(536)
(206)
(568)
أما ما كان من المصالح العامة الواضحة لجميع الأمة، فليس الأمرُ منوطاً بأصحاب المذاهب والطرق وحدهم، ولكن جميع المؤمنين يجب أن يكون ذلك همهم ومقصودهم.
فأما مهمة المذاهب في الأمة كمثل مذاهب أهل السنة التي اشتهرت بالمذاهب الأربعة، وحكمة وجود أيضا الطرق من أجل تزكية النفس وتطهيرها مِن دنيء الأخلاق، فالمقصود منها: حسن العمل بفقه الظاهر وفقه الباطن، فقه الأحكام وفقه صفات القلوب..
فتخدم المذاهبُ عندنا فقهَ الظاهر مِن أحكام الإسلام، وتخدم الطرقُ فقهَ الباطن مِن صفات القلوب وتنقيتها، فهذا هو المقصود من وجود الطرق والمذاهب، فمهما تعددت فهي في الحقيقة واحدة لاتحاد المقصد واتحاد المراد واتحاد المصدر الذي تأخذ منه.
وما تقوم به هذه المذاهب من بيان أحكام الإسلام والفقه في الدين، وما تقوم به الطرق من التزكية والتحلِّي بالصفات المحمودة مِن جملة قضايا الإسلام العظيمة التي يجب الاهتمام بها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقه في الدين" وكما جاء في الصحيحين، وجاء في رواية الطبراني: "... ويلهمه رشده"
وقال تبارك وتعالى عن النفس ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) ..
وأعمال الشريعة والتزكية هي المقصود من القيام بحكم الله في الأرض قال تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ....) فهذه الأعمال هي المقصود من قيام الخلافة عن الله في الأرض.
ثم إنَّ مِن قضايا الحياة ما يمكن ويسع الخلاف فيه من حيث النظر، سواء في جانب التزكية فقه الباطن أو في جانب الأحكام الظاهرة.
ومنها ما لا يسع الخلاف ولا يقبل الخلاف أصلا..
فما كان مُجمعًا عليه أو كان قائما بنصٍّ قطعي الثبوت قطعي الدلالة هذا لا يسع الخلاف فيه ويجب أن تُجمِع عليه الأمة، وما عدا ذلك فللنَّظر فيه مجاله، لكن بشرط أن لا يُعادي بعضُهم بعضاً، ولا يحقد بعضُهم على بعضهم، ولا يفرِّقوا قُوَّتَهم وشملَهم..
والشيطان وقد أيِس أن يُعبَد مِن دون الله بالنسبة للمصلين، لا يطمع في شيء مثل التحريش بينهم فإن قواهم تتفتَّت وقوتهم تضعف ويتسلط عليهم عدوهم عند التفرق.
فالواجب على المسلمين عامة، وعلى أهل فقه الظاهر وفقه الباطن، وعلى ولاة المسلمين أن يحرصوا على جمعِ شملِ المسلمين ووحدتهم وتآلف قلوبهم، وكلٌّ يبذل وسعَه في ذلك.. فهو من أعظم المقربات إلى الله. وبالله التوفيق.
27 جمادى الأول 1438