(536)
(236)
(575)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لكتاب صلة الأهل والأقربين بتعليم الدين للإمام عبدالله بن حسين بن طاهر رحمه الله، ضمن ضمن دروس الدورة العلمية في موسم شهداء مؤتة الأبرار رضي الله عنهم لعام 1445هـ - الأردن
ليلة السبت: 11 جمادى الأولى 1445هـ
لتحميل كتاب (صلة الأقربين) pdf:
الرابع:قراءة (الفاتحة) وسُنَّ قبلها دعاء الاستفتاح في أول ركعة، والتعوذ كل ركعة ، وبعدها (آمين) وقراءة شيء من القرآن وسورة أفضل ، والجهر في موضعه.
الخامس:الركوع بحيث تصل راحتاه ركبتيه، ويُسنّ أخذهما بهما، ومد ظهره وعنقه كالصفيحة الواحدة، ويقول: (سبحان ربي العظيم) ثلاثاً.
السادس:الاعتدال إلى أن يعود إلى ما كان عليه قبله، ويُسنّ أن يرفع يديه لهُوِيَه للركوع مكبراً ولرفعه منه قائلاً: (سمع الله لمن حمده) فإذا اعتدل… قال: (ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد).
السابع:السجود مرتين على بعض جبهته مكشوفاً ، على غير متصل به يتحرك بحركته، مع التثاقل والتنكيس، وعلى بعض بطن يديه وأصابع رجليه وركبتيه ، وسُنَّ وضع أنفه والتخوية والمجافاة للرجل ، ويقول: (سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً.
الثامن:الجلوس بين السجدتين ، ولا بد من الطمأنينة في هذه الأربعة ، وسُنَّ أن يقول : (رب اغفر لي وارحمني ، واجبرني وارفعني ، وارزقني واهدني ، وعافني واعفُ عني)
التاسع: التشهد الأخير
العاشر:القعود فيه
الحادي عشر:الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده.
الثاني عشر:السلام ، أقله (السلام عليكم) وسُنَّ زيادة (ورحمة الله) وتسليمة ثانية
الثالث عشر :الترتيب كما ذكرناه ، فلو خالف ... .. لم تصح.
ويُسنُ التشهد الأول في غير الصبح ، والقنوت فيه ، والتكبير للانتقالات ، ونظره موضع سجوده ، وقبض اليمين على كوع اليسار في قيامه ، وجلسة الاستراحة ، والافتراش في كل جلسة إلا للتشهد الأخير فيتورك، ووضع اليدين قريباً من الركبتين مبسوطة مضمومة، ويقبض في التشهدين ما سوى المسبحة من اليمنى ويضم الإبهام إليها ، وأن يصلي إلى شاخص أقله ثلثا ذراع لا يبعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع ، فإن لم يجد .. بسط مصلى، ويحرم المرور حينئذ بين يديه.
ويُسنّ الخشوع وحضور القلب وهو لبُّ الصلاة وسرها ، وأن يصلي أول الوقت وفي جماعة، والدعاء في آخرها وبعدها.
ويُكره فيها الالتفات ، والنظر إلى السماء أو إلى شيءٍ يلهيه ، ومع مضايقة الحدث، وتوقان الطعام.
ومن شكَّ في عدد الركعات .. أخذ بالأقل، أو في فعل ركن .. أتى به وسجد للسهو إلا أن يكون قولياً.
الحمد لله ونسأله أن يتقبل منّا زيارتنا للنبيّ شعيب واجتماعاتنا للتفقه في الدين والتعرض لرحمَاته ونفحَاته وأن يكتبنا في المقبولين الموفقين، الحمد لله الذي أكرمنا بشريعته ودينه وبلاغها على لسان عبده وحبيبه وأمينه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين والنبي شعيب وجميع أنبياء الله ورسل أحبهم وتأمينهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وقد ذكر الشيخ لنا من أركان الصلاة النية وتكبيرة الإحرام والقيام في الفرض ويذكر:
الركن الرابع: قراءة الفاتحة
وهو كذلك عند جُمهور العلماء في كل ركعة، لقول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "لَا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ."، ففاتِحةُ الكتاب واجبة في كل ركعة من ركعات الصَّلاة، وهي كذلك عند الجمهور وإن كان هناك خلاف ضعيف فيما يتعلَّق بالرَّكعة الثالثة والرابعة.
وفي تعيين الفاتحة في الركعات كلها، كذلك قول أبي حنيفة عليه رحمة الله أنه يُجزِئ ثلاث آيات فأكثر من أي سورة من سور القرآن الكريم، وفسروا علّة قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ) [المزمل:20]، وقالوا إن القراءة الواجبة لا تكون إلا في الصلاة فيُقرأ ما تيسر، واستدلوا بحديث قوله ﷺ: في المسيء صلاته "ثُمَّ اقْرَأْ بما معكَ مِنَ القُرْآنِ" ولكن الغالب أن ما معه من القرآن لا يخلو عن الفاتحة فإن الذي اعتاده المسلمون من عهده ﷺ فما بعد ذلك في القرآن أن يُقدموا تعلُّم سورة الفاتحة على أي سورة أخرى، وعلى أي شيء من القرآن آخر يأخذونه.
والفاتحة أعظم سور القرآن، كما أنّ آية الكرسي أعظم آيات القرآن، فأعظم الآيات آية الكرسي؛ من واظب عليها بعد كل صَلاة لم يكن بينه وبين الجنة إلا أنْ يموت، وتولّى الرَّحمن قبض روحِه بيده، وكان في ذِمَّة الله من الصَّلاة إلى الصَّلاة الأخرى. هذه أعظم آية وهي آية الكُرسي.
أما أعظم سورة فهي سورة الفاتحة، أعظم سور القرآن. وقد جمع الله فيها أسرار القرآن، وهي من أعظم الوسائل إلى الله، تلاوة القرآن وسيلة إلى الله في إنجاح المطالب ودفع البلايا والآفات، والفاتحة أعظم سور القرآن فيا حبذا أن يتوسل بها في قبول أي دعاء، في جلبِ أي خير ودفع أي ضر.
قال ﷺ لسيدنا أبي سعيد الخدري: "وما يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ؟" وما الذي أدراك أنها رقية؟!، وكان رقى بها ملدوغًا لدغته حيّة، فقرأ الفاتحة ثلاث مرات وكل مرة يجمع ريقه بعد القراءة ويضَعه على محل اللسعة فقام كأنما نُشط من عقالٍ ولم يكن به شيء، فقال ﷺ وقد أعطوهم ثلاثين من الغنم مقابل الرُّقية قال: "ما يدريك أنها رقية، كلوا واضربوا لي معكم بسهمٍ فمن أكل برقية باطل فقد أكَل برقية حق"ﷺ.
والفاتحة يجب أن يراعي حروفها ولا ينقص حرفا من حروفها، والنّطق بالضاد لا بالظاء في قول: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:7] هو الأولى والمُجمع على صحته.
يقول: قراءة الفاتحة وتسقط لمن جاء والإمام راكع، فإذا أحرم وكبّر ركع مع الإمام وأدرك الركعة -إذا اطمأنَّ مع الإمام- وتسقط عنه قراءة الفاتحة.
أدعية الاستفتاح بالصلاة وشرح معانيها
يقول وسُن قبلها دعاء الاستفتاح في أول ركعة، وهو الدعاء الذي تفتتح به الصلاة بعد تكبيرة الإحرام هذا يسمى دعاء الافتتاح، وقد وردت فيه أدعية عن النبي ﷺ عديدة، من أعظمها دعاء التوجه وهو:
قال الإمام حسن بن صالح البحر الجفري عليه رحمة الله: "إنَّ صَلاتي" صِلاتي من رحمتِه "ونُسُكي" جميع عِبادتي وطاعتي "ومَحيايَ" تعلقي بأوصاف جماله "ومَماتي" فنائي بشهوده وفنائي عن شُهودي ببقاءِ وجُوده -جل جلاله- "للَّهِ ربِّ العالمين" هو الذي يتفضّل بذلك، هذا دعاء.
فواحد من هذه الأدعية قال الشافعية أفضلها دعاء (وجَّهتُ وجهِيَ للَّذي فطرَ السَّماواتِ والأرضَ).
قال: دعاء الاستفتاح في أول ركعة والتعوذ -قبل قراءة الفاتحة في- كل ركعة، وقيل في الركعة الأولى فقط، قال أهل العلم:
والأصل فيه قول الله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98] فيتعوّذ، والتعوُّذ يقوله سِرًّا بالاتفاق سواء أن كان إماما أو مأموما في الجهرية أو السريّة . وإنما الخلاف في البسملة، أيجهرُ بها أم يُسرّ؟ وكله وارد، وكله في اجتهادات الأئمة المُعتبرين في فقه شريعة الله تبارك وتعالى.
كذلك قول آمين؛ آمين اسم فعل أمر، فالمعنى استجب ياالله واجعل الأمر كذلك. وهذا ليس من الفاتحة وليس مِن القرآن "آمين". ولكنه نداء للرب تعالى أن يستجيب، وهو سنة، قال ﷺ: "فإذا قالَ الإمامُ: [وَلَا الضَّالِّينَ] [الفاتحة: 7] فَقُولوا آمِينَ".
وجاء في بعض الروايات أنه يؤمّن خلفه الصحابة حتى يرتج المسجد بتأمِينهم، فهي أيضا سنة عند جماهير أهل العلم، أن يقول بعد إكمال الفاتحة "آمين". إن كان مأمومًا بعد فاتحة إمامه وبعد فاتحة نفسه، وإن كان مُنفردًا فبعد فاتحة نفسه يقول "آمين"، أي: استجب يا الله.
قال: وقراءة شيء من القرآن، من بعد الفاتحة من غير الفاتحة سنّة في الركعة الأولى والركعة الثانية، وقيل في الثالثة والرابعة، والذي عليه أكثر أهل الفقه أنه سُنّ أن يقرأ سورة أو شيء من القرآن غير الفاتحة في الركعتين الأوَّليين، في الأولى والثانية بعد الفاتحة، قالوا: سورة أفضل من بعض سورة، ولو كان بعضه أطول. فيقرأ سورة كاملة أفضل.
وقراءة بعض السورة جائز، والذي ورد عنه ﷺ أنه يقرأ سورة من القرآن، إلا أنّه ورد أيضًا أنه قد يقسم السُّورة بين الركعتين الأولى والثانية، وفي الغالب يقرأ سورة كاملة في الركعة الأولى، وأخرى في الركعة الثانية، صلى الله عليه وعليه وصحبه وسلم.
وأكثر قراءته مِن المفصّل من القرآن من سورة الحُجُرات وما وراءها، وقيل من سورة ق وقيل غير ذلك، وقد يقرأ من غير ذلك ولم يكن يهْجُر شيئا من القرآن صلى الله عليه وعلى وصحبه وسلم.
قال: والجهر أيضًا من السنن، أن يجهر بالفاتحة وبالسُّورة في موضعِ الجهر وهو؛
فهذا موضع الجهر، يجهر بالفاتحة الإمام، وكذلك المنفرد، أمّا المأموم فلا. أما المامون فعند بعض الأئمة لا يقرأ شيئًا أصلًا، وعند الشافعية والحنابلة ومن وافقهم، يقرأ سورة الفاتحة ولكنَّه بصوتٍ خفي لا يُسمع الا نفسه.
والجهر للإمام وللمُنفرد؛ المنفرد بحيث يسمعه من بقربِه، والإمام؛ بحيث يسمعه من خلفه من المصلين قلّوا او كثروا، وهذا الجهر في موضعه سنّة، فلو أسرّ ولم يجهر صَحَّت الصَّلاة، ولكن فاتت سُنة الجهر بالقراءة.
الركن الخامس: الركوع
وهو منْزل من منازل القُرب من الرحمن، فيْه التَّذلُّل.
الرّكوع؛ أن ينحني المصلي القائم بحيث تنال راحتاه رُكبتيه.
ركوع القاعد: فإن كان المصلي يصلي قاعدا؛ فالرُّكوع أن ينحني بحيث تخرج جبهته عن حدود ركبتيه، وأولى أن يَتقدم حتى يقرُب محَاذاة جبهته لموضع سجوده، من دون أن يرفَع عَجِيزَته، هذا ركوع القاعد.
ركوع القائم: بأن ينحني حتى تصل راحتاه إلى ركبتيه، أي يمكنه وضع الراحتين على الرّكبتين، فلا يكفي الانحِناء اليَسير، بل لابد أن يكون بحيث تصل راحتاه إلى الرُّكبتين ويُسنُ وضعهما على الركبتين ولا يجب، ولكن الانحناء واجب، ولايصحُّ بالانخِناسِ ولو وصَلت الرَّاحتان الى الرُّكبتين، وهو أن يقدم رُكبتيه و يُطَأطئ عَجيزته فيَنخنس فتَصل الرّاحتان إلى الرّكبتين.. ليس هذا المُراد، ولكن يتبقى رجلاه مُستقيمتان كما هما في القيام ويَنحني بظهره فقط، بحيث تَنال راحتاهُ ركبتيه. وأما أن ينخَنِس إلى الوراء ويُقدم الرُّكبتين، فهذا يُمكن أن يصل الرّاحتين إلى الرُّكبتين بسهولة وليس هذا الركوع، فمن شرط الرُّكوع أن يكون بغيرِ انْخِنَاس.
قال: الرُّكوع بحيثُ تصِل راحتاه ركبتيه، ويُسن أخذهما؛ اي أخذُ الرّكبتين، بهما؛ اي بالراحتين، مفرّق الاصابع ومدُّ ظهره وعنقه حتى يصير كالصّحيفة الواحدة، لا يرفع رأسه كذا ولا ينزله كذا، ويجعل الظهر كله مُستوي مع الرّاس كأنه صحيفة واحدة، فهذا هو السُّنة. ولا ينبغي أن يرجع ايضا الى الخَلف برجليه إلا بمقدارِ الضّرورة وإلا فيُبقى الرجلان على ما هما في القيام وإنما ينحني بظهره فقط.
ويقول: "سبحان ربي العظيم". فإنّه لما نزل قول الله (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة:96]، قال ﷺ: "اجعَلوها في رُكوعِكم"، فيُسنّ في الرّكوع التّسبيح "سبحان ربي العظيم"، ولما راقبَ بعضُ الصّحابة ركوع النبي ﷺ في تهَجُّده، إذ يَركع طويلا ويُكرر "سبحان ربي العظيم" إلى عشرين وثلاثين وأربعين مرة وخمسين مرة.. يُكرر، "سبحان ربي العظيم" ﷺ، يُطيل الرّكوع ويكرر "سبحان ربي العظيم" وفي رواية "سبحان ربي العظيم وبحمده"، في رواية بعد الثالثة، وفي رواية بعد كل واحدة، وأما كونه "ثلاثا" فهذا للإمام إذا كان إمام جماعة غير محصورين فلا يزيد على الثلاث، فأما المُنفرد وإمام الجَماعة المَحصُورين الرّاضين بالتَّطويل فيزيدُ فوق الثّلاث، فيُسبّح خمسا أو سبعا أو تسعا أو إحدى عشر وهو أكثرُه.
ويقول فيها: "سبحان ربي العظيم"، أي؛ أنَزِّه وأقَدِّس ربّي الذي تولّانِي وربَّاني وملَكني -جل جلاله- العظيمُ في ذاتِه وصِفاته سُبحانه وتعالى، وبحمده أي؛ مع حمدي له "سبحان ربي العظيم وبحمده".
الركن السادس: الاعتدال
وهو لغةً: الاستواء والاستقامة. والمراد أن يعود الراكع إلى ما كان عليه قبل الركوع، هذا الاعتدال. فمن كان قائما قبل الركوع يرجع قائما، ومن كان جالسا يعود إلى انتصاب ظهره جالسا بعد الركوع، فهو عود الراكع إلى ما كان عليه قبل الركوع يقال له اعتدال.
ويُسنّ أن يرفع يديه لهُوِيَه للركوع مكبراً ولرفعه -من الركوع- منه قائلاً: (سمع الله لمن حمده) فإذا اعتدل أي انتصب فقار ظهره، قال: (ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد) وجاء في الرواية: "ربنا لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه".
وجاء في صحيح البخاري أن رجلا دخل يصلي مع النبي ﷺ -أعرابي- فلما رفع النبي رأسه من الرّكوع رفع الأعرابي رأسه من الركوع، قال النبي "سمع الله لمن حمده" قال الأعرابي: "ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه" فلما سلم النبي قال: مَن المُتكلم بهذا؟ قال: أنا يا رسول الله، "قال: لقد عجبتُ لها، لقد رَأَيْتُ بضْعَةً وثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أوَّلُ" تبادروا إلى هذه الكلمة، قال الإمام ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري: "وفي هذا دليل إحداث ذكر، ودليل رفع الصّوت بالذّكر، فإن الأعرابي رفع صوته ولم ينكر عليه ﷺ، والأعرابي أحدث الذكر من عنده ولم ينكر عليه ﷺ، بل أقرَّه وأخبره أنَّ ملائكة تبادروا يكتبون الكَلام، بضعة وثلاثين ملكًا كلهم تَبادروا يكتبون هذه الكلمات ليَعرِضُوها على الله -جل جلاله وتعالى في علاه-، رزقنا الله حقيقة الصّلاة والخُشوع في الصّلاة والقبول في الصّلاة.
قال: "ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مُباركا فيه" يعني؛ ينمو ويزداد أبدا، ملأ السماوات وملأ الأرض لو قسم ملأ السماوات وملأ الأرض، وملأ ما شئت من شيء بعد؛ من العرش والكرسي والجنة وغير ذلك من خلق الله تبارك وتعالى، هذا ما يتعلق بالاعتدال.
الركن السّابع: السُّجود مرتين
قال، أي في كل ركعة، ففي كل ركعة سجدتان، السجود مرتين، والسجود من أعظم أركان الصّلاة، وسَمعنَا في الحَديث قولَ نَبيِّنا: "أقربُ مَا يَكونُ العَبدُ مِن ربِّه وهو سَاجد"؛ لأنّه إعْلانٌ للخضوع والتذَلل، وضعٌ للجَبهَةِ -أشرفَ الأعْضاء- على مَمَرِّ الأقدَام وعلى الأرضِ تَواضُعا وتَذلُّلا لله -جل جلاله-.
هذا السُّجود بمَا فيه مِن الخُضوعِ والتَّذلل يقربُ به العبدُ مِن مولاه، قال الله تعالى في علاه لنبيه: (فاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق:19]، قال بعضُ العَارفين المُؤدِّبين لتلمِيذه وقَد رآه يُكثر السُّجود قال: هذا السُّجود يا ولَدِي فأينَ الاقتِراب؟!" أي أحرِص في السُّجود على القُرب، ومَعنى القُرب، ولا تَكتَفِي بصُورَة السُّجود؛ فإنَّ لكلِّ سَجدةٍ قُربٌ جَديد إلى الرَّحمن -جلَّ جَلاله- -قرَّبَنا الله وإيَّاكم إليه زُلفى وحَقَّقَنا بِحَقائق السُّجُود-.
قال: السجود على بعضِ جَبهَتِه، مَكشُوفا؛ فلا يَجوز سَتر الجَبهَة عِند السُّجود، بلْ يَجبُ أنْ يَكُون منْها مَكشُوف يَضُعُه على الأرضِ تَذَلُّلا لله -جل جلاله وتعالى في عُلاه-.
وعلى غيرِ مُتَّصِل بِه يتَحرَّك بِحَركَتِه؛ فأمّا إذا كَان على رِدَائه الذِي يَحمِلُه؛ وَضَع طَرفه أمامه وسجَد عليه فَلا يَصحُّ هذا السُّجود؛ لأنَّه سَجد على مُتحَرِّك يَتَحرَّكُ بِحَرَكتِه، فيجِبُ أنْ يَسجُد على الأرضِ أو شيءٍ عَليها لا يَتحَرَّكُ بِحَركَة المُصَلِّي فلا يُعدُّ مَنسُوبًا إليهِ ولا جُزءا مِنه، فأما يَسجُد على يَدهِ أو يَسجُد على رِدائِه الذي يَحمِلُه فَلا يَصحُّ ذلكَ السُّجود؛ بلْ يَجِبُ أنْ يَسجُد على شَيءٍ لا يتَحرَّكُ بحرَكَتِه، ولو كًانَ رِدَاؤه مَطرُوحا عنْهُ لا لابسًا له صَحَّ السُّجودُ عَليه، أمَّا مَادامَ لابِسًا له يَتحرَّكُ بحَركةِ ذلكَ المُصلِّي فلا يَصِحُّ السُّجود عليه.
قال: مَع التَّثَاقُل؛ لا وَضع خَفيف للجَبهة على الأرضِ أو على الشّيء الذي على الأرض، بلْ لابُد يتثَاقَل، يتثَاقَل بِحيْث لو كَان تَحتَه صُوفٌ لَانْدَكّ،؛ فيتثاقَل بِرأسِه، مَايَضعُه وَضع خَفيف يلمس الأرض كذا، بل يتثاقَلُ برأسِه على الأرضِ.
مَع التَّنكِيس؛ وهُو أنْ تَرتفِع عَجِيزَته وأسْفله على أعَالِيه، بِحيث لو وقَع ماء لَجَرى إلى رَقَبتِه، وامَّا مِن غَيرِ تنْكيْسٍ فَلا يَصحّ السُّجُود، وأن يقرب راسه كثيرًا مِن الرُّكبتين ويَسجُد هكذا فلا يتنَكَّس؛ بلْ يجب أنْ يَرفع عَجيْزتَه ويَتنَكَّس، بحَيث يَصير عَجيزتُه وأسْفلَه أعلى مِن راسِه، فيصِير مُنحَدر هكذا، لَو وُضع شَيء مائع سال إلى عند الرأس. يقول: مع التَّثاقُل والتَّنكِيس
السجود على بعض بطن يديه وأصابع رجليه وركبتيه
لقول النبي محمد ﷺ: "أُمِرت أن أسجدَ على سَبعة أعظم" الجَبهة، وباطن أصَابع اليدين -اثنتين-، وباطن أصَابع الرّجلين -اثنتين- فصار أربع، والرُّكبتين اثنتين صَارت ستة، والسّابع الجَبهة. وقال بعض أهل العِلم بوُجوبِ وَضْع الأنف، وقال أكثرهم سنَّة أن يضع أنفه على الأرض.
فينبغي للسّاجد من الصّلاة أن يَضَع رُكبَتيه أوَّلا ثمَّ يَديه ثم جَبهته وأنْفَه، وحِينئذ يكون مِن الواجِبِ عليه أن يعطفَ أصَابعَ رِجْليه حتّى يَسجد ببطون أصابع الرِّجلين، فإذا تركهم هكذا أو رَفع رِجليه لم يصح سجوده، بلْ يعطف أصابع الرجلين حتّى يكون باطن الأصابع سَاجد على الأرضِ، وكذلك باطن الرّاحة والأصابع، ولا يجب أن يكون مكشوف، السُّنة أن يكون مَكشُوف ولكن لو كان مَستور لم يضرّ ذلك، بخلافِ الجَبهة لابدّ أن يكون منها شيء مَكشُوف يَسجُد عليه، أمَّا أصَابع اليَدين والرِّجليين والرُّكبتين فلا يضر أن تكون مَستورات، وهذا السّجود على السبعة الأعظم.
قال: "ويسنُّ وضع أنْفه والتَّخوِيَة للرَّجُل والمُجافاة للرَّجل، التَّخويَة"؛ أنْ يُفرّق ويُفرِّج بين رُكبتيه ويُجافِي أيضا مِرفَقيه عن جَنبيه في الرُّكوعِ وفي السُّجود، فلا يضم بعضه إلى بعض.
إنَّما ذلك سُّنة للمرأةِ أنْ تَضُم بعضها إلى بعض، والرَّجل يُجافي؛ يُبعد مِرفَقيه عَن جنْبِه، ويُجافي أيضا بين ركبتيه ولا يلصِق إحداهما بالأخرى، وتَضم المرأة بعضها إلى بعض،
ويقول: سُبحان ربِّي الأعلى، كما ذكرنا في الرُّكوع "سبحانَ ربِّيَ العظيم" ففي السُّجود كذلك، في رواية بعد الثَّالثة وبحمده، في رواية بعد كل واحدة وبحَمدِه، وقلنا أنّ الثَّلاث أدنَى الكمال، وأقلُّ السُّنة في التَّسبيحِ واحدة، وأدْنى الكمال ثلاث، والأفضَل إحدى عشر مرَّة، وذكرنا أنَّه إذا كان في مثلِ التَّهجد والنَّفل فيُمكن أنْ يزيدَ على ذلك إلى أعدادٍ كثيرة كما جاء في رُكوعِ النَّبي ﷺ وسُجوده في تهجُّده؛ كان يُطيله حتَّى أنَّه قد يركع قريبا من القِيام، ويَسجدُ قريبا كذلك منَ الرُّكوع، وفي كل ذلك كانَ يُسبح صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
الركن الثامن الجُلوس بين السَّجدتين
ولا بدّ من الطمأنينة في هذه الأربع:
لا بدّ من الطمأنينة؛ أنْ يطمَئن بحيث يستقرّ كل عُضو محلّه بقدر "سُبحانَ الله"، لا يكون مُتحرِّك، وامَّا ركوعه وهو يتحرَّك بيديه ونحوها إلى أن يَرتفِع فلا يَصِح، بلْ يسكن كلّ عُضو في محَلِّه فيستقِرّ بمقدار "سبحان الله" فأكثر، هذا أقل الطُّمأنينة، فالطُّمأنينة واجِبة، وقيل: مِن أركانِ الصَّلاة، فمن قال من أركان الصلاة صَارت أربعة فوقَ الثلاثة عشر فصار سبعة عَشر، ومَن قال إنّها شرط -كما ذكر الشَّيخ هنا- فهي أركان الصّلاة، عدَّها ثلاثة عشر، والطُّمأنينَات عدَّها شرطٌ مِن شُروط الصَّلاة وليست بركن.
وقال: ولا بد من الطُّمأنينة في هذه الأربعة الأركان وهي: الرّكوع، والاعتدال، والسجود، والجلوس بين السّجدتين.
سُنَّ أن -يقول في الجلوس بين السجدتين-: (رب اغفر لي وارحمني ، واجبرني وارفعني ، وارزقني واهدني ، وعافني واعفُ عني) فأما السبع الدعوات فقد جاءت في الأحاديث مفرقة، رب اغفر لي وارحمني، واجبرني وارفعني، وارزقني واهدني وعافني، وقد ذكر بعضُ أهل العلم زيادة، "واعف عني"، كما ذكرها الإمام أبو إسحاق الشيرازي والإمام الغزاري وغيرهما -واعف عنّي-، فلابد أن يكون لها أصل في السنة -واعف عني-.
الدعاء بالعفو من أعظم ما يدعو به المؤمن، حتى كان جواب نبينا على السيدة عائشة، أرأيت إن رأيتُ ليلة القدر فبم أدعو؟ قال: قولي "اللهمَّ إنك عفوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي".
الركن التاسع: التشهد الأخير
"التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله"، الواجب منه "التحيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله"، وقد وردت عدة روايات، وأخذ كلٌ من الأئمة بشيء من الروايات، ومنها رواية "التحيات لله والصلوات والطيبات"، ومنها غير ذلك من الروايات الواردة عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
الركن العاشر: القعود فيه
في التشهد الأخير فلا يصح التشهد من سجود ولا من قيام بل لابد وهو قاعد.
الركن الحادي عشر: الصلاة على النبي ﷺ بعده
الركن الحادي عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، لأن الصحابة سألوا النبي لما نزلت الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، قالوا: قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال لهم قولوا: "اللهم صلِّ على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وازواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.." الى غير ذلك من الروايات التي جاءت في الصلاة المسماة بالإبراهيمية، وهي التي يذكر فيها الخليل إبراهيم على نبينا وعليه وعلى النبي شعيب وجميع الأنبياء أفضل الصلاة والسلام، فالصَّلاة على النبي:
من الأدعية المسنونة بعد التشهد الأخير
وبعد الصلاة على النبي يسن في التشهد الأخير أن يستعيذ بالله تعالى من عذاب القبر و فتنته، وكان سيدنا عبدالله بن عباس يرى أن الاستعاذة من عذاب القبر واجبة في الصلاة، ولما سأل بعض المصلين استعذت بالله من عذاب القبر في التشهد؟ قال: لا، قال: ارجع فصل واالمصليستعذ بالله من عذاب القبر. فينبغي أن لا يغفل عن ذلك في التشهد الأخير، يقول:
قالوا: وطريقة الجمع أن يأتي أحيانا "بكَثيرًا" وأحيانا "بكَبيرًا" وقيل يجمع بينهما معا ويقول: كثيرًا كبيرًا كما ذكر ذلك الإمام النووي في بعض كتبه، وبعضهم أحب أن يقول لا مرة بهذه ومرة بهذه والكل واسع.
وانظر إلى سيدنا أبو بكر طلب من النبي دعاء يعلمه إياه يدعو به في صلاته، هذا الصدِّيق من أفضل الصحابة، قال ﷺ: "قُل: اللَّهمَّ إنِّي ظلَمتُ نَفسي" علمه الانكسار، "اللَّهمَّ إنِّي ظلَمتُ نَفسي ظلمًا كثيرًا"، في رواية "كبيرًا"، "ولا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ فاغفِر لي مغفرةً من عندِكَ وتب علي"، فهكذا ربَّى الصدِّيق حبيب الرحمن ﷺ، حبيب الرحمن ربَّى سيدنا الصديق وعلمه الانكسار لله في الصلوات، وقل إني ظلمت نفسي، أبو بكر بغيت دعاء يقول له أتعلم قال: "قُل: اللَّهمَّ إنِّي ظلَمتُ نَفسي ظلمًا كثيرًا" - الله عن الصديق وصلى الله على معلمه الهادي لأقوم طريق ورزقنا الله الانكسار والتذلل بين يديه-.
قال سيدنا آدم وحواء لما ناداهم الله: (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) [الأعراف:22]، (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ) [طه:122].
الركن الثاني عشر: السلام
يقول الركن الثاني عشر: السلام فالخروج من الصلاة يكون بالتسليم لما ورد في الحديث "تحريمُها التَّكبيرُ وتَحليلُها التَّسليمُ"،
وأقله (السلام عليكم)، ولا يجوز سلامٌ عليكم لأنه لم يرد بخلاف التشهد يجوز "سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" بالتنكير من دون ألف ولام، ولكن في الخروج من الصلاة ما يصح إلا السلام عليكم، وأقله (السلام عليكم) مرة واحدة والأفضل أن يكون مرتين يلتفت في الأولى عن يمينه والثانية عن شماله في السلام.
والالتفات في السلام من دون أن يحرك رأسه ولا يرفعه ولا ينزله ولكن يحركه باللفتة عن اليمين، واللفتة تبدأ من عند قوله: "ورحمة الله"، فيبدأ ووجهه إلى القبلة؛ السلام عليكم ويلتفت عند قوله ورحمة الله، يقصد السلام على من على يمينه وأمامه من الملائكة و مؤمني الإنس والجن إلى آخر العالم.
وينوي الخُروج من الصلاة، وعند الثّانية ينوي السّلام على من على يساره ومن خلفه إلى آخر العالم من الملائكة ومؤمن الإنس والجن، يقول: "السلام عليكم ورحمة الله"، فيقول الله للمؤمن: تخرج من حضرتي بالسلام على عبادي، وما تنصرف من حضرتي وتروح تؤذي ذا ولا تضر ذا ولا تتكلم على ذا.. قول: "السلام عليكم" أنتم آمِنون من جهتي، ما أغش ولا أمكُر ولا أوذي وسلام من جهتي، والسلام أمان.
قال: ما تخرج من حضرتي وتروح تؤذي عبادي، فأول ما يخرج من الحضرة بالسلام على الخلق؛ السلام عليكم ورحمة الله، وجاء في رواية "وبركاته"، وقال بها الشافعية في صلاة الجنازة، قال: يزيد" ورحمة الله وبركاته"، "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" في صلاة الجنازة على اختلاف بين الشافعية، وجاء في رواية: كل الصلوات "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، والمشهور "السلام عليكم ورحمة الله" -حتى أنه يرد عليه جاره، نعم لا بأس بالرد ودخل في جملة المسلم عليهم، ولكن إن لم يرد فلا بأس عليه لأنه يكفي غيره من ملائكة الله ومن الإنس والجن الذين يردون-.
وقالوا: ويسن للإمام أن ينوي "بالسلام" السلام على المؤمنين أيضًا من على يمينه ومن على يساره ويُسن للمأموم إن كان عن يسار الإمام أن ينوي الرد على الإمام أثناء التسليمة الأولى، وإن كان عن يمين الإمام في التسليمة الثانية، وإن كان خلف الإمام يتخير والأولى أو الثانية، والأولى أو لا.. والأولى أولى.
سؤال: وهو مستقبلًا قبله؟ نعم وهو مستقبل القبلة بوجهه يقول السلام عليكم وهو مستقبل قبله عند نطق بالميم من عليكم عند الله يلتفت يرجع ثاني مرة يستقبل القبلة يقول: السلام عليكم ورحمة الله يلتفت عند قوله ورحمة الله.
يقول: وتسليمة ثانية، وسُنَّ زيادة (ورحمة الله) وتسليمة ثانية؛ "السلام عليكم رحمة الله" وأن يزيد التسليمة ثانية.
الركن الثالث عشر: الترتيب
كما ذكرناه، فلو خالف.. لم تصح.
ويُسنُ التشهد الأول في غير الصبح ، والقنوت فيه ، والتكبير للانتقالات ، ونظره موضع سجوده ، وقبض اليمين على كوع اليسار في قيامه ، وجلسة الاستراحة ، والافتراش في كل جلسة إلا للتشهد الأخير فيتورك، ووضع اليدين قريباً من الركبتين مبسوطة مضمومة، ويقبض في التشهدين ما سوى المسبحة من اليمنى ويضم الإبهام إليها ، وأن يصلي إلى شاخص أقله ثلثا ذراع لا يبعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع ، فإن لم يجد .. بسط مصلى، ويحرم المرور حينئذ بين يديه.
ويُسنّ الخشوع وحضور القلب وهو لبُّ الصلاة وسرها ، وأن يصلي أول الوقت وفي جماعة، والدعاء في آخرها وبعدها.
ويُكره فيها الالتفات ، والنظر إلى السماء أو إلى شيءٍ يلهيه ، ومع مضايقة الحدث، وتوقان الطعام.
ومن شكَّ في عدد الركعات .. أخذ بالأقل، أو في فعل ركن .. أتى به وسجد للسهو إلا أن يكون قولياً.
يقول الله عنه وعنكم: ويُسنُ التشهد الأول في غير الصبح، في الظهر في الركعة الثانية قبل القيام للركعة الثالثة، وكذلك في العصر، وكذلك في المغرب، وكذلك في العشاء.
فالتّشهد الأول سنة، فإن نسيه سجد للسهو والصلاة صحيحة، ولو تركه متعمدًا أيضًا صحت صلاته وفاته الثواب.
فالتّشهد الأول في غير الصبح والقنوت فيها؛ في الصبح عند الشافعية والمالكية، إلا أن القنوت عند المالكية قبل الركوع سِرّاً، والقنوت عند الشافعية بعد الركوع في الاعتدال جهرًا في صلاة الصبح طوال العام، أما في صلاة الوتر؛ فعند الشافعية يقنت في النصف الأخير من رمضان، وعند الحنابلة يقنت طول رمضان أو طول السنة في قنوت الوتر.
ويسًن التشّهد الأول في غير الصبح، أمّا الصبح فليس فيه إلا تشهد واحد، وهو فرض، والقنوت فيه أي الصبح.
والتكبير للانتقالات، إلا الانتقال من الركوع إلى الاعتدال، فلا يكبر، ولكن يقول: سمع الله لمن حمده؛ أي سماع قبول ورضى وإجابة، وإلا فهو يسمع كل شيء جل جلاله، لكن سمع لمن حمده، سماع قبول ورضى، وتقول: هكذا، وتحمده ليسمعك -جل جلاله- ويقبل منك.
التكبير للانتقالات من ركن فعلي إلى ركن آخر:
فيسن في كل ذلك التكبير، "الله أكبر، الله أكبر"، ويجهر بها الإمام.
ونظره موضع سجوده ولا يجاوز النظر موضع السجود، حتى لا تتفرق عليه خواطره، ويغفل في الصلاة، لا ينظر إلا إلى موضع السجود، ويحصر نظره في ذلك الموضع طول صلاته إلا في التشهد الأخير، عند قوله "إلا الله" فينظر إلى المُسّبحة؛ وهي سبابته.
ثم قبض اليمنى على كوع اليسّار في قيامه، عند كثير من أهل العلم، وبعضُهم عنده الإرسال؛ أن يرسِل يديه، والجمهور على أنه يقبض؛ يرفع ويضم، فيقبض الكوع اليسرى باليد اليمنى هكذا، أو هكذا، فيمسك كوع اليسرى باليمنى، فهذا القبض سنة عند أكثر العلماء يقبض بيده اليمنى على كوع اليد اليسرى في قيامه.
وتُسَنُ جلسة الاستراحة وهي عند القيام من الركعة الأولى إلى الثانية، ومن الثالثة إلى الرابعة، وذلك عندما يرتفع من السّجود يجلس قليلا بمقدار "سبحان الله"، ويواصل قيامه ويواصل ارتفاعه إلى القيام، هذه جلسة الاستراحة في كل ركعة يقوم عنها، اي من ركعة الاولى الى الثانية، أو من الثالثة إلى الرابعة، أما القيام من الثانية بعد التشهد، فما هناك جلسة استراحة.
والافتراش في كل جلسة إلا للتشهد الأخير فيتورّك؛
هذا معتمد الشافعية، في جلسات الصلاة، جلسات المؤمن في الصلاة ما بين أمرين؛ افتراش وتورك:
هذا التورك أخذ به المالكية في جميع الصلاة. كما أخذ الحنفية بالافتراش في جميع الصلاة، وقال الشافعية والحنابلة: بعض جلسات الصلاة يفترش وبعضها يتورك.
قال الشافعية: يفترش في جميع جلسات الصّلاة إلا الجلسة الاخيرة، التي يعقبها السلام، فكل جلسة يعقبها حركة إما سّجود أو قيام فيفترُش فيها، وكل جلسة يعقبها السّلام يتورك فيها، فعلِمنا معنى التورك ومعنى الافتراش، الافتراش؛ ينصب رجله اليمنى هكذا، ويبسط رجله اليسرى فيَجلس على باطن رجله اليسرى. يفترشها ويجلس عليها هذا الافتراش.
أما التّورك؛ ينصب أيضًا الرجل اليمنى، ولكن يخرج اليسرى من تحت اليمنى، ويلصق وركه بالأرض، فهذا هو التورك.
قال: ووضع اليدين قريباً من الرُّكبتين مبسوطة مضمومة، فيضع اليدين قريب من الركبتين، رؤوس الأصابع قريب من الركبتين، مبسوطة مضمومة في أثناء الجلوس بين السّجدتين، والجلوس للتشهد كذلك.
ويقبضُ في التشهدين -الأول والأخير الأصابع- ما سوى المُسبّحة من اليمنى فيرسلها ويضم الإبهام إليها إما بجانبها أو تحتها، يبسطُ المُسبّحة والإبهام يضمه إليها إما بجانبها أو تحتها، نعم.
قال ويقبض في التشهدين ما سوى المسبحة من اليمنى ويضم الإبهام إليها، ويتبقى كذلك إلى عند قول "إلا الله" فيرفعها، واختلف الأئمة هل يحرك أصبعه في الصلاة أم لا؟ واعتمد المالكية تحريك الإصبع وقال يرفعها بلا تحريك عند قول: "إلا الله" أشهد أن لا إله إلا الله فيرفعها وينظر إليها حتى يقوم في التشهد الأول وحتى يسلم في التشهد الثاني.
قال: وأن يصلي إلى شاخص يعني إذا كان يصلي إمام، أو منفرد وحده، في فرض أو نفل، فينبغي أن يكون أمامه شيء بينه وبين القبلة ساتر، وقد كان ﷺ يصلي في مسجده الشريف أمام الجدار، وكان في أسفاره يخرجون بالعنَزة فيركزونَها له إذا أراد أن يصلي في بقعة فيصلي إليها، وإذًا المصلي ينبغي أن يصلي إلى شاخص أمامه، والشاخص أقل شيء مرتفع من الأرض أكثر من ثلثي ذراع، وبينه وبين قدمه أقله ثلثا ذراع لا يبعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع فهذا هو الشاخص إن تأتى جداره واسطوانه فهو أولى.
فإن لم يجد .. بسط مصلى وإلا يضع أمامه شيء أو يخط خطًا فيكون هذا حريمًا للمصلي، لا يجوز المرور بينه وبينه وهو يصلي، فأما إن صلى في محل مكشوف، أو عند مدخل الناس عند الباب، فيجوز للناس يمرون، ولا يحق له أن يمنع المارة من بين يديه؛ لأنه لا شاخص له، إنما له حق الحريم، إلى ما بين موضع سجوده وقيامه فهذا يحترم، وليس له أن يرد المارة، إلا إذا صلى إلى شاخص.
قال: ويحرم المرور بين يديه لأنه قال ﷺ: "لو يعلمُ المارَ بين يدَي المُصلِّي والمصلَّي ما عليهما في ذلك لكان أنْ يقفَ أربعينَ سنةٍ خيرًا له من أن يمرَ بين يدَيه".
ويسن الخشوع وحضور القلب
حضور القلب؛ وهو من شروط الخشوع، فلا يصح الخشوع إلا بحضور القلب، فالخُشوع ينتظم:
فإذا اجتمعت فأنت خاشع:
فإذا وجدت السّت المعاني، فقد صح الخشوع، حضور القلب، وتدبر المعاني، والتعظيم، والهيبة، والرجاء، والحياء، فبهذه الستة المعاني يتم الخشوع، (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المومنون:1-2].
قال سيدنا عبد الله بن مسعود "أن الخشوع أول علم ينزع من هذه الأمة حتى لا تكاد تجد خاشعا" سماه علم، وقال: أول ما ينزع من الأمة.
كان الخشوع يغلب على المؤمنين في صلواتهم وخارج صلواتهم، في مساجدهم في ديارهم في الشوارع في الطرقات وفي الأسواق الخشوع موجود، حتى قال الحسن البصري –رحمه الله-: "لو أدركتموهم لقلتُم مجانين ولو رأوا خياركم لقالوا ما لهؤلاء من خلاق، ولو رأوا شراركم لقالوا ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب" لا إله إلا الله. قال: لو رأوا الخيار فيكم قالوا: ما لهم حظ في الآخرة، هكذا يقول الحسن البصري عليه رحمة الله تعالى، ف الله عن أصحاب المصطفى ﷺ وعلى أصحابه وسلم.
لب الصلاة وسرها الخشوع
يسن الخشوع وحضور القلب؛ وهو لب الصلاة وسرها حتى قال الإمام الغزالي" أن الذي يصلي ويقدم صلاة لله بلا خشوع مثل الذي يتقرب إلى ملكه، يهدي إليه جارية ميتة بلا روح، أو صندوق فارغ، قدم له صندوق لا وسطه شيء فارغ، هدية للملك، هذا جدير بالعقوبة، قال: وهكذا الذي يصلي يقدم صلاة ميتة بلا روح، مثل الذي يهدي جارية ميتة، أو صندوق فارغ، -رزقنا الله الحضور والخشوع له-.
وله هذه الست المعاني بدايات الخشوع، وله بعد ذلك مراتب في وسطه ونهايته، يغيب بها المصلي عن كل ما سوى الله -جل جلاله-.
حتى سقطت اسطوانات من مسجد كان يصلي فيه مسلم بن يسار ما شعر بها جاءوا الناس من السوق، واهتزوا، وسلموا، الحمد لله لم يوقع على شيء وهذا يصلي مسلم قال ماذا مع الناس؟ كان الناس مجتمعين في المسجد، قال: له فين كنت؟ قال في المسجد، فين في المسجد؟ الناس جاءوا من السوق لما سقطت الاسطوانات، ما حسيت بها؟ قال كنت أصلي، ما حسيت بها، ما درى ولا حس بسقوط الاسطوانات حق المسجد، ولا مجيء الناس ولا هرجهم ولا ما شعر بشيء.
وهكذا كان سيدنا علي زين العابدين ابن سيدنا الحسين يصلي في بيته احترق الجانب من البيت، وجاءوا يصيحون عليه، وهو ساجد، ما تحرك، يا ابن بنت رسول الله يا علي يا ابن الحسين!! وهو ساجد، وأخذوا يعملون على إطفاء الحريق، حتى ارتفع من السجود، وسلم قال: ما بال الناس ما هذا؟ قال ما هذا؟ النار تشتعل، قالوا: النار تشتعل، ونحن نصيح عليك، قال: ما أحسست بها؟ قال لا !! فين كنت؟ قال: ألهتني عنها النار الكبرى، ما عاد أحسست بهذه النار، النار الكبرى؛ بعضهم فسّرها بالنار هذه في الآخرة، وهي نار كبرى صحيح.
لكن أكبر منها نار المحبة إلتي فيه قلوب العارفين، هذا مافي فوقها، هذه النار تحرق كل شيء أشد، تخاف منها نار الأخرة، حتى قالوا: سألوا بعض العارفين لو أراد الله أن يعذب ناره التي خلقها في الآخرة فبما يعذبها؟ قال: يعذبها بنار محبته التي أوجدها في قلوب العارفين، وشهد ذلك فيما يروى أن المؤمن إذا أراد المرور على الصراط، صاحت النار، قالت: جُز يا مؤمن فقد حرقني نورك!! قالوا لأن نور المؤمن ونور المحبة من الرحمة، والنار من الغضب، والحق يقول: "رحمتي علت غضبي و سبقت غضبي فهي أعلى"، لا إله إلا الله. ألهتني عنها النار الكبرى، يقول علي بن الحسين الله عنه، جزوا له رجله أيضا، جزوا له رجله بالزي وهو يصلي ما يشعر بذلك.
وهكذا أرباب الخشوع كذلك سيدنا عروة بن مسعود أرادوا قطع رجله، قالوا: نعطيك شيء يغيب حسك، قال: لا لا ما اتعاطى ما يغيب حسي عن التفكير في عظمة ربي! فقال: نقطعها بتتعب، قال: إذا كنت في الصلاة فأمد رجلي فقطعها، فإني لا أحس بشيء في الصلاة، فمد رجله قطعوها وضَمدوها، وهو ما يحس لما سلم قال: قطعتم؟ قالوا: خلاص قطعنا وضمدنا! وهكذا.
كان من أواخر هؤلاء الأكابر الحبيب محمد بن أحمد المحضار، كان في اندونيسيا هو جد المنصب هذا، عم جده الحبيب مصطفى بن أحمد، أخوه الحبيب محمد بن أحمد المحضار، كان في جاوى، وقالوا أيضًا.. احتجنا عملية في الرأس خطيرة وقالوا: لابد نعطيك بنج قال: لا مافي بنج قالوا: كيف مافي بنج هذا ألم شديد !! قالوا: إن كان مافي بنج قالوا: إسمع أدنى حركة منك تعرض العملية للفشل، ربما تموت قال: ماذا تريدون؟ تريدون ما أتحرك؟ قال: أعطوني المسبحة، وأخذ يقول: الله...، قال: إذا استغرقت في ذكر الله صلحوا العملية حقكم، وأخذ المسبحة وقال: يسّبح لما حسوا إنه استغرق، قاموا بالعملية ولا تحرك حركة، ولا حس بشي، اذا كملوا وضمّدوا نادوه الأطباء يقول: نعم حبيب خلاص يكفي يكفي!! قال: قد كملتوا قالوا: خلاص قد كملنا، ونجحت العملية، ما بدت منه حركة، وهو مستغرق بذكر الله الله الله، ولا حس بهم ولا تحرك حتى كملوا العملية في الرأس وردوا وكملوا بعد ما عدلوا وهو غير شاعر ما عدلوا يُنبهونه بس بس يكفي خلاص قم قم قد كملنا العملية، قد كملنا وخلاص، أمشي نفسك، أحسن من البنج قالوا: لا إله إلا الله.
أحد شيوخنا يخاطب بشيخنا الآخر يقول:
يا أهل القلوب الحاضرة مع الله *** مستغرقة بذاكرة لِآلاه
في جنة العرفان و المصافة *** عسى عسى جاء الفرج من الله
الله يجيب الفرج، يعجل لنا وللأمة بالفرج. ببركة الخاضعين والخاشعين.
يقول: وأن يصلي أول الوقت وفي جماعة، وهذه من أفضل الأعمال، حتى قالوا: ورد أن من حافظ على الجماعة في "الصلوات الخمس في جماعة، فقد ملأ البر والبحر" يضاعف الله أجره بملء البر والبحر كامل، وقال: قالَ: "عبدُ اللهِ ابن مسعود: لقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إلَّا مُنَافِقٌ قدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ".
والدعاء في آخرها؛ في التشهد قبل السلام، وبعدها؛ بعد الخروج منها، فهو من مواطن الإجابة.
ويكره فيها الالتفات، فالالتِفات سرقة يسرقها الشيطان، يختلسُها من صلاة ابن آدم، قالوا: هذا الالتفات بالوجه، مكروه في الصلاة، وأما الالتفات بالصدر عن القبلة مبطل للصلاة، أما الالتفات بالقلب فمُفوت لثوَاب الصلاة.
يُكره فيها الالتفات، والنظر إلى السماء أو إلى شيءٍ يلهيه ، ومع مضايقة الحدث، بل يقضي حاجته اولًا ثم يتوضأ ويصلي.
وتوقان الطعام، إذا كان الطعام قد حضر، وهو تائق إليه، فينبغي أن يقدم الطعام لقوله ﷺ: "إِذَا أُقِيمَت الصَّلاَة، وحَضَرَ العَشَاء، فَابْدَءُوا بِالعَشَاء" حتى يكون أعون له على الحضور في الصلاة.
قال: ومن شكَّ في عدد الركعات .. أخذ بالأقل ويزيد، ويسن أن يسجد للسهو، أو في فعل ركن .. أتى به لأن الأصل العدم، وسجد للسهو إلا أن يكون الركن قوليًا فيأتي به ولا يسجد للسهو، وإن كان فعليًا شك فيه فيأتي به ويسجد للسهو، أو شك في عدد الركعات، صلى ثلاثًا أو أربعًا فليزد، ويسجد للسهو، فإن تكن هي الرابعة، فهي هي، وإن تكن الخامسة، كانت ارغامًا للشيطان.-رزقنا الله الحضور في صلواتنا، وذوق حقائق الصلاة-.
اللهم لا تحرمنا خير الصلاة ونور الصلاة وبركة الصلاة وذوق الصلاة وحلاوة الصلاة، ولذة المناجاة يا أرحم الراحمين، زدنا من نوالك ما أنت أهله، واقبلنا وزائرين أجمعين للنبي شعيب في هذا اليوم، واجعل اللهم من قبولنا في الزيارة لطفك بأهل غزة، وأهل فلسطين والأمة المحمدية، لطفًا نسمع به ما تقر به أعين خيار البرية، وادفع عَنا الأذية، ورد كيد الفجار والكفار في نحورهم، وبلغنا آمالنا وفوق آمالنا، من خيرات الدنيا والاخرة، ياارحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمّد اللهم صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
سؤال : مع شدة الزحمة في مسجد، سجد على ظهر آخر. هل سجوده صحيح؟
هذا مع شدة الزحمة فسجد على ظهر غيره، إذا كان مع التنكيس كفى، لأن جسد الآخر لا يتحرك بحركته ومستقل عنه
12 جمادى الأول 1445