شرح الموطأ - 273 - كتاب الفرائض: باب ميراث مَن جُهِلَ أمره بالقتل أو غير ذلك، وباب ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الفرائض، باب مِيرَاثِ مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِك، باب مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا.
فجر الأربعاء 7 ربيع الأول 1443هـ.
باب مِيرَاثِ مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
1486 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ: أَنَّهُ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَيَوْمَ صِفِّينَ، وَيَوْمَ الْحَرَّةِ، ثُمَّ كَانَ يَوْمَ قُدَيْدٍ، فَلَمْ يُوَرَّثْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئاً، إِلاَّ مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ صَاحِبِهِ.
1487 - قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الأَمْرُ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ، وَلاَ شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ مُتَوَارِثَيْنِ، هَلَكَا بِغَرَقٍ، أَوْ قَتْلٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوْتِ، إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، لَمْ يَرِثْ أَحَدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئاً، وَكَانَ مِيرَاثُهُمَا لِمَنْ بَقِيَ، مِنْ وَرَثَتِهِمَا يَرِثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَثَتُهُ مِنَ الأَحْيَاءِ.
1488 - وَقَالَ مَالِكٌ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ أَحَدٌ أَحَداً بِالشَّكِّ، وَلاَ يَرِثُ أَحَدٌ أَحَداً إِلاَّ بِالْيَقِينِ مِنَ الْعِلْمِ وَالشُّهَدَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَهْلَكُ هُوَ وَمَوْلاَهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَبُوهُ، فَيَقُولُ بَنُو الرَّجُلِ الْعَرَبِىِّ: قَدْ وَرِثَهُ أَبُونَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَرِثُوهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ شَهَادَةٍ إِنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنَ الأَحْيَاءِ.
1489 - قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً الأَخَوَانِ لِلأَبِ وَالأُمِّ يَمُوتَانِ، وَلأَحَدِهِمَا وَلَدٌ، وَالآخَرُ لاَ وَلَدَ لَهُ، وَلَهُمَا أَخٌ لأَبِيهِمَا، فَلاَ يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَمِيرَاثُ الَّذِي لاَ وَلَدَ لَهُ، لأَخِيهِ لأَبِيهِ، وَلَيْسَ لِبَنِي أَخِيهِ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ شَيْءٌ.
1490 - قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً أَنْ تَهْلَكَ الْعَمَّةُ وَابْنُ أَخِيهَا، أَوِ ابْنَةُ الأَخِ وَعَمُّهَا، فَلاَ يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ، لَمْ يَرِثِ الْعَمُّ مِنِ ابْنَةِ أَخِيهِ شَيْئاً، وَلاَ يَرِثُ ابْنُ الأَخِ مِنْ عَمَّتِهِ شَيْئاً.
باب مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا
1491 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا: إِنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ، حَقَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِخْوَتُهُ لأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ، وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مَوْلاَةً، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَرِثَتْ حَقَّهَا، وَوَرِثَ إِخْوَتُهُ لأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ، وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ.
1492 - قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ : وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا.
نص الدرس مكتوب:
الحمْدُ لله مُكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خاتم أهل نبوّته، سيدنا محمد خيرة الله وصفوته، صلَّى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وعترته، وعلى صحابته وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المرتقين في ذرى المجد أعلى ذروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين .
يتحدث الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- عن أحكام مَن ماتوا أو قُتلوا؛ ثم لم يُعرف من الذي مات أولًا، ومن الذي مات ثانيًا، فكيف يكون الإرث بينهم؟ فيهم آباء، وأبناء، وإخوان، وأعمام،… من يرث من الآخر إذا جُهل السابق موته؟
-
قال الشافعية وغيرهم: إن من شروط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت الموروث، أن نتحقق أن الوارث كان حيًّا بعد وفاة مورّثه، وتحقق موت الموروث قبل أن تحقق أنه مات، نتحقق حياة الوارث بعد موته.
-
وعلى ذلك جماهير العلماء والأئمة الثلاثة.
-
وجاء عن الإمام أحمد: أنه يرث بعضهم من بعض من أصل تركتهم لا بما انجرّ من أحدهم من تركة الآخر؛ فما انجر من تركة الآخر لا يحسب منه شيء؛ ولكن يرث بعضهم من بعض من أصل مالهم وتركتهم.
فإذا فرضنا أن زوجًا وزوجة غرقا أو قُتلا في حادث، أو سبب آخر ولم نعلم من منهم فاضت روحه أول، والثاني حي.
-
فقال الأئمة الثلاثة وجماهير العلماء والصحابة: لا يرث هذا من زوجته ولا ترث منه شيء، وتركة كل واحد يقسم إلى باقي ورثتهم.
-
وعلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل قال: إذا كان مع كل واحد منهما ألفًا مثلا، فهو يرث من ألفها خمسمئة، الزوج له النصف، وهي ترث من ألفه مئتين وخمسين، وحينئذٍ يُقسم مال كل منهما، ولا يرث من المئتين والخمسين زوجها شيء، ولا ترث هي من الخمسمئة التي ورث منها زوجها شيء، فإذا إرثهم في غير ما انجرّ إليهم بسبب هذه الحادثة.
يقول عليه رحمة الله تبارك وتعالى: "عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ: أَنَّهُ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ"، وكانت وقعة الجمل في يوم الخميس، عشر جمادى الأولى سنة 36هـ، أضيفت إلى الجمل نسبة إلى الجمل الذي ركبته أم المؤمنين عائشة في مسيرها الى البصرة، وذلك أنهم أخبروها أنه تعرّض الناس للقتال، وأنه يمكنها بحضورها ووجاهتها أن تصلح بين الفريقين، وأن تطالب أيضًا بدم عثمان من قتلة عثمان وتسليمهم، فلما عرضوا لها هذا الأمر بهذه الصورة خرجت لا على أساس أن تشهد قتالًا، ولا على أساس أن تقاتل، ولكن على أساس أن تصلح، وقد بدأ الصلح بين الطائفتين فتحرك عناصر السوء والشر من بينهم، وكذبوا على هؤلاء وعلى هؤلاء وأرسلوا ناس يضربون هنا وناس يضربون هنا على خلاف ما اتفقوا عليه، فبدا لكل واحد من الفريقين، أن الفريق الآخر نقض عهده، وهم لم ينقض أحد منهم العهد؛ ولكن هؤلاء أهل الفتنة عملوا هذا فأصبحوا يتقاتلون، فقُتِل كثير في يوم الجمل، فالقتلى فيهم أقارب كثير، ولم يورث أحد منهم من أحد.
كذلك "يَوْمَ صِفِّينَ" الوقعة العظمى التي وقعت في وسط شهر صفر سنة 37هـ ، لم يورثوا القتلى فيها من بعضهم البعض.
"وَيَوْمَ الْحَرَّةِ" كذلك في يوم الحرّة، الحرّة: أي الأرض التي ذات الحجارة السود التي وكأنها أُحرقت بالنار، وهي أرض في ظاهر المدينة المنورة حرّتين. فكان بها الوقعة بين أهلها، وعسكر يزيد بن معاوية، وجاء سبع وعشرون ألف فارس، وخمس عشر ألف راجل، واقتحموا المدينة المنورة؛ لأن أهل المدينة خلعوا يزيد، وأخرجوا عامل يزيد عثمان بن محمد من بين أظهرهم، فأرسلوا إليهم الجيش يقتحمهم حتى انتهكوا الأعراض والأموال والدماء في ذاك اليوم، وقُتل من نساء وصبيان المدينة عشرة آلاف، و نحو سبعة مئة من القراء قتلوا في ذلك اليوم، وتعطلت الصلاة في الحرم النبوي ثلاثة أيام، لم يكن في المسجد إلا سعيد بن المسيب -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- قال: كنت أسمع الأذان والإقامة من القبر الشريف، فآتي وأصلي في خلال هذه الثلاثة أيام، حتى انقضت هذه المحنة الشديدة العظيمة، حتى كان لم يُعرف من الذي قُتل قبل، ومن الذي قُتل بعد؛ فلم يورّثوا بعضهم من بعض.
وكان في أهل هذه الفتنة ممن أُشرِبوا تغيير الحقائق وقلبها، من قال بعد ما خرج وقد سفكوا الدماء واستحلّوا الأعراض والأموال في المدينة المنورة، وعاثوا فيها فساد، و "من أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا"، ومع ذلك خرج ويقول ما أظن يعذبني الله بعدها وقد عملت هذا! مغتر ويقول خلاص ما عليّ عذاب قد قمت بالجهاد في المدينة.. أعوذ بالله!! قتل، وآذى، وانتهك الحرمات، وانتهك حرمة حَرَم رسول الله ﷺ، وقال ما عليّ عذاب؟! إيش العقائد هذه الغريبة الزائغة؟ إيش هذه التصورات المقلوبة الكاذبة الفاسدة! وهكذا تعمل في الناس إذا لم يأخذوا فهم الدين عن مأمونين.
"ثُمَّ كَانَ يَوْمَ قُدَيْدٍ" وقعة أبي حمزة الخارجي، "فَلَمْ يُوَرَّثْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئاً، إِلاَّ مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ صَاحِبِه".
"قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الأَمْرُ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ، وَلاَ شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ مُتَوَارِثَيْنِ، هَلَكَا بِغَرَقٍ، أَوْ قَتْلٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوْتِ، إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، لَمْ يَرِثْ أَحَدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئاً، وَكَانَ مِيرَاثُهُمَا"، ما خلف كل واحد من التركة "لِمَنْ بَقِيَ، مِنْ وَرَثَتِهِمَا يَرِثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَثَتُهُ مِنَ الأَحْيَاءِ". الموجودون بعده، ولا يرث بعضهم من بعض؛ وهذا مذهب الأئمة الثلاثة وجماهير الصحابة والتابعين.
"وَقَالَ مَالِكٌ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ أَحَدٌ أَحَداً بِالشَّكِّ، وَلاَ يَرِثُ أَحَدٌ أَحَداً إِلاَّ بِالْيَقِينِ مِنَ الْعِلْمِ وَالشُّهَدَاءِ"؛ يعني: أن يعلم ذلك الشهداء ويتيّقنونه، يقين بيقين من العلم والشهداء، فكل متوارثين جُهِل أولهما موتًا فلا يتوارثان. "وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَهْلَكُ هُوَ وَمَوْلاَهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَبُوهُ، فَيَقُولُ بَنُو الرَّجُلِ الْعَرَبِىِّ: قَدْ وَرِثَهُ أَبُونَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَرِثُوهُ"؛ لأنه ما علمنا من مات من قبل؟ هل مات أبوهم قبل، أو مات العتيق قبل؟ "بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ شَهَادَةٍ إِنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ"، أي: قبل أبيهم "وَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنَ الأَحْيَاءِ"، أي أقربهم إليه.
"قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً" من الأمثلة "الأَخَوَانِ لِلأَبِ وَالأُمِّ"، يعني: الشقيقان، زيد وعمرو مثلًا "يَمُوتَانِ وَلأَحَدِهِمَا " مثل زيد " وَلَدٌ، وَالآخَرُ " عمرو "لاَ وَلَدَ لَهُ، وَلَهُمَا"؛ أي: لزيد وعمرو " أَخٌ لأَبِيهِمَا " موجود، زيد وعمر وبكر صار معنا "فَلاَ يُعْلَمُ أَيُّهُمَا" من زيد وعمر مات قبل الآخر، "فَلاَ يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَمِيرَاثُ الَّذِي لاَ وَلَدَ لَهُ، لأَخِيهِ لأَبِيهِ"؛ يعني: بكر، "وَلَيْسَ لِبَنِي أَخِيهِ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ شَيْءٌ"؛ لأنه احتمال أن يكون مات بعد أن مات ابوهم فلا يرث أبوه منه شيء، فيرجع إرثه إلى أخيه من أبيه، "وَلَيْسَ لِبَنِي أَخِيهِ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ" أي: بني أخيه الشقيق "شَيْءٌ"؛ لأن الشقيقين إذا جُهِل موتهما فلا يرث أحدهما من الآخر، والأحياء الموجودين فيهم الأخ مقدّم على أبناء الأخ، وإن كان أخ من الأب، فهو مقدّم على أبناء الأخ.
"قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً أَنْ تَهْلَكَ الْعَمَّةُ وَابْنُ أَخِيهَا" مثلًا، "أَوِ ابْنَةُ الأَخِ وَعَمُّهَا، فَلاَ يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ، لَمْ يَرِثِ الْعَمُّ مِنِ ابْنَةِ أَخِيهِ شَيْئاً، وَلاَ يَرِثُ ابْنُ الأَخِ مِنْ عَمَّتِهِ شَيْئاً"، للجهل بالموت الأول.
باب مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا
كما أتبَع ذلك بميراث ولد الملاعنة؛ وهي التي أنكر زوجها حملها منه، ونسبه إلى غيره، فهذا الولد يُنسب إلى أمه -الملاعنة- ولا ينسب إلى أبيه؛ إذا شهد الأربع شهادات بالله أنه من الصادقين لاتهامه لها، وأن هذا الولد ليس من صلبه، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وهي بعد ذلك شهدت خمس شهادات؛ أربعًا إنه من الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فيفرّق بينهما ولا يجوز بعد ذلك أن يرجعا إلى بعضهما البعض طول الحياة. هذه الملاعنة والولد لا يُنسب إلى ذلك الأب، بل ينقطع نسبه إلى الأب، ويُنسب إلى أمه، ومثله ولد الزنا ما يُنسب إلى أبيه.
قال: "أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا: إِنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"؛ لأن أمه ثابتة "وَإِخْوَتُهُ لأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ" إخوانه من الأم يرثون، "وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ" بقية ماله "مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مَوْلاَةً، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً"؛ يعني: لم يمسّها الرق "وَرِثَتْ حَقَّهَا، وَوَرِثَ إِخْوَتُهُ لأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ، وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ"؛ أي: لبيت المال.
"قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا"؛ أنه لا يرث منه الملاعن، ولا إخوانه من الأب، وإنما إخوانه من الأم فقط؛ لأن نسبه ثابت إلى أمه و انقطع من أبيه، والله أعلم.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفَنا بالكرامة، ودفع عنا الأسواء، وأصلح لنا السر والنجوى، وغمرنا بفائضات الجود، وأسعدنا بأعلى السعود، ودفع عنّا كل سوء أحاط به علمه في الدارين بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
10 ربيع الأول 1443