أهل الفروض. لكن الشيخ يتكلم على العصبات، العصبات؛ هم الإخوة الأشقاء والإخوة من الأب هؤلاء عصبة. الإخوة الأشقاء والإخوة من الأب عصبة. 

  • فإذا وُجد إخوة أشقاء وإخوة لأب؛ فالإخوة الأشقاء أقرب لأنهم شاركوا في شقّي النسب، فهم أقرب إلى الميت، فالعصبة تكون للأشقاء وليس للإخوة من الأب شيء. إخوان الميت من أبيه، ليس لهم شيء؛ لأنه يوجد أخ شقيق.

  •  وإذا كان عدد من الإخوة الأشقاء فللذكر مثل حظ الأنثيين.

وكذلك الإخوة من الأب،

  •  الإخوة من الأب إذا لم يُحجَبوا، فإن الواحد منهم يأخذ البقية بعد أصحاب الفروض.

  •  وإن لم يكن أحد من أصحاب الفروض، أخذ التركة كلها، وكذلك أكثر من الواحد، للذكر مثل حظ الأنثيين. 

وهنا أيضًا يأتي أن ابن الأخ هو الذي يرث غير بنت الأخ. 

  • وإذا لم يوجد أخ شقيق ولا أخ لأب لكن موجود ابن أخ، فابن الأخ يقدَّم. 

  • فإن كان موجود ابن أخ شقيق وابن أخ لأب، ابن الأخ الشقيق يقدَّم، ويحجب ابن الاخ لأب. 

وهكذا ولكن..

  • إذا وجد ابن أخ شقيق أو ابن أخ لأب وابن ابن ابن أخ شقيق أنزل، نقول: لا. 

فإن وجد ابن أخ أقرب، فهو يحجب الأبعد.

  •  إذا وجد ابن أخ لأب وابن ابن ابن أخ شقيق، ذاك ابن الأخ لأب أقرب وهكذا.

وهكذا يتكلم الإمام مالك عن: الإخوة الأشقاء والإخوة لأب، وأن الأشقاء مقدَّمين على الإخوة لأب. يقول: "أَنَّ الأَخَ لِلأَبِ وَالأُمِّ"؛ يعني: الشقيق، "أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الأَخِ لِلأَبِ" فقط، "وَالأَخُ لِلأَبِ، أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَنِى الأَخِ" الشقيق. الأخ وإن كان من الأب، فإذا مات الميت وعنده أخ من الأب، وعنده أبناء أخ شقيق؛ فالتركة والعصبة للأخ من الأب؛ الأخ من الأب مقدَّم على بني الأخ للأب والأم. 

"وَبَنُو الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، أَوْلَى مِنْ بَنِى الأَخِ لِلأَبِ" فقط.

"وَبَنُو الأَخِ لِلأَبِ، أَوْلَى مِنْ بَنِى ابْنِ الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ"؛ يعني: ابن ابن الأخ الشقيق؛ لأنه أبعد، فالأقرب يحجب الأبعد.

 "وَبَنُو ابْنِ الأَخِ لِلأَبِ، أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ"؛ فالأعمام أيضًا لهم عصوبة إذا لم يوجد أقرب منهم، فإذا لم يوجد أب ولا ابن ولا ابن ابن ولا أخ شقيق ولا ابن أخ شقيق ولا أخ لأب ولا ابن أخ لأب.. فالعم يرث، وإذا لم يوجد أحد من هؤلاء فابن العم يرث وهكذا على الترتيب.

يقول عليه -رحمة الله-: "وَبَنُو ابْنِ الأَخِ لِلأَبِ، أَخِي الأَبِ لِلأَبِ وَالأُمِّ" أولى العم الشقيق، 

"وَالْعَمُّ أَخُو الأَبِ لِلأَبِ وَالأُمِّ"؛ يعني: العم الشقيق "أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الأَبِ لِلأَبِ" فقط، فالعم من الأب رتبته بعد العم الشقيق، فإذا وُجد عم شقيق فلا شيء للأعمام من الأب.

"وَالْعَمُّ أَخُو الأَبِ لِلأَبِ، أَوْلَى مِنْ بَنِي الْعَمِّ، أَخِي الأَبِ لِلأَبِ وَالأُمِّ"؛ يعني: أولى من ابن العم الشقيق. العم للأب أولى من ابن العم الشقيق، كما قلنا في الأخ من الأب أولى من ابن الأخ الشقيق؛ لأن درجته متقدِّمة؛ أقرب للميت، من طبقة طبقة طبقة. فإذا استووا في الطبقات، استووا في الإرث. فإذا كان بعضهم أقرب، فالأقرب يرث والأبعد محجوب، وهكذا حكم التركة للعصبات.

يقول: "وَابْنُ الْعَمِّ لِلأَبِ، أَوْلَى مِنْ عَمِّ الأَبِ، أَخِي أبِي الأَبِ لِلأَبِ وَالأُمِّ"؛ ابن العم، وَابْنُ الْعَمِّ لِلأَبِ، أَوْلَى مِنْ عَمِّ الأَبِ، أَخِي أبِي الأَبِ الشقيق. فابن العم للأب، أقرب من عم الأب؛ أخ أب الأب وإن كان شقيق، فإنما يكون ترجيح الشقيق إذا استويا في الدرجة؛ إذا استووا في الدرجة، يترجح الشقيق على الأخ من الأب أو العم من الأب، لكن إذا لم يستووا في الدرجة، فالأقرب وإن كان عم لأب أو أخ لأب مقدَّم على ابن أخ شقيق أو ابن عم شقيق، فالعبرة بقُرب الدّرجة. وإنما يتقدَّم الشقيق على  الأخ من الأب أو العم من الأب إذا كانوا في درجة واحدة، فالشقيق يقدّم ويحجب.

  • أما إذا كان أخ لأب مع ابن الأخ الشقيق، فالأخ لأب هو الذي يرثه لأنه أقرب

  • أو ابن أخ لأب وابن ابن ابن أخ شقيق، فابن الأخ لأب هو الذي يرث لأنه أقرب.

فإذا استووا في الدرجة فالشقيق يحجب الثاني. وكذلك هو في الإخوان وفي الأعمام؛ الحكم واحد؛ إن استووا في الدرجة، فالشقيق يحجب الأخ من الأب، أو العم من الأب، أو ابن الأخ من الأب، أو ابن العم من الأب.

وإن كان بعضهم أقل درجة؛ أبعد من الميت، فالأقرب يحجب الأبعد، وإن كان الأقرب ابن أخ لأب، أو كان الأقرب ابن عم لأب، والأبعد ابن عم شقيق أو الأبعد ابن أخ شقيق، الأقرب هو الذي يرث لا الأبعد. 

إنما يؤثر الشقيق على الأخ من الأب أو العم من الأب أو ابن الأخ من الأب أو ابن العم من الأب

  • إذا استووا في الدرجة. إذا استووا في الدرجة، فالتقدمة للشقيق. 

  • أما إن لم يستووا فالأقرب إلى الميت هو الذي يرث

 سواءً كان الشقيق أو الأخ لأب أو ابن الأخ الشقيق أو ابن الأخ لأب أو ابن العم الشقيق وابن العم لأب وهكذا.

"قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ سُئِلْتَ عَنْهُ مِنْ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ، فَإِنَّهُ عَلَى نَحْوِ هَذَا"؛ هذه القاعدة في نسب العصبات، وأن الأقرب يحجب من بعده. فمع وجود الأبناء، ما يرث أحد بالعصبة شيء، كل العصبات ما يرثون بالعصبة، بل الأبناء هم الذين يرثون. 

  • فإذا لم يوجد أبناء، فأبناء الأبناء يرثون بالعصوبة. 

  • فإذا لم يوجد أبناء ولا أبناء أبناء وإن سفلوا، فيرجع السؤال إلى إذا لم يوجد ابن ابن ووُجد ابن ابن ابن؛ فهو يرث. 

  • إذا لم يوجد أبناء ولا أبناء أبناء فالإخوة وقبلهم الأب؛ الأب يرث بالعصوبة. 

  • فإذا لم يوجد أب، فالإخوة يرثون بالعصوبة، مقدّم شقيقهم على الأخ لأب.

  • أما الأخ لأم، قد علمنا ليس من العصبة ولكن من ذوي الفروض.

  • فإن لم يوجد إخوان، فأبناء الإخوان تنتقل إليهم العصوبة. 

  •  وإن استووا الشقيق، مقدّم على ابن الأخ لأب. 

  •  وإن لم يستووا، فالأقرب هو الذي يرث ويحجب من بعده. 

  • فإذا لم يوجد لا أبناء ولا أب ولا إخوان ولا أبناء إخوان -لا أشقاء ولا لأم- فالعصوبة تنتقل للعم، فالعم يرث بالعصوبة، والشقيق مقدّم على العم لأب.

  • فإذا لم يوجد أعمام، فأبناء الأعمام، 

    • فإن استووا في الدرجة، فالشقيق يقدّم على ابن العم لأب.

    •  وإن لم يستووا، فالأقرب سواءً كان ابن الشقيقة أو ابن العم لأب هو الذي يرث ويحجب الأبعد.

وقال: هكذا هذه القاعدة في العصوبة، الورثة بالتعصيب.

"وَكُلُّ شَيْءٍ سُئِلْتَ عَنْهُ مِنْ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ، فَإِنَّهُ عَلَى نَحْوِ هَذَا: انْسُبِ الْمُتَوَفَّى" الميت "وَمَنْ يُنَازِعُ" أو ينازعه "فِي وِلاَيَتِهِ مِنْ عَصَبَتِهِ، فَإِنْ وَجَدْتَ أَحَداً مِنْهُمْ يَلْقَى الْمُتَوَفَّى إِلَى أَبٍ، لاَ يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى أَبٍ دُونَهُ، فَاجْعَلْ مِيرَاثَهُ لِلَّذِي يَلْقَاهُ إِلَى الأَبِ الأَدْنَى، دُونَ مَنْ يَلْقَاهُ إِلَى فَوْقِ ذَلِكَ"، فالأقرب يحجب الأبعد "فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ كُلَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ إِلَى أَبٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ جَمِيعاً، فَانْظُرْ أَقْعَدَهُمْ"؛  يعني: أقربهم "فِي النَّسَبِ، فَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ فَقَطْ، فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ لَهُ دُونَ الأَطْرَفِ، وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ وَأُمٍّ"، فلا يرث مع البعد، الأقرب هو الذي يأخذ "فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ مُسْتَوِينَ، يَنْتَسِبُونَ مِنْ عَدَدِ الآبَاءِ إِلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ، حَتَّى يَلْقَوْا نَسَبَ الْمُتَوَفَّى جَمِيعاً"، في الدرجة واحدة "وَكَانُوا كُلُّهُمْ جَمِيعاً بَنِي أَبٍ، أَوْ بَنِي أَبٍ وَأُمٍّ، فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ سَوَاءً، وَإِنْ كَانَ وَالِدُ بَعْضِهِمْ أَخَا وَالِدِ الْمُتَوَفَّى لِلأَبِ وَالأُمِّ"، شقيق "وَكَانَ مَنْ سِوَاهُ مِنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ أَخُو أبِي الْمُتَوَفَّى لأَبِيهِ فَقَطْ، فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِبَنِي أَخِي الْمُتَوَفَّى لأَبِيهِ وَأُمِّهِ"، أي: الشقيق "دُونَ بَنِي الأَخِ لِلأَبِ"، فعلى هذا قامت القاعدة في إرث العصبة، الأقرب يحجب من بعده. فإن استووا: 

  • فالشقيق يحجب لأب. 

  • وأبناء العم، يحجبون العم لأب. 

  • والعم لأب، يحجب أبناء العم لأب، عم الأب.

وهذا أقرب العم إذا لم يوجد أعمام للمتوفى، لكن موجودين أعمام لأبيه، فهم أيضًا تصلهم العصوبة. موجودين أعمام لأبيه وأعمام لجدّه، فالأعمام لأبيه أقرب، فيحجبون أعمام الجد. وهكذا القرب يحجب من بعده. فإذا استووا، فأبناء العم أيضًا من هنا أو من هناك، أبناء العم لأب موجودين -يعني أبناء عم أبيه- وعم جده، عم جده ما يرث لكون أبناء عم الأب موجودين وهو أقرب، ثم عم الجد، ثم أبناء عم الجد، ثم عم أبو الجد، ثم عم جد الجد… وهكذا على الترتيب، فالأقرب يحجب من بعده. وإن استووا، الشقيق يحجب لأب. "وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ) [الأنفال:75]".

"قَالَ مَالِكٌ: وَالْجَدُّ أَبُو الأَبِ، أَوْلَى مِنْ بَنِي الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ". الجد أبو الأب أولى في الإرث من بني الأخ الأشقاء، وهذا من المسائل المُجمع عليها: أن الجد أقرب من بني الإخوان، وإنما الكلام قد تقدَّم في الجد مع الإخوة، أما الجد مع بني الإخوة فالجد مقدَّم ولا يرث ابن الإخوة شيء. 

  • إذا وجد أب أو جد؛ لا يرث بني الإخوة شيء. 

  • أما إذا وجد أب؛ فلا الإخوة ولا بني الإخوة يرثون شيء. 

  • وأما إذا وُجد جَد؛ فأبناء الإخوة ما يرثون شيء بالتعصيب. 

  • والجمهور على أن الإخوة يشتركون مع الجد في الإرث. 

  • قال الحنفية: الجد مثل الأب يمنع الإرث للإخوان وأبناء الإخوان.

قال: "وَأَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الأَبِ لِلأَبِ وَالأُمِّ بِالْمِيرَاثِ"؛ يعني: الجد أولى من العم؛ أخِ الأب للأب والأم، الجد أولى من بني الإخوان، وأولى من الأعمام، إذا وُجد الجد. فالجد يحجب بني الإخوة، ويحجب الأعمام. ولو كان الأعمام أشقاء، فإن الجد يحجبهم، فهو أحق بالميراث. 

"وَابْنُ الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ"؛ يعني: ابن الأخ الشقيق "أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ بِوَلاَءِ الْمَوَالِي"؛ أي: يكون ولائهم لابن الأخ لا للجد، هذا في الإرث بالولاء؛ إذا كان الموروث معتَق أعتق، فترتيب الولاء في هذه المسألة يختلف عن ترتيب العصوبة بالنسب. إذا كان الموروث معتَق؛ ليس له أقارب، فيورَث بالولاء؛ فيختلف الترتيب. وهذا نعم إذا كان الإرث بالولاء، وهو الولاء لمن أعتق؛ فترتيب عصبة المعتق يختلف في هذه المسألة، عن ترتيب استحقاق الإرث بالعصوبة بالنسب، والله أعلم.

جعلنا الله من المُقتدين المُهتدين الصَّادقين، وأعاذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأصلح جميع أحوالنا، ورزقنا اتباع نبيّه في نياتنا وأقوالنا وأفعالنا وصفاتنا وخِلالنا، وحمانا به من شرور أنفسنا ومن كل سوء أحاط به علمه، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

06 ربيع الأول 1443

تاريخ النشر الميلادي

12 أكتوبر 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام