كشف الغمة- 308- كتاب الزكاة (16) فروع في إعطاء الزكاة

كشف الغمة
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كشف الغمة - 308- كتاب الزكاة (16) فروع في إعطاء الزكاة

صباح الأحد 20 ذو القعدة 1446هـ 

 

نص الدرس مكتوب: 

"فرع: وكان ﷺ يأمرهم بإعطاء الزكاة لكل من ظنوا فيه الفاقة ولو كان باطن الأمر بخلافه ويقول: "هي مقبولة بكل حال فإن وقعت في يد سارق فلعله يستعف عن سرقته أو في يد زانية فلعلها تستعف به عن زناها أو في يد غني فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله عز وجل". 

 

وكان ﷺ يرخص في إجزاء دفع الزكاة إلى ولد المزكي ونحوه إذا كان الوكيل في الدفع جاهلاً به ويقول ﷺ للمزكي: "لك ما نويت وللآخذ لك ما أخذت"، وقضى بذلك الخلفاء بعده وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: سئل عمر -رضي الله عنه- عمن وكل في دفع زكاته إلى الفقراء والمساكين فأعطى الوكيل منها ولد المزكي لظنه فقره ومسكنته فرخص عمر في ذلك ولم يأمر الوكيل باستعادته من الولد ودفعه إلى مستحقه".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفوته خير الورى، سيدنا محمد صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان وبمجراهمْ جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من رقوا في الفضل والمجد أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

يواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر ما يتعلّق بشؤون الزكاة وإخراجها، وتصريفها وإعطائها لمستحقيها وأهلها.

 

قال: "فرع: وكان ﷺ يأمرهم بإعطاء الزكاة لكل من ظنوا فيه الفاقة"  أي: الفقر أو الحاجة، ولو كان باطن الأمر بخلافه ويقول: "هي مقبولة بكل حال فإن وقعت في يد سارق فلعله يستعف عن سرقته أو في يد زانية فلعلها تستعف به عن زناها أو في يد غني فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله عز وجل". 

وإنما ورد ذلك في صدقة بعض بني إسرائيل، وذلك أن بعض الأخيار منهم أراد صدقةً من صدقات السر بينه وبين الله، لا يطّلع عليها أحد، فاجتهد وجمع مالًا، وضعه في كيس فيه دراهم وخرج في الليل، في ظلمة الليل، ورأى سواد إنسان فألقاه إليه، وأصبح الناس يتحدّثون في المدينة: لقد تُصدِّق البارحة على سارق، قال: واحد سارق كان يسري في الليل بيسرق، فسمع الخبر على من هو حقه هذه الصدقة، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، لعلّني غير مصادق، غير مخلص النية فوقعت في يد سارق، فذهب يجتهد حتى جمع مالًا آخر، وخرج به في ظلمة الليل فرأى سواد شخص فرماه إليه، فأصبح الناس يتحدثون في البلد: تُصدق البارحة على غني، واحد من التجار الكبار وقعت عنده الصدقة، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، على سارق وعلى غني، هذا دليل أني غير مخلص وغير صادق، فأخذ يستغفر ويتوب ويتضرع لله، وجمع صدقة ثالثة، حتى اجتمعت له، فخرج في سواد الليل ورأى شخص فرماها، فأصبح الناس يتحدثون في القرية: أن تُصدّق البارحة على زانية يعني: بغيّ، وقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى غني وعلى زانية تذهب صدقتي هكذا، فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان، أن قل لفلان ابن فلان أن الله قد قبل صدقتك، أما السارق فلعلّه يستعف، ولك ثواب الصدقة وثواب العفة حقه، جنّبت المجتمع كذا كذا سرقة بسببك، فبهذا الثواب ما عاده ثواب صدقة فقط، ثواب فوق أعظم من صدقات كثيرة. قال: وأما الغنيّ فلعلّه يتذكّر فكان شحيح بخيل فيتصدّق، ولك كل ما يتصدق به لك مثل ثوابه؛ لأنك أنت السبب اللي حركت فيه هذا باعث الصدقة، وأما الزّانية فلعلّها تستعف ولك ثواب توبتها، وجنّبت المجتمع مصائب وبلايا كبيرة، فبسبب صدقه وإخلاصه مع الله جعلها الله في مواطن ينضاف إليه فوق ثواب الصدقة أعمال أخرى، هذا أمر. 

أما ما يتعلّق بشأن الزكاة على وجه الخصوص، فلا يجوز أن يعطي الباذل للزكاة إلا من عرف فقره، أو كان مستورا عنه وادّعى أنه فقير وليس يملك شيء، فحينئذٍ تكون عليه مسؤوليته، ويعطيهم من الزكاة.

فأما من عُرِف كذبه، فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة شيء، وإنما من غير الزكاة نعم، أما من الزكاة فإنما هي للأصناف الذين ذكرهم الله في كتابه ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [التوبة: 60] من وُجد منهم من هذه الأصناف، وهكذا.

قالوا: فإذا أدعى أن له عيال وطلب من الزكاة لأجلهم:

فيقول الشافعي والحنابلة: العيال يكون معروف في المجتمع، يقوم عليهم بينة يكون معروفة وتقوم عليهم بينة، أو كان معروفا باليسار ولكن ادّعى أن ماله تلف، فهذا أيضا يحتاج إلى البينة، وهم إثنان وفي قول عبد الحنابلة: ثلاثة، وأخذوه من قوله ﷺ: "يا قبيصة إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة: ذكر منهم رجل أصابته فاقة حتى يقوم له ثلاثة من ذوي الحِجا من قومه، يقولون: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلّت له المسألة، حتى يصيب قواما من عيش، أو قال سدادًا من عيش" في صحيح مسلم هكذا جاء. فكان قول عند الحنابلة: أنه لابد من ثلاثة، والقول الثاني: كما هو الجمهور: إن البينة عبارة عن اثنين، هذا في من يطلب الزكاة بدعوى أنه تلف ماله وفسد، وكان معروفا باليسار وهكذا.

فدافع الزكاة إذا علم استحقاقا في الزكاة لأي أحد، جاز له يعمل بعلمه، ويدفعها له، ومن لا يعلم وادعى أنه من المؤلفة، أو أنه أسلم قريب وما إلى ذلك، فيُعطى أيضًا بقوله، وإن ادعى الفقر، أو المسكنة، أو أنه غير كسوب، فكذلك يُعطى بقوله، فإن ادعى عيال أو تلف مال هذا يحتاج إلى بينة؛ لأن هذا مما يستفيض خبره، وينتشر ويُعرف في المجتمع الذي يعيش فيه، وهكذا.

 

ولو بالاستفاضة أيضًا تكفي الاستفاضة بين الناس، أو إخبار من وقع في القلب صدقه، أنّ هذا عليه دين كذا، وهذا عليه دين كذا، فيجوز أن يُعطى من الزكاة، وإنّما إعطاؤها لأجل الأغراض لا، كيف لأجل الأغراض؟ 

يعطيها لصاحب نفوذ أو صاحب وظيفة؛ لأنه عندهم معاملات يسهل وظيفتهم، فذلك لا يجوز أن يُعطى شيء من الزكاة من أجل ذلك، إلا بالاستحقاق من أحد الأصناف الثمانية المذكورين في الآية الكريمة.

 

والآخذ كذلك لا يجوز له أن يأخذ شيء من الزكاة، وهو يعلم أنها زكاة إذا لم يكن من أهلها، فدافع الزكاة يجتهد في تعرف مستحقي الزكاة، ويصرفها بحسب ما يهديه إليه اجتهاده.

فإذا دفع لمن غلب على ظنه أنه من أهل الزكاة، ثمّ تبيّن أنه ليس من أهلها، فعند الفقهاء في ذلك اجتهادات.

  • فأبو حنيفة يقول: إذا دفع من الزكاة إلى من يظنه فقير، ما بان أنه غني، أو بان أنه هاشمي أو مطلبي، أو بان أنه من غير المسلمين، أو بان أنه ولده وما إلى ذلك، يقول أبو حنيفة: لا إعادة عليه لما جاء في الخبر يقول: أن يزيد أخرج دنانير يتصدّق بها، راح عند رجل في المسجد، قال: فجاء ولده معن  محتاج كان، قال: فأخذتها، قال: والله ما إياك أردت أنا أردت أتصدّق على أحد، قال: فخاصمته إلى رسول الله ﷺ، فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن، أنت لك ثواب الصدقة كاملة، وأنت لك الصدقة لأنه كان مستحق، وهكذا الحديث في البخاري "يقول: لك ما تصدقت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن" وكأنه أن تكون صدقة تطوع، أو كانت زكاة والولد أيضا مستحق ومحتاج، وليس له كسب، وقد بلغ فما عاد تلزمه نفقته عمّن تلزمه نفقته، فلا يجوز أن يعطيه شيئا من زكاته، لأنه نفقته واجبة عليه، ولكن الولد إذا بلغ وهو قادر على الكسب، ولكن لم يجد كسبا، فحينئذٍ لا تلزم الوالد نفقته فيجوز أن يأخذ من صدقة أبيه وهكذا.

  • ويقول أيضا المالكية: أن هناك حالان:

    • أن يكون الدافع الإمام، أو المقدم، أو القاضي، أو الوصيّ، قال: فيجب استردادها، وإن تعذّر أجزأت.

    • والثانية: أن يكون الدافع رب المال هو نفسه يقسمها، قال: فلا تجزئه، فإن استردّها وأعطاها في وجهها؛ وإلا فعليه الاخراج مرة أخرى.

  • والشافعية يقولون: يجب الاسترداد إذا علم أنه ليس من أهل الزكاة، وعلى الآخذ الردّ إذا لم يكن من أهل الزكاة، وإن لم يعلمه في البداية أنها زكاة.

  • وكذلك الحنابلة يقولون: إذا كان الآخذ مملوك، أو كافر، أو هاشمي، أو من قرابة المتصدق المُعطي، فلا تجزأ الزكاة عن دافعها، لأنه ليس بمستحق. والحال مثل هذا الحال ما يخفى غالبا فعليه أن يستردّ أو يدفع زكاة أخرى من عنده.

قالوا: أما إن ظنّه فقير فبان غني، فإن ذلك يجزئه، وجاؤوا أيضًا بحديث معن، وهكذا؛ الحديث الذي أشرنا إليه في بني إسرائيل مروي في الصحيحين.

 

"وكان ﷺ يرخص في إجزاء دفع الزكاة إلى ولد المزكي ونحوه إذا كان الوكيل في الدفع جاهلاً به ويقول ﷺ للمزكي: "لك ما نويت وللآخذ لك ما أخذت"،  ﷺ يُرخص في إجزاء دفع الزكاة إلى ولد المزكّي ونحوه، إذا كان الوكيل في الدفع جاهلاً به، يقول: "لك ما تصدقت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن" يشير إلى هذه القصة التي ذكرناها عن يزيد وابنه معن، وقضى في ذلك قوله.

 

"وقضى بذلك الخلفاء بعده وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: سئل عمر -رضي الله عنه- عمن وُكِّلَ في دفع زكاته إلى الفقراء والمساكين فأعطى الوكيل منها ولد المزكي لظنه فقره ومسكنته فرخص عمر في ذلك ولم يأمر الوكيل باستعادته من الولد ودفعه إلى مستحقه، من غير شك أن الولد إذا كان قد بلغ فعند الشافعية أنه تسقط نفقته على الوالد، ويكون ما ينفقه عليه متبرعاً له به، فإذا وقعت الزكاة في يديه وقد سقطت نفقته عليه، صحّ أن يأخذها ذلك الولد.

 

رزقنا الله الاستقامة على منهاج عبده المصطفى محمّد، والفقه في الدين، وأداء الواجبات من الصلوات والزكوات والصيام، وجميع ما فرض علينا على الوجه المرضِي له، وكتب لنا القبول في كل ذلك، سالكين أشرف المسالك، محفوفين بالعناية الربانية من ملك الممالك، ويدفع عنّا جميع الآفات والعاهات والشرور والمهالك، وينظمنا في سلك أهل الرضى ممّن صدق مع الحق تعالى في كل إحجام وإمضاء، وتولاه الحق بما هو أهله، فدفع عنه جميع الشرور من حيث أحاط بها علمه، في الشأن كله، وفرج كروبنا والمسلمين، ورقّانا أعلى مراتب علم اليقين، وعين اليقين وحق اليقين، وكفانا الشرور وكل محذور وشرح لنا الصدور، وربطنا بحبيبه محمد بدر البدور ربطًا لا ينحل أبدا في الدنيا والبرزخ ويوم النشور، ودار الكرامة والنظر إلى وجه العزيز الغفور.

 

 

  بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ

إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ 

الْفَاتِحَة

تاريخ النشر الهجري

21 ذو القِعدة 1446

تاريخ النشر الميلادي

19 مايو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام