شرح الموطأ - 301 - كتاب الطلاق: باب طَلاَقِ الْبِكْرِ

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطلاق، باب طَلاَقِ الْبِكْرِ.
فجر الأربعاء 11 جمادى الأولى 1443هـ.
باب طَلاَقِ الْبِكْرِ
1662 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلاَثاً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا، فَجَاءَ يَسْتَفْتِي، فَذَهَبْتُ مَعَهُ أَسْأَلُ لَهُ، فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالاَ: لاَ نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَكَ. قَالَ: فَإِنَّمَا طَلاَقِي إِيَّاهَا وَاحِدَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِكَ مَا كَانَ لَكَ مِنْ فَضْلٍ.
1663 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أبِي عَيَّاشٍ الأَنْصَاري، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثاً قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، قَالَ عَطَاءٌ: فَقُلْتُ إِنَّمَا طَلاَقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ. فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إِنَّمَا أَنْتَ قَاصٌّ، الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلاَثَةُ تُحَرِّمُهَا، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.
1664 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أبِي عَيَّاشٍ الأَنْصَاري، أَنَّهُ كَانَ جَالِساً مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: فَجَاءَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ، فَقَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثاً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَمَاذَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ مَا لَنَا فِيهِ قَوْلٌ، فَاذْهَبْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي تَرَكْتُهُمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَلْهُمَا، ثُمَّ ائْتِنَا فَأَخْبِرْنَا. فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لأبِي هُرَيْرَةَ: أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلاَثَةُ تُحَرِّمُهَا، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَنَا.
1665 - قَالَ مَالِكٌ: وَالثَّيِّبُ إِذَا مَلَكَهَا الرَّجُلُ، فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، إِنَّهَا تَجْرِى مَجْرَى الْبِكْرِ، الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلاَثُ تُحَرِّمُهَا، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مكرمنا بأحكام دينه والشريعة، وبيانها على لسان عبده المصطفى محمد ذي المراتب الرفيعة، اللهم صل وسلم وبارك وكرّم على عبدك المصطفى سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه المتبوئين شريف حصونه المنيعة، وعلى من تبعهم بإحسان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، سادات أهل العرفان، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ما يتعلق بطلاق من لم يدخل بها زوجها، إذا طلقها قبل الدخول بها، وفيه جاءت الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)[الأحزاب:49] فيقع الطلاق سواءً كان واحدة، أو اثنتين، أو ثلاثًا.
وهي بالطلقة الواحدة تبين منه؛ أي: لا رجعة له، ولا يحل له أن ترجع إليه؛ إلا بعقد جديد، ومهر جديد. إلا أنه إنما تكون الرجعة لمن لها عدة، فيُراجعها في أيام عدتها؛ أما هذه فلا عدة عليها، فتصير بائنة منه إذا أراد أن يتزوجها لا بدّ له من عقد جديد ومهر جديد.
يقول -عليه رحمة الله-: "باب طَلاَقِ الْبِكْرِ"؛ أراد من لم يدخل بها زوجها سواء كانت بكرًا أو ثيبًا.
يقول -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-: "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلاَثاً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ"؛ أي: ظهر "أَنْ يَنْكِحَهَا"، وكان قد طلقها ثلاثًا قبل الدخول بها ثم ندم، وأراد أن يتزوجها؛ أي: بعقد جديد ومهر جديد؛ ولكنه قد طلق ثلاثًا، "فَجَاءَ"؛ أي: هذا الرجل "يَسْتَفْتِي، فَذَهَبْتُ مَعَهُ أَسْأَلُ لَهُ، فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالاَ: لاَ نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَكَ"؛ لأن المطلقة ثلاثًا لا ترجع للأول حتى تنكح زوجًا غيره، كما قال تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[البقرة:229]. ثم قال: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُۗ)[البقرة:230].
-
وعلى ذلك جماهير العلماء من الصحابة، والتابعين، والأئمة الأربعة: إنه إذا أوقع الثلاثة، وقعت ثلاثًا ولو بلفظٍ واحد، ولو في وقتٍ واحد فإنها تقع عليه ثلاثًا.
-
إلا ما جاء عن الظاهرية أيضًا عن الهادوية أنه إذا كان بلفظ واحد في مكان واحد فإنه يعد طلقة واحدة.
وعلمت ما عليه الجماهير، والمذاهب الأربعة، وجمهور والصحابة، والتابعين، وتابعيهم؛ أنهم من طلق اثنتين كان اثنتين، ومن طلق ثلاثًا كان ثلاثًا.
واختلفوا على هذا أمن الطلاق البدعي والطلاق السني؟
-
فقال أبو حنيفة ومالك: إنه من الطلاق البدعي.
-
قال الشافعية: يدخل في الطلاق السني سواءً طلق طلقة، أو طلقتين، أو ثلاثًا.
إلا أنه كان ينبغي الاقتصار على واحدة ليبقى باب الرجعة مفتوح إذا احتاجوا إليه.
فهذا طلقها ثلاثًا قبل أن يدخل بها؛ فظن أنه مادام أنه لم يدخل بها أنه تحسب عليه واحدة. لما قالوا له المفتون من الصحابة؛ عبد الله بن عباس وسيدنا أبي هريرة، "لاَ نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَكَ. قَالَ: فَإِنَّمَا طَلاَقِي إِيَّاهَا وَاحِدَةٌ" لأنني لم يدخل بها يظن أنه ما تحسب عليه إلا واحدة، "قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِكَ مَا كَانَ لَكَ مِنْ فَضْلٍ".
كان لك طلق وطلقتين، وثلاث قمت أرسلتها معًا؛ فكيتها من يدك كلها اللي عندك خلاص من أين نجيب لك الآن؟ وإن كنت لم تدخل بها، إن كنت طلقتها ثلاث فثلاث، ولو طلّق اثنتين كان اثنتين. إذًا، فالطلقة الواحدة في طهر لم يجامعها فيه هو الطلاق السُنّي بالاتفاق.
يقول: "عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثاً قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، قَالَ عَطَاءٌ: فَقُلْتُ إِنَّمَا طَلاَقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ"؛ إيش يعني؟ يعني يريد أنه لا يجوز أن يطلق إلا واحدة في ظنه؛ استعجل في الفتوى… أو أنه لا يصلح أن يطلقها إلا طلقة واحدة لأنه لم يدخل بها. لأن الطلاق اثنتين، والثلاث في نظره حكم المدخول بها؛ فتوهّم أنه لا يلحقها إلا طلقة واحدة.
"فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إِنَّمَا أَنْتَ قَاصٌّ"، يعني: من الذين يقصون على الناس القصص ما أنت بفقيه، ولا عالم بأحكام الشريعة؛ بل من القصّاص الذين يتكلمون باسم الوعظ، ما عندهم بصيرة وعلم بالأحكام والشريعة، ما أنت مفتي، إنما أنت قاص! أنكر عليه قوله، إنما طلاق البكر واحدة، استعجل والسؤال موجّه لعبد الله بن عمرو بن العاص، فهذا تكلم بما يظنه قال له إنما قاص يذكرون الحكايات، ما أنت فقيه، ولا واعي بهذا الحكم في الشرع " إِنَّمَا أَنْتَ قَاصٌّ، الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا"؛ يعني: تجعل طلاقها طلاق بينونة صغرى لا يستطيع أن يعود إليها، ويراجعها إلا بعقد جديد بخلاف المدخول بها؛ الطلقة الواحدة لا تبينها؛ تبقى مدة العدة رجعية، يجوز له أن يراجعها متى شاء إلى أن تنقضي عدتها. "الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلاَثَةُ تُحَرِّمُهَا، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ" كما جاء في القرآن الكريم. "الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلاَثَةُ تُحَرِّمُهَا، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ".
روى لنا: "عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَج: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أبِي عَيَّاشٍ الأَنْصَاري، أَنَّهُ كَانَ جَالِساً مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ"، ولد في حياة النبي ﷺ مات سنة سبعين، قَالَ: "أَنَّهُ كَانَ جَالِساً مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَاءَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ، فَقَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثاً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَمَاذَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ مَا لَنَا فِيهِ قَوْلٌ"، ما بلغنا لنا فيه قول أو ليس فيه عندنا قول "فَاذْهَبْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي تَرَكْتُهُمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَلْهُمَا".
"إِنَّ هَذَا الأَمْرَ مَا لَنَا فِيهِ قَوْلٌ"، في نسخة: "ما بلغ لنا فيه قول"، أو: "ليس عندنا فيه قول"، "فَاذْهَبْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأبِي هُرَيْرَةَ" من أكابر الصحابة "فَإِنِّي تَرَكْتُهُمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَلْهُمَا"، وفيه تدافع الصحابة للفتيا وإرجاع المستفتي إلى المتخصصين بذلك ممن تقلد أمانة الفتوى من خاصتهم.
وكل الصحابة مجاهدون، وكل الصحابة دعاة إلى الله، وكل الصحابة آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر؛ لكن ليس كلهم مفتون، ولا يفتي منهم إلا القليل أدبًا مع الشرع المصون، وهم أعلم الأمة به لاتصالهم بالأمين المأمون صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ ولكن هكذا كانوا يتدافعون الفتيا و "أجرأكم على الفتيا، أجرأكم على النار". فقالوا ما نحفظ الآن فيه قول فاذهب إلى أبي هريرة تركتهم الآن عند السيدة عائشة وهي من أوعية العلم ومن مواطن التلقي.
قال: "فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا" سأل أبي هريرة وعبدالله بن عباس "فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لأبِي هُرَيْرَةَ: أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلاَثَةُ تُحَرِّمُهَا"؛ يعني:
-
تصير طالقة طلاق بائن بالواحدة؛ لأنه لم يدخل بها
-
وتحرمها الثلاث فلا ترجع إليه، " حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ".
"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ"، هو الرأي، فذهب بفتيا ابن عباس وأبا هريرة رضي الله عنهم. "قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَنَا".
"قَالَ مَالِكٌ: وَالثَّيِّبُ إِذَا مَلَكَهَا الرَّجُلُ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، إِنَّهَا تَجْرِى مَجْرَى الْبِكْرِ، الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلاَثُ تُحَرِّمُهَا، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ." فإنما الفرق بين المدخول بها وغير المدخول بها:
-
أن من لم يدخل بها بمجرد الطلقة تبين بخلاف المدخول بها.
-
وأما وقوع الطلاق فيقع سواء كان واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا سواء كانت الزوجة بكرًا، أو ثيبًا.
ولا يختلف الحكم بين أن يدخل بها وبين أن لا يدخل بها من حيث الإبانة فقط، أن يكون الطلاق بائن ولو بواحدة إن لم يدخل بها؛ لأنه لا عدة عليها كما قرأنا في الآية المكرمة.
فبذلك أجمع أهل العلم: أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة، ولا فرق أن تكون هي في حد ذاتها بكرًا أو ثيبًا. وهكذا جاءت الآثار التي أشار الإمام مالك إليها.
ويتكلم بعد ذلك أن الطلاق ينفذ من المريض ومن غيره؛ إلا أن جاء اختلاف العلم إذا اتهم أنه في مرض الموت يريد أن يحرم أحدًا من زوجاته من الإرث فإنهم يورثونها، إذا قامت على ذلك دلالة وقرائن تدل على أنه يريد أن يحرمها من الميراث فيورثونها، وإن كان قد طلقها.
وفي ذلك خلاف بين أهل العلم ولم يرى الشافعية ذلك، ورأى الإمام مالك كما سنقرأ في هذا الفصل الآتي: أنه إذا طلقها في مرض الموت فإنها ترث منه، ولو أبانها، نعم الرجعية مادامت في العدة فهي ترث منه وهو يرث منها، والله أعلم.
رزقنا الله الصدق والإخلاص واليقين، والمتابعة لحبيبه الأمين، ونقّانا عن الشوائب، ورفعنا أعلى المراتب، ودفع عنا المشاغب والمصائب والنوائب، وحول أحوالنا والمسلمين إلى أحسن حال، ووقانا شر ما تأتي به الأيام والليال، ونظَمنا في سلك أهل الاقتداء بنبيه محمد في جميع الأحوال بسر الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
16 جمادى الأول 1443