شرح الموطأ - 279 - كتاب النكاح: باب نكاحِ الْمُحَلِّلِ وما أَشْبَهَه

شرح الموطأ - 279 - كتاب النكاح: باب نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَمَا أَشْبَهَهُ، من حديث الزبير بن عبدالرحمن بن الزبير
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب النكاح، باب نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَمَا أَشْبَهَهُ.

فجر السبت 1 ربيع الثاني 1443هـ.

 باب نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَمَا أَشْبَهَهُ

1520- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ: أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَلاَثاً، فَنَكَحَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، فَاعْتَرَضَ عَنْهَا، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا، فَفَارَقَهَا، فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا، وَهُوَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا وَقَالَ: "لاَ تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ".

1521- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، هَلْ يَصْلُحُ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا.

1522- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ، عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَمَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، هَلْ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لاَ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا.

1523- قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُحَلِّلِ: إِنَّهُ لاَ يُقِيمُ عَلَى نِكَاحِهِ ذَلِكَ، حَتَّى يَسْتَقْبِلَ نِكَاحاً جَدِيداً، فَإِنْ أَصَابَهَا فِي ذَلِكَ فَلَهَا مَهْرُهَا.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته وأحكامها وبيانها على لسان عبده المُصطفى مُحمَّد صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، وعلى آله وصحبه ومَن سار في نهجه مقتديًا به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقرَّبين وجميع عباد الله الصَّالحين.

ويتحدث الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه- عن المسائل المُتعلّقة بالنكاح، وذكر في هذا الباب: "نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَمَا أَشْبَهَهُ"، مما يُنهى عنه ويُحذَر في الشرع المصون لأن الروابط والعلائق في الأنكحة مواثيق غليظة قائمة على مقاصد سامية عالية، بما يترتب عليه مصالح العباد، وقوام المجتمعات، وحفظ الأنساب، وبقاء جنس الإنسان إلى غير ذلك من الحِكم والمقاصد التي يحصُل بها سدّ ثغرات الشر والسوء، وتكوين الأسر الصَّالحة القائمة على تنفيذ منهج الحق -جلّ جلاله- وشريعته في شؤونهم وأحوالهم، وهم جزءٌ من مجتمع الإسلام ولا يقوم صلاح المجتمع إلا بصلاح أجزائه. 

وحذّر من مسارعة الزوج الذي جعل عُقدة النكاح بيده إلى أن يتلفظ بالطلاق في وقت غضب أو غيره، وأنه يؤاخذ بما يخرج من لسانه ويترتب عليه حكم، وأنه:

  • إذا تكرّر الطلاق إلى ثلاثٍ 

  • أو كان طلّق طلقة أو طلقتين على مالٍ وعِوض يرجع إليه 

  • أو كان طلّق المرأة قبل أن يدخل بها

ففي هذه المسائل تبِين منه الزوجة؛ أي: لا يجوز له أن يعود إليها إلا بنكاح جديد وعقدٍ جديد. وزيادة فيما إذا طلّقها ثلاثًا، وكانت الطلقة الثالثة أن لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، لقوله سبحانه وتعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:229]، ثم قال: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ) [البقرة:230]، فقامت هذه المسائل وتبيّن أنه يقابل هذا الطلاق ببينونتيه: 

  • البينونة الصُّغرى؛ وهو أن يُطلقها قبل أن يمسّها أو يُطلقها طلقة أو طلقتين على مال يعود إليه، هذه البينونة الصُّغرى.

  • البينونة الكبرى؛ أن يُطلقها ثلاثًا. 

إذًا تكون البينونة الصُّغرى:

○ من قبل عدم الدخول بها. 

○ كذلك من قبل عدم التطليقات بأن أكمل الثالثة.

○ ومن قِبل العوض في الخُلع، فإذا خالعها على مالٍ ترجع إليه؛ لم تكن.

فإما إن طلقها بعد الدخول بها طلقةً واحدة أو كانت الطلقة الثانية أو اثنتين معًا من دون عوض ولا مقابل؛ فهذا الطَّلاق المسمى بالطلاق الرجعي، والزوج فيه يملك أن يرُدها إلى عصمة نكاحه من دون عقد ولا مهر ولا اختيارٍ لها في ذلك ما دام الطَّلاق رجعيًا؛ أي: طلقة واحدة أو طلقتين بغير عوض أو كانت هي الطلقة الثانية وطلّق من غير عوض، فما دامت في العدة فيجوز له أن يُراجعها، وبمجرد أن يتلفظ بإرجاعها إلى عقده؛ تعود إلى عقده هذا في الطلاق الرجعي. 

ولكن في الطّلاق البائن:

○ لا يمكن أو يعود إليها إن كان بينونة صغرى؛ إلا بعقد جديد ونكاح جديد. 

○ وإن كان بينونة كبرى؛ إلا أن تنكح زوجًا غيره، فتنقضي عدّتها منه، ثم تنكح زوجًا آخر ثم يطلّقها الثاني، ثم تنقضي عدتها منه، فيجوز للأول أن يعود إليها بثلاثٍ جديدة؛ بثلاث طلقات جديدة تكون في ذمته. 

و "أبغض الحلال إلى الله الطّلاق"، ولم يشرّع إلا للضرورة القصوى، والاستعجال به خطير، ويترتب عليه مفاسد وآفات كثيرة. وكما حلّت له بكلمة، فتحرّم عليه كذلك بكلمة، إلا أن تحليلها له بكلمة وليّها، أما تحريمها عليه فبكلمته هو، قال تعالى: (إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) [البقرة:237]؛ وهو الزوج.

وأورد لنا -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- حديث: "الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ: أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ" ويُقرأ سموأل، "طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"؛ يعني: في زمن رسول الله ﷺ "ثَلاَثاً". وجاء في رواية في البُخاري أنها قالت للنبي ﷺ: إن رفاعة طلقني فبتّ طلاقي؛ يعني قال لها: طالق البتّة أو يكون طلّقها ثلاثًا فيحصل به البتات. وهذا يحتمل:

  • أن يكون طلّقها ثلاثًا بلفظ واحد 

  • أو يكون تكرّر منه الطّلاق من وقت لآخر. 

  • وإن كان هناك من يقول: بأنه لا يثبت باللفظ الواحد ولكن الجمهور أن الطلقتين والثلاث تثبت بلفظ واحد. 

وقال: فَنَكَحَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ" يُقال فيه ابن الزّبِير، ليس المعروف الثاني الزّبَير بن العوام، "فَاعْتَرَضَ عَنْهَا"؛ أي: لم يتمكن من جماعها ولا الوقوع عليها، "فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا". يقول: "فَفَارَقَهَا"، لمّا رأى أنها لا ترضى منه أن يكون كذلك، فارقها وطلّقها. "فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا، وَهُوَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا، فَذَكَرَ"؛ يعني الزوج الأول "لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا."

وهكذا جاءنا في البُخاري، عن سيِّدتنا عائشة أنها قالت: طلّق رجل امرأته فتزوجت زوجًا غيره، فطلّقها فلم تصل منه إلى شيء؛ تعني من الثاني، فلم يلبث أن طلّقها، فأتت النّبي ﷺ فقالت: إن زوجي طلّقني وإني تزوجت زوجًا غيره، فدخل بي ولم يقربني، أفأحِلّ لزوجي الأول؟ فقال رسول الله ﷺ: "لا، - لا تحلين لزوجك الأول- حتى تَذُوقي عُسَيْلَتَهُ، ويذوق عُسَيْلَتَكِ"؛ أي كنّى بذلك عن الجماع؛ أي: حتى يدخل بك وإلا فلا يجوز أن تعودي إلى الأول.

إذًا؛ فلا تحل إذا طُلِّقت ثلاثًا إلا أن يدخل بها الزوج الثاني، ثم يبدو له أن يطلقها فيطلقها، ثم تعتدّ من الثاني وتكمُل عدتها من الثاني؛ فيجوز حينئذ للأول أن يعود إليها. ولمّا كانت الأمور تدور على الضرورة ورعاية المصالح، قال تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا) [البقرة:229-230]؛ يعني الزوج الثاني (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ) [البقرة:230]؛ يعني: إن علم كل واحد في نفسه أنه سيؤدي حقوق الزوجية من الرجل والمرأة، ويقومان بالمعاشرة بالمعروف؛ الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان. 

وأما فقط يكون قصده أن يؤذيها أو تؤذيه، أو يتلاعبون في المسألة، أو أن يغتاظ أحدهم من الثاني ويريد أن يؤذي الآخر؛ فلا؛ يعني ربط الأمور بالمقاصد (إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ)؛ يعني: إذا كان صفت الخواطر وأراد كل منهم أن يؤدي الحقوق كما ينبغي؛ لا بأس أن يرجع إليها. وإلا فما مقصود هذه العقود الغليظة والمواثيق الغليظة التلاعب بها أو أخذها على غير المقاصد الرفيعة العالية. 

وبعد ذلك إذا لم يتزوجها إلا بقصد أن يحلّلها لزوجها الأول؛ فهذا هو المحلِّل الذي يقع عليه اللّعن لأن هذا ليس من المقاصد الشَّريفة في النكاح، وإنما ينكحها ليكوّن بها أسرة مسلمة صالحة، وليعفّ نفسها وليعفّها، ولينتظم شأن عائلة في بيت الإسلام. أما فقط من أجل أن تحلّ للأول؛ فهذا مقصد دنيء، وفيه جاء اللفظ باللعن من رسول الله ﷺ، فلعن المحلِل والمحلَل له، وقال: "أَلَا أُخْبِرُكم بالتيسِ المستعارِ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هو الْمُحِلِّل، فلَعَنَ اللهُ الْمُحلِّل والْمُحَلَّل لَهُ". وهكذا قالوا: إذا كان بهذا الشرط أو بهذا القصد؛ فإن:

  • النكاح فاسد عند جمهور العلماء، فهو مثل النكاح المؤقت؛ فلا يجوز ذلك.

  • وحينئذ فيقول الحنابلة: أن نكاح المحلِّل حرام. قال: وهو باطل في قول أكثر العلماء. 

  • وجاء عن أبي حنيفة، أنه يصح النكاح ويبطل الشرط، ولا يلزمه أن يطلّق من أجل أن ترجع إلى الأول. 

والذين لاحظوا وجود اللعن في الحديث قالوا بفساد هذا النكاح، 

  • لكن يقول أبو حنيفة والشَّافعي: أنه إذا لم يذكروا شرطًا في العقد، وإنما تواطئوا بينهم البين ونووا على أنه فقط يقربها ليحلّها من زوجها الأول، أن العقد هذا صحيح ولكن بهذه النية يأثمون ثم لا يلزمه الوفاء بشيءٍ من ذلك، ولا أن يطلّقها، بل يجوز أن يستديم نكاحها.

وجاء في رواية الإمام أحمد، أن النّبي قال لها: أتريدين أن ترجعي إلى رِفاعة؟، يقول ﷺ: لا، حتى تَذُوقي عُسَيْلَتَهُ، ويذوق عُسَيْلَتَكِ". وكذلك سمعنا الحديث "لَعَنَ اللهُ الْمُحِلَّ والْمُحَلَّلَ لَهُ". ومناط البطلان في هذا؛ نية الزوج. وأما الْمُحَلَّلَ له إذا رجع إليها بذلك التحليل، فهو شارك النية الخبيثة عند الزوج الثاني، ومن هنا اختلفوا في نكاح الْمُحِلَِل. 

  • وقال الإمام مالك: لا يحلها؛ أي: لزوجها الأول إلا بنكاح رغبة، فإن قصد التحليل لم يحلّها. 

  • وعلِمنا قول الإمام أحمد مثل قول الإمام مالك

  •  وقول الشَّافعي، وأبو حنيفة: 

    • أنه إذا لم يشترط ذلك في عقد ولم يدخله في صلب العقد؛ فالنكاح الثاني صحيح، ولا يلزمه أن يفارقها، ولا أن يرجعها لزوجها الأول. 

    • فأما إذا اشترط ذلك في العقد؛ فالنكاح باطل بالاتفاق. 

واختلفوا بعد ذلك: 

  • فقالوا: بمطلق الجماع تحل للزوج الأول.

  • واشترط الحسن البصري الإنزال.

  • واشترط الحنفية كذلك أن يكون في نكاح صحيح حلال. كيف حلال؟ بحيث إذا وطئها وهي حائض لا تحل للأول أو كان في صيام ووطأها، فإنها لا تحل حتى تكون في نكاح حلال. 

  • ولم يراعي ذلك الشَّافعية، وقالوا: إذا قد حصل بالنكاح الصحيح وطء ثم حصل طلاق؛ فقد حلّت للزوج الأول. 

وأورد لنا حديث: "عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ"؛ يعني: الطّالق هنا البتّة؛ والمراد بها المُطلقة ثلاثًا؛ لأن البتّ هو القطع؛ يعني حصل منه طلاق يحصل به قطع عصمتها منه. "فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، هَلْ يَصْلُحُ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لاَ"؛ يعني: لا تصلح؛ لا يحل لزوجها الأول نكاحها "حَتَّى يَذُوقَ" الزوج الثاني "عُسَيْلَتَهَا". أخذته من الحديث في قصة امرأة رِفاعة. 

جاء في بعض الروايات، أنها بعد أن صرّحت للنبي ﷺ أنه لا يستطيع الجماع، وليس عنده قدرة على الجماع،… أنها جاءت بعد مدة، وقالت: إنه قاربني. فقال: إن صدقناكِ في الثاني، كذبناكِ في الأول. وإن صدقناكِ في الأول، كذبناكِ في الثاني، اذهبي ولم يسمع كلامها، ولم يرضى لها لأنها تلاعبت في الكلام، وقد صرّحت سابقًا أنه لا يستطيع الجماع، ولا عنده قدرة عليه ولا يقربها أبدًا. ثم جاءت فادّعت، فلم يقبل منها ذلك ﷺ بعد أن نفت وبعد أن طلّقها، ادّعت أنه قاربها فقال: لو صدقناكِ في الثاني كذبناكِ في الأول، ولو صدقناكِ في الأول كذبناكِ في هذا، فنحن نأخذ بأول كلامك الذي جئتِ به. وهكذا حتى يُذكر أنها جاءت إلى سيِّدنا أبو بكر فقال لها: أردّك ﷺ ثم تعودين إليّ! اذهبي، لا ترجعي إلى رفاعة. وهكذا جاء في خلافة سيِّدنا عُمَر وجاءت إليه، فقال: أيردّك رسول الله وأبو بكر ثم تعودين إليّ! ارجعي، فلا نقبل منك كلامًا كما لم يقبله ﷺ (حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) [البقرة:230] كما قال -سبحانه وتعالى-.

وذكر: "أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ، عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ"؛ أي: ثلاثًا "ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَمَاتَ عَنْهَا" الرجل الآخر "قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، هَلْ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لاَ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا."؛ لأن الإحلال لا يكون بمجرد العقد، وإنما بأن يطأها زوجها الثاني. وإن كان يحل لها كامل المهر بموت الثاني، ويثبت لها كامل المهر لكن لا يترتب عليه أن تحل لزوجها الأول

"قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُحَلِّلِ: إِنَّهُ لاَ يُقِيمُ عَلَى نِكَاحِهِ ذَلِكَ"، إذًا؛ 

  • عند الإمام مالك أن نكاح المحلِّل فاسد

فإذا عُلم أن تزوجها ليحل زوجها الأول؛ يعني يجب على الحاكم أن يُفرِّق بينهما عند الإمام مالك، ولا تعد زوجة له؛ لأن العقد من أصله باطل. وعلمت أن هذا أيضًا مذهب الإمام أحمد بن حنبل. وأن الإمام أبا حنيفة والشَّافعي قالا: إن اشترط في صلب العقد؛ فهو باطل. وإن لم يشترط في صلب العقد؛ فالنكاح صحيح. 

وهكذا نتعلم عناية الحق بأحوال عباده المؤمنين ووجوب ضبط اللسان؛ لأنه كما قال -سبحانه وتعالى- في الظّهار الذي يمثل زوجته بأمه ونحوها، قال: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) [التحريم:2]؛ فهو في حد ذاته حرام. فإذا شبّه زوجته بأحد محارمه، من أمه أو أخته أو عمته أو خالته أو ابنته في تحريمها عليه، فهذا هو الظهار الذي هو منكر وزور، ثم لا تحل له حتى يُكفّر عن هذا الظهار: 

○ إما بعتق رقبة. 

○ أو صوم شهرين متتابعين. 

○ أو إطعام ستين مسكينًا 

كما بيّنت الآيات في أول سورة المُجادلة.

أصلح الله أحوال المسلمين رجالهم ونساءهم، وصغارهم وكبارهم، وأُسرهم ومجتمعاتهم، ورزقهم الاهتداء بهدي الشَّريعة، وجنّبهم جميع الآفات والعاهات الفظيعة والمخالفة لمنهج رسول الله المؤتمن على البلاغ، وألهمَهم الرشد في الحركات والسكنات، وفرّج كروبهم أجمعين، بسر الفاتحة وإلى حضرة النَّبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

01 ربيع الثاني 1443

تاريخ النشر الميلادي

06 نوفمبر 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام