(537)
(188)
(560)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لكتاب صلة الأهل والأقربين بتعليم الدين للإمام عبدالله بن حسين بن طاهر رحمه الله، ضمن ضمن دروس الدورة العلمية في موسم شهداء مؤتة الأبرار رضي الله عنهم لعام 1445هـ - الأردن
فجر يوم السبت: 11 جمادى الأولى 1445هـ
لتحميل كتاب (صلة الأقربين) pdf:
"وأما الزكاة .. فهي ركنٌ من أركان الإسلام، يكفر جاحدها، ولا تجب إلّا في الإبل والبقر والغنم، والذهب والفضة، والتجارة بشرط النِّصاب والحول إلا ما حصل من ركازٍ أو معدنٍ فلا يشترط فيه الحول.
وتجب في التمر والعنب والحبوب التي تُقتات حالة الاختيار إذا كانت مئة قهاول بالمد الشرعي.
وواجبها العشر إن سُقي بغير مؤنة، وإلا .. فنصف العشر، يصرفه لمن وُجِد من الأصناف الثمانية مع نية الزكاة بعد إفرازها وقبل التفرقة.
وتجب زكاة الفطر - وهي أربعة أمداد - من غالب قوت بلده، عن الشخص وعن كل من عليه مؤنته، إذا وجدها فاضلة عن قوت يوم العيد وليلته، وعن دَينه ومسكنه وكسوته، وذلك عند غروب آخر يوم من رمضان.
وأما صوم رمضان .. فهو ركن من أركان الإسلام، يكفر جاحده ، فيجب صومه على كل مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ طاهرٍ يطيقه.
ويجب على الحائض والنفساء القضاء، وشرطه نيته، وتعيينه، وتبييتها في الفرض، والإمساك من الفجر إلى المغرب عن التقيؤ والاستمناء والجماع، وعمّا يدخل جوفه من منفذٍ مفتوحٍ عامداً ولو ريقه إذا كان نجسًا، أو مختلطًا بغيره، أو خرج من معدنه.
وأما حج البيت .. فهو ركنٌ من أركان الإسلام، فيجب هو والعمرة في العمر مرة على مَن استطاع إليه سبيلاً، وعند إرادته يجب عليه تعلم أركانه وواجباته ومحرماته، وكذا مَنْ أراد الدخول في شيءٍ من المعاملات؛ كالبيع والإجارة، والنكاح ونحوه ممَّا يجب عليه تعلم ما يحِلُّ وما يحرم".
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان خير الورى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار في سبيلهم مقتديًا سرًّا وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
الزكاة ركن من أركان الإسلام
وبعدُ،،
يواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الحديث عن أركان الإسلام، وقد أتى لنا بفصولٍ فيما يتعلق بفرض الصلاة من واجباتها وشروطها وسننها، وتجنب مبطلاتها، وذكر لنا أنه ركنٌ من أركان الدين يكفر جاحده. وكذلك يذكر في الزكاة وفي الصوم فإنها أركانٌ معلومةٌ من الدين بالضرورة الجاحد بها خارج عن الملة -والعياذ بالله-.
أقسام الزكاة ونصابها
والزكاة التي تحمل في اللغة معنى: النماء والتطهير، هي كذلك منميةٌ مطهّرةٌ للنفوس وسببٌ للبركة. فالزكاة المفروضة في شريعة الله تعالى التي هي قنطرة الإسلام تنقسم إلى قسمين:
زكاة مالٍ في أموالٍ محددة عيّنها الشارع تلزم فيها الزكاة، أشار فيها إلى النِّعَمِ وهي: الإبل والبقر والغنم، كل ذلك بشرط وجود نصاب:
ثم الذهب والفضة وكذلك التجارة في أي شيءٍ كان؛ في أي نوعٍ من أنواع المواد، من يتّجر في قصبٍ أو حطبٍ أو زرعٍ أو فاكهةٍ أو معادنٍ أو حجرٍ أو ترابٍ أو أي شيء اتّجر فيه، قلّب فيه المال لطلب الربح، فتلزمه فيه الزكاة عند مرور الحول وبلوغ النصاب.
إلا ما كان من الركاز والمعدن؛ فالركاز: ما وجد في الأرض من دفين من قبل الإسلام من ذهبٍ أو فضة، فحكمها: أن أول من ملك هذا الأرض في الإسلام له ذلك المدفون فيها؛ فهي ملكه؛ ما وجد من ذهب أو فضة ويجب عليه إخراج الزكاة فيه، لا ينتظر حوله ولكن يوم حصوله ويوم عثوره على هذا الذهب والفضة الذي هو الركاز، دفين الجاهلية من ذهبٍ أو فضة، يلزم فيه إخراج الخمس.
أما الذهب والفضة والتجارة فالواجب فيها: ربع العشر، والذي يُعبّر عنه بالاثنين ونصف من كل مئة (2.5%) ربع العشر؛ فعشر المئة: عشرة، وربع العشرة: اثنان ونصف؛ فإذًا هذا الواجب في الذهب والفضة والتجارة.
لكن بالنسبة للركاز الواجب فيه: الخمس، من وجده فيخرج خُمُسه حالًا، ويملك صاحب الملك الأول لهذه الأرض الأربعة الأخماس.
وأما المعدن: فهو ما يُستخرج بعلاج، يُعالج ويستخرج الذهب والفضة من الأرض بعلاج، فإذا تمت المعالجة وصفا ذهبًا أو فضة وَجَبَ عليه أن يخرج ربع العشر في الحال.
ولذا قال: "إلا ما حصل من ركازٍ أو معدنٍ فلا يشترط فيه الحول." أي: مرور سنة، لا يشترط مرور سنة، بل في أول ما يحصّله، يجب عليه أن يخرج الزكاة حالاً:
أما الإبل والبقر والغنم فلكلٍّ منها حكمٌ:
وقال: "وتجب في التمر والعنب والحبوب" هذا من المزروعات؛ فمن الزروع والحبوب تلزم في ما يعد قوتًا وأكلًا بالاتفاق:
"وتجب في التمر والعنب والحبوب التي تُقتات حالة الاختيار"، فمن الثمار: التمر والعنب، ومن الحبوب: كل ما يُقتات حالة الاختيار من برٍّ وذرة وشعير وأرز وفول إلى غير ذلك.. من كل ما يؤكل ويُقتات في حالة الاختيار فيلزم فيه إخراج الزكاة. وإخراج الزكاة ما أشار إليه قال: إذا بلغ المحصول نصابًا؛ وهذا أيضًا عند الجمهور، ولم يعتبر الحنفية النصاب، بل قالوا بعموم قوله تعالى: (..وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ..) [الأنعام:141]، فأي شيءٍ حصل من الثمار أو الزروع، قلّ أو كثر، يجب فيه إخراج: إما العُشُر وإما ربع العشر.
وذكر: "المئة القهاول" وهي: مكيال كان معروف في بلدهم بحضرموت يقال له: القهاول؛ عبارة عن إثنى عشر مدًّا بمد النبي ﷺ. إذًا فهو: ثلاثة آصع نبوية يقال لها: قهاول. فالقصد بلوغ هذه الخمسة الأوسق التي قال عنها ﷺ: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" فاشترط الشافعية ومن وافقه من الأئمة: بلوغ النصاب في الحبوب والثمار، ولم يشترطه الحنفية، يصرفه لمن وجده، وكم يخرِج؟ يخرج إما عشر أو نصف عشر، كيف؟
لمن تصرف الزكاة؟
قال: "العُشُر إن سُقي بغير مؤنة، وإلا .. فنصف العشر ، يصرفه لمن وُجِد من الأصناف الثمانية" المذكورين في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ..) [التوبة:60]، ثمانية أصناف ذكرهم الحق سبحانه وتعالى هم أهل الزكاة، وقد فرض الله في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء، ولو أخرج المسلمون الزكاة المفروضة عليهم ما بقي بينهم فقير، بل ولتغطّت الحاجات المختلفة للمجتمع، ولكن الإهمال في إقامة فرض الله تبارك وتعالى سبّب للمسلمين كثيرًا من الإشكالات، وما بُخِلَ عن صرفه بأمر الله تعالى وفي سبيل الله، فيُسلّط عليهم صرف أضعافه في سبيل الشيطان وفي سبيل الأنفس وفي سبيل الألعاب وفي سبيل التفاخر والتكاثر والعياذ بالله تبارك وتعالى.
هذا الذي يتعلّق بزكاة الأموال؛ الأصناف الثمانية المذكورون في القرآن من وُجد منهم، إن كان الوالي أخذ الزكاة فيجب عليه أن يصرفها إلى جميع من في بلدته ودولته من الأصناف، قلّوا أو كثروا، وإن كان أصحاب الأموال أنفسهم يخرجونها فينظروا إلى الأصناف الموجودة عندهم؛ وفي الغالب لا تخلو البلاد من صنف الفقراء والمساكين ومن صنف الغارمين وأبناء السبيل، فهذه الأربعة الأصناف متوفرة وموجودة في غالب وأكثر البلدان، فتوزّع عليهم الزكاة فيستوعِب من كل صنفٍ ولو ثلاثة إذا كان مُخرج الزكاة هو المالك، أما إذا كان الحاكم يأخذ الزكاة من الجميع:
وكذلك العاملون عليها: من يعيّنهم الحاكم لجمع الزكوات وتفريقها وليس لهم مقابلٌ لذلك فيؤخذ لهم من الزكاة مقدار أجرتهم:
نية الزكاة
قال: "مع نية الزكاة" أي: يصرفها لهم مع النية "بعد إفرازها وقبل التفرقة" فإذا أفرز مالاً لإخراج الزكاة فنوى صحّت النية، ولا يُكَلّف بأن تكون النية وقت تسليمها للفقير فيشق ذلك، ولكن يمكن أن يوكل غيره ليوصلها للفقراء بعد إفراز المال إذا أفرزه ونوى به زكاة صحّت النية ويُخرج ويكون زكاه.
فما تُعطى الزكاة إلا لأهل هذه الأصناف، ولا يجوز أن تُعطى لأجل التنفّع بها أو للمحاباة؛ يعطي بعض موظفين وغيرهم ليساعدوه في بعض المعاملات أو أي شيء من هذه الاعتبارات الأخرى إنما هي حق الله لمن سمّاهم الله سبحانه وتعالى فتٌصرف إليهم.
زكاة الفطر
هذا زكاة المال ثم زكاة البدن؛ وهي زكاة الفطرة التي تلزم بخروج شهر رمضان ومجيء شهر شوال من كل عام، تلزم على المسلم عن نفسه وعن من تلزم نفقته من والد أو والدة أو زوجة أو ابن أو بنت فيلزمه أن يخرج الزكاة عن نفسه وعن من تلزمه نفقته.
وهي: أربعة أمداد من غالب قوت بلده؛ القوت الذي يعتاده أهل البلد، فيخرج من ذلك القوت أربعة أمداد أو من صنفٍ من الطعام يُرغَب فيه أعلى من قوت البلد، فيخرج أربعة أمداد عن نفسه، وأربعة أمداد عن زوجته، وأربعة أمداد عن ابنه الصغير الذي لم يبلغ، وابنته الصغيرة، فإذا بلغ ابنه فقد توجّهت النفقة على الابن، وفي الغالب يكون لا يزال في نفقة والده، وهو لا يزال في مرحلة الدراسة وغيرها، فحينئذٍ عندما تأتي الزكاة فإمّا أن يوكّل ذلك الولد البالغ أباه فيخرج الزكاة عنه، أو يخرج الوالد من ماله مقدار زكاته فينوي عن نفس ذلك البالغ؛ لأنه إنما تصح نية الوالد عن أولاده الذين لم يبلغوا والذين تلزمه نفقتهم، أو بلغ أحدهم وهو زَمِنٌ لا يستطيع الكسب ولا يقدر على أن يتكسب، فهذا لا تزال نفقته على أبيه ويكفيه نيته من دون أن يتوكّل عنه،
وأما إذا بلغ وهو قادر لو تفرّغ للكسب لاكتسَب ما يحتاج إليه، فهذا سقطت نفقته على الأب، ومهما كان يتفضل بالنفقة عليه؛ فذلك من جملة الإحسان والمعروف، ولكن عند الزكاة فإما أن يتوكّل عن الإبن فيخرج عنه الزكاة أو يسلّم للإبن حصته من الزكاة فينويها عن نفسه.
قال: "وتجب زكاة الفطر - وهي أربعة أمداد - من غالب قوت بلده ، عن الشخص" أي: عن الفرد الواحد "وعن كل من عليه مؤنته" ممّن تلزم نفقته، وخصّه الشافعية ومن وافقهم: بالأصول والفروع، أي: الآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والأبناء والبنات والزوجة؛ فهؤلاء الذين تلزمه نفقتهم.
على من تجب زكاة الفطر ووقتها؟
قال: "إذا وجدها" أي: تمكّن منها ووُجدت في ملكه "فاضلةً عن قوت يوم العيد وليلته" له ولمن تلزمه النفقة، " وعن دَينه" الحاضر الحال؛ الذي حضر وقت تسديده "وعن دَينه ومسكنه" اللائق به "وكسوته" فمن وجد زائدًا مما يملك عن هذا القوت ليوم العيد وليلته وعن المسكن اللائق به وعن الكسوة اللائقة به، فيجب عليه أن يُخرج الزكاة "وذلك عند غروب آخر يوم من رمضان." أي: وقت الوجوب، ووقتها
شروط وجوب صوم رمضان
قال: "أما صوم رمضان" بلغنا الله رمضان، قال: "فهو ركن من أركان الإسلام ، يكفر جاحده ، فيجب صومه على كل مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ طاهرٍ يطيقه" ، فلا يُخاطَب الكفار بفروع الشريعة وإن كانوا يعذّبون في الآخرة، لكن في الدنيا ما نخاطبهم بفروع الشريعة بل ندعوهم إلى الإسلام.
ولا يلزم غير البالغ الصوم؛ ولكن إن أطاقَه وجب على وليّه أن يأمره به لسبعٍ ويضربه على تركه لعشر إن أطاقَه، بشرط الإطاقة. وأن يكون عاقلًا، فلا خطاب لمجنون.
و"طاهر"، أي: عن الحيض والنفاس.
و"يُطيقه"؛ أي: غير مريضٍ ولا زَمِنٍ لا يستطيع الصوم.
حكم ما فات من الصيام على الكافر اذا أسلم والصبي والمجنون
فإذا كان غير مسلم بأن كان كافرًا أصلي، ثم أسلم فلا قضاء عليه فيما مضى من السنوات، إلا إن كان - والعياذ بالله- مرتدًّا، ارتدّ عن الإسلام ثم عاد إليه، فيجب عليه أن يقضي ما فاته أيام ردّته. والصبي إذا بلغ لا يلزمه قضاء شيء مما فات قبل البلوغ. والمجنون إذا أفاق وجب عليه أن يقضي ما فاته في أيام جنونه على خلافٍ بين أهل العلم، إلا إذا كان جنونه طرأ في أثناء يومٍ ثم عوفي من ذلك، فعليه قضاء ذلك اليوم الذي طرأ عليه فيه الجنون إلى غير ذلك من تفصيل وجوب القضاء على المجنون، واعتمد الكثير من أهل الفقه: أنه ما دام جنونه مطبقًا ومضى عليه رمضان وهو مطبق الجنون فلا يخاطب بشيء، مثل الصبي إذا بلغ.
حكم الحائض والنفساء والمريض والمسافر إذا أفطروا
أما الحائض والنفساء فيجب عليهما القضاء، ويجب على الحائض والنفساء القضاء، وأما المريض فكذلك يجوز له أن يفطر لعذر المرض إن كان الصوم يشقّ عليه؛ بأن يزيد المرض أو يزيد مدة أيامه أو يخاف من الصوم، فإذا كان كذلك يجوز له الفطر وعليه القضاء، كما قال تعالى: (..فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ..) [البقرة:184]، فيقضي المسافر إذا أفطر بعذر السفر، ويقضي المريض إذا أفطر بعذر المرض، إلا صاحب المرض الذي لا يُرجى شفاءه ولا يُرجى عافيته منه، فإنه يلزمه أن يخرج عن كل يومٍ مدًا مدًا.
شروط صحة الصيام
"وشرطه" أي: صحة الصوم "نيّـته" لقول النبي ﷺ: "من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له" ، ففي الفرض: يجب أن يبيّت النية من الليل "وتعيينه" عن شهر رمضان، "وتبييتها في الفرض" ، وأما في النفل فيجوز أن ينوي بعد الإشراق إلى زوال الشمس.
قال: "والإمساك من الفجر إلى المغرب" عن جميع المفطرات.
مبطلات الصيام
منها: "التقيؤ"؛ التقيؤ بخلاف القيء الذي لم يتعمّد إخراجه، فالقيء الذي لم يتعمد إخراجه لا يبطل الصوم بل عليه أن يحترز من رجوع شيءٍ إلى الجوف، فإذا لم يتعمد إخراجه من الجوف ولم يكن التقيؤ باختياره فلا يبطل صومه. ومن تعمّد القيء بَطَل صومه إذا استقاء.
وكذلك "الاستمناء والجماع" يبطلان الصوم، ويلزم من جامع أهله في نهار رمضان:
"وعمّا يدخل جوفه من منفذٍ مفتوحٍ" فأما ما دخل إلى البطن عبر الحلق فباتفاق فقهاء الإسلام يبطل الصوم، وبعد ذلك بينهم الاختلاف فيما لم يصل إلى الجوف عبر الحلق.
ولكن اعتمد الشافعية: أن أي منفذ مفتوح من مثل: أنفٍ وفمٍ وكل منفذ مفتوح إلى الجوف إذا دخل منه أي مادة فوصلت الجوف بَطَل صومه.
"وعمّا يدخل جوفه من منفذٍ مفتوحٍ عامدًا" بخلاف الناسي، فإنه عند جمهور العلماء ما يبطل صومه، ويبطل صومه عند بعض أهل العلم، ولا يبطل عند أكثرهم لقوله ﷺ: "من أكل أو شرب ناسيًا فيلتمّ صومه فإنما أطعمه الله وسقاه".
قال: "ولو ريقه إذا كان نجسًا" مختلطًا بدم، بأن دميت لثته فاختلط ريقه بالدم فلا يجوز أن يبلعه، فإن بلعه بَطَل صومه. "أو مختلطًا بغيره" من أي مادة أخرى "أو خرج من معدنه" وهو الفم، خرّج الريق إلى خارج الفم ثم ردّه، فإن بلعه بَطَل صومه؛ لأنه فارق المعدن. أما الريق الخالص الطاهر من نفس المعدن فلا يبطل الصوم بابتلاعه، بل هو ضرورة من الضرورات. وإنما إذا خرج عن معدنه أو خالطه أي مادة أخرى أو تنجّس بدم وغيره فحينئذٍ لا يجوز أن يبلعه، فإن بلعه بَطَل صومه. بلغنا الله رمضان وأعاننا على الصيام والقيام، وجعلنا من الراقين إلى أعلى مقام، وتقبّل مِنَّا وحققنا بحقائق الصوم وحقائق العبادات كلها.
الحج والعمرة
وذكر "حج البيت" -بلّغنا الله وإيّاكم حج ّبيته الحرام- والحج فرضُ أيضًا من أركان الإسلام المُجمع عليها، وأمَّا العمرة ففيها اختلاف؛ فقال جمهور العلماء: العمرة أيضًا فرضٌ كالحج وتجب في العمرِ مرة واحدة. وقال آخرون: بل هي سُنّة، وأمّا الحج فهو فرضٌ على المستطيع باتفاقهم.
ووجوبه بهذه الشروط: يجب على المسلم، البالغ، العاقل، الحر، المستطيع؛ فبالاستطاعة لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران:97].
وكان فرض الحجِّ في السنة الخامسة، وقيل في السنة السادسة، وقيل فيما بعد ذلك. ولكن الأصح أنه قبل ذلك فُرِضَ في السنة الخامسة أو السادسة من هجرته ﷺ، وبعد فرض الحج لم يحج ﷺ إلا حجة الوداع، فلم يحج في السنة السادسة، وهي السنة التي صالحَ فيها المشركين وجاء معتمرًا وعاد إلى المدينة ولم ينتظر الحج، ولا في السنة السابعة، ولا في السنة الثامنة وقد فتح فيها مكة ورجع بعد الفتح إلى المدينة المنورة، وأمرَ عتَّاب بن أُسَيْد أن يحجّ بالناس، ثم في السنة التاسعة أرسل سيدنا أبا بكر الصديق ليحجّ بالناس، وأرسل سيدنا علي بن أبي طالب ليُبلغهم أحكام سورة براءة؛ وأن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريانًا. وفي السنة العاشرة حجَّ بنفسه ﷺ وكانت حجة الوداع.
وكانت له حجّات قبل أن يخرج من مكة قبل النبوة وبعدها، قبل نزول الوحي وبعد نزول الوحي حجَّ حجّات متعددة ﷺ، ثم لمّا هاجر لم يحجّ إلا تلك الحجة الواحدة العظيمة الباهية حجة الوداع، قال الصحابة: وتحدثّنا بحجة الوداع وما عرفنا معنى الوداع حتى توفي ﷺ فعرفنا أنها وداعه لأمته ﷺ.
"فهو ركنٌ من أركان الإسلام، فيجب هو والعمرة في العمر مرة على مَن استطاع إليه سبيلاً ،" بأن وجدَ الزَّاد والراحلة مع أمن الطريق، والقدرة على الذهاب، "وعند إرادته يجب عليه تعلم أركانه وواجباته ومحرّماته،" وذلك الفقه في الدين، كلّ مَن وجب عليه شيء أو أراد أن يُزاول شيئًا من المباحات في المعاملات يجب عليه أن يتعلم أحكامها، "وكذا مَنْ أراد الدخول في شيءٍ من المعاملات؛ كالبيع والإجارة، والنكاح ونحوه ممَّا يجب عليه تعلم ما يحِلُّ وما يحرم." منه، فــ: "مَن لم يتفقّه في ديننا فلا يبع في سوقنا" و "مَن اشتغل بالتجارة ولم يتعلم أحكامها في الشريعة فقد ارتطم في الرِّبا ثم ارتطم" ويقع في المعاملات الفاسدة.
فواجب أن نُحَكِّم الشرع المصون، وأن نمضي على ضوئه، وعلى منهاجه في أحوالنا في الظهور والبطون، وجميع المعاملات يجب أن تُصَحَّح على منهج الشريعة المطهرة. رزقنا الله العمل بالشريعة على الوجه المرضي لديه في جميع أحوالنا و شؤوننا.
نماذج من الفرائض في الكتاب والسنة
وقال رضي الله عنه وعنكم:
في (الموجز): "ومن الفروض: الإخلاص الله في جميع العبادات، فلا يطلب بها جزاء من الخلق، ولا حمداً ولا خوفاً منهم.
ومنها: النصح للعباد فلا يغش مسلماً ، ولا يكتم عنه خيراً يطلبه ولا شيئاً يخاف منه.
ومنها: طاعة أولي الأمر في غير معصيةٍ، ودلالتهم على الخير إن قدر.
ومنها: امتثال أمر الوالدين، والأدب معهما في القول والفعل ، والنفقة على من احتاج منهما، وإعفاف الأب.
ومنها: تربية الولد وتهذيبه على فعل الخير وترك الشر، والقيام بمؤونته حال ضعفه، وتعليمه ما يجب عليه وما يحرم بعد البلوغ بالاحتلام أو الحيض أو استكمال خمس عشرة سنة ، ويأمره بالصلاة والصوم إن أطاقه لسبع وميَّز، ويضربه عليهما لعشر.
ومنها: صلة الرحم ولو بالقول الليِّن؛ وهم: كل قريب من جهة الأب أو الأم.
ومنها: مؤونة الزوجة بالمعروف نفقة وكسوة وسكن كما يليق بها، وتعليمها أحكام الزوجية والحيض والنفاس وانقطاعهما، ومعاشرتها بالمعروف وهي كذلك، وألّا تُدخل بيته من يكرهه، ولا تخرج منه إلّا بإذنه، وأن تطيعه فيما أمر ما لم يكن معصية، ولا تمتنع منه ولو على التنور.
ومنها: مؤونة المملوك نفقة وكسوة، وألاً يُحمِّلَه فوق طاقته، وعليه الطاعة لسيده فيما يطيق، والأدب معه قولاً وفعلاً".
ابتدأ الشيخ -عليه رحمة الله- يذكر بعض نماذج من الفرائض في الشرع المصون، وسنن كذلك، فإن كثيرًا من الناس ما يتصوَّر من الفرائض إلا الصلاة والصوم والزكاة فقط! وعلينا فرائض كثيرة في شرع الله تعالى، وواجبات ومهمّات يجب أن نقوم بها..
قال: "ومن الفروض: الإخلاص الله في جميع العبادات،" في تسبيحة أو تكبيرة، أو قراءة القرآن، أو صلة الرحم، أو صدقة، أو صلاة، أو صوم، أو حج.. واجب علينا الإخلاص، (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [البيّنة:5]، و: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزُّمَر:3].
معنى الإخلاص: أَلَّا يَطْلُبَ بِهَذَا الْعمل جزاءً مِنَ الْخَلْقِ، وَلَا إِلْتِفَاتا مِنْهُمْ، وَلَا حَمْدًا، وَلَا خَوْفًا مِنْهُمْ؛ فَهُوَ الْعَمَلُ لِلَّهِ وَحْدَهُ -جَلَّ جَلَالُهُ-، إخلاصه عن ملاحظة المخلوقين، فلا يندفع خوفًا منهم، ولا طمعًا فيهم، ولا رغبةً في مدحهم، ولا في المنزلة لديهم، فطلب المنزلة عند الخلق بالعبادة صرفٌ للعبادة عن وجه الله تعالى إلى إرادة غيره، فهذا هو الشرك الخفيّ.
الشرك الخفي: الرياء، يقول ﷺ: "وأدنى الرياء شرك" فهو شركٌ دون الشرك الذي يُخرج من المِلَّة باعتقاد أن مع الله شريك آخر، ولكنه قَصَدَ بعبادته مدح أُنَاسٍ، أو منزلةً في قلوبهم، أو وصولًا إلى أعطيتهم ونفقاتهم، أو لكَفِّ شرّهم عنه في شيءٍ من الأحوال؛ فهذا قام بالعبادة غير مُخلصِ لوجه الله - جلّ جلاله وتعالى في علاه- أراد بها غيره -سبحانه وتعالى- فتتعرَّض عبادته للردِّ عليه -والعياذ بالله تبارك وتعالى- (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]. الذين يريدون وجهه، قال تعالى على ألسنهم فيما يُنفقون في سبيله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان:8-9].
حتى كانت سيدتنا عائشة إذا بَعَثَت بصدقة لأحد تقول للذي تبعثه: انظر ماذا يقول، فإذا أوصله قال: هذا من عائشة أم المؤمنين، فقال: جزاها الله خيرًا، غفر الله لها، رفع الله قدرها، يرجع إليها، تقول له: ما قال؟ تقول: اللهم اجزه خيرا، اللهم اغفر له، اللهم ارفع قدره. وتدعو له بمثل الدعوات التي دعا؛ قالت حتى لا يكون جزائي هذا منه؛ أنا أعطيته لله تعالى مقابل دعاءه، دعائي يأخذه له خلاص.. هذا مقابل هذا، والنفقة لله -سبحانه وتعالى-.
ولذا لما رأى بعض الناس شيخ من كبار الشيوخ العارفين، الشيخ النوري وهو يتعرّض للسؤال يسأل الناس فتعجب، قال هذا شيخ صاحب قدم في الإنابة والتصوّف ويسأل الناس إيش المشكلة هذه! دخل على الجنيد بن محمد يقول له: أن هذا يسأل الناس! قال: لا تتعجب من ذلك، هذا ما يسأل الناس لنفسه، هذا يسأل الناس ليؤجرهم ويسأل الناس لناس يعطيهم غيره، وانظر خذ هذا.. وزن له مئة، ثم أخذ قبضة ووضعها فوقه، قال: فتعجبت الوزن لضبط العدد وهذا الآن بعدما ضبط الوزن يحط بلا عدد إيش المعنى؟ قال: خذ هذا واعطِه الآن، اذهب إلى بيته وقل له هذا لك من الجنيد.. فلما وصل إليه قال: اصبر.. قال: أنا ما سألت الجنيد استحيت منه كيف توزنه ثم تحط بلا عدد؟! قال لي: اصبر، جاء بالميزان، وزن مئة وأخذ الباقي قال: رد له هذا، وقل له: الذي لك لك ما يريده، هو أخذ الذي لله.. وقال: زاد تعجبي.. ورجعت إلى الجنيد بن محمد..بكى الجنيد قال: يرحمه الله أعطانا ما لنا وأخذ ما لله، قال إني قصدت بهذه المئة وعددتها ثوابًا وأجرًا ومكانة ومنزلة، وأعطيته قبضة من عندي بلا عدد لا أريد بها إلا وجه الواحد الأحد، قال: انظر! فرّق بينها ورد عليّ المئة حقي التي أردت بها لنفسي مكانة! فرضي الله تبارك وتعالى عنهم.
وهكذا نتعلم مراتب الإخلاص لوجه الله تبارك وتعالى:
ولكن الإخلاص فرض على المؤمنين:
فرضه الأول على عمومهم؛ هذا الإخلاص العام: أن لا يقصدوا بعبادة الله وجه الخلق ولا مكانة ولا منزلة ولا مقابلة.
قال الإمام الغزالي -عليه رحمة الله-:
"والرياء في أمّتي أخفى من دبيب النمل" فالله يخلّصنا منه، صغاره وكباره، وأمرنا ﷺ إذا أحسسنا بشيءٍ من هذا أن نقول: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم" فترجع إلى الحق تعالى حتى يخلصك.
ثم للشيطان بعد ذلك مكيدة يقول لك على عمل صالح ستعمله أنت فيه مرائي؛ لأنك تريد كذا وكذا… وقصده أن تترك العمل من أصله حتى لا يثبت لك شيء، فقل له: سأعمل بقصوري وبضعفي وسأجاهد نفسي أن أخلص لوجه الله؛ ولن أترك العمل لوسوستك يا خبيث لأنك تريد أن تقطعني عن العمل! فلا تنقطع بوسوسته، ولكن جاهد نفسك أن لا تريد إلا وجه الله تعالى وقل: "اللهم أن أعوذ بك أن أُشرك بك شيئًا وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم".
قال: "ومنها الفرائض.." التي فرضها الله تعالى علينا بعد الإخلاص، يُقال: من أخلص لله أربعين يوم تفجّرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، لو استمر في الإخلاص أربعين يوم يصير من الحكماء، من العلماء، من الصلحاء يعلمه الله تبارك وتعالى من لدنه.
النصح للعباد فلا يغش مسلمًا
"ومنها: النصح للعباد"، فريضة من الفرائض، النصح لعباد الله، قال ﷺ: "الدين النصيحة"، قال: "فلا يغش مسلماً ، ولا يكتم عنه خيراً يطلبه ولا شيئاً يخاف منه." بل يكون ناصحًا له كما ينصح لنفسه، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، فالنصح لكل مسلم كان يبايع عليه الصلاة والسلام بعض أصحابه الكرام، ويبايعه ويعاهده على النصح لكل مسلم.
فكانوا على ورعٍ واحتياط في النصح للمسلمين، ما يرضون لهم إلا ما يرضون لأنفسهم، من أبعد الناس عن أن يغشّوا أحدًا، أو يكتموا عنه نصيحة، أو يكتموا عنه تحذيرًا من أمرٍ يضرّه ظاهر أو باطن؛ فهذا النصح للعباد، فلا يغشّ مسلمًا، فهكذا كان ﷺ لا يُضمر لمسلمٍ غشًّا ولا ضُرّا، ينصح للإنسان ويفسح في الإحسان، بل هو أنصح الخلق للخلق ﷺ.
فيجب أن نعلم فريضة النصح، "الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللأئمة المسلمين وعامّتهم"
فهذا النصح فريضة من الفرائض يغفل عنها كثير من الناس؛ النصح للعباد؛ "فلا يغش مسلماً، ولا يكتم عنه خيراً يطلبه ولا شيئاً يخاف منه" بل ينبهّه ويحذّره مما يُخاف منه، وينصح له كما ينصح لنفسه، رزقنا الله النصيحة.
طاعة أولي الأمر في غير معصية
قال: ومنها:.." ممّا فرض الله "طاعة أولي الأمر في غير معصية" ومن تولّى أمر المسلمين فمسؤوليته عليه وحسابه على الله تبارك وتعالى، وفي غير معصية يُطاع من قِبل من تولّى عليهم، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق -جل جلاله-، وما لم يكن معصية وَجَب فيه طاعته للأمر حتى لا يصير الناس في فوضى وفي صراعات ونزاعات ومخالفات وتشتتات يفوت عليهم بها خير الدنيا والآخرة -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
وقد تعدّدت الأحاديث فيما ورد، وقال لما قالوا له كأنها وصية مودع يا رسول الله، كأنها موعظة مودّع فأوصِنا، قال: "أوصيكم بالسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبدٌ حبشيّ، وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ"، ثم ذكر عن أمراء قال: "تعرفون منهم وتنكرون"، يأتي منهم بعض ما يوافق الشريعة والإسلام ويأتي أشياء تخالف وتبعد عنها؛ فالمعنى: ما تنكرونه ابتعدوا عنه ولا تأخذوا إلا ما تعرفون، "قالوا: أفلا ننابذهم؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة".
وجاء في الأحاديث: "حتى تروا كفرا بواحًا"، فإذا فعل كفر بواح لا طاعة ويكون الخروج عن ولي الأمر، أما في غير ذلك فلا خروج على وليّ الأمر وإن كان أخطأ أو فَسَق فعليه خطأه وفِسقه، ولكن في غير معصية الله نُطيعه، أما في معصية الله فلا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق جلّ جلاله، لا ولي أمر ولا شيخ ولا أب ولا أم ولا أحد يُطاع في معصية الجبّار الأعلى -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
وهكذا رأينا إرشاداته عليه الصلاة والسلام وقد نصح الأمة خير النصيحة ﷺ، ومضى سلف الأمة وصلحاؤها على ذلك، ومنهم أخيار سادتنا الصحابة، وقد تولّى مَن تولّى عليهم، كمثل يزيد بن معاوية، وما كان من ولاية أمثال الحجاج وغيره، وكان عدد من الصحابة موجودون في ذلك الزمان، وكانوا أبعد عن إثارة الفوضى والقلق، ومع ذلك يُبيّنون ما حَلَّ وما حَرُم، ويَغنمون الأوقات لأداء الأمانة التي كُلِّفُوا بها وأخذوها عن رسول الله ﷺ، وينصحون مَن قَبِلَ النُّصْحَ مِن والي أمرٍ وغيره، ويُعرِضون عن المُعرِض، ولا يُطيعونه في معصية الله -تبارك وتعالى- ولا يخرجون عنه فيما لم تُحرِّم الشريعة ولم يَصِل إلى حَدِّ المعصية عليهم رضوان الله.
والتابعون من بعدهم كأمثال: سيدنا علي زين العابدين، وسيدنا الحسن البصري، وسيدنا سعيد بن جبير، وسيدنا عبد الله بن المسيب، وغيرهم من أئمة وكبار التابعين -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- وكان في وقتهم ولاة يُخالفون في جوانب، ويعصون في أمور، ولم يكن منهم خروجٌ عليهم، ولم يكن منهم إثارة فتنة ولا فوضى بين الناس، ومضوا كما أرشدَت الأحاديث الشريفة، وتابعوا التابعين، وتابع تابع التابعين، وخيار الأمة على مدى القرون وجدناهم على هذا الأمر. أمَّا الكفر البواح الخالص فلهم فيه حجة من الله -تبارك وتعالى- يجب عليهم الخروج عن ذلك الكفر، والمقاتلة للكافرين، والمجاهرين بالكفر والمضادّة للدين، والمضادّة للشرع المطهر المصون. على هذا الأمر مضى خيار الأمة قرنًا بعد قرن وزمنًا بعد زمن.
امتثال أمر الوالدين
"ومنها: امتثال أمر الوالدين" فإن الله قَرَن شكره بشكرهما في قوله: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان:14]، بل قضى بتوحيده والإحسان للوالدين في قوله: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..) [الإسراء:23]، "والأدب معهما في القول والفعل،" وهي من الخصال الحميدة مع ملآءمتها للفطرة وللإنسانية بحقيقتها هي فرضٌ من فرائض الله تعالى على العباد المؤمنين، وهي التي يَتنَكَّر مَن يتنَكَّر لها من الفجار والكفار، ومَن يغترّوا بأقوالهم من بعض غَفَلة المسلمين، فيجهلون أمر البِرّ، وعظمة أمر البِرّ، وفريضة أمر البِر للوالدين، والقيام بخدمتهم وطاعتهم في كل ما لا يخالف الشرع المصون، ورعاية مصالحهم، وآداء الشكر لهم، والدعاء لهم، حتى بسط الله هذا البساط بهذه الصورة الغريبة: (..أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ..) وفوق ذلك كله أيضًا ادعُ لهم في خلوتك (..وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:23-24].
ولمّا حجّ بعضهم بوالدته حملها على ظهره، وكان يتولّى توضئتها وتغسيلها وتطهيرها وأكلها وشربها، وحجّ بها حاملها على ظهره من اليمن إلى مكة المكرمة، وطاف بها ووقف بعرفة، فلقيَ ابن عمر يقول: أتراني أديتُ حقَّ أمي هذه؟ قال: ما عملت؟ قال: حملتها على ظهري من اليمن، وكنت أتولّى شأنها كله، أنظفها وأوضئها وأُغسِّلها وأطعمها وأسقيها وأُلبِسها وأحملها لتطوف وأحملها للسعي، قال: كل ما فعلته ما يساوي زفرةً من زفراتها بك عند الولادة! زفرة من زفراتها عند الولادة بك هذا كله ما يساوي هذا!.. فحقّها كبير، وهكذا حق الآباء والأمهات لمن عرَف القدر.
وقد رفع الله شأن أويس القرني ببرّه لأمه، قام على خدمتها مع أنها كانت مانعة له من الذهاب إلى المدينة ليلقى رسول الله ﷺ، ولكن تحتاج إلى خدمته فما سمحت له فبقي، ولكن الله ما نَسِيَ له ذلك؛ لأنه ما تأخر عن رسول الله ﷺ رغبةً عنه ولا استخفافًا بلقائه؛ ولكن لتعظيم شأن والدته والقيام ببرِّها، فذكره الله لنبيّه محمد ﷺ، وأثنى عليه النبي محمد وأخبر بمنزلته، وقال: يأتيكم أويس بن عامر في أمداد أهل اليمن. قالوا: ومن أويس بن عامر؟ قال: رجلٌ معروفٌ في السماء مجهولٌ في الأرض، له والدةٌ كان بها بَرَّا، ووصفه لسيدنا عمر وسيدنا علي، وقال: إذا أنتما لقيتماه فاسألاه أن يستغفر لكما يغفر الله لكما. وأصل ذكره جاء في صحيح مسلم، ذكره ﷺ وأثنى عليه وقال عنه عليه الصلاة والسلام: "لو أقسم على الله لأبرّه" لأبرّ قسمه، وجاء في الرواية: "إذا كان يوم القيامة قيل له: قف فاشفع، فيُشَفَّع في عدد كربيعة ومُضَر"، أكبر قبائل العرب! منهم ملايين… قال: يُشَفَّع في هذا العدد يوم القيامة.. أويس بن عامر القرني -عليه رحمة الله- لأن بِرّه كان لوجه الله، لا لمجرّد عادة ولا لمجرّد إنسانية؛ ولكن لوجه الله تعالى قام ببِرّ أمه فرفع الله -تبارك وتعالى- قدره بذلك واعتلى قدره.
قال سيدنا عبد الرحمن بلفقيه: ربما يبرّ غيره أمه أو أباه ولكن لأيّ أغراض ما يحصل له ما حصل لأويس! ولكن لمَّا أخلَص هذا القصد وكان لوجه الله ما الذي حصل له من رفعة القدر والمكانة عند الله!.. -عليه رضوان الله-.
حتى لقيّه سيدنا عمر آخر أيام خلافته في آخر سنة حجّها سيدنا عمر ومعه سيدنا علي، وسأل عنه فقال له بعض أهل اليمن: هذا الرجل الذي تقصده إن كان هو الذي تقصده ابن عمّ لي وهو أقل من أن أرفعه إليك، به وبه..! قال له سيدنا عمر: بِك لا بِه! أين يُلتَمَس صاحبكم هذا؟ قال: يرعى إبل لنا حواليّ عرفة؛ قافلة الذين جاءوا للحج يعطونه الإبل يرعاها لهم يعطونه عليها دراهم وهو من يتولّى خدمتها ورعايتها -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-، فخرج سيدنا عمر وسيدنا علي إلى عند عرفة ووجدوه يصلي والإبل ترعى حوله، عرفوه بالأوصاف التي وصفها النبي ﷺ؛ أشهل ذو صهوبة، ذكر لهم أوصافه بدقة: كان به برصٌ فبرأ منه إلا موضع لُمعة تحت منكبه الأيسر، "له والدةٌ هو بها بر" لمَّا سلَّم من الصلاة سلّموا عليه، رَدَّ عليهم السلام وما كان يعرفهم، قالوا: ما اسمك؟ قال: عبد الله، قال سيدنا عمر: عرفنا الخلق كلهم عبيد الله، ما اسمك الذي تدعوك به أمك؟ أمك تُسمّيك مَن؟ قال: أويس، قالوا: ابن عامر؟ قال: ابن عامر! قرني؟ قال: نعم! من مُراد؟ قال: نعم! كانت لك والدة وكنت بَرَّا بها؟ قال: مَن أنتم الذين شَهَر الله لكما حالي؟! قال له سيدنا علي: أمَّا هذا فعمر أمير المؤمنين وأمَّا أنا فعلي ابن أبي طالب، فاهتزّ وقام لهم قائمًا، قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله عن أمة محمد خير الجزاء، مَن ذكرني لكما؟! قالا: رسول الله، قال: رسول الله ذكرني! قال: نعم باسمك واسم أبيك وقبيلتك، بكى.. بكى.. بكى.. سيدنا أويس، وقال: بأبي ونفسي رسول الله! قالا: وذكر لنا أنه كان بك برص فشفاك الله منه إلا موضع؟ قال: نعم، قالوا: أرِنا الموضع اللُّمعة.. رفع لهم وكشفه فوجدوا لُمعة تحت منكبه الأيسر قالوا: ها، هو أنت، استغفر لنا، قال: أنا أستغفر لكم؟! أنت أمير المؤمنين وأنت باب مدينة العلم، صاحبي الحبيب ﷺ أنتم تستغفرون لي.. قالوا: أمَرَنا رسول الله نطلب منك الاستغفار، بكى واستغفر قال: واستغفاري مبذول. وكان بينه وبينهم المحادثة، حتى يقول له سيدنا عمر: إلى أين تذهب بعد الحج؟ قال: إلى البصرة قال: أكتب إلى عاملها؟ قال: لا، أكون في غبراء الناس أحب إليّ، قال: فهذا موعد بيني وبينك الآن هذا المكان، آتي لك بنفقة وكسوة، قال: لا يا أمير المؤمنين، معي أربعة دراهم من رعي الإبل هذه، متى تراني أنفقها؟ وعليّ هذان الثوبان متى تراني أبلِيهما؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويديك عقبةً كاد لا يجوزها إلا المُقلّون، بكى سيدنا عمر وضرب الأرض بالدرّة، وقال: من يأخذ الخلافة بما فيها؟ وددت أنّي أخرج منها كفافًا لا لي ولا عليّ! قال: لا موعد بيني وبينك يا أمير المؤمنين إلا الحوض، إلا حوض رسول الله ﷺ. وودّعهم وانصرفوا، بعد الحج ردّ الإبل إلى أصحابها وسافر عليه رحمة الله ورضوانه. كان بارًّا بوالدته، وقد زرنا مكانه هذا عند قبيلة مراد في قَرَن، ومكان والدته وقبرها هناك. وأما هو فأصحّ الروايات أنّه كان مع سيدنا علي بن أبي طالب وقُتل في صفّين، وله عدة مشاهد في عدة أماكن. وقال ﷺ في حديثٍ عنه: "خير التابعين أويس" ابن عامر. لهذا قالوا هو خير التابعين بالنصّ، فهو كان من أفضل التابعين -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-.
إعفاف الأب إذا احتاج إلى النكاح
قال: "والنفقة على من احتاج منهما، وإعفاف الأب" إذا احتاج إلى النكاح، إما بعجز الأم أو بموتها. فيعفّه أولاده ويزوجونه، بخلاف ما يطرأ على النفوس بأن يقولون أبونا إذا جاء لنا بزوجة أخرى له، فستدخل علينا في مالنا وحالنا، وستشاركنا وسيكون وسيكون… أمثال هذه الوساوس التي تطرأ على النفوس. قل بل إن احتاج الأب إلى الإعفاف وَجَبَ عليهم إعفافه، وأيضًا يكبر هو ويحتاج إلى من يتولّى حاجته ولا ينوب مناب الزوجة أحد من قريبٍ أو من بعيد، فعليهم أن يعفّوه.
"ومنها: تربية الولد وتهذيبه على فعل الخير وترك الشر" وهذه مهمّة من المهمات العظيمة وفرضٌ من الفروض. (..قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا..) [التحريم:6] يقول الله سبحانه وتعالى، وحذّر من الإهمال فيها بقوله: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ..) [التغابن:14]، وهذه التربية ربط قلوب الأبناء والبنات بالرحمن ووحي وتنزيله وبنبيه محمد ﷺ وتعظيمه وتعظيم ما جاء به يحتاجوا إليه كثيرا، ونحتاج إلى رعايتهم حتى لا تتلقفهم أيادي شياطين الإنس والجن فيحرفون أفكارهم ويحرفون أخلاقهم إلى ما يوجب الشقاء، وما يوجب الخسران في الدنيا والآخرة.
"ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" يقول ﷺ.
"والقيام بمؤونته حال ضعفه، وتعليمه ما يجب عليه وما يحرم بعد البلوغ بالاحتلام " يعني: ما الذي يكون وحرام وحلال بعد بلوغه؟ من قبل البلوغ يعلمونهُ من الصغار يجتنب المحرمات.
قال: "والبلوغ -يحصل- بالاحتلام أو الحيض أو استكمال خمس عشرة سنة بالصلاة والصوم إن أطاقه لسبع وميَّز، ويضربه عليهما لعشر" إن أطاق الصوم، وكذلك يضربه على الصلاة وعلى الصوم أن أطاقه بعد العشر السنين تربيةً له وتعليمًا وربطًا بأمر الدين؛ لأن لكل امرئ من دهرهِ ما تعودا.
تربية الولد وتهذيبه
فهذه التربية فريضة من الفرائض التي يجب الإهتمام بها، والاعتناء بشأنها، واستعمال الوسائل النافعة والمناسبة لترسيخ الإيمان في قلوب الأبناء والبنات والزوجات وربطهم بالحق تعالى ورسوله و بالانبياء والمرسلين و بالصالحين من عباد الله، وتنمية استشعارهم للدار الآخرة والبقاء والدوام، فإن الإنسان عرض للتأثر الإيجابي والسلبي، وإذا ضعفت التربية كان التقاط السلبيات له أقوى، والعياذ بالله تبارك وتعالى حتى يضل.
"وكل مولود يولد على الفطرة يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" أي بأسلوب تربيتهما وتعليمهما له وتنشئتهم له؛ ولهذا نُذبنا إلى الآذان في أذن المولود يوم ولادته في أذنه اليمنى وإقامة الصلاة في أذنه اليسرى، ليسمع اسم الله واسم رسوله أول ما يخرج لهذه الدنيا، و لينشأ في باطنه الولاء لله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أصلح الله أولادنا وذرياتنا، قال تعالى في عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان:74].
وقال عن من يتنبه إذا بلغ الأربعين سنة ويعقل ويُدرك: (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ..) [الأحقاف:15] مهتم الآن يأتي له الإهتمام بشأن الأولاد والذرية، وأصلح لي في ذريتي؛ لأن الولد من كسب أبيه ويكون حسنة من حسنات أبيه أو سيئة من سيئاته.
ومن الأولاد من يرفع الله لأبائهم الدرجات به بواسطته الدرجات في الجنة، ومن الأولاد من يكون سبب دخول أبيه أو أمة إلى النار -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
وهكذا عند انتشار الفساد جاء في الخبر: " يأتي على الناس زمان لأن يربي فيه أحدهم جرو كلب خير له من أن يربي ولدا من صلبه" -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
ولكن مع ذلك يبقى الخير في الأمة موجود ومن اعتنى وقام بما يستطيع فإن الله ما يخيبه في أولاده ولا في ذريته، (.. وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أصلح الله أولادنا وبناتنا وأبناءنا وبناتنا وأهالينا وأسرنا، واجعلنا وإياهم من من ترعاهم عين عنايته في جميع الأطوار، وحمانا من شرور الزمان وفتنه وأفاته والأضرار.
صلة الرحم
"ومنها: صلة الرحم" المأمور بها في القرآن، والتي هدد الله سبحانه قاطعها باللعنة، وقال: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22-23]، وفي الآية (..وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد:25].
يصلهم "ولو بالقول الليِّن" ما عنده مال؛ ما عنده استطاعة يضيفهم يعزمهم.. كلام طيب زيارة لهم، "وهم: كل قريب من جهة الأب أو الأم" هو من أولي الأرحام، قال تعالى: (..وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ..) [الأحزاب:6].
ومن الناس من يتعدى بصدقته أرحامه ويعطيها أناس بعيدين، والمتعدى بالصدقة كمانعها، ما دام محتاج من قرابتك ومن ذوي رحمك فهم أولى بصدقتك وأولى بالإحسان إليهم من غيرهم من الناس، "والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة" يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ولما استشاروه بعض أصحابه في مزرعة له مال يرد أن يتصدق بها، قال: إني أرى أن تجعلها في الأقربين. قسمها على أقاربك وأعطهم إياها.
ولما أرادت أن تتصدق زوجة سيدنا عبد الله بن مسعود قال لها: أنا وولدك هذا محتاجون ما عندنا شيء، ونحن أولى من تصدقت عليه، فإن تصدقت على أي أحد لك ثواب؛ لكن علي وعلى ابنك ثوابك أحسن وأكثر وأولى؛ فذهبت للنبي تسأله حتى دخل بلال على الرسول ﷺ يقول له: زينب تستأذن، قال: أي الزيانب؟! قال: امرأة بن مسعود، قال: إِئذن لها، فدخلت. قالت: يا رسول الله إني أردت أن أتصدق فزعم عبد الله - يعني بن مسعود - أنه هو وولده أحق مَنْ أتصدق له، قال: صدقَ عبد الله، هو وولده أحق من تصدقت عليه، رجعت قالت: خلاص النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، قال: خذه.
وقال: "صلة الرحم ولو بالقول الليِّن؛ وهم: كل قريب من جهة الأب أو الأم."
مؤونة الزوجة بالمعروف
"ومنها: مؤونة الزوجة بالمعروف نفقة وكسوة وسكن كما يليق بها،.." بها وتعليم بالعرف والمعتدى وتعليم بالعرف والمعتدى وتعليم بالتوسط الأمور "وتعليمها أحكام الزوجية والحيض والنفاس وانقطاعهما، ومعاشرتها بالمعروف وهي كذلك.." ومعاشرتها هي له بالمعروف كذلك، فرض من الفرائض أن يعاشر زوجته بالمعروف، وفرض على الزوجة أن تعاشر زوجها بالمعروف، ويتجنبون إثارات النفوس والضغائن وكل ما يُسيء أو يُؤدي إلى التباعد والتنافر "وألّا تُدخل بيته من يكرهه، ولا تخرج منه إلّا بإذنه، وأن تطيعه فيما أمر ما لم يكن معصية، ولا تمتنع منه" إذا دعاها إلى نفسه "ولو على التنور" أي.. مشتغلة بالخبز تخبز على التنور فدعاها توقف مهمتها لتؤدي حق زوجها، بذلك تنتظم الأسر والمجتمعات، وتندفع الشرور بأصنافها وأنواعها (..وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ..) [البقرة: 228].
وقد كان يقول ابن عمر أني أحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي. وهكذا فيما أقام الحق سبحانه وتعالى من المعروف وحث عليه من الخير، حتى قال نبينا: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ففي ذلك من الخير الكبير ما يوجب حسن المصير.
مؤونة المملوك نفقة وكسوة
قال: "منها مؤونة المملوك نفقة وكسوة.." وكذلك مملوك إما من الناس الأرقة، أو مملوك من الحيوان ما ملكهم الحيوانات، واجب عليه أن يحسن نفقته وأن لا يحمله فوق طاقته وعلى المملوك الطاعة لسيده فيما يطيق والأدب معه قولًا فعلًا.
وقال رضي الله عنه وعنكم:
"ومنها: إنظار المعسر وإجابة دعوة العرس إلّا لعذرٍ.
ومنها: الشفقة على المؤمنين، وصحبة المحسنين منهم، وللقريب والجار والصهر والصديق والشيخ والعالم آكد، ويتعيَّن الأدب معهما.
ومنها: المشي على قانون الشرع في المعاملات؛ كالبيع والإجارة والرهن وغيرها.
ومنها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المقطوع به.
ومنها: توفية ما نذر به من طاعة.
ومنها: الصبر على ما قضى الله، فلا يظهر الجزع والشكوى منه.
ومنها -وهو أهمها-: التوبة بالندم على ما فعل من الذنوب، وتركها، والعزم على ألّا يعود، وإرضاء الخصوم عمَّا جناه في نفس أو مالٍ أو عرضٍ، وتجديدها كلَّما أذنب.
ومنها: ردُّ السلام على من ابتدأه به إلا من شابّةٍ على أجنبي.
ومنها: الختان على مَنْ بلغ بغير ختانٍ من ذكر أو أنثى ، وقبل البلوغ سُنةٌ من وليِّه إن قوي له".
إنظار المعسر
"إنظار المعسر من الفرائض.". من له دين على أحد فأعسر ذلك المستدين؛ أعسر أي: افتقر ولم يجد ما يسد به الدين، فقال تعالى: (إِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ..) [البقرة:280]، يجب عليه ينظره حتى يسر الله عليه ويأخذ منه، وهكذا هذا إنظار المعسر.
وأما المُوسر: فيجب عليه إذا حَلّ الدين أن يؤديه وأن مُطل الغني ظلم، مماطلته وتأخيره من الظلم ولا يجوز له.
وكان بعض بني إسرائيل كما أخبر ﷺ له مال وتجارة وكان يأمر وكلاؤه يقول لهم: انظروا المُوسر- ليس المُعسر.. المُوسر- ما تلحون عليه خلوه براحته يقضي الدين، وتجاوزوا عن المُعسر لعل الله يتجاوز عنا، أما المُعسر الفقير فيحتاج إلى أن يُتجاوز عنه، حتى يتجاوز الله عنا. وقال: وتجاوزوا عن المُعسر لعل الله يتجاوز عنا، وكان مسرفا على نفسه فلما مات وقف بين يدي الله سبحانه وتعالى فسأله، فقال: يا ربي إنك تعلم أنه كان لي وكلاء؛ وإني كنت أمرهم أن ينظروا الموسر ويتجاوزا عن المُعسر، قال الله: صدقت في هذا أنا أولى بالكرم منك فقد تجاوزنا عنك، فتجاوز الله عنه لما كان يتجاوز عن الناس، وغفر له جميع ما بينه وبينه سبحانه وتعالى، لا إله إلا الله.
الشفقة على المؤمنين وصحبة المحسنين منهم
"الشفقة على المؤمنين ، وصحبة المحسنين منهم"؛ لأن إحسانهم يسري إليك كما أن صحبتك للمسئين يسري إساءتهم إليك؛ فتصير من المسيئين.
"وللقريب والجار والصهر والصديق والشيخ والعالم آكد" يتأكد عليك إحسان الصحبة لأهل الإحسان وللقريب والجار والصهر والصديق والشيخ والعالم ثم جميع المؤمنين بعد ذلك.
"الشيخ والعالم آكد، ويتعيَّن الأدب معهما"، الشيخ والعالم: الشيخ الكبير السن والعالم بالشرع المصون،
"ومنها: المشي على قانون الشرع في المعاملات كالبيع والإجارة والرهن وغيرها"، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50]، وما يوضع من الأنظمة لذلك في شرق الأرض أو غربها ما خالف الشرع منه يجب أن يرد، ويجب أن يبعد ويجب أن لا يقبل، وما وافق الشرع المصون كان ذلك مقبولًا عند المؤمنين.
المشي على قانون الشرع في المعاملات
فـ"المشي على قانون الشرع في المعاملات؛ كالبيع والإجارة والرهن وغيرها"؛ من أنواع المعاملات الأمة محتاجة له، حتى الكفار محتاجون إليه؛ لأنه أجمل وأكمل وأفضل. وما يقع من مخالفاتهم وإباحتهم للربا وغيره إلا الأزمات والمشاكل والآفات كما هو حاصل لهم، وفي أحوالهم.
فيجب الرجوع إلى منهج الله وتعظيم منهج الله جل جلاله وتعالى في علاه، وإصرار أرباب الكفر وأرباب الجمع للمال من الحرام على المعاملات الفاسدة؛ لأنهم غلبتهم نفوسهم وأهواؤهم ولا يريدون إظهار الحقيقة للناس، وإلا فكم قامت من مطالبات حتى من الكفار بتجربتهم النظام الحق -تبارك وتعالى- وإقامة الشرع فإنه الإشتراكية والرأسمالية؛ كانا النظامان الأظهران الأشهران في العالم لتسيير شؤون المال وكلاهما فشل، وكلاهما سقط؛ ولا بقي إلا منهج الله تعالى يجب أن يرجع إليه فهو خيرٌ للمسلمين ولغير المسلمين.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
"ومنها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المقطوع به"، معنى المقطوع به: المجمع عليه، وهذا إذا أراد أن يأمر على العموم وينهى عن العموم؛ فحينئذ لا ينهى إلا عن ما أجمع عليه من المنكرات، أما ما اختلفت فيه المذاهب المعتبرة وما اختلف فيه اجتهاد الأئمة المؤهلين فلا سبيل للإنكار فيه، وإنما يكون الإنكار على المقطوع به على وجه العموم، أما على وجه الخصوص من أهل مذهبه وإرشادهم إلى ما تقرر في المذهب وما إلى ذلك فهذا من الأمر الحسن.
كذلك الأمر بالسنن من مسنون والنهي عن المكروهات مسنون، ولكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض من الفروض يترتب عليه صلاح الناس في دينهم ودنياهم.
توفية ما نذر به من طاعة
"ومنها: توفية ما نذر به من طاعة" قال تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) [الإنسان:7]؛ وكل ما نذره من المسنونات والمندوبات يتحول إلى فرض وواجب عليه؛ بسبب النذر.
"ومنها: الصبر على ما قضى الله" -سبحانه وتعالى- به فذلك فرض من الفرائض ويقضي ما شاء كما شاء -جل جلاله-
ألا يا صاح يا صاح *** لا تجزع ولا تضجر
وسلم للمقادير *** كي تحمد و تؤجر
وكن راض بما *** قدر المولى ودبر
ولا تسخط قضا اللَه *** رب العرش الأكبر
وكن صابر وشاكر *** تكن فائز وظافر
ومن أهل السرائر *** رجال اللَه من كل ذي قلب منور
مصفى من جميع الدنس طيب مطهر
وإن الرضا بقضاء الله يوجب رضا الله عن عبده، ويوجب له الفوز الأكبر وقد رضينا بما قدر الله وبما قضى الله -سبحانه وتعالى-، ونسأله اللطف والعفو والعافية، والتوفيق لما يحب.
"فلا يظهر الجزع والشكوى" من الحوادث التي تحدث له والنوازل التي تنزل به؛ ولذا يقول الله للملائكة إذا أمرض عبد من عباده انظروا ماذا يقول لعواده؟ قال: فإن هو حمد الله -تبارك وتعالى-، قال: ولم يشكني إلى عُوَّادِه؛ تكفلت له يقول الله في الحديث القدسي: "إن توفَّيتُهُ أن أدخلَهُ الجنَّةَ وإن أنا شفيتُهُ أن أبدِّلَهُ لَحمًا خير مِن لحمِهِ ودمًا خيرًا من دمِهِ.." ويحيا الحياة طيبة؛ إذا لم يتبَرَّم بقضاء الله، قال الله تعالى: "ولم يشكني إلى عُوَّادِه" يشكو ربه للعوادين يأتون يعودونه؛ تعبت كذا وحالي كذا؛ ولذا وجدنا كثير من المتأثرين بتربية الصالحين مهما كان به من شدة وحالة أول ما تسألون حالهم يقولون الحمد لله.. الحمد لله! كل أمر أهون من أمر، وعند الله الخير والحمد لله، وهكذا أدبًا مع الله -سبحانه وتعالى- "فمَن رضِيَ فله الرِّضا، ومَن سخِطَ فله السُّخطُ".
التوبة وهي أهمها بالندم على ما فعل من الذنوب
قال: ومن الفرائض المهمة بل "أهمها: التوبة" التوبة من جميع الذنوب، يقول الله تعالى: (..وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا..) [التحريم:8]،
قال: "بالندم على ما فعل من الذنوب وتركها،" -لا إله إلا الله-. وبترك تلك الذنوب "والعزم على ألّا يعود، وإرضاء الخصوم عمَّا جناه في نفس أو مالٍ أو عرضٍ، وتجديدها كلَّما أذنب" هذا فرض من الفرائض، وبعد ذلك التوبة من المكروهات والشبهات مسنونة. والتوبة من ترك المندوبات والمستحبات.
رد السلام على من ابتدأه به
"ومنها: ردُّ السلام على من ابتدأه به" لقوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ ..) [النساء:86]؛ فواجب الرد الابتداء بالسلام سنة والرد واجب، إلا إذا كانت شابة سلم عليها أجنبي فيجوز إلا ترد، بل يلزمها بل بحث الفقهاء حُرْمًت ردها للسلام إذا كانت تخشى من رد السلام التفات النظر؛ والتفات الشعور إلى الشهوة المحرمة؛ فلهذا ما تُبتَدَأ الشابة بالسلام ولا يرد عليها السلام لو سلمت ولو سلم عليها مسلم أجنبي لم ترد عليه السلام إلا مع الأمن من الفتنة.
الختان على مَنْ بلغ بغير ختانٍ
قال "ومنها: الختان" عند أكثر أهل العلم على من بلغ بغير ختان؛ أو أسلم وهو غير مختون من ذكر أو أنثى؛ والخلاف في الوجوب على النساء أكثر، وبين فقهاء الشريعة.
"وقبل البلوغ سُنةٌ من وليِّه" الولي أن يتولى ختان ابنه أو بنته في صغرهما.
وذلك "إن قوي له" فهو أولى وأفضل فأفضله أن يكون يوم السابع وفيه منافع، واختلفوا في وجوبه بالنسبة للذكر واختلفوا أكثر بالنسبة للأنثى؛ ففي الأمر أيضًا سعة، وهو من الواجبات التي قال بها كثير من من أهل العلم بالنسبة للرجال أكثر، وبالنسبة للنساء قال بها بعض أهل العلم من حيث الوجوب.
أما من حيث المشروعية والسنة فمتفقون عليها جميع علماء المسلمين من عهد الصحابة والتابعين كلهم متفقون على مشروعية ذلك واستحبابه؛ وإنما الخلاف في الفرض هل هو فرض أو هو سنة من السنن؟ وفيه فوائد كثيرة صحية كان يتحدثون عنها بما يكتشفون من خلال التجربة واستعمال الأجهزة؛ حتى بدأت بوادي لبعض دعاة الشر على ظهر الأرض لأجل أن يوفروا أسباب الوقوع في المحرمات، وعادوا الختان خصوصًا للبنات فأخفوا جميع الأبحاث التي كانوا قد نشروها في صُحُفِهِم ومجلاتهم في ما قبل عشرات السنوات ونَشَرُوا فيها فوائد ختان المرأة وفوائد ختان الرجل الصحية المادية من قبل المختبرين الكفار؛ وقد كانوا نشروا ذلك ثم لما رأوا أن فيه معونة على العفاف وهم يريدون غير العفاف! عدوا الختان جريمة ويُجرمون عليه ومنعوه من المستشفيات إلى غير ذلك، وأخفوا جميع ما كانوا يكتبوه، ومنعوا أن يتكلم أحد به بتجربته ولا بعلمه بالأمر؛ كما فعلوا في بقية القضايا.
فدعاة الشر على وجه الأرض لا قانون لهم ولا ملة ولا صدق عندهم ولا إنسانية معهم ولا قيمة لهم -والعياذ بالله تعالى-، فالمجنون الغافل من يصدقهم ومن يجعلهم له قدوة؛ ومن يجعلهم له أسوة؛ وهم أحقر عند الله -تبارك وتعالى- من القردة والخنازير لا قدر لهم عند الله أولئك (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:44]. إنما يصدق الأمناء؛ إنما يصدق الأتقياء؛ إنما يصدق المخلصون، هم الذين يصدقون في التجارب وغيرها، وأما هذا يوم يقول كذا؛ ويوم يقول كذا، من أجل مصلحة بعض الشركات كذبوا على الناس وأنه يضر الناس شحوم الحيوانات؛ ويجلب لهم ما يجلب لهم من أنواع الأمراض، وبعد خمسين سنة يكتبون أن هذا الغلط وأنه كان من أجل الشركة الفلانية والشركة الفلانية، وأن الأمر الزيوت المهدرجة هي التي تضر وهي التي جعلناها بديل فيما مضى من الأزمنة ما يؤمنون لا على الصحة؛ ولا على عرض؛ لا يوجد أمانة عندهم ما توجد أمانة عندهم، تأمن من؟! وبعدين! تتخذهم قدوة؟! محمد القدوة، محمد الأسوة، محمد ﷺ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والعباد الصالحون نعم القدوة هم؛ وما كل ما جابوا لك نشرة وتتبعهم عليها وهم من أعداء الله وأعداء الرسول وعداء الإنسانية فيهم من يكونوا كذلك.
وفي الأوقات الأخيرة في وسط ألمانيا لما قدمت باحثة محاضرة في بعض الجامعات أن تكوين الإنسان بحكم البراهين المادية الحسية، ما يتأتى إلا جنس ذكر وأنثى وما يتأتى غير ذلك، مُنعت المحاضرة وهُددت المرأة -كافرة- أن أظهرت بحثها أو تكلمت عليها أن يكون له وأن يكون لها، لا أمانة لهم، ما يؤمنون لا على علم؛ ولا على صحة؛ ولا على عرض؛ ولا على دين؛ ولكن نشأ فينا جيل يصدق الفجرة والكذبة، ويُشك في كلام الله ويُشك في كلام رسوله ويُشك في كلام الصالحين.
خاتمة الدرس
والله يحول أحوال المسلمين إلى أحسن حال ويدفع عننا البلايا والأهوال، ويحول الأحوال إلى أحسن حال، اللهم يا محول الأحوال حول حالنا والمسلمين إلى أحسن حال، وعافنا من أحوال أهل الضلال وأنقذ الأمة كلها، وأنقذ البشرية كلها من الظلمات والآفات، وموجبات الردى هنا وغدًا برحمتك يا أرحم الراحمين وجودك يا أجود الأجودين.
بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه..
الفاتحة
13 جمادى الأول 1445